أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2021
1951
التاريخ: 25-8-2018
1917
التاريخ: 10-6-2022
1847
التاريخ: 9-2-2022
1248
|
الآثار الاجتماعية لظاهرة الفقر
يقترن الفقر بمظاهر الألم والعجز والحرمان والبؤس والتفكك العائلي Family disorganization، كما تظهر آثاره الخطيرة من . خلال شمولية انعكاساته على المجتمع ككل، فضلاً عن ارتباطاته بالعديد من المتغيرات بحيث يشكل متاهة يصعب التخلص منها(*)، إذ غالباً ما ترافق الفقر مظاهر البطالة، وعمالة الأطفال، والسكن العشوائي، وتفشي الأمراض، وسوء العلاقات الزوجية، وارتفاع حوادث الطلاق في المجتمع، وانخفاض المستوى العلمي والثقافي، فلا يبقى للفرد الوقت الكافي للتعلم واكتساب المعارف، أي أن المشاكل الناجمة عن الفقر ترتبط بشكل تراكمي معقد، وهذه المشاكل تسهم في بروز سلسلة من المشاكل الفرعية يصعب القضاء عليها. ومن الطبيعي أن هذه النتائج تنعكس على المجتمع، وأن المجتمع بأكمله يشعر بآثار الفقر غير المباشرة ويعاني من تهديداته، إذ لا تنحصر آثاره على طبقة معينة أو حي سكني بعينه، بل تظهر انعكاساته الخطيرة على جميع المستويات. ويمكن إجمال الآثار الاجتماعية للفقر بالنقاط الآتية:
1- يهيئ الفقر الأرضية لوجود انحرافات كبيرة على المستوى السلوكي والأخلاقي للأشخاص، إذ أن الفقير غير المتعفف يجيز لنفسه كل الأمور التي تمكنه من الحصول على لقمة العيش. وتنتشر في أحياء الفقراء مظاهر السلوك المنحرف كتعاطي الكحول والمخدرات. وتشكل مساكن الفقراء بيئة لاندلاع الحرائق وانتشار المشاجرات الأسرية بسبب التزاحم الشديد والحيز الضيق للوحدة السكنية والاستعمالات المتعددة فيها. وعلى الرغم من أن الاتجاهات الرائجة والمتعارفة تتصور أن الفقر أهم عامل في السلوك الإجرامي وتتجه الإحصاءات والاستبيانات إلى تأكيد هذا الرأي، إلا أن الدراسات والندوات والمؤتمرات المتخصصة في هذا المجال أكدت على عدم وجود ارتباط حقيقي بين الفقر والجريمة، فليس كل الفقراء مجرمين كما أن ليس كل المجرمين فقراء(1). إلا أن الفقر، بما يحمله من أبعاد ومتغيرات اقتصادية واجتماعية ونفسية، يعد من العوامل التي تسهم في توفير الأرضية الملائمة والمشجعة لظهور السلوك الإجرامي، وقد بينت بعض الدراسات أن نظريات الدافعية ترى وجود علاقة إيجابية بين الفقر وجرائم التعدي على الممتلكات.
2- ارتفاع معدلات الخصوبة بين الفقراء، وبالتالي ظهور طفولة قلقة تعاني الحرمان والازدواجية، وتشكل مشاريع مستقبلية للجريمة والانحراف والأمراض النفسية(**).
3- إن من الأسباب المهمة لتفشي ظاهرة الفقر عدم تكافؤ فرص التعليم التي تتاح للأغنياء ويحرم منها الفقراء الذين تزداد حالهم سوءاً، ويقترن الفقر بانخفاض مستوى التعليم وارتفاع معدلات التسرب من المدارس، مما يؤدي إلى انتشار الأمية بين الأطفال. وتدل المؤشرات على أن نسبة عدم التحاق الإناث بالتعليم أكبر من الذكور.
4- ينعكس الواقع الاجتماعي لأحياء الفقراء على أسعار المساكن فيها، فتنخفض أسعارها بشكل كبير وتشكل مناطق طرد للطبقات التي تتخلص من وطأة الفقر، فيحاولون الانتقال والسكن في مناطق أخرى. وغالباً ما تظهر مشاكل القمامة والنفايات ومخلفات مواد البناء وطفح المجاري ومشاكل الصرف الصحي في الأحياء الفقيرة، بسبب انعدام الوعي البيئي وعدم شمول أحياء الفقراء بالخدمات البلدية، بسبب عدم شرعية بعض تلك الأحياء وتجاوزها على أملاك الدولة.
5- تشير الدراسات المتعلقة بظاهرة الفقر إلى أن الفقراء يعيشون في أسر أكبر حجماً، وترتفع بينهم نسبة الإعالة بسبب ارتفاع مستويات الخصوبة، كما تتعرض المنظومة الاجتماعية بين الفقراء إلى هزات عنيفة نتيجة الضغوط المتولدة من الفقر فتتعقد المشاكل الاجتماعية وتتولد الكراهية والبغضاء بين أبناء الطبقة الواحدة.
6- تعد عمالة الأطفال أيضاً ظاهرة مرتبطة بالفقر، إذ تجبر الأسرة أطفالها على التسرب من التعليم والالتحاق بالعمل لزيادة دخل الأسرة، الأمر الذي يزيد من تعرض الأطفال للمخاطر والانحرافات ويساعدهم على ارتكاب الجرائم وتعاطي الممنوعات. وتشيع ظاهرة أطفال الشوارع وهو تعبير عام يستخدم لوصف الأطفال واليافعين، الذكور والإناث الذين يعيشون في الشوارع لفترات طويلة من الزمن، وهناك أسباب كثيرة لكي ينتهي ا الحال بالأطفال في الشارع، فبعضهم ليس له بيت، إذ ربما تخلت أسرته عنه، وبعضهم الاخر من اليتامى أو المحرومين. ويحجم الفقراء عن الاختلاط بالمجتمع، فتظهر بوادر الانعزالية مما يؤدي إلى ضعف المشاركة في الأنشطة المجتمعية وبالتالي شدة العزل الاجتماعي.
7- إن الآثار الصحية للظاهرة قيد الدراسة تتمثل في تفشي الأمراض وتدهور الوضع الصحي، خاصة بالنسبة للأطفال وارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضع ونقص التغذية كماً ونوعاً، بالإضافة إلى ارتفاع معدل وفيات الأمهات خلال أشهر الحمل أو الولادة(3). فعلى سبيل المثال، تشير الإحصاءات في الجمهورية اليمنية إلى أن 366 امرأة من كل 100000 في حالة حمل أو ولادة تموت بسبب المضاعفات وقلة الرعاية الصحية، ولا تحصل 55 % من النساء على أية رعاية أثناء الحمل والولادة، فضلاً عن انخفاض أمد الحياة أو العمر المتوقع عند الولادة. وتنتشر بين الفقراء حالات العوق المتنوعة كالتخلف العقلي والعمى والأمراض المزمنة وغيرها. كما تتحدد الصحة النفسية والاعتلالات النفسية بعوامل عديدة ومتداخلة اجتماعياً وبيولوجياً ونفسانياً، والبرهان الأوضح لهذه الصلة في العالم المتقدم والنامي هي مؤشرات الفقر التي تتضمن المستويات المنخفضة للتربية والتعليم، وفي بعض الدراسات الإسكان السيء والدخل المنخفض. ربما تفسر سرعة التأثر الكبيرة بالاعتلالات النفسية عند المحرومين في كل مجتمع بمثل هذه العوامل مثل المعاناة من فقدان الأمن واليأس، وسرعة التغير الاجتماعي، ومخاطر العنف(4).
8- يسهم الفقر في بروز ظاهرة التحضر السريع وغير المتوازن من خلال الهجرة إلى المدن، وتفاقم مشاكل السكن، وتغير مورفولوجية المدن من خلال السكن العشوائي، واتخاذ المقابر محلاً للسكن من قبل العديد من الفقراء والمهاجرين، الحال في مصر في شرق القاهرة وجنوبها(5). وهناك تقديرات تشير إلى أن عدد سكان المقابر ارتفع بشكل بارز ليصل إلى نصف مليون نسمة، ولا تكاد تخلو مدينة من مدن العالم من أحياء الفقراء، وهي أحياء ذات أبنية قديمة متهرئة تنعدم فيها الخدمات والتهوية السليمة، يسكنها فقراء الموظفين والعمال والعاطلين عن العمل أو المهاجرين، وغالباً ما تكون مناطق موبوءة بالجريمة، تعاني من إجهادات واختناقات بسبب النمو السكاني غير المتوازن.
9- تمتاز الأحياء الفقيرة في المدن بارتفاع درجة التزاحم، وهي من المؤشرات على المستوى المعيشي للسكان، ويمكن استخراج درجة التزاحم من خلال قسمة عدد سكان الحي على عدد الغرف السكنية. لنفترض أن عدد السكان في أحد أحياء المدينة20000 نسمة ويقطنون 4000 غرفة، فيصبح عدد الأفراد خمسة أشخاص في الغرفة الواحدة، وهذا الرقم يدلل على تدني مستوى الدخل وعجز المعروض من السكن، أما إذا كان عدد الأفراد للغرفة الواحدة شخصين فأقل، ففي ذلك إشارة إلى ارتفاع المستوى المعيشي.
10- يهيئ الفقر الأرضية الملائمة لظاهرة العنف الأسري، ويتخذ العنف أنماطاً وأشكالاً متعددة، منها: ضرب الزوجة، والضرب المتبادل بين الزوجين، وإيذاء الأطفال بدنياً ونفسياً، وإيذاء كبار السن، وجرائم القتل الأسري(6)، وبعبارة أشمل فإن العنف الأسري هو كل عمل يمثل تدخلاً سلبياً في حرية الآخرين وحرمانهم من سلوك معين أو تقييد حريتهم، وتحويلهم إلى وسيلة لتحقيق أهداف معينة، ويتأثر العنف الأسري بمجموعة من العوامل، منها: الدين أو المعتقد أو القانون السائد ونوع الثقافة والتقاليد والأعراف والتنشئة الاجتماعية.
11- إن للفقر آثاراً سياسية تبرز من كون بيئة الفقراء من البيئات الخصبة لنمو مظاهر الإرهاب والعمليات الإجرامية التي تهدد كيان الدولة وأمنها. ويعد الفقر أحد أسباب الفوضى والاضطراب الداخلي، ويسهل التغلغل في المجتمع الفقير والتأثير فيه دينياً واجتماعياً وسياسيا. ويستعمل الفقر كتبرير من قبل الإرهابيين وهم يدعون أنهم يمثلون الفقراء، فالإرهابيون يتم اختيارهم من المتطوعين الذين هم غالباً من فقراء المجتمع(7).
وعلى مستوى الدول، فإن الفقر يعني تبعية الشعوب الاقتصادية للدول والشعوب المانحة للقروض والديون، وما يترتب عليها من آثار سلبية اقتصادياً وسياسياً، إضافة إلى التبعية الاجتماعية للدول المانحة، إذ لا تعطى الأموال إلا بعد الحصول على تنازلات سياسية، فضلاً عن الفوائد المترتبة على تلك القروض، وقد أشارت بيانات البنك الدولي إلى أن هناك (45) بلداً تقريباً مثقل بالديون، وأن (20) بلداً منها تفوق ديونه الناتج الإجمالي السنوي له. ويمكن الإشارة هنا إلى ارتفاع ديون أمريكا اللاتينية إلى نحو 820 مليار دولار أمريكي مع بداية القرن الواحد والعشرين(8).
على مستوى العراق ووفقاً لدليل الفقر البشري لعام 2007 الذي تصدره منظمة دول جنوب غرب آسيا (الاسكوا)، الذي صنف دول المنظمة على أساس النسبة المئوية لهذا الدليل الذي يركز على الحرمان في ثلاثة أبعاد للحياة البشرية هي: طول العمر، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة لدى البالغين، وتأمين مستوى معيشة لائق، وكلما ارتفعت قيمة النسبة المئوية للدليل دل على ارتفاع ظاهرة الفقر. ووفقاً لهذا الدليل فقد صنف العراق في المرتبة الثامنة، إذ بلغ دليل الفقر فيه 19.4%(9) بعد كل من موريتانيا واليمن والسودان والمغرب وجيبوتي وجزر القمر ومصر.
أما المراتب الأخيرة فكانت من نسب قطر و الكويت حيث بلغ دليل الفقر البشري فيهما 5% و4% على التوالي. أما موريتانيا واليمن والسودان فقد احتلت المراتب الأولى على الترتيب، إذ بلغ دليل الفقر البشري فيها 36.2% و35.7 % و34% بالتتابع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) إلى ذلك أشار حديث الأمام علي كرم الله وجهه (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، فالأمام(عليه السلام) يشير إلى وطأة الفقر وبشاعة آثاره وما ينجم عنه من أبعاد ونتائج تلقي بظلالها على الفرد والأسرة والمجتمع.
(1) فاروق عبد الرحمن مراد، الفقر والجريمة، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، مطابع الشرق الاوسط، الرياض، 1986، ص9.
(2) حسين عليوي ناصر الزيادي، الخصوبة في مناطق أهوار جنوب العراق، مجلة آداب البصرة، العدد (54)، 2010.
(**) يجب التمييز هنا بين مفهومين يتعلقان بالخصوبة هما: الخصوبة العادية fertility والخصوبة الفسيولوجية fecundity فالأخيرة تشير إلى القدرة الفسيولوجية على الانجاب أو الحمل ولا تعني بالضرورة وجود عدد فعلي من المواليد.
(3) نبيل عبد الحفيظ ماجد الحد من الفقر الحضري في اليمن (تحديات الواقع وإمكانية المعالجات)، ورشة عمل اقليمية حول الفقر، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP والمنظمة العربية لحقوق الإنسان AOHRالقاهرة، 2012، ص9.
(4) منظمة الصحة العالمية، قسم الصحة النفسية وتعاطي العقاقير والمواد المخدرة بالتعاون مع جامعة ملبورن ومؤسسة فيكتوريا لتعزيز الصحة، تعزيز الصحة النفسية المفاهيم البيانات المستجدة الممارسة، القاهرة، 2005، ص13.
(5) فتحي محمد مصليحي، الجغرافية الاجتماعية الإطار النظري وتطبيقات عربية، مطابع جامعة المنوفية، جمهورية مصر العربية، 2002، ص247.
(6) عوض السيد، جرائم العنف الأسري بين الريف والحضر، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، القاهرة، 2004.
(7) ذياب موسى البداينة، التنمية البشرية والإرهاب في الوطن العربي، الطبعة الأولى، جامعة نايف للعلوم الأمنية، مكتبة الملك فهد اثناء النشر، الرياض، 2010، ص114.
(8) وريك موزي، مصدر سابق، ص332-333.
(9) منظمة الاسكوا، http: www. Pogar. org Arabic .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|