أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-9-2020
1768
التاريخ: 26-9-2019
1453
التاريخ: 19-6-2021
2208
التاريخ: 21/9/2022
1091
|
اندثار المعالم الأثرية والتاريخية
على الرغم من أن المدينة هي تعبير حقيقي عن هواجس الواقع وآفاق المستقبل، فهي علاوة على ذلك ذاكرة مجسمة وسجل اجتماعي موغل في القدم، يدون حياة المجتمعات والشعوب بكل جزئياتها وتفصيلاتها، وهي سجل متحرك يقبل التجديد باستمرار، لأن الحاضر الموجود حالياً سيصبح تاريخاً والمستقبل البعيد سيكون حاضراً، لذا فالمسؤولية الملقاة على عاتق الجميع هي الحفاظ على إرث المدينة من فقدانها للمكتسبات الحضارية، ومن التشوه وفقد القيمة الجمالية والتاريخية التي تعبر بصدق عن ماض ومخزون تاريخي ضخم، وغالباً ما نجد في مدننا العربية القديمة تاريخاً وإرثاً حضارياً يتوارى خلف الفنون العمرانية المستوردة تحت ضغوط التمدن، دون الشعور بمسئولية أن المدينة متحف يجب المحافظة عليه.
إن وظيفة المدينة لا تقتصر على كونها مكاناً للسكن أو للتفاعل الاجتماعي، بل تشكل المدن ذاكرة تاريخية ومواقف وشواهد، ويعد التراث العمراني في المدن شاهداً على أصالة وعراقة العمران، وهذا التراث يرتبط بالبيئة المحلية والعادات والتقاليد المتوارثة، وهو تعبير عن الإرث الثقافي والحضاري والاجتماعي المتوارث، وتقاس حيوية الأمة بمقدار محافظتها واعتزازها بتاريخها وإرثها.
إن الأثر التاريخي أو العمراني هو عبارة عن مبنى يعكس أهمية خاصة في تراث المدينة، وغالباً ما يكون مصدر فخر واعتزاز من قبل أبنائها، ولهذا المبنى أهمية دينية أو تاريخية أو تراثية كالمساجد أو القصور الأثرية والنصب والتماثيل، وغالباً ما تنعكس تسمية هذا المعلم على الشارع أو المحلة القريبة منه فتأخذ تسميتها منه.
والهدف الأساسي لسياسة الحفاظ على معالم المدينة ونسيجها العمراني أو المظهر الطبيعي لها (اللاندسكيب) هو كونها رمزاً تاريخياً وقيمة حضارية عليا. ويتسع مفهوم الحفاظ على معالم المدينة ليشمل الحماية والحفاظ على الهيكل الاجتماعي، أي خصائص السكان والهيكل الاقتصادي، أي الأنشطة الرئيسة السائدة والحرف التقليدية إلى جانب الهيكل العمراني، ويتم ا الحفاظ على تلك الجوانب من خلال سياسة البناء والتعمير and Redevelopment Reconstruction أو سياسة إعادة التأهيل Rehabilitation فضلاً عن سياسة الحماية Protection.
إن التراث الخاص بالمدن لا يشمل الجوانب العمرانية فقط أو المواقع التاريخية والأثرية، بل يتسع ليشمل مجالات العلوم والآداب والفنون والحرف التقليدية كافة، وكذلك القيم والعادات والبيئة الثقافية Cultural environmentولهذه الجوانب أهمية اقتصادية وسياحية، فضلاً عن كونها أساس المحافظة على الهوية المحلية للمدينة.
إن الجوانب التي ينبغي المحافظة عليها في المدن الشكل العام للمدينة، والنسق التراثي الذي يعكس الوظيفة الأساسية للمدينة التي أنشئت على أساسها. ويشمل هذا النسق المسارات العامة Paths التي يستعملها المشاة في المدينة، وتقسم إلى مسارات رئيسة ومسارات ثانوية. وتحتوي المدن على نقاط التجمع Nodes، أي الساحات الفارغة التي تتوسط المدينة فضلاً : عن والبوابات والنصب والتماثيل.
إن التطور العلمي والتكنولوجي والعولمة وما صاحبها من متغيرات، فضلاً عن القفزات الكبيرة في مجال العمران ونوعية مواد البناء ساهم في تغيرات كبيرة في معالم المدن وشواخصها الحضارية، لذا تقع على عاتق المخططين وأصحاب القرار المحافظة على الجانب التراثي للمدينة بما يحفظ خصوصيتها، إذ لا تقاس نهضة الشعوب بما وصلت إليه من تطور عمراني وحضاري فحسب، بل تقاس أيضاً بمقدار احتفاظها بتراثها العمراني والثقافي، لذا يقوم المخططون في بعض المدن بحماية الأبنية التاريخية والمعالم الأثرية التي طمست معالمها الأصلية وصيانتها وفق أساليب علمية متطورة، ومثال ذلك تحويل المنازل التراثية للزعماء والقادة إلى متاحف تحتفظ بمقتنياتهم الشخصية، وتوثيق كامل لجميع جوانب المعلم بما يساهم في تنشيط الحركة السياحية في المدينة. علماً بأن الحفاظ على المعلم العمراني والإمكانات الخاصة لذلك يختلف بحسب نوع المبنى (أبراج، قصور، أسوار، قلاع، مساجد، مبنى سكني، مقامات دينية....الخ). ومن جانب آخر اندثرت معالم المدينة العربية الإسلامية واتسعت معالم الفجوة بين العمارة وبين من يصممها ومن يستعملها، الأمر الذي جعل من المدينة العربية تدور في فلك البناء الغربي وترزح تحت ضغوط التحضر الذي فرضه النمو السكاني وتضاعف أحجام المدن، وبذلك فقد المحيط العمراني العربي مقدرته على توصيل حس المشاهدة إلى الأشخاص.
أما فيما يتعلق بالمعوقات التي تحول دون الحفاظ على المعالم الأثرية فهي:
1- ملكية بعض الأشخاص لبعض مواقع التراث العمراني.
2- قلة الخبرة في التعامل مع المعالم الأثرية والتاريخية التي طمست معالمها وفق أساليب علمية متطورة، فضلاً عن ضعف الإمكانات المادية.
3- عدم وجود نظام قانوني يحدد ملكية المناطق الأثرية المملوكة للأفراد ومقدار التعويضات اللازمة.
4- عدم وجود ميل لدى بعض السلطات المحلية للحفاظ على تلك المعالم وعدها أولوية من الدرجة الثانية.
5- تسهم الظروف الجوية القاسية في تآكل المعالم الأثرية وصعوبة صيانتها وازدياد الكلفة الخاصة بذلك، فضلاً عن تأثيرات الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير.
إن عملية حماية المراكز التاريخية أو البيئات القديمة وإحيائها تعد جزءاً متمماً لعملية تخطيط المدينة، وفي هذا الإطار فإن الإجراءات المنهجية لعملية ترميم المواقع الحضرية القديمة يجب أن تحددها الأسس التي رسخها منهج تخطيط المدن، لأن تلك المناطق تحتوي عادة على أشياء ذات قيمة تاريخية ومعمارية وبيئية، كما أنها يجب أن تخضع أيضاً للقواعد والأسس التي تضمن حماية الممتلكات الثقافية.
لقد طبقت يوغسلافيا السابقة (قبل التقسيم) انموذجاً للحفاظ على المراكز والمدن التاريخية في أوربا، حيث طبقت كل النظريات المتعلقة حول حماية النصب والمباني التاريخية وترميمها بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت حماية تلك المواقع من اختصاص البلديات والمختصين في تخطيط المدن. وأصبحت هناك ثلاث جهات تتمتع بأهمية أساسية في عملية حماية وتنظيم الأماكن التاريخية هي: مؤسسة حماية النصب الثقافية، ودوائر تخطيط المدن، فضلاً عن مؤسسات الإسكان، والمفهوم الجديد يؤكد على اشتراك الأدوات المعنية بتخطيط المدن والريف كافة بعملية ترميم المباني التاريخية ومنع هدمها وإعادة الحياة إليها(1). ويؤثر الدين أو المعتقد والمستوى الثقافي للحكومات والأنظمة في عملية الحفاظ على الآثار التاريخية والمدن الأثرية وديمومتها والحفاظ عليها، ومثال ذلك ما قامت به حكومة طالبان في أفغانستان من عملية تهديم لتماثيل بوذا التي تعد من المواقع الأثرية المهمة عالمياً، كما أن بعض الحكومات لا تخصص الأموال اللازمة لعملية الترميم والصيانة وإنشاء المؤسسات المختصة بالحفاظ على المواقع الأثرية والمدن التاريخية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تومسلاف ماراسوفيج، المدن التاريخية سبل الحفاظ عليها وإحيائها، ترجمة عرفان سعيد، المركز الإقليمي لصيانة الممتلكات الثقافية في الدول العربية بالتعاون مع المركز الإقليمي لصيانة وترميم الممتلكات الثقافية في روما، بغداد، 1985، ص7-15.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|