أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-1-2023
2421
التاريخ: 4-3-2019
1604
التاريخ: 30-1-2019
1751
التاريخ: 9-7-2018
2397
|
التحضر والتمدن
قبل الوقوف على معنى التحضر لابد من التفريق بين مصطلحين مهمين غالباً ما يتم الخلط بينهما وهما: التحضر Urbanization والتمدن Urbanism فالأول يشير إلى الارتفاع الحاصل في نسبة سكان المدن وحجمهم بسبب الانتقال من الريف إلى المدن، وما يعقبه من تغيرات في التنظيم الاجتماعي وتحول الناس من حياة القرية بكل ما بها من مميزات إلى حياة المدينة بكل زخرفتها وتعقيداتها. والتحضر شرط أساسي في عملية التحديث ويرتبط بالتحول من النظم الاقتصادية الريفية إلى النظم الاقتصادية الصناعية وكذلك بالانتقال من البيئة التقليدية إلى البيئة العصرية. وهو عملية من عمليات التغير الاجتماعي، تتم عن طريق انتقال أهل الريف أو البادية إلى المدينة، وإقامتهم بمجتمعها المحلي، أي إعادة توزيع سكان الريف على المدن.
بحسب هيئة الأمم المتحدة، عرف التحضر بأنه نمو نسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية(1)، أما نسبة التحضر فيتم استخراجها من خلال عدد سكان المدن لمجموع السكان في الدولة(2) وهذا يتفق مع كنجلسي ديفز Kingsly Davis الذي عرف التحضر على أنه نسبة السكان الذين يستقرون في المستوطنات الحضرية من إجمالي السكان، ومنه ظهر مصطلح النمو الحضري الذي يعني التغير في سكان المدن بين تاريخين معلومين، إما بسبب الهجرة أو بسبب الزيادة الطبيعية (الفرق بين الولادات والوفيات)، ولا يأخذ كوستيلو Costello في كتابه عن التحضر في الشرق الأوسط بالتعاريف السابقة وإنما يؤكد على محورين هما: المحور الديموغرافي من حيث مواقع انتشار السكان ومحور العمليات الاجتماعية المرافقة والمصادر التي يستقي منها السكان العناصر الحضارية المادية وغير المادية المتعلقة بأنماط السلوك التي تتميز بها المدينة، ولهذا استعمل مصطلح التحضر الفيزيقي- العمراني Physical Urbanization ليشير إلى مواقع استيطان السكان، ومصطلح التحضر الاجتماعي Social Urbanization ليشمل العمليات الاجتماعية الحضرية(3).
لقد أصبحت بلدان العالم النامي ومنها البلدان العربية تواجه أزمات حضرية شديدة لأن تلك القفزات لا تتناسب مع التطورات الاقتصادية، كما أن الريف في تلك البلدان أصبح يعاني مشاكل حقيقية نتيجة للهجرة السكانية وتدهور الواقع الزراعي، ولم تقتصر تأثيرات التحضر على الريف بل أخذت موجات المهاجرين تهدد الحياة في المدن المتخبطة أصلاً في مشاكلها، وأصبحت تيارات الهجرة نحو المدن تشكل عبئاً إضافياً على مرافق التنمية في المدينة. ونتيجة للقفزات الحضرية الواسعة نجد أن بعض المدن تضاعف حجم السكان فيها إلى أكثر من الضعف خلال فترات زمنية قصيرة، إلى حد أن بعض مجتمعات قارة أفريقيا وآسيا شهدت نمطاً جديداً من التحضر أطلق عليه بأنه (جنوني) أو (فوضوي) أو (مضطرب)، وكانت النتيجة تهدم البني التقليدية لتلك المجتمعات وعجز المدينة عن أن تكون حلقة وظيفية في التنمية إلى حد ينذر بانفجارات اجتماعية قد تذهب بمكتسبات قرون من الزمن (4) .
ويظهر التباين واضحاً في مستوى التحضر بين دول العالم المختلفة، ويظهر التباين بين القارات والأقاليم، حيث أن مستوى التحضر في العالم بلغ 46% عام 1999 وتراوحت النسبة بين 33% في قارة أفريقيا و75% في أمريكا الشمالية فكانت أعلاها في أمريكا الشمالية وأقلها في أفريقيا، وأقل نسب التحضر سجلها إقليم شرق أفريقيا، إذ بلغت النسبة 20%، وأعلى نسبة في المناطق المعتدلة من قارة أمريكا اللاتينية إذ وصلت في الأرجنتين إلى 90%، وأقل نسبة للتحضر في رواندا (5%) وأعلى نسبة في بلجيكا 97%، أما ظاهرة دولة المدينة City State فتمثلها الكويت وهونغ كونغ وسنغافورة(5).
أما الاصطلاح الثاني وهو التمدن، فيقصد به العملية التي تشير إلى نمط الحياة التي يمتاز بها مجتمع المدينة، أي طريقة حياة الناس وتصرفاتهم وسلوكياتهم ونظرتهم إلى الحياة التي غالباً ما تكون متأثرة بالبعد الزمني الذي فرضته معيشتهم في مجتمع المدينة، أي أنه تعبير عن حضارة المدن أو طريقة الحياة فيها. بعبارة أخرى، إن التمدن لا يعني الانتقال إلى مجتمع المدينة فحسب بل يجب أن يصاحبه تغير في المفاهيم السلوكية والاجتماعية، وطريقة خاصة لتعامل الإنسان مع بيئته، وهذه المفاهيم Concepts تكون إما تابعة لعملية التحضر أو ناتجة عنها.
ولا يشترط أن يكون التمدن مصاحباً لعملية التحضر، فربما ترتفع نسبة التحضر في مدينة ما، لكن نسبة التمدن فيها منخفضة، وهذا غالباً ما يلاحظ في الدول التي تشتد فيها تيارات الهجرة من الريف إلى المدن، كما أن التمدن لا يشترط اقترانه بالتحضر، فالمسالة تخضع للأمور الجدلية النسبية على وفق تصورات ورؤى متباينة، وبذلك فالتمدن ليس حاجة ترفيهية أو فلسفية أو مجرد ترف فكري، بل على العكس تماما، فهو ضرورة يقتضيها نشوء المدن، فلا يمكن إقامة مدن وجامعات ومصانع ومستشفيات وأجهزة نيابية وقضائية وإدارية دون أن يصاحب ذلك ثقافة مدينية لإدارتها وتنظيمها(6). وعند الدراسة الفلسفية للتغيرات المتعلقة بالتمدن واختلاف ذلك بين الريف والمدينة، يلاحظ أن الحجم السكاني المرتفع للمدينة ساهم في ارتفاع نسب تحضرها نتيجة للعلاقات المعقدة بين الناس على اختلاف توجهاتهم.
إن التحضر يمكن أن يصاحبه حدوث تغيرات في أساليب الحياة، وذلك من خلال وجود أنماط وقيم جديدة ناجمة عن الاتصال والاحتكاك بسكان المدن، لذا يمكن أن يعد التحضر عملية تغير اجتماعي لو توفرت جميع شروط التحضر السليم، أي التغير الذي يحدث في نمط السكان وحياتهم في الجانب المادي والمعنوي وباختلاف نسبي في التأثير بصورة متفاوتة تبعاً لاستعدادات الأفراد ومستوى التحضر.
من الأمثلة على عملية التحضر غير المتوازن وغير المخطط له، أو لنقل التحضر الإجباري، ما شهدته مدن جنوبي العراق بعد عام 1991 بعد تجفيف الأهوار، حيث أسهمت عملية التجفيف في هجرة جماعية أو عملية نزوح كبرى باتجاه المدن، لاسيما تلك المتاخمة للأهوار الأمر الذي انطوى على آثار سلبية واضحة (اقتصادية واجتماعية) على المدن والأرياف على حد سواء. إذ أصبح ابن الأهوار غريبا في بيئة حضرية تختلف كثيراً عما اعتاده من نمط حياة وبناء وتعامل اجتماعي مختلف. فالبيوت في الأهوار وأريافها المتاخمة لها كانت تفصلها مساحات واسعة تصل إلى كيلو متر أو أكثر، وبين ليلة وضحاها أصبح ابن الأهوار يقطن قطاعاً سكنياً ذا بيوت متجاورة ومتراصة، لذا ظهرت في أغلب المدن المتاخمة للأهوار أحياء سكنية جديدة توسعت ونمت بسرعة خلال النصف الأول عقد التسعينيات في القرن الماضي، وشكلت تلك الأحياء عبئاً ثقيلاً على المرافق التنموية والبنى التحتية في المدن، فأصبحت بؤراً للأمية والأمراض والمشكلات الاجتماعية.
كما تغيرت أنماط حياة المهاجرين الاقتصادية التي اعتادوها، فقد كانت مهنهم تتمثل بتربية الحيوانات وبيع الألبان وصيد الأسماك، فتحولوا فجأة إلى مهن هامشية كعمال خدمات وباعة متجولين. فضلا عن ذلك، تغيرت أنماط حياتهم الاجتماعية، فقد أثروا بالمجتمع المستقبل وتأثروا به، ونقلوا إليه الكثير مما يحملونه من عادات وتقاليد وإرث ثقافي وحضاري، فظه رت نتيجة لذلك ظاهرة (أريفة المدن Realization of Cities)، وقطعاً فإن ما نراه اليوم في بعض المدن من عادات وتقاليد ومفردات هي بالتأكيد لا تمت للحضرية بأي شكل من الأشكال، بل هي تقاليد وعادات ومفردات نقلها المهاجرون إلى بيئتهم الجديدة، وبذلك فإن المدينة حين تريفت فقدت أحد أبرز وأهم ملامح خصوصيتها وهو قدرتها على احتضان واحتواء الاختلافات العقائدية والفكرية والثقافية.
يتضح مما سبق أن للتحضر تعاريف مختلفة بحسب اتجاه الباحث واختصاصه واهتمامه، فالاجتماعيون يركزون على اختلاف المنظومة القيمية والسلوكية ومدى تأثرها بظاهرة الانتقال من الريف إلى المدينة، ولا يمكن أن يكتمل معنى التحضر بمجرد الانتقال من الريف إلى المدينة. أما الجغرافيون فقد أكدوا على مسألة إشغال الحيز المكاني بحكم اهتمام الجغرافي بعلم المكان وأن الموقع يشد اهتمام الجغرافي أكثر من غيره، لذا دخلت الجغرافية الاجتماعية المضمار لتشكل مزيجاً ما بين الجغرافية كعلم مكاني وعلم الاجتماع الذي يركز على المحتوى ونمط الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) United nation, Multilingual Demographics Dictionary, English Section, Population Studies, No 29, 1958, P.18
(2) صبري فارس الهيتي وصالح فليح حسن الهيتي جغرافية المدن، مديرية دار الكتب، جامعة الموصل، 1986، ص(28).
(3) حسن عليوي الخياط، التحضر في دولة قطر، المجلة الجغرافية الخليجية، العدد الأول، السنة الأولى، الجمعية الجغرافية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 2007، ص17.
(4) عمر العفوري، الحركات الاجتماعية الحضرية في المجتمعات التابعة، عالم الفكر، المجلد (38)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2009، 241.
(5) کاید عثمان أبو صبحه، جغرافية المدن، دار وائل للنشر، عمان، 2010، ص71.
(6) سليمان ابراهيم العسكري، المدينة العربية- صورة لانتكاسة الحداثة، مجلة العربي، العدد (652)، الكويت، 2013.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|