أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-6-2022
6254
التاريخ: 12-3-2022
1393
التاريخ: 10/12/2022
1347
التاريخ: 5-2-2018
2560
|
الجغرافيا الاجتماعية - الملامح والمفاهيم
من الصعوبة بمكان إيجاد تعريف متكامل لأي فرع من فروع العلم لأن أي تعريف يعد انعكاساً للزاوية التي ينظر الباحث أو المتخصص من خلالها، أو الاتجاه والفلسفة والمنهجية التي يميل إليها. ومهما تعددت تعاريف الجغرافية الاجتماعية فإن المشترك الواضح بينها أنها جميعاً تشترك مع علم الاجتماع في العديد من المشتركات، لأن المحتوى العلمي للدراسة في الجغرافية الاجتماعية نابع ومستمد من العلوم الاجتماعية، وهذا الأمر لا يعاب على الجغرافية الاجتماعية، لأن العلوم تكمل بعضها بعضاً، ولم يعد هناك مجال محتكر من قبل علم معين، ولا يمكن في الوقت نفسه صياغة تعريف محدد دون معرفة المساحة الأكبر التي انطلقت منها الجغرافية الاجتماعية، وهي الجغرافية البشرية التي تقترب حيناً من علم الاجتماع و حيناً آخر تصبح أقرب إلى الديموغرافيا والأنثروبولوجيا)(1)، وبهذا فالجغرافيا الاجتماعية تدرس التجمعات البشرية في بيئتها الطبيعية، فضلاً عن دراسة الإنسان بوصفه عضواً في جماعات بشرية بسيطة أو معقدة حرفية أو مصنعة. ولا ريب أن الدراسة تعتمد اعتماداً كبيراً على علاقة تلك الجماعات بالبيئات، ومقدار استجابتها لها أو تأثيرها فيها(1).
وبسبب الاتساع الكبير للمواضيع التي يتناولها علم الجغرافية فقد اصطدمت، أو تداخلت، مع أغلبية العلوم الأخرى ومنها علم الاجتماع (ينظر المخطط 1)، الأمر الذي جعلها موضع انتقاد من بعض الباحثين، واتهمت بأنها تبدو هلامية عديمة المعالم والحدود. وإذا كان جانب الجغرافية الطبيعية يمتاز بالثبات والمحدودية النسبية في مواضيعها، فإن الجغرافية البشرية اتسعت مجالاتها ووجدت نفسها مرغمة على المواجهة والانفتاح على العلوم الأخرى.
وفي ظل الثنائية التي انقسمت لها الجغرافية والتي بدأت في حقلي الجغرافية الطبيعية والبشرية، فإن الجغرافية الاجتماعية قد حطت برحالها في رحاب الجغرافية البشرية، فتلقفتها أيادي هذا الحقل الذي يهتم بدراسة الإنسان والتجمعات البشرية على سطح الأرض، وما يتصل بها من أنشطة اقتصادية واجتماعية، لذلك فإن وجود الجغرافية الاجتماعية كفرع مستقل من فروع الجغرافية البشرية جاء نتيجة طبيعية لتطور المفهوم الجغرافي وتشعب موضوعاته، فبعد أن كانت الجغرافيا وحدة متكاملة تشتمل على الجانب الطبيعي والبشري ظهرت التخصصات، لاسيما في الجوانب البشرية، وظهرت تخصصات أدق ضمن الفرع الواحد معتمدة في جوانب كثيرة من بحثها على آليات ومفردات ومحتويات العلوم الأخرى، مع وجود الصبغة الجغرافية التي تميل إلى التحليل المكاني وعلاقات المكان والتوزيع الجغرافي وتأثيرات البيئة. ومن هنا كان وجود الجغرافيا الاجتماعية. التي تكمل الدراسة الاجتماعية من خلال بيان أثر المكان على تطور الظاهرة الاجتماعية وتباينها المكاني والزماني.
تعد الجغرافيا الاجتماعية أحد فروع الجغرافيا البشرية ذات التداخل الواضح مع علم الاجتماع، إذ تشترك الجغرافيا مع العلم الأخير لمساسها المباشر معه من حيث الأطر العامة والمحتويات والنظرة التحليلية، لكنها تختلف من حيث التوجه والمنهجية والمفهوم، وبذلك فهي تقع ضمن محتوى الجغرافية الاجتماعية المتمثل بدراسة الكائن الاجتماعي (Social being) في بيئته المحلية، وعلاقته بتلك البيئة وسلوكياته وأنشطته الحياتية، وهي بهذا تفسر وتحلل السلوك الاجتماعي للأفراد والجماعات. لذلك فهي تهتم بتناول مواضيع تقع ضمن نطاق تخصصها كمشكلات العمال وأثرها على الإنتاج ونظريات التوطن الصناعي والظاهرة السكانية والهجرة وكفاءة الخدمات الاجتماعية ومشكلات المدن والنقل الحضري وما إلى ذلك. كما أن للجغرافيا الاجتماعية مناهجها أدوات وهي وأدواتها الخاصة في البحث والتقصي وجمع المعلومات كالملاحظة المباشرة Direct observation والاستبيان Questionnaire والمقابلة Interview يستعين بها الجغرافي في أبحاثه ودراساته.
وقد عرفت الجغرافية الاجتماعية بأنها دراسة توزيع المجتمعات الإنسانية والبيئات الجغرافية لها، وعلاقة توزيع الظاهرات الاجتماعية بالظروف الجغرافية المحيطة بها.(3) ولم يشتمل هذا التعريف على جميع محتويات الجغرافية الاجتماعية، لأنه أسير مرحلته التي تميزت بظهور البوادر الأولى للجغرافية الاجتماعية الحديثة، وذهب بعضهم إلى التباين في الأنماط والنظم الاجتماعية السائدة والعلاقات المكانية لتلك النظم وفق المفاهيم الجغرافية التي تبرز خصائص المنطقة المدروسة،(4) وفي هذا التعريف محاولة لإبراز المحتوى الجغرافي من خلال التباين وإظهار الشخصية الإقليمية في التعريف.
إن تعريفات الجغرافية الاجتماعية تختلف تبعاً للمرحلة الزمنية والخلفية العلمية والتخصصية لواضعي التعريف، لكنها تجمع على محتوى الجغرافية الاجتماعية، إذ نشر ديمولان Demolins آراءه في مجلدين (1901-1903) حول الطراز الاجتماعي للمجتمعات، وهو من رواد المدرسة الجغرافية الفرنسية الذين آمنوا بالحتم البيئي، وقد أكد على أن التاريخ يعيد نفسه، وهو اعتقاد لا يخلو من الصحة في حالة ثبات المتغيرات. وذهب ألبرت ديماجون Albert Demangeon وهو جغرافي فرنسي، إلى التكيز على أهمية الوسط الجغرافي باعتباره يشمل البيئة الطبيعية وتاريخ المجموعة البشرية وإمكانيتها والعلاقات التي تربطها. ولم يبتعد ماكس ديروا كثيراً عن الآراء السابقة وهو من رواد مدرسة الفرنسي لا بلاش، إذ أكد على العناصر الرئيسة لنظرية أستاذه. وهذه العناصر هي التقنيات والشروط الطبيعية ثم العادات والتقاليد الاجتماعية ثم العناصر الروحية(5) ويرجع بعضهم العلوم الإنسانية إلى العلوم الاجتماعية الأساسية ويضعها على جانب واحد، مثل العلوم السياسية وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وفي الجانب الآخر هناك العلوم الاجتماعية والجغرافيا البشرية التي تحقق في العلاقات الاجتماعية والتفاعلات، وهي تمتاز بتعاملها مع المكان والمساحات (في معنى الأراضي، والمناظر الطبيعية والمناطق والمدن والأماكن وما إلى ذلك)(6).
وقد عرفت الجغرافية الاجتماعية من قبل واطسون Watson (1953) بأنها تحديد الأقاليم المختلفة على سطح الأرض وعلاقاتها بالظواهر الاجتماعية وارتباطها بالبيئة، أما باهل Pahl (1975) فقد أكد على دراسة الأنماط والعمليات لمجموعات سكانية من حيث الخصائص الاجتماعية في البيئة المحيطة، وعرف برون Brunn (1975) الجغرافية الاجتماعية على أنها العلم الذي يبحث في عمليات التفاعل الاجتماعي في محيط مكاني محدد وما ينجم عنه من سلوكيات ينعكس أثرها على الأنماط المكانية، وهي ترتبط إما بالأفراد أو الجماعات أو الحكومات، وركز تعريف بوتمر (Buttimer (1980 على دور الأنشطة التي تقوم بها الجماعة في المجتمع، ودراسة الأنماط وعلاقاتها الوظيفية في نطاق البيئة الاجتماعية وتركيبها الداخلي وارتباطها بأشكال الاتصال الجماعي كافة، وكان للأنماط الاجتماعية دور في تعريف آيلز Eyles (1986) الذي عرف الجغرافية الاجتماعية بأنها دراسة الأنماط الاجتماعية والعمليات الناجمة عن التوزيع العادل وغير العادل للموارد (السلع والخدمات)(7).
وفي ضوء تلك التعريفات، وغيرها كثير، فإن الجغرافية الاجتماعية تعني بدراسة توزيع المجتمعات البشرية وتباينها، والظواهر والعمليات الاجتماعية وارتباطاتها البيئية، وما ينجم عنها من علاقات ضمن أنماط مكانية وزمانية محدده، وليس هناك علاقة أو ظاهرة اجتماعية بمنأى عن حدود الجغرافية الاجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ج. ر. کروان، ج. ر. اعلام الجغرافيا الحديثة، ترجمة د. شاكر خصباك، ط1، دار المعارف، بغداد، 1964.
(2) محمد السيد غلاب، البيئة والمجتمع، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، 1989، ص49.
(3) محمد السيد غلاب، البيئة والمجتمع، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1963.
(4) يسري الجوهري، الجغرافية الاجتماعية، الهيئة المصرية للكتاب، الاسكندرية، 1982.
(5) عبد علي الخفاف، الجغرافية البشرية أسس عامة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، 2001، ص36-39.
(6) W. Zierhofer, (2005), Space state and power, Vesalgasse. 1, CH-4051, Basel, Switzerland.P.33.
(7) ليلى بنت صالح محمد زعزوع، مصدر سابق، ص45-47.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|