أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-2-2022
2185
التاريخ: 2024-10-10
304
التاريخ: 1-12-2016
2678
التاريخ: 19-4-2016
11723
|
الثواب والعقاب يمثلان كفتي ميزان العدل؛ فلا يقام العدل إلا بأن تكون كفة الثواب متساوية مع كفة العقاب..
ومن هنا فلابد أن يؤدي العمل الحسن إلى التشجيع والتقدير والثواب لفاعله. وأن يؤدي الفعل القبيح إلى التأنيب والتقريع والعقاب لفاعله أيضاً.
ولا شك أن الثواب والعقاب قانونان حقيقيان في هذا الكون، يسيران بسياق متساوي لتحقيق العدل والحق، إذ لا يتحقق شيء إذا كان هنالك ثواب بلا عقاب، أو عقاب بلا ثواب، فلا يتحقق العدل والاستقرار إلا بوجود الثواب إلى جنب العقاب، والعقاب إلى جنب الثواب، فيصرف الثواب لمن يستحقه، والعقاب على من يستحقه، لكيلا يتساوى الخير مع الشر، والصلاح مع الفساد، والحق مع الباطل.
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر: «ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء».. أي لابد أن يعاقب المسيء كما لابد أن يثاب المحسن.
ويضيف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قائلا: «فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة. والزم كلاً منهم ما ألزم نفسه»(1)..
فإذا كان المحسن والمسيء متساويين أمام الحاكم فإن المحسن يصبح زاهداً في إحسانه، بينما يتشجع المسيء على مواصلة إساءته، لأن المحسن لا يجد الثواب على إحسانه، والمسيء لا يجد العقاب على إساء.
وفي الحقيقة فإن الساحة الأولى التي يجب علينا أن نطبق فيها قانون الثواب والعقاب هي ساحة النفس البشرية.
فهي بحاجة إلى حاكم عادل يردعها عن الإساءة، ويشجعها عند الإنابة إلى الخيرات، لأن النفس لا تكون على حال واحدة، إنما طبعها التغير والتلون فتجر صاحبها إلى المهالك أحياناً، كما ترتقي به إلى المعالي أحياناً أخرى.
ولذلك فإنها بحاجة إلى حاكم يسيطر عليها ويتحكم فيها ويقوم بتأديبها، ولا يكون التأديب إلا عن طريق الثواب إن أحسنت، والعقاب إن أساءت.
ففي لحظات الضعف ترتكب النفس ما تشتهي من آثام ـ مما نهى الله تعالى عنها ـ مثل: إثم الحسد، وسوء الظن، وما أشبه. وعند استيقاظ الضمير يأتي الندم والتوبة والحوبة.
غير أن الندم وحده لا يكفي عقاباً على إثم النفس، لأن الندم لا يكفي لمنعها، عن مزاولة الآثام. إن الموقف هنا يتطلب ترويضاً وتدريباً، بحيث نمنع النفس عن بعض ما تبتغيه عقاباً لها على جريرتها إن أساءت.
وأن نجازيها، ونحسن إليها، ونلبي بعض سؤلها إن أحسنت، في نية الخير والعمل الصالح. إن الثواب والعقاب في حقيقة الأمر مربيان نموذجيان للنفس، يرشدانها إلى الصلاح، ويمنعانها عن الغي.
ولعلنا نجد مثال ذلك في الصيام، فمن لا يصم في يوم رمضان المبارك، فإنه يعاقب عقاباً شديداً، إن لم يكن له عذر وهو صوم ستين يوماً بدل اليوم الواحد.
بينما يجب على الصائم الإفطار في يوم العيد ولا يجوز الصيام فيه، جائزة له على صومه الشهر الكريم. وكذلك فيما يرتبط بعيد الأضحى، فبعد قيام الحاج بتحريم نفسه من الكثير من الحلال بسبب الإحرام، مثل الطيب والنساء وغير ذلك، فإن المؤمن لابد أن يفطر ويأكل ويشرب أيام العيد، فقد أمر رسول الله أن ينادي المنادي في منى: «ألا، لا تصوموا أيام التشريق فإنها أيام أكل وشرب وبعال»(2)، فالنفس التي تمتنع في أيام شهر رمضان عن إتيان ما اشتاقت إليه في النهار، طاعة لربها وإجابة لأوامره، فإن لها ثواب الإفطار في يوم العيد وإعطاءها سؤلها. وكذلك النفس التي امتنعت في أيام الحج عن محرمات الإحرام.. فإن جائزتها بأن يفسح لها المجال في إعطائها سؤلها يوم العيد. ومن هنا فلابد من محاسبة النفس، وإجراء الحكم عليها إن خيراً بخير وإن شراً بشر، ولا ريب في أن الإنسان الذي يقوم بمحاسبة نفسه ومجازاتها، فإنه يكون قد حقق إنجازين مهمين:
الأول: إنه أصبح حاكماً على نفسه وقائداً لها.
والثاني: إنه قام بمعاقبة نفسه قبل أن يعاقبها الناس، وحاسبها قبل أن يحاسبها الناس.
ومن هنا يحث الرسول صلى الله عليه وآله المؤمنين على محاسبة أنفسهم، فيقول: «لا يكون الرجل من المتقين، حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه؟ ومن أين مشربه؟ ومن أين ملبسه؟ أمن حلٍ أم من حرام؟))(3).
فالمحاسب الأول لنفسك يجب أن تكون أنت، والقاضي الأول على نفسك يجب أن تكون أنت أيضاً. فأنت من يعطي نفسك سؤلها إن أحسنت، ويعاقبها إن أساءت.
وربما ينبري هنا سائل ليقول: كيف أثيب نفسي وأنا أنا، وكيف أعاقبها وأنا أنا؟ وكيف أكون أنا الرقيب، والحاكم، والمحكوم في وقت واحد؟
وفي الحقيقة فإن أفضل من يكون قاضياً على النفس هو صاحبها، لأن محكمة النفس هي المحكمة الوحيدة التي لا يمكن أن يزور فيها أحد على القاضي، لأن النفس تعرف نفسها، والإنسان عالم بمعاصيه وأخطائه، {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14، 15] كما يقول القرآن الكريم.
ومن هنا فإن محكمة الضمير تكون بالطبع عادلة، لأن من غير المعقول أن يتهم الإنسان نفسه بأمر لم تفعله، أو يبرأها مما فعلته، فهو عارف معرفة كاملة بخطأه وصوابه، وبالعلم يسهل الحكم والقضاء ويكون عادلاً.
وقد يسأل سائل هنا : كيف أثيب نفسي وكيف أعاقبها؟
والجواب: إن الثواب والعقاب يجب أن يكون، حسب العمل الصالح، أو العمل السيئ.
فلو عزمت مثلاً على القيام بعمل إيجابي فيه الخير والصلاح، وكان يتطلب منك جهداً كبيراً ـ سواء ما يرتبط بتهذيب النفس أم بالقيام بالعبادات أو أداء عمل صالح أو المساهمة في برّه وإحسانه - ثم أنجزت ما عزمت عليه، فمن حقك القيام برحلة للترويح عن النفس.
أما إن جاءت الأفعال معاكسة، فلم تفعل الخير والصلاح بل نويت الشر، فمن واجبك أن تعاقب نفسك بأن تمنعها عن بعض ما تتوق إليه، ومن هنا كان الصوم كفارة عن بعض الذنوب.
إن إجراء المحاكمة للنفس، وإعطاء الثواب على الإحسان، والعقاب على الإساءة، يؤدي إلى ترويض النفس، لأن النفس بطبعها (أمارة بالسوء) وهي متمردة على الضمير والعقل، ولذلك فإنها تحتاج إلى الترويض.
وإن لنا في العظماء أسوة حسنة في هذا المجال، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "وأيم الله يميناً، أستثني فيها مشيئة الله، لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها..
«أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض، ويأكل علي من زاده فيهجع؟ قرت إذن عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية همها علفها»(4).
إن ترويض النفس ليس بالضرورة عقاب لها، بل هو تأديب وتهذيب، لأن ذلك يساعدها على إتيان الخيرات ونبذ الشرور، ومن ثم فإن من مصلحة الإنسان أن يكون قادرا على ترويض نفسه، وهو البداية الضرورية لصلاح الفرد والمجتمع، لأن النفس هي البذرة الحقيقية لكل شيء، فإن صلحت، صلحت الأعمال، وإن فسدت، فسدت الأعمال.
ولذلك فإن الميدان الأول للثواب والعقاب هي النفس، لأنها الميدان الأول للصلاح والفساد، والميدان الأول للطاعة والمعصية، والميدان الأول للنجاح والفشل.. أيضاً.
ويروى في هذا الصدد أن راهباً من بني إسرائيل عبد الله أربعين عاماً ثم قرب قربانا فلم يقبل منه، فقال لنفسه: «ما اوتيت إلا من قبلك، وما الذنب إلا لك».
فأوحى الله تعالى إليه: «ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين عاماً»(5).
حقاً إن الرقابة على النفس تشعرها بوجود من يقوم مسيرتها، وهي وسيلة من وسائل معرفة النفس، التي هي مقدمة ضرورية لمعرفة الباري عز وجل: «فمن عرف نفسه عرف ربه»(6) وهذا يعني أن من جهل نفسه جهل ربه.
فمن لم يحاسب نفسه، فإنه قد يستمر في ارتكاب الحماقات، ويتورط في الباطل ويقوم بظلم الآخرين، فلا يكتشف قبح ما يفعل إلا بعد فوات الأوان.
ومن هنا فإن «تزكية النفس» كانت المهمة الأولى للأنبياء، كما أنها رسالة الله للإنسان. يقول ربنا: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10].
ويقول أيضاً: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبين أن محاسبة النفس مقدمة للفوز في الآخرة: «جوّعوا بطونكم، واظمئوا أكبادكم، وأعروا أجسادكم، وطهّروا قلوبكم، عساكم أن تجاوروا الملأ الأعلى»(7).
وهكذا فإن من يريد أن يكون صالحاً فإن عليه أن يراقب نفسه ويحاسبها محاسبة الشريك شريكه، فيثيبها إن أحسنت، ويعاقبها إن أساءت، وبذلك يفوز في الدنيا والآخر.
_________________________________
(1) نهج البلاغة، ص ٤٣٠، كتاب ٥٣.
(2) وسائل الشيعة، ج١٠، كتاب الحج، أبواب الذبح، باب ٥١، ص١٦٦، ح٨.
(3) بحار الأنوار، ج ٧٧، ص ٨٦.
(4) نهج البلاغة، خ ٤٥.
(5) الكافي، ج ٢، ص ٧٣، باب الاعتراف بالتقصير.
(6) بحار الأنوار، ج ١، ص ٢٢٠، باب ٦.
(7) تنبيه الخواطر (مجموعة ورام)، ج ٢، ص ١٢١.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|