أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-12-2018
710
التاريخ: 3-07-2015
694
التاريخ: 25-10-2014
828
التاريخ: 25-10-2014
729
|
القديم جلّ جلاله منزّه عن شبه المحدثات بأسرها، جواهرها وأجسامها وأعراضها. والدليل على أنّه تعالى ليس بجسم ولا يشبه الأجسام هو انّه لو كان جسما لوجب أن يكون محدثا، لأنّ ما دلّ على حدوث الجسم مطرد في سائر الأجسام من استحالة خلوّه من الحوادث... وقد ثبت أنّه تبارك وتعالى قديم فلا يجوز أن يكون جسما.
فإن قيل: الدلالة الّتي استدللتم بها على
حدوث الجسم مبنيّة على صحّة تنقّل الجسم في الجهات، فلم لا يجوز أن يقال: القديم
تعالى وإن كان جسما- تعالى عن ذلك- فإنّه يختصّ بجهة معيّنة يجب كونه فيها ويستحيل
انتقاله عنها، فلا تثبت فيه دلالة الحدوث.
إن قلتم: إنّما يصحّ التنقّل عن الأجسام
المشاهد لتحيّزها. فلو كان تعالى جسما لكان لا بدّ من أن يكون متحيّزا وتحيّزه
يصحّ تنقله في الجهات كلّها.
قيل لكم: كما أنّ التحيّز يصحّح تنقّل
موصوفه في الجهات، كذلك كونه حيّا يصحّح تعاقب الصفات المتضادّة المتعاقبة عليه من
كونه عالما وكونه جاهلا وكونه قادرا وكونه عاجزا.
ثمّ قلتم إنّه تبارك وتعالى حيّ يجب كونه
عالما فيستحيل عليه كونه جاهلا، ويجب كونه قادرا ويستحيل كونه عاجزا، فلم لا يجوز
أن يكون كذلك في مسألتنا، حتى يكون متحيّزا ويجب كونه في جهة معيّنة يستحيل تنقله
منها إلى غيرها من الجهات.
قلنا: فرق بين الموضعين، وذلك لأن المتحيّز
من حكمه اللازم لها الذي لا يعقل بدونه وجوب كونه في جهة ما غير معيّنة ومعنى ذلك
أنّه يستحيل خلوّه من الكون في سائر الجهات، ثمّ لا يجب تعيّن جهة في حقّه، وهذا
إنّما يتحقق لصحّة تنقّله في الجهات. فلو وجب كونه في جهة بحيث يستحيل عليه
الانتقال إلى جهة اخرى لبطل حكمه الذي هو كالحقيقة فيه وباعتباره يعقل، وذلك ينقض
حقيقته. وليس كذلك كونه حيّا، لأنّه لا يجب في الحيّ أن يكون على واحدة من الصفات
المتعاقبة عليه غير متعيّنة حتّى يقال: إذا وجب في حقّه تعالى واحدة من تلك الصفات
واستحال عليه غيرها، أدّى إلى نقض حقيقته، لأنّه يصحّ خلوّ الحيّ من جميع الصفات
المتعاقبة عليه من كونه عالما وجاهلا ومن كونه قادرا وعاجزا إن كان كونه عاجزا صفة
مضادة لكونه قادرا. وكذلك القول في جميع الصفات المتعاقبة عليه في صحّة خلوّه عنها
بأسرها فلا يكون وجوب واحدة معيّنة من تلك الصفات للحيّ واستحالة غيرها عليه نقضا
لحقيقة الحيّ، فافترق الموضعان.
وممّا يدلّ على أنّه تعالى ليس بجسم هو أنّه
لو كان جسما لاستحال منه فعل الجسم كما يستحيل فعل الأجسام من الأجسام الموجودة
المشاهدة فيما بيننا. وذلك لأنّ الأجسام التي نشاهدها على اختلاف أشكالها وقدرها وبناها،
اتفقت في أنّ فعل الجسم لا يصحّ بشيء منها، والعلّة فيه أنّها ليست قادرة
لأنفسها، فلو كان تعالى جسما، لم يكن مخالفته لهذه الأجسام في الشكل آكد من مخالفة
بعض هذه الأجسام لبعض في الأشكال فكان لا يكون قادرا لنفسه وكان لا يتأتى منه فعل
الجسم، وقد علمنا خلاف ذلك، فانّا إنّما أثبتناه بحدوث الأجسام.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال إنّه جسم، لا
بمعنى أنّه متحيّز طويل عريض عميق، بل بمعنى أنّه قائم بنفسه؟.
قلنا: القيام بالنفس معناه الاستغناء عن المحلّ،
وذلك نفي لا يقبل التزايد. ومعنى الجسميّة يدخله التزايد بدلالة قولهم: هذا جسم وذلك
الجسم منه، وهو جسم، فيجب أن يحمل على معنى يصحّ دخول التزايد فيه من الطول والعرض
والعمق، لا على ما لا يدخله التزايد من القيام بالنفس.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال هو جسم لا
كالأجسام، كما يقولون شيء لا كالأشياء، لا يتناقض، لأنّ معنى «الشيء»: الموجود،
الذي يصحّ أن يعلم ويخبر عنه فاذا قلنا إنّه تعالى شيء أفدنا به أنّه موجود يصحّ
أن يعلم ويخبر عنه.
وإذا قلنا: «لا كالأشياء» عنينا به أنّه
مخالف لغيره من الموجودات بأسرها، ولا تناقض في ذلك؛ وأمّا قول القائل: «إنّه جسم
لا كالأجسام»، إن عني به أنّه طويل عريض عميق، فقد دللنا على بطلان هذه الأوصاف
فيه تعالى، وإن عني به معنى آخر فقط أخطا من جهة اللغة، وإن عني بقوله «الأول»:
انّه طويل عريض عميق وبما قالوا «لا كالأجسام»: أنّه ليس بطويل عريض عميق، فقد
تناقض قولاه.
إذا ثبت أنّه تعالى ليس بجسم ثبت أنّه
يستحيل عليه ما يصحّ على الأجسام من الحركة والسكون والصعود والنزول والكون في
مكان وحلول شيء فيه وأن يكون له أعضاء وجوارح.
وأمّا الدليل على أنّه تعالى ليس بعرض، فهو
أنّ من قال «إنّه عرض»، إن عني به أنّه متجدّد الوجود قليل اللبث، فقد أبطل، ... [لأنه]
تعالى موجود واجب الوجود بذاته لم يزل ولا يزال وإن عني به أنّه ممّا يحلّ المحالّ
ويحتاج في وجوده إليها، فهو باطل من حيث أنّه لو كان كذلك لكان محدثا بحدوث ما
يحتاج إليه من المحال. وإن عني به أنّه من جنس الألوان أو الطعوم أو الروائح أو
بعض الأعراض التي عقلناها؛ فذلك باطل أيضا بما علمناه من حدوث هذه الأجناس وقدمه
تبارك وتعالى. فلو كان من جنس شيء منها لاستحال عليه ما استحال عليها، ثمّ والعلم
باستحالة أن يكون شيء من هذه الأجناس عالما قادرا حيّا أظهر من العلم باستحالة
كون الجماد حيّا عالما وإن عني بقوله «إنّه عرض» أنّه ليس بجسم، فقد أخطأ من جهة
اللغة، لأنّ هذه اللفظة عندهم لا تستعمل إلّا فيما يقلّ لبثه. فإذا ثبت أنّه تعالى
ليس بعرض لم يجز عليه ما يجوز على الأعراض من الحلول في المحالّ.
ويدلّ على استحالة الحلول عليه أيضا أنّه لو
وجب حلوله لأدّى إلى أن يكون أبدا حالا، وهذا يقتضي قدم المحالّ. وقد دللنا على
حدوثها. وإن حلّ بعد أن لم يكن حالا لم ينفصل حلوله في المحلّ من كونه غير حالّ
فيه، لأنّ جميع الأحكام المستندة إليه تبارك وتعالى تثبت له من دون الحلول من صحّة
الفعل وصحّة أحكامه وإيقاع الفعل على وجه دون وجه، ولا يحصل المحلّ بحلوله فيه على
أمر زائد من حكم أو صفة وليس هو تبارك وتعالى مدركا حتّى يقال يدرك المحلّ بحلوله
فيه كما يدرك المحلّ على هيئة السواد والبياض. فثبت أنّه لا ينفصل حلوله في المحلّ
من كونه غير حالّ فيه وإثبات ما لا ينفصل ثبوته من نفيه لا يجوز، لأنّه لا يكون
إثباتا لما لا طريق إليه.
فإن قيل: عند حلوله تبارك وتعالى فيه
المحلّ، يحصل للمحلّ فائدة لم تكن من قبل، وهي ظهور الأفعال الإلهيّة في ذلك
المحلّ.
قلنا: وتلك الأفعال كان يمكنه تبارك وتعالى
أن يفعلها فيه قبل الحلول إمّا اختراعا، أو على طريق التوليد، فلا يكون ذلك
مستفادا من حلوله فيه تعالى عنه علوّا كبيرا.
فإن قيل: إذا أحلتم عليه تبارك وتعالى
الجوارح والأعضاء وما يصحّ على الأجسام من الكون في المحالّ والحركة والسكون،
فبما ذا تأوّلون الآيات المتضمّنة لذكر الجوارح والمقتضية لكونه في المكان، والمتضمّنة
لمجيئه، مثل قوله تبارك وتعالى:
{وَجَاءَ رَبُّكَ } [الفجر: 22] ، و{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ
وَالْمَلَائِكَةُ } [البقرة: 210] ،
ومثل قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] ، وقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } [القلم: 42] ، وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ، {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا}
[هود: 37] ، وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] ، وقوله لموسى: { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [طه: 39] ، وقوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ، وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27].
قلنا: أمّا قوله تعالى: «وَجاءَ رَبُّكَ»، فتأويله: وجاء أمر ربّك، وقوله: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا
أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ»، أي: يأتيهم وعده ووعيده
ويكشف لهم من الامور ما كان مستورا عنهم. وهذا مرويّ عن ابن عباس، ثمّ هذا إخبار
عن حالهم أنّهم ينتظرون ذلك. ولا حجّة في انتظارهم أمرا محالا من مجيئه واتيانه
تعالى.
أمّا قوله: «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى»، معنى استولى على ما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
و قال آخر:
فلما
علونا واستوينا عليهم
تركناهم صرعى لنسر وكاسر
وإنّما خصّ العرش بذلك لأنّه أعظم
المخلوقات، على ما ورد في الحديث ليعلم أنّه إذا كان مستوليا على ما هو أعظم، فلأن
يكون مستوليا على غيره أولى.
وأمّا قوله: «يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ» فتأويله عن شدّة، كما يقول العرب:
«قامت الحرب على ساقها»، أي: على شدّتها.
و قوله تعالى: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنا»، أي: بعلمنا.
و قوله: «وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي»، أي: لتفتدى بعلمي.
و أمّا قوله: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنا» أي: في كلائنا وحفظنا.
ولو جرينا على الظاهر للزم أن يكون له أكثر
من عينين.
أمّا قوله: «وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ»، اي: بقوّة واليد بمعنى القوّة معروفة في
اللغة. ولو جرينا على ظاهر الكلام للزم أن يكون له تعالى أكثر من يدين.
و أمّا قوله: «ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما
خَلَقْتُ بِيَدَيَّ»، فالمعروف
في تأويل اليد هاهنا أنّه صلة، كما يقال: هذا ممّا جنت يداك، أي ممّا جنيته أنت.
فكأنّه قال: لما خلقت أنا. وبيانه في قوله
تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا
كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ } [الحج: 8، 9] إلى قوله: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10]. ومعلوم أن ما أشار إليه من الأعمال لا
يعمل باليد. وأمّا تثنية اليد، فالوجه فيها عرف العرب وعادتهم لأنّهم يذكرون اليد
في مثل هذه المواضع مثنّى قال الشاعر:
فقالا: شفاك اللّه، واللّه ما لنا
بما ضمنت منك الضلوع يدان
وقال الآخر:
وإذا
رأيت المرء يشعب أمره شعب العصا
ويلح في العصيان
فاعمد
لما تعلو، فما لك بالذي لا تستطيع
من الامور يدان
وقد
قيل في تأويل هذه الآية: لما خلقت بنعمتي أو لنعمتي، لأنّ حروف الصفات يقوم بعضها
مقام بعض، وإحدى النعمتين هي النعمة على آدم عليه السلام، والاخرى على ذريّته.
وأمّا قوله: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ»، فالمراد بالوجه الذات، كما يقال: هذا وجه
الرّأي.
ووجه الأمر، أي نفسه. ولو كان المراد بالوجه
الجارحة المخصوصة، لكان يجب أن يدلّ قوله تبارك وتعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] ، أن يهلك ذاته ولا يبقى إلّا وجهه، وهذا
محال.
فإن قيل: فما تأويل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } [فاطر: 10] .
قلنا: لا شك في أنّ هذا مجاز، وذلك أنّه
أضاف الصعود إلى الكلام، وهو محال، فلا شك في كونه مجازا. فكما أنّ هذا مجاز، كذلك
جعله تعالى نفسه غاية الصّعود مجاز. وإنّما أضاف جهة الصعود والعلو إلى نفسه على
طريق التجوّز من حيث إنّ لجهة العلو الشرف والفضل على سائر الجهات، لكونها قبلة
للدّعاء ، ولكون القمرين والكواكب المنيرة المشرقة فيها. ما هذا الّا كما يعبّر عن
ذاته تعالى بعبادة الذكور وإن كان منزّها من الذكورة والأنوثة، لما كان الذكور
مفضّلين على الإناث، والعبارة عن الذكور مفضّلة على العبارة عن الإناث.
فإن قيل: فما تأويل قوله تعالى: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] .
قلنا: معناه: أأمنتم من في السّماء: عذابه وملائكته.
وأيضا فإنّ السمع قد ورد مؤكّدا لنفي التشبيه عنه تعالى، قال اللّه تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ، { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
} [الإخلاص: 4] ، والكفو هو
المثل.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|