المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

association (n.)
2023-06-05
استخدام المقاييس الإحصائية - مقاييس الارتباط
29-8-2022
النقل السريع داخل المناطق الحضرية
1-5-2019
محمد أمين بن محمد الاَسترابادي ( ت/1036 هـ)
2-7-2016
Bragg Scattering of X-rays
26-10-2016
التخليق الباريوني
2023-08-09


في صدقه ـ سبحانه  
  
874   04:55 مساءاً   التاريخ: 5-08-2015
المؤلف : مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : جامع الأفكار وناقد الأنظار
الجزء والصفحة : ص490-503ج2
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / التكلم و الصدق /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014 1461
التاريخ: 25-10-2014 794
التاريخ: 25-10-2014 1242
التاريخ: 25-10-2014 747

قد اتفق أهل الأديان على أنّ الكذب في كلامه ـ تعالى ـ محال ؛ وقد استدلّ المعتزلة على ذلك بوجهين والأشاعرة بوجوه

امّا الوجهان اللّذان استدلّ بهما المعتزلة :

فاوّلهما هو : أنّ الكذب في الكلام قبيح ، نظرا إلى أنّ الكلام الّذي يتّصف بالصدق والكذب عند المعتزلة من قبيل الأفعال دون الصفات ، لأنّ الكلام عندهم إمّا بمعنى

التكلّم الحقيقي ـ أعني : كون المتكلّم على وجه يمكن منه القاء الكلام اللفظي إلى من يريد تفهيمه ـ ، أو بمعنى ما به التكلّم ـ أعني : الألفاظ المنتظمة الدالّة على المعاني المقصودة ـ ، أو بمعنى الكلام المصدري وهو التكلّم بالفعل ، وهو خلق الألفاظ الدالّة على المعاني المقصودة. ومعلوم أنّ التكلّم الحقيقي الّذي هو من الصفات لا يتّصف بالصدق والكذب ، فالمتصف بالكذب أوّلا وبالذات هو الكلام اللفظي ـ أعني : الألفاظ الدالّة على المعاني المقصودة ـ وثانيا وبالتبع هو التكلّم بالفعل ـ الّذي هو خلق الألفاظ ـ ، فانّ اتصافه بالكذب بتبعية اتصاف الكلام اللفظي به. ولا ريب في أنّ الكذب في تكلّمه ـ تعالى ـ الفعلي ـ وإن كان بالتبع ـ قبيح. ومع قطع النظر عن اتصاف التكلّم الفعلي بالكذب نقول : لا ريب في أنّ اتصاف الكلام اللفظي به وخلق الألفاظ

 

الدالّة على المعاني الكاذبة قبيح ، والله ـ سبحانه ـ لا يفعل القبيح اصلا ، اي : لا يجوز أن يفعله وإن كان مشتملا على حسن ، كالكذب النافع. فاندفع ما قيل من : أنّ الكذب قد يكون حسنا لكونه نافعا ، وذلك بأنّ الكذب النافع لا يخرج عن كونه قبيحا وإن كان له حسن بوجه ما.

قيل : يتراءى منه المنافاة لما قيل في دفع الشبهة الثنوية من : « أنّه يجوز أن يفعل الواجب ـ سبحانه ـ ما كان خيريته غالبة على شرّيته ، وليس ذلك قبيحا » ؛

وأجيب عنه : بانّه لا شيء من الكذب بحيث يكون حسنه غالبا على قبحه.

وهو كما ترى!.

وتقرير الاشكال في المقام : إنّه ما وجه عدم صدور الكذب المشتمل على الحسن ـ كنفع الغير ـ عنه مع أنّ الكلام له معان ثلاثة :

أحدها : ما به التكلّم ، وهو الألفاظ الدالّة على المعاني ؛

وثانيها : خلق الألفاظ الدالّة على المعاني

وثالثها : التكلّم الحقيقي ـ أعني : كون الذات بحيث يقتضي القاء الكلام إلى من يريده ـ ، والمتّصف بالصدق والكذب انّما هو الكلام بالمعنى الأوّل والثاني دون الكلام بالمعنى الثالث. ولا ريب في أنّ الكلام بالمعنيين الأوليين من قبيل أفعاله ـ سبحانه ـ دون صفاته ، وما هو من صفاته انّما هو الكلام بالمعنى الثالث.

ثمّ الممتنع كون صفاته ـ تعالى ـ مشتملة على القبح دون افعاله ، إذ لم يثبت عدم جواز اشتمال بعض أفعاله وبعض ما يترتّب على ايجاده على قبح ما ، بل هو واقع! ـ كما في الشيطان والسموم المهلكة والاشخاص الشريرة وغيرها ـ ؛ فانّه لا نزاع في أنّ الشرور والقبائح واقعة في عالم الوجود ، غاية ما في الباب انّهما مستندان إلى الأشياء الصادرة عنه ـ تعالى ـ بالذات وإليه ـ سبحانه ـ بالعرض ـ على ما تقرّر في موضعه ـ ، فيجوز أن يصدر عنه ـ سبحانه ـ الكذب المشتمل على حسن ما ويكون مستندا إلى الألفاظ الدالّة على المعاني الّتي هي صادرة عنه ـ تعالى ـ بالذات وإلى الايجاد الّذي هو فعله ـ سبحانه ـ بالعرض.

 

وأجاب بعض الأفاضل عن هذا الاشكال : بانّه لو صدر هذا القسم من الكلام ـ أعني : الكذب المشتمل على النفع ـ عنه ـ تعالى ـ فلا يخلو من أنّه ـ تعالى ـ إمّا أن لا يقدر ايصال هذا النفع المترتّب عليه بوجه آخر إلى الغير من حيث هو فاعل ، فيلزم عجزه المنافي لقدرته الكاملة؛ أو لا يعلم وجها آخر حتّى يتمكّن به من ايصال النفع إلى الغير ، وهذا أيضا ظاهر البطلان. ولا يمكن وصول هذا النفع إلى الغير بدون هذا الكذب بالنظر إلى هذا القابل واستحقاقه، لا بالنظر إلى الفاعل ، لأنّ استحقاق القابل أيضا ممّا له مدخل في جلب المنفعة له ، وهذا أيضا باطل ، أمّا أوّلا فلأنّ القبح لا يورث النفع اللائق للمكلّف ـ وهو الارتقاء من حضيض الطبيعة إلى ذروة الكمال اللائق للنشأة الأخرى ـ ، فان القبيح كالسمّ المنافي لصحّة النشأة الباقية. فكيف يصير سببا لحصولها ومبنى الشريعة الترغيب والتحريص على تحصيلها؟!؛

وأمّا ثانيا : فلأنّ صدور الكلام الكاذب عنه ـ تعالى ـ المشتمل على الحسن ـ أعني : النفع للغير ـ يوجب صدور الشرّ الكثير المشتمل على الخير بوجه بالذات من الخير المحض المبرّى عن كلّ نقص وآفة ؛ وهذا باطل ، لاستلزامه جهة النقيصة في ذاته ـ تعالى ـ.

وغير خفيّ بانّه يمكن المناقشة في مواضع من هذا الجواب.

وقريب من الشقّ الأوّل من هذا الجواب ما ذكره بعض الفضلاء من أنّ من كان قادرا وحكيما على الاطلاق بحيث يكون جميع الموجودات تحت قدرته يحكم العقل بديهة بأنّ ايجاد الكلام الكاذب منه قبيح وإن كان ذلك الكلام الكاذب مشتملا على حسن ؛ نعم! ، الكلام الكاذب الّذي يكون مشتملا على حسن لا يكون قبيحا في بعض الأوقات بالنسبة إلى من لم تكن قدرته مشوبة بالعجز أصلا ولا يكون قادرا عالما حكيما على الاطلاق ، فالعقل يحكم بأنّ الكذب في كلامه قبيح وإن كان مشتملا على حسن.

والأصوب في الجواب عن الاشكال المذكور أن يقال : الفرق متحقّق بين ايجاد الألفاظ الدالّة على المعاني الكاذبة وبين ايجاد الشيطان ومثله من الموجودات المشتملة على الشرور والقبائح ، فانّ المحرق مثلا يكون محمولا على النار حقيقة وعلى فاعل النار

 

بالمجاز وبالعرض ، وكذا الشرير يحمل على الشيطان حقيقة وبالذات وعلى فاعله وموجده بالعرض وبالمجاز ؛ وأمّا الكلام الكاذب فكما يحمل عليه الكاذب بالذات وبالحقيقة فكذلك يحمل على ملقي الكلام وموجده أيضا من دون تفاوت ، لأنّ حمل الكاذب والصادق على المتكلّم حقيقي وذاتي وليس مجازيا عرضيا ، لأنّ الصادق معناه بالفارسية : « راست گو در قول خود » ، والكاذب معناه بالفارسية : « دروغ گو در قول خود » ، فلو جاز ايجاده ـ تعالى ـ كلاما كاذبا يلزم جواز حمل الكاذب عليه ـ تعالى ـ حقيقة وبالذات ، فيلزم النقص في صفته ـ تعالى ـ ؛ وهو محال ، لأنّ ما يحمل عليه ـ تعالى ـ حقيقة وبالذات يجب أن يكون كمالا على الاطلاق بحيث لا يكون فيه نقص بوجه من الوجوه. وبالجملة العقل السليم حاكم بأنّ الكذب والتلبيس واظهار ما هو خلاف الواقع ونفس الأمر نقص وقبيح يجب تقديسه ـ تعالى ـ عنه.

ولا ريب في أنّ هذا الدليل بناء على المذهب الحقّ من ثبوت حكم العقل بحسن الأفعال وقبحها تامّ صحيح لا خدشة عليه.

وثانيهما : أنّ الكذب ينافي مصلحة العالم ، لأنّه إذا جاز وقوع الكذب في كلام الله ـ تعالى ـ ارتفع الوثوق عن اخباره بالثواب والعقاب وسائر ما اخبر به من احوال الآخرة والأولى ، وفي ذلك فوات مصالح لا يحصى ، والأصلح واجب عليه ـ تعالى ـ عندهم ، فلا يجوز اخلاله به.

قال بعض الأفاضل : كذبه ـ سبحانه ـ أو جواز كذبه مع اطّلاع العباد عيه ينافي مصلحة العالم ويرتفع الثقة معه ، أمّا لو وقع الكذب في الواقع أو جاز ولم يقع ولكن يحفظ الحال ـ تعالى ـ بحيث لا يطّلع عليه أحد لا يلزم خلاف المصلحة وارتفاع الثقة ولا ينافي وجوب الأصلح عليه ـ تعالى ـ ؛

وغير خفيّ بانّه لو جاز الكذب عليه ـ تعالى ـ يعرف العقلاء ذلك كلّيا وإن لم يطّلعوا عليه بخصوص القضايا الخارجية ؛ وبه يحصل ارتفاع الثقة ومنافاة مصلحة العالم. وأمّا الوجوه الّتي استدلّ الأشاعرة بها على استحالة الكذب عليه ـ تعالى ـ :

فمنها : إنّ الكذب نقص ، والنقص على الله ـ تعالى ـ محال اجماعا ؛

 

وأيضا : لو صدر عنه الكذب لزم أن نكون نحن أكمل منه ـ تعالى ـ في بعض الأوقات ـ أعني : وقت صدقنا وكذبه سبحانه ـ.

ثمّ استحالة النقص على الواجب ـ سبحانه ـ يدلّ عليه العقل أيضا ، وليس طريق اثباته مجرّد الاجماع ، وبذلك يندفع ما قيل : إنّ اثبات حجّية الاجماع موقوف على صدق الرسول الموقوف على صدقه ـ تعالى ـ ، فاثبات صدقه ـ تعالى ـ بالاجماع دور ؛ هذا.

وقيل : وهذا الوجه من وجوه الأشاعرة ـ أعني : لزوم النقص على تقدير الكذب في كلامه ، تعالى ـ انّما يدلّ على صدق الكلام النفسي الّذي هو صفة قائمة بذاته ـ تعالى ـ ، إذ لو وقع الكذب فيه لزم نقصان صفته ـ تعالى ـ مع كمال صفتنا ، ولا يدلّ على صدقه ـ تعالى ـ في الكلام اللفظي الّذي يخلقه في جسم دالاّ على معنى مقصود منه ، لأنّه على تقدير وقوع الكذب في الكلام اللفظي الّذي يخلقه انّما يلزم النقص في فعله ـ تعالى ـ والنقص في فعله ليس لنقص في صفاته الكمالية الّذي يقول الأشعري باستحالته على الله ـ سبحانه ـ ، بل هو القبح العقلي بعينه ، إذ لا فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه إلاّ بمجرد العبارة ؛ فرجع هذا الوجه للأشاعرة إلى الوجه الأوّل للمعتزلة. مع أنّ الأشاعرة لا يقولون بالقبح العقلي ، فلا يمكنهم التمسّك بلزوم النقص في افعاله ـ تعالى ـ في دفع الكذب عن كلامه اللفظي مع أنّ الأهمّ بيان صدقه ـ تعالى ـ في الكلام اللفظي ، إذ أمر التكليف للعباد انّما يفهم منه لا من النفسي.

وادّعى بعض الأعلام استلزام كذب الكلام اللفظي لكذب النفسي حيث قال : مرجع الصدق والكذب انّما هو المعنى دون اللفظ ، ولمّا كان الكلام النفسي عندهم عين مدلول الكلام اللفظي ومعناه كان كذب الكلام اللفظي راجعا إلى كذب الكلام النفسي ولزم النقص في صفته ـ تعالى ـ.

واعترض عليه : بأنّ القاء الكلام اللفظي إلى آخر وايجاده على ثلاثة أقسام :

أحدها : ايجاده بدون قصد القاء المعنى المقصود منه ؛

وثانيها : ايجاده مع الاعتقاد بمدلوله ؛

 

وثالثها : ايجاده بدون الاعتقاد بمدلوله.

ولا يلزم من كذب الكلام اللفظى الكذب في الكلام النفسي الّذي هو الصفة القائمة بالذات إلاّ في الصورة الثالثة لا في الصورتين الأوليين ، لأنّه إذا اعتقد المتكلّم مدلول كلامه اللفظي الّذي القاه إلى المخاطب وكان اللفظي الدالّ كاذبا لزم كون المتكلّم معتقدا لخلاف الواقع ، وأمّا إذا لم يقصد المتكلّم القاء المعنى أو قصد ولم يعتقد مدلوله فلا يلزم من كذبه اعتقاد المتكلّم لخلاف الواقع ، فلا يلزم النقص في الصفة بمجرّد خلق الحروف والكلمات الدالّة على المعاني الكاذبة في الأجسام.

وأنت خبير بأنّ الصورة الأولى لا يتصوّر بالنسبة إلى جنابه ـ سبحانه ـ ، لأنّه ـ تعالى ـ عالم بجميع الأشياء بحيث لا يعزب عن علمه شيء أصلا.

قيل : والصورة الثانية أيضا مندفعة بأنّ كلّ كلام لفظي فله مدلول ، فان كان مدلوله مطابقا للواقع كان صادقا ـ سواء كان المتكلّم اعتقد بمدلوله أم لا ، وسواء كان اعتقد بنقيضه أم لا ـ ؛ وبالجملة لا دخل لاعتقاد المتكلّم في صدقه وكذبه ؛ وإن لم يكن مدلوله مطابقا للواقع كان كاذبا ـ سواء كان المتكلّم اعتقد بمدلوله أم لا ، وسواء كان اعتقد بنقيضه أم لا ـ. ولمّا كان الكلام النفسي عندهم مدلول الكلام اللفظي فذلك المدلول إن كان مطابقا للواقع كان الدالّ عليه صادقا ، وإن لم يكن مطابقا للواقع كان الدالّ عليه كاذبا ، فلا يتصوّر أن ينفكّ صدق أحدهما عن صدق الآخر وكذب أحدهما عن كذب الآخر ، لأنّ صدق الكلام اللفظي وكذبه تابع لصدق الكلام النفسي وكذبه ؛ انتهى.

وفيه : إنّ كلاّ من صدق الكلام اللفظي وكذبه وإن كان منوطا بمطابقته للواقع وعدمه ولم تكن لاعتقاد المتكلّم وعدمه مدخلية في ذلك ـ على ما هو الحقّ ـ إلاّ أنّ المتكلّم إذا لم يعتقد مدلول هذا الكلام اللفظي وكان غير مطابق للواقع لم يكن المتكلّم معتقدا لما هو خلاف الواقع ، فلا يلزم نقص في صفته وإن كان هذا الكلام كاذبا ؛ بخلاف ما لو اعتقد مدلوله وكان كاذبا ، فانّه يلزم حينئذ اعتقاده بخلاف الواقع ، فيلزم النقص في صفته. فالواجب ـ سبحانه ـ إذا صدر منه كلام لفظي كاذب علم خلافه ولم يتعلّق علمه بمدلوله لم يلزم من كذبه نقص في صفته ـ سبحانه ـ. ولذا اعرض بعضهم عن هذا الوجه ـ لاندفاع الصورة الثانية ـ وقال لبيان عدم تصوّرها بالنسبة إليه ـ تعالى ـ بأنّ ايجاد الكلام اللفظي مع قصد الالقاء بدون الاعتقاد بمدلوله ـ كما في صورة الامتحان ـ ، ولا يعدّ ذلك سفها. وقد ثبت ممّا ذكر أنّ الصورة الأولى لا تتصوّر بالنسبة إلى جنابه ـ تعالى ـ ، والصورة الثانية يتصوّر بالقياس إليه ـ تعالى ـ ولا يلزم فيها من كذب الكلام اللفظي كذب الكلام النفسى ، فلزوم كذب النفسي من كذب اللفظي منحصر بالصورة الثالثة ؛ إلاّ أنّه مع ذلك نقول : لا يلزم نقص في صفة كمالية ، لأنّ مدلول الكلام اللفظي المطابقى ليس صفة لذاته ـ تعالى ـ ، كالكلام اللفظي ولا أمرا واحدا ، بل انّما يكون الصفة القائمة بذاته هو التكلّم الحقيقي الّذي هو القدرة على الالقاء أو العلم بالكلام وبمدلوله. ولا يخفى أنّه لا يلزم من كذب الكلام اللفظي وكذب مدلوله اللّذين هما من الأفعال النقص في قدرته على الالقاء وعلمه بالكلام اللّذين هما من الصفات ، اذ لا يلزم من القدرة على ايجاد الخبر الكاذب الملقى أو العلم التصوّري بمضمونه نقص في الادراك.

وأنت بعد ما عرفت من أنّ الكلام النفسي الّذي هو مدلول الكلام اللفظى ليس له معنى محصّل وما هو الثابت الواجب في الواقع ونفس الامر ليس إلاّ التكلّم الحقيقي الواقع إلى قدرة خاصّة أو العلم بالكلام ولا يلزم من كذب الكلام اللفظي كذب فيهما تعلم أنّه لا يلزم من كذب الكلام اللفظي إلاّ نقص في فعله ـ سبحانه ـ ، ولا يلزم منه نقص في صفة من صفاته الكمالية. إلاّ أنّ العقل السليم حاكم بأنّ مجرّد القاء الكلام الكاذب وإن كان صفة اعتبارية نقص وهو ـ سبحانه ـ منزّه عنه.

وعلى هذا فالفرق بين هذا الدليل والوجه الأوّل للمعتزلة : إنّ بناء الوجه الأوّل على لزوم القبح العقلى وبناء هذا الدليل على لزوم النقص في الصفة الاعتبارية ، فيمكن للأشعري الاستدلال بهذا الدليل وإن لم يمكنه الاستدلال بالقبح العقلى.

وأنت بعد التأمّل تعلم انّهما راجعان إلى أمر واحد ، والتفريق بينهما مشكل ، لأنّه مع قطع النظر عن الحسن والقبح العقليين لا نعلم أنّ الكذب قبيح حتّى يكون القائه نقصا.

 

فان قيل : النقص في الصفة الاعتبارية ممّا لا فساد فيه ، ألا ترى أنّ ايجاد الأعمى والأصمّ والأشلّ وغيرهم من المخلوقات الناقصة ايجاد ناقص متحقّق؟!.

قلنا : التحقيق إنّ النقص لا يدخل في صفة من صفاته ـ سبحانه ـ أصلا ـ سواء كانت حقيقية أو اعتبارية ـ ، ولا في فعل من افعاله مطلقا ؛ قال المعلّم الثاني : « الأوّل ـ تعالى ـ تامّ القدرة والحكمة والعلم كامل في جميع أفعاله لا يدخل في أفعاله خلل البتة ولا يلحقه عجز ولا قصور. والافات والعاهات الطبيعية انّما هي تابعة لضرورات اختلاف المهيات والاستعدادات بحسب الكمال والنقصان ولعجز المادّة من قبول النظام التامّ » ؛ انتهى.

فليس في الايجاد نقص وقصور أصلا ، بل النقص والقصور انّما هو من جهة القابل ولا قصور من جانب الفاعل أصلا ، ولا بخل في جوده مطلقا.

وقال صاحب التحصيل ما حاصله : إنّ هذا القصور قد لا يكون لعلّة ، إذ من البيّن أنّه ليس للماهيات الممكنة في ذواتها ولا في كونها ممكنة سبب ولا في حاجتها إلى علّة لوجودها سبب ولا يكون المتضادّين متمانعين في الوجود ولا يكون كلّ كائن فاسد علّة ولا لقصور الممكن عن الوجود الواجبي ونقصانه عن رتبته علّة ولا لكون النار محرقة وكون المحترق في قبوله الاحراق علّة ، إذ كلّ ذلك من مقوّمات المهيات وطبائع الامور أو من لوازمها. ولهذا نظائر ، مثل كون إحدى غايات بعض الموجودات مضرّة ببعض الموجودات ومفسدة له ، كما أنّ غاية القوّة الغضبية مضرّة بالعقل وإن كانت خيرا بحسب القوّة الغضبية. فهذه نقصانات ليس لأجل علل معدّة مرتبة ، فانّ نقصان الأرض عن رتبة ، الواجب لذاته اكثر من نقصان الشمس عن رتبته وليس هذه لعلّة معدّة ، بل لاختلاف المهيات في ذواتها. فلو كان النقصان في جميع المهيات منشأ لها لكانت المهيات واحدة ، وكما أنّ ماهية الانواع متفاوتة في ذلك كذلك مهيات الاشخاص التي تحت الانواع.

ثمّ النقصان قد تكون من المعدّات الموجبة لنقصان الاستعدادات العارضة للموادّ ، لكن يجب انتهائها إلى حركة واحدة دورية أزلية أبدية يكون التغيّر والتبدل ذاتيا لها لئلاّ يلزم الدور أو التسلسل ، وهي ملزومة أن تكون للموادّ استعدادات

 

متعاقبة يكون كلّ واحد منها علّة ذاتية لما هو معها من المعدّات وعلّة عرضية لما يوجد بعدها فلا يلزم من حدوث الحوادث علل غير متناهية ؛ انتهى.

وعلى هذا فكلّ ما يصدر عنه ـ تعالى ـ يصدر على وجه لا يتصوّر أكمل ممّا هو واقع ، وإلاّ لكان صدور ما هو أنقص منه ـ تعالى ـ ملزوما لترجيح المرجوح على الراجح. فالواجب ـ سبحانه ـ أظهر بنور فيضه وجود كلّ ما هو قابل لفيضانه ، فالكلّ من الله بحسب الوجود كما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ : ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ).

وامّا النقائص الواقعة في عالم الوجود فليست إلاّ من قصور ذاتيّ غير معلّل ومن قصور غير ذاتي معلّل ـ كما مرّ مفصّلا في كلام بهمنيار ـ. وقد اشير إلى ذلك في قوله ـ سبحانه ـ : ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (1). والسّر في ذلك ـ على ما مرّ ـ أنّ الخير هو الوجود والشرّ هو العدم ، والوجود لا يكون إلاّ فائضا من جنابه ـ تعالى ـ والعدم انّما هو مقتضى الفطرة الامكانية ، فكلّ خير وكمال انّما هو من الله وكلّ شرّ ونقص فهو من طبيعة الممكن لا منه ـ سبحانه ـ.

وإذا عرفت ذلك نقول : لا ريب في أنّه إذا صدر الكلام الكاذب منه ـ سبحانه ـ يكون هذا الكذب نقصا مستندا إليه ـ تعالى ـ لا إلى الماهية القابلة ، فيجب تنزيهه ـ سبحانه ـ عنه.

ومنها : أنّه ـ سبحانه ـ لو اتصف بالكذب لكان كذبه قديما ـ إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب وإلاّ لجاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ـ فانّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ـ ؛ واللازم ـ وهو امتناع الصدق عليه تعالى ـ باطل ، فانا نعلم بالضرورة إنّ من علم شيئا امكنه أن يخبر عنه على ما هو عليه.

وأنت خبير بأنّ هذا الوجه انّما يدلّ على كون الكلام النفسي صادقا دون اللفظي ، مع أنّ الأهمّ بيان صدق اللفظي دون النفسي.

وربما أجيب عن ذلك بما قيل في الوجه الأوّل من أنّ مرجع الصدق والكذب انّما

 

هو المعنى دون اللفظ ، فكذب الكلام اللفظي راجع إلى كذب الكلام النفسي ـ كما ذكر في الوجه الأوّل ـ ، وكذب الكلام النفسى قديم فكذب اللفظي أيضا قديم ، وحينئذ يلزم ما ذكر من المحذور في الكلام اللفظي أيضا ، فثبت منه عدم وقوع الكذب فيه.

وردّ بعضهم هذا الجواب : بأنّ الأشاعرة لمّا جوّزوا حدوث الكلام اللفظي مع قدم الكلام النفسي فان جوّزوا حدوث صفة اللفظي ـ أعني : حدوث كذبه ـ كان أولى وبقبول العقل أحرى ، وإذا كان كذبا حادثا عندهم فلا يجري هذا الدليل فيه.

وقال بعض المشاهير : إنّ هذا الوجه كالوجه الأوّل في اجراء الجواب المذكور ، وتفصيل اجرائه في هذا الوجه أن يقال : إذا كان مرجع الصدق والكذب هو المعنى دون اللفظ وكان الكلام النفسي عبارة عن مدلول الكلام اللفظي فلا يتصوّر كذب الكلام اللفظى بدون كذب الكلام النفسي ، فكذب الكلام اللفظي انّما يكون بكذب الكلام النفسي ؛ فلو كذب الكلام اللفظي كذب الكلام النفسي ؛ وكذبه انّما يكون قديما بما ذكر.

أقول : إن كان مراده إنّ القدم في الكذب منحصر في الكلام النفسى ـ لأنّه إذا كان الكلام اللفظي حادثا ومدلوله قديما يجوز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ، فالملازمة وعدم الانفكاك انّما يكون بين أصل كذب الكلام اللفظي وكذب الكلام النفسى لا بين وصف الكذبين أيضا ، أعني : القدم والحدوث لجواز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ـ ، ففيه : انّ كذب الكلام اللفظي لو كان حادثا يجري هذا الوجه في ابطال كذبه ووجوب صدقه ؛

وإن كان مراده انّ كذب اللفظي ككذب النفسي قديم ، ففيه : إنّه لا يتصوّر كون أصل الكلام اللفظي حادثا وكون صفته ـ أعني : كذبه ـ قديما ، وهو ظاهر بديهي. فظهر أنّ جريان الجواب المذكور في هذا الوجه باطل ، ومنه يظهر عدم دلالة هذا الوجه على بطلان كذب الكلام اللفظي.

فان قيل : على ما ذكرت يكون كذب الكلام اللفظي حادثا وتجويز حدوثه لا يمكن أن يتحقّق بدون كذب الكلام النفسي ـ بناء على الجواب المذكور ـ ، فيلزم منه تجويز كذب الكلام النفسي وهو باطل بالدليل المذكور ـ أعني : الوجه الثاني للأشاعرة ـ ،

 

فيجب أن يدفع الجواب المذكور بما نقلناه عن بعض المشاهير في الوجه الأوّل من أنّ القاء الكلام اللفظي إلى آخر وايجاده على ثلاثة اقسام ، ولا يلزم من كذب الكلام اللفظي الكذب في الكلام النفسي إلاّ في القسم الثالث دون القسمين الأوّلين ؛

قلت : تجويز حدوث كذب الكلام اللفظي انّما هو بعد تسليم وقوع الكذب فيه ، ونحن بيّنا عدم جواز كذب كلام الله اللفظي بلزوم القبح العقلي والنقص في فعله لولاه ، وهما باطلان عندنا ؛

وأيضا قد عرفت أنّ الكلام النفسي ليس له معنى معقول ولا يرجع إلى معنى محصّل ، اللهم إلاّ أن يرجع إلى التكلّم الحقيقي أو العلم وإن لم يكن مطابقا لقول الأشعري ولا معنى لوقوع الكذب فيهما ، فاذا لم يدلّ هذا الوجه على بطلان كذب اللفظي أيضا يثبت سقوطه بالكلّية.

ثمّ ما ذكره بعض المشاهير في رفع الجواب المذكور قد عرفت حاله.

هذا ؛ مع أنّه يرد على ما ذكر في الوجه المذكور ـ من أنّه مع قدم الكذب يمتنع الصدق وإلاّ جاز زوال الكذب ـ : بانّا لا نسلّم أنّه بالصدق يزول الكذب. وتفصيل ذلك : أنّه إن أريد بزوال الكذب : زوال مدلول اللفظ الكاذب بعد حصول معنى صادق أو زوال اللفظ الكاذب بعد حصول لفظ صادق فهو ممنوع ، لأنّه لا تنافي بين قيام المعنى الصادق والكاذب كليهما بذات واحدة ـ كما في أنفسنا حين اخبارنا بما علمنا إنّه مخالف للواقع ـ ، انّما المحال اعتقادهما معا ، فيجوز أن يصدر خبر واحد عن شخص واحد مرّتين في إحداهما كان مدلوله صادقا وفي الأخرى كان مدلوله كاذبا وكلاهما كانا قائمين بهذا الشخص الواحد ؛ وكذا حال اللفظ الصادق والكاذب ، فانّه باللفظ الصادق لا يزول اللفظ الكاذب. والحاصل : إنّ الكلام النفسي ليس أمرا واحدا قائما بذاته ـ تعالى ـ عندهم حتّى يمتنع أن يكون صادقا وكاذبا ، بل المشهور عندهم أنّ الكلام النفسي عبارة عن مدلول الكلام اللفظي ومدلول الكلام اللفظي يتعدّد بتعدّد الكلام اللفظي ، وإذا كان الكلام اللفظي أمورا متعدّدة فيجوز أن يكون بعضها صادقا وبعضها كاذبا ، فما هو صادق يكون صادقا ابدا وما هو كاذب يكون كاذبا ابدا ؛

 

وإن أريد : أنّه يزول الاعتقاد بالكاذب فانّه يدلّ على امتناع اعتقاده ـ تعالى ـ وتصديقه بالكاذب ، ولا ريب في أنّ عدم الاعتقاد بالكاذب قد كان حاصلا قبل حصول الصادق أيضا ولم يكن قبله اعتقاد به حتّى يزول بالصادق ، ولا شبهة في أنّ امتناع الاعتقاد بالكاذب لا يستلزم امتناع الكاذب بدون الاعتقاد ـ بل مع علمه بانّه خلاف الواقع ـ ، فعلى هذا الشقّ يلزم قدم كذب مدلول اللفظ ، لأنّه إذا كان المدلول قديما وجاز كذبه ولم يلزم من حصول الصدق زواله يكون الكذب قديما البتة. ولا يلزم منه زوال قديم أصلا ، بل يلزم أن يقوم به ـ تعالى ـ الصادق والكاذب ـ أي : مدلول اللفظين أو اللفظان ـ مع اعتقاده باحدهما وعدم اعتقاده بالآخر ازلا وابدا. فلا يدلّ هذا الدليل على امتناع كذب مدلول اللفظ ولا اللفظ بالنسبة إليه ـ تعالى ـ نظرا إلى عدم اعتقاده بالكذب ، بل امتناع اعتقاده. وكذا الدليل الّذي قبله ، فانّ اعتقاد الكذب نقص لا قيام مدلول كاذب به ـ تعالى ـ بطريق التصوّر أو غيره. نعم! ، يتمّ الدليل الّذي قبله بما ذكرناه من أنّ صدور الألفاظ الكاذبة منه ـ تعالى ـ قبيح ؛ هذا.

وقيل : لو تمّ هذا الدليل لدلّ على امتناع صدقه ـ تعالى ـ أيضا بأن يقال : إنّه ـ تعالى ـ لو اتصف بالصدق لكان صدقه قديما ، فيمتنع عليه الكذب المقابل لذلك الصدق ، لكنّا نعلم ضرورة أنّ من علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فيلزم أن لا يتّصف بالصدق أصلا ؛ انتهى.

وفيه : انّا لا نسلّم أنّ الواجب ـ تعالى ـ لو علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فهل الكلام إلاّ فيه؟!. فيجوز أن يكون الاخبار لا على ما هو عليه محالا بالقياس إليه ـ تعالى ـ لاستلزامه النقص.

فان قيل : الاستدلال بامتناع الاخبار لا على ما هو عليه بايجابه النقص رجوع إلى الوجه الأوّل ؛

قلنا : هذا الاستدلال هنا جعل سندا للمنع وفي الوجه الأوّل كان عين الدليل.

ومنها : اجماع الأنبياء ـ : ـ والعلماء على صدقه ـ سبحانه ـ وعدم وقوع الكذب في كلامه ، وقد ثبت صدقهم بدلالة المعجزات من غير توقّف على ثبوت

 

كلام الله ـ سبحانه ـ فضلا عن صدقه. وقد صرّح اتباع الأشعري بأنّ هذا الدليل هو المعتمد ، لبراءته عن المناقشات ودلالته على الصدق في الكلام النفسي واللفظي معا.

وغير خفيّ بانّه بعد بطلان الكلام النفسي وعدم وقوعه في كلام الأنبياء والحكماء وأساطين العلم لا معنى لتناول اجماعهم لصدقه ، وامّا اجماعهم على صدق كلامه الّذي يجري فيه الصدق والكذب ـ أعني : كلامه اللفظي ـ فلا ريب في تحقّقه.

إلاّ أنّه أورد عليه : بأنّ ما ثبت بدلالة المعجزات ـ لو سلّم دلالتها على تقدير شرعية الحسن والقبح العقليين دون عقليته ، على ما هو رأي الأشعري ـ انّما هو صدقهم بمعنى انّ ما قالوا كلامه ـ تعالى ـ ومن جانبه ـ سبحانه ـ لا من عند أنفسهم ، وامّا إنّه حقّ مطابق للواقع فيتوقّف العلم به على العلم بأنّ الكذب محال على الله ـ تعالى ـ ؛ فحينئذ نقول : اثبات صدق كلام الله ـ تعالى ـ بالاجماع موقوف على حجّية الاجماع وحجّية الاجماع موقوف على العلم بصدق قول النبيّ ـ - صلى الله عليه وآله ـ في الواقع « إنّه لا تجتمع أمّته على الخطاء » ، والعلم بصدق قول النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ بمعنى كونه من جانب الله وإن لم يتوقّف على شيء سوى المعجزة ، إلاّ أنّ العلم بصدق قوله في الواقع ـ أي : مطابقته للواقع ، بمعنى أنّ هذا القول الّذي من جانب الله مطابق للواقع ـ يتوقّف على العلم بصدق كلامه ـ تعالى ـ ، لأنّ المعجزة انّما تدلّ على أنّ هذا القول من قبل الله ـ تعالى ـ لا من عند نفس النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ ولا يدلّ على أنّه مطابق للواقع ، فلا يظهر بالمعجزة إلاّ أنّه كلام الله ـ تعالى ـ لا أنّه مطابق للواقع ؛ فلو كان كلام الله صادقا كان هذا صادقا في الواقع ، وإلاّ فلا. فظهر انّ حجّية الاجماع يتوقّف على صدقه ـ تعالى ـ ، فاثبات الصدق به دور.

وأيضا : إذا جاز كذبه ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ لا يلزم من تصديقه ـ تعالى ـ للنبيّ في نبوّته باظهار المعجزة ثبوته في الواقع ، لأنّه بمنزلة قوله : « هذا صادق في نبوّته » ، وإذا جاز كذبه جاز كذب هذا التصديق ولم يصحّ منه شيء على قاعدتهم ، فلم يثبت نبوّته عادة ، وإذا لم يثبت نبوّته لم يثبت حجّية الإجماع.

 

والقول بأنّ المعجزة تدلّ عادة على مطابقة كلام النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ للواقع ظاهر الفساد ، بل لو سلّم فانّما تدلّ على أنّ كلامه ـ تعالى ـ من جانب الله ، وأمّا صدقه في الواقع فلا يتمّ بدون الحسن والقبح العقليين.

على أنّه إذا جوّز العقل امثال تلك الاحتمالات المذكورة لم يثبت نبوّة نبيّ أصلا ، فكيف يثبت نبوّة نبيّ بدلالة المعجزة عادة؟! ـ إذ ثبوت شيء بالعادة فرع العلم بتكرار الوقوع ـ. فظهر أنّ اثبات صدقه ـ تعالى ـ باجماع الأنبياء والعلماء انّما يصحّ على رأي أهل الحقّ من قولهم بالحسن والقبح العقليين ، لا على رأي الأشاعرة المنكرين له.

ومنه يظهر أنّه وإن صحّ عند الاستدلال على صدقه بالاجماع ولزوم النقص في فعله إلاّ أنّه يتوقّف على التمسّك بالحسن والقبح العقليين والقول بانتفاء القبح عنه ـ تعالى ـ ، فالعمدة في اثبات صدقه انتفاء القبح عنه ـ تعالى ـ ، كما اشار إليه العلاّمة الطوسي في التجريد بقوله : « وانتفاء القبح يدلّ على صدقه » (2).

 

__________________

(1) كريمة 79 ، النساء.

(2) راجع : المسألة السادسة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص 225.

 

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.