المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



بلنسية وبعض قراها  
  
2514   02:01 صباحاً   التاريخ: 6-4-2022
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج1، ص: 178-181
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /

 

بلنسية وبعض قراها

وقال ابن سعيد (1) : إن كورة بلنسية من شرق الأندلس تنبت الزعفران (2) ، وتعرف بمدينة التراب، وبها كمثرى تسمى الأرزة (3) في قدر حبة العنب، قد جمع مع حلاوة المطعم (4) ذكاء الرائحة، إذا دخل دارا عرف بريحه، ويقال: إن ضوء بلنسية يزيد على ضوء سائر بلاد الأندلس، وبها منازه (5) ومسارح، ومن أبدعها وأشهرها الرصافة ومنية ابن أبي عامر.

وقال الشرف أبو جعفر بن مسعدة الغرناطي من أبيات فيها:

هي الفردوس في الدنيا جمالا ... لساكنها وكارهها (6) البعوض وقال بعضهم فيها (7) :

(179)

ضاقت بلنسية بي ... وذاد عني غموضي

رقص البراغيث فيها ... على غناء البعوض وفيها لابن الزقاق البلنسي (8) :

بلنسية إذا فكرت فيها ... وفي آياتها أسنى البلاد

وأعظم شاهدي منها عليها ... وأن جمالها للعين بادي

كساها ربها ديباج حسن ... له علمان من بحر ووادي وقال ابن سعيد أيضا: أنشدني والدي قال: أنشدني مروان بن عبد الله ابن عبد العزيز ملك بلنسية (9) لنفسه بمراكش قوله (10) :

كأن بلنسية كاعب ... وملبسها سندس أخضر

إذا جئتها سترت نفسها ... بأكمامها فهي لا تظهر وأما قول أبي عبد الله بن عياش " بلنسية بيني - البيتين " وقد سبقا (11) ، فقال ابن سعيد: إن ذلك حيث صارت ثغرا يصابحها العدو ويماسيها، انتهى.

وقال أبو الحسن بن حريق يجاوب ابن عياش (12) :

بلنسية قرارة كل حسن ... حديث صح في شرق وغرب

 (180)

فإن قالوا محل غلاء سعر ... ومسقط ديمتي طعن وضرب

فقل هي جنة حفت رباها ... بمكروهين من جوع وحرب وقال الرصافي في رصافتها (13) :

ولا كالرصافة من منزل ... سقته السحائب صوب الولي

أحن إليها ومن لي بها ... وأين السري من الموصلي وقال ابن سعيد: وبرصافة بلنسية مناظر وبساتين ومياه، ولا نعلم في الأندلس ما يسمى بهذا الاسم إلا هذه ورصافة قرطبة، انتهى.

ومن أعمال بلنسية قرية المنصف التي منها الفقيه الزاهد أبو عبد الله المنصفي وقبره كان بسبتة يزار، رحمه الله تعالى، ومن نظمه (14) :

قالت لي النفس أتاك الردى ... وأنت في بحر الخطايا مقيم

فما ادخرت الزاد، قلت: اقصري ... هل يحمل الزاد لدار الكريم ومن عمل بلنسية قرية بطرنة، وهي التي كانت فيها الوقيعة المشهورة للنصارى على المسلمين، وفيها يقول أبو إسحاق بن معلى الطرسوني (15) :

لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستم ... حلل الحرير عليكم ألوانا

ما كان أقبحهم وأحسنكم بها ... لو لم يكن ببطرنة ما كانا ومن عمل بلنسية متيطة التي نسب إليها جماعة من العلماء والأدباء.

 (181)

ومن عمل بلنسية مدينة أندة التي في جبلها معدن الحديد، وأما رندة - بالراء - فهي في متوسط الأندلس، ولها حصن يعرف بأندة أيضا.

 

 

__________

(1) انظر جانبا من هذا الوصف في المغرب 2: 297 - 298.

(2) ك: ينبت بها الزعفران.

(3) دوزي: الأزرة. وفي التعليقات محاولة للربط بينها وبين لفظة (Azerola) المشتقة من الزعور.

(4) ك: الطعم.

(5) ك: منارة.

(6) دوزي: مكارهها، ولعل فيه إشارة إلى الحديث " حفت الجنة بالمكاره " .

(7) سيرد البيتان في الباب السابع من هذا الكتاب.

(8) ديوان ابن الزقاق: 139 وانظر التخريجات للمقطوعة: 31.

(9) ولي بلنسية في آخر عهد المرابطين حتى قام عليه جند بلنسية سنة 539 وبايعوا لابن عياض ملك مرسية، فانتقل إلى ميورقة ومنها إلى مراكش، وقد أطنب والد ابن سعيد في مدحه (المغرب 2: 300 - 301).

(10) البيتان في ياقوت: (بلنسية).

(11) انظر ما تقدم ص: 175.

(12) ابو الحسن علي بن حريق ( - 622) من شعراء زاد المشافر؛ ترجمته في التكملة 2: 679 (كوديرة) وزاد المسافر: 22 وسيرد له ذكر كثير في النفح، وانظر مقصورة حازم 1: 142 وقد وردت أبياته في زاد المسافر: 94 وياقوت: (بلنسية).

(13) ديوان الرصافي: 124 نقلا عن النفح.

(14) انظر المغرب 2: 354 وسيترجم في النفح لأبي الحجاج المنصفي.

(15) إبراهيم بن معلى (ق ك: يعلى؛ ط: علي الطرسوسي) الطرسوني شاعر اشتهر بمدح المقتدر بن هود، وطرسونة بلدة من مدن الثغر (ترجم له فيالذخيرة، القسم الثالث: 264 والمغرب 2: 457) وبيتاه في الذخيرة: 269 قالهما يصف خروج أهل لنسية للقاء العدو في غير ثياب الحرب، وتدعى هذه بوقعة بطرنة عام 455 وقد فصل ابن عذاري فيها القول 3: 253.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.