المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4880 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



نفي الجزء الذي لا يتجزّأ  
  
5330   10:32 صباحاً   التاريخ: 2-08-2015
المؤلف : محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بــ(شريعتمدار)
الكتاب أو المصدر : البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة
الجزء والصفحة : ص270-281/ج1
القسم : العقائد الاسلامية / مقالات عقائدية /

قال : ( ولا وجود لوضعيّ لا يتجزّأ بالاستقلال ).

أقول : هذه مسألة اختلف الناس فيها.

بيان ذلك : أنّهم عرّفوا الجسم الطبيعي بـ « الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة » (1) وهي الخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم ، المعبّر عنها بالعرض والطول والعمق ، وهي التي يطلق عليها الجسم التعليمي ؛ لكون أوّل التعليم في الأوائل متعلّقا بها.

والجسم الطبيعي إمّا مفرد لم يتألّف من أجسام أو مركّب متألّف من أجسام مختلفة ، كالحيوان ، أو غير مختلفة ، كالسرير.

والجسم المفرد قابل للانقسام ، فلا يخلو إمّا أن تكون جميع الانقسامات الممكنة حاصلة فيه بالفعل ، أو لا.

وعلى الأوّل تكون فيه (2) أجزاء بالفعل قطعا ، ولا يكون شيء من تلك الأجزاء قابلا للانقسام، وإلاّ لم تكن جميع الانقسامات حاصلة بالفعل ، وكلّ جزء من تلك الأجزاء يقال له : الجزء الذي لا يتجزّأ ، وقد اختلفوا فيها :

فذهب جماعة من المتكلّمين والحكماء إلى أنّ الجسم مركّب من أجزاء لا تتجزّأ (3) ، ويقال لها: الجواهر المفردة ، بمعنى أنّ جميع الانقسامات الممكنة حاصلة فيه بالفعل. فذهب بعضهم إلى تناهيها ، كما عن جمهور المتكلّمين (4) ، وبعضهم إلى عدمه ، كما عن النظّام (5).

وذهب الباقون إلى أنّ الجسم بسيط في نفسه متّصل كاتّصاله عند الحسّ ، بمعنى أنّه لا يكون شيء من الانقسامات حاصلا فيه بالفعل ، لكنّه يقبل الانقسام إلى ما يتناهى ، كما عن محمد الشهرستاني (6) صاحب « الملل والنحل » (7) أو إلى ما لا يتناهى ، كما عن جمهور الحكماء (8).

وقد نفى المصنّف الجزء الذي لا يتجزّأ بقوله : « لا وجود لوضعي لا يتجزّأ بالاستقلال » وذلك لأنّ ما لا يتجزّأ من ذوات الأوضاع ـ أعني الأشياء المشار إليها بالحسّ ـ قد يوجد لا بالاستقلال ، كوجود النقطة في طرف الخطّ أو مركز الدائرة ، ولكن لا يمكن وجوده بالاستقلال؛ لأنّ المتحيّز بالذات لا بدّ أن يكون ما يحاذى منه بعض الجهات كالفوق غير ما يحاذي منه بعضا آخر كالتحت ، فلا بدّ أن يكون منقسما في الجهات الثلاث ، فيستحيل وجود الجزء الذي لا يتجزّأ والخطّ الجوهري ، وكذا السطح الجوهري ، فيستحيل تركّب الجسم من أجزاء لا تتجزّأ.

وقد يتمسّك في إبطاله بما يدلّ على امتناع تركّب الجسم منها.

والمصنّف ; قد استدلّ عليه بوجوه :

قال : ( لحجب المتوسّط ).

أقول : هذا أحد الأدلّة على نفي الجزء.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا جوهرا متوسّطا بين جوهرين فإمّا أن يحجبهما عن التماسّ أو لا. والثاني باطل ، وإلاّ لزم التداخل وهو محال ، وإلاّ لم يفد التأليف زيادة في الحجم. والأوّل يوجب الانقسام ؛ لأنّ الطرف الملاقي لأحدهما مغاير للطرف الملاقي للآخر ، فيلزم خلاف المفروض.

قال : ( ولحركة الموضوعين على طرفي المركّب من ثلاثة ).

أقول : هذا وجه ثان.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا جسما مركّبا من ثلاثة جواهر أو نحوها من الأوتار ، ووضعنا على طرفيه جزءين ، تحرّك كلّ منهما متوجّها إلى الآخر حركة على السواء في السرعة والبطء والابتداء ، فلا بدّ أن يتلاقيا ، ولا يمكن أن يكون ذلك التلاقي بكون أحد الجزءين بأسره على الطرف ، والآخر بأسره على الوسط ؛ وإلاّ لم تتحقّق الحركتان فضلا عن تساويهما ، بل لا بدّ أن يكون شيء من الوسط مشغولا بأحدهما وشيء آخر منه مشغولا بالآخر ، فيلزم انقسامه قطعا ، وحيث كانت تلك الأجزاء غير متفاوتة في الحجم ، وجب أن يكون بعض من كلّ واحد من الجزءين على الوسط ، وبعض آخر منه على بعض من الطرف ، فيلزم انقسام تمام الخمسة مع فرضها غير منقسمة ، وهو محال لازم من وجود الجزء الذي لا يتجزّأ لا من غيره كفرض الاجتماع المذكور ، كما لا يخفى.

قال : ( أو من أربعة على التبادل ).

أقول : هذا وجه ثالث.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا جسما مركّبا من أربعة جواهر أو نحوها من الأشفاع ، ووضعنا على أحد طرفيه جزءا وتحت طرفه الآخر جزءا وتحرّكا على التبادل ـ بكون محلّ حركة كلّ منهما غير محلّ حركة الآخر وبدلا منه ، وبكون حركة كلّ منهما من أوّل الخطّ إلى آخره حركة على السواء في الابتداء والسرعة ـ فإنّهما لا يقطعان الخطّ إلاّ بعد المحاذاة ، فموضع المحاذاة إن كان هو الثاني أو الثالث كان أحدهما قد قطع الأكثر ، فلا بدّ وأن يكون بينهما ، وذلك يقتضي انقسام الجميع من الجزءين المتحرّكين والوسطين.

قال : ( ويلزمهم ما يشهد الحسّ بكذبه من التفكّك وسكون المتحرّك وانتفاء الدائرة ).

 

أقول : هذه وجوه أخر تدلّ على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ من مفاسد لازمة للقول به ، وأصحابه التزموها مع أنّ الحسّ يكذّبها :

أحدها : تفكيك أجزاء الرحى.

بيانه : أنّ الحسّ يشهد بأنّ المتحرّك على الاستدارة ـ كالرحى ـ باق على وضعه ونسبة أجزائه ، فإذا فرضنا خطّا خارجا من مركز الرحى إلى الطوق العظيم منها ، فذلك الخطّ يكون مركّبا من أجزاء لا تتجزّأ على هذا القول ، فإذا تحرّك الجزء الأبعد الواقع على الطوق جزءا واحدا من مسافته ، فالجزء الذي يلي المركز إمّا أن يتحرّك أقلّ من جزء أو جزءا أو يسكن.

وعلى الأوّل يلزم انقسام الجزء ، وهو خلاف الفرض.

وعلى الثاني يلزم تساوي حركة الجزء الذي على الطوق ومسافته مع الجزء الذي يلي المركز ، وهو محال بالضرورة.

وعلى الثالث يلزم انفصال الجزء الذي يلي المركز عن الجزء الذي على الطوق ، فيلزم تفكيك أجزاء الرحى ، وهو باطل بالضرورة.

الثاني : سكون المتحرّك.

بيانه أنّ السرعة والبطء كيفيّتان قائمتان بالحركة لا باعتبار تخلّل السكنات وعدمه ؛ لأنّه لو كان بسبب تخلّل السكنات ، لزم أن يكون فضل سكنات الفرس السائر من أوّل النهار إلى آخره خمسين فرسخا على حركاته ، بقدر فضل حركات الشمس من أوّل النهار إلى آخره على حركات الفرس ، لكن فضل حركات الشمس أضعاف أضعاف حركات الفرس ، فتكون سكنات الفرس أضعاف أضعاف حركاته ، لكنّ الحسّ يكذّب ذلك.

إذا ثبت هذا فنقول : إذا فرضنا أنّ فرسا ـ مثلا ـ سار من أوّل النهار إلى آخره خمسين فرسخا ، ولا شكّ أنّ الشّمس قد سارت في هذه المدّة نصف الدورة ، فعند حركة الشمس وقطعها مسافة مساوية لجزء واحد لا يخلو إمّا أن يتحرّك الفرس جزءا أو أقلّ أو يسكن.

والأوّل يوجب أن تكون حركة الفرس مساوية لحركة الشمس مع أنّ المسافة التي قطعتها الشمس زائدة على خمسين فرسخا بآلاف ألوف.

والثاني يوجب انقسام الجزء.

والثالث يوجب سكون المتحرّك دائما ولا أقلّ من أن يرى تارة ساكنا وأخرى متحرّكا ، لكنّا لا نحسّ سكونه أصلا.

الثالث : انتفاء الدائرة مع أنّها موجودة بالحسّ.

بيانه : أنّا لو قلنا بكون الخطّ مركّبا من الأجزاء التي لا تتجزّأ يلزم انتفاء الدائرة ؛ فإنّه لو فرضنا حينئذ دائرة ، فإمّا أن تتلاقى ظواهر أجزائها كما تلاقت بواطنها ، أو لا.

ولا سبيل إلى الأوّل ؛ إذ يلزم أن تكون مساحة ظاهرها كمساحة باطنها على هذا القول ، وكذا ظواهر الدوائر المحيط بعضها ببعض إلى أن تبلغ دائرة تساوي منطقة الفلك الأعظم ، فيلزم تساوي الدائرة العظيمة والصغيرة ، وهذا باطل بالضرورة.

وعلى الثاني ـ وهو عدم تلاقي ظواهرها مع تلاقي بواطنها ، مع لزوم الانقسام والتجزّي المنافي للقول بالجزء الذي لا يتجزّأ ـ يلزم كون ما فرض دائرة شكلا مضرّسا لا دائرة حقيقيّة ، فيلزم انتفاء الدائرة مع أنّ الحسّ يكذّبه.

واحتمال عدم إحساس ما به التضرّس كالذرّات المبثوثة مدفوع بأنّه إن كان أصغر من الجزء لزم انقسامه ، وإلاّ لزم إحساسه.

قال : ( والنقطة عرض قائم بالمنقسم باعتبار التناهي ).

أقول : هذا جواب عن حجّة من أثبت الجزء.

وتقريرها : أنّ النقطة موجودة ؛ لأنّها نهاية الخطّ ، فإن كانت جوهرا فهو المطلوب ، وإن كانت عرضا فمحلّها إن انقسم انقسمت ؛ لأنّ الحالّ في أحد الجزءين مغاير للحالّ في الآخر ، وإن لم ينقسم فهو المطلوب.

والجواب : أنّها عرض قائم بالمنقسم ، ولا يلزم انقسامها لانقسام المحلّ ؛ لأنّ الحالّ في المنقسم إذا كان حلوله من حيث ذاته المنقسمة يلزم من انقسام المحلّ انقسام الحالّ ، وإلاّ فلا. وهاهنا النقطة حلّت في المنقسم باعتبار عروض التناهي له.

قال : ( والحركة لا وجود لها في الحال ، ولا يلزم نفيها مطلقا ).

أقول : هذا جواب عن حجّة أخرى لهم ، وهي أنّ الحركة موجودة بالضرورة ، وهي من الموجودات غير القارّة ، فإمّا أن يكون وجودها في الحال أو في غيرها.

والثاني باطل ؛ لأنّ الماضي والمستقبل معدومان ، فلو لم تكن في الحال موجودة لزم نفيها مطلقا.

وإذا كانت موجودة في الحال ، فإن كانت منقسمة كان أحد طرفيها سابقا على الآخر ، فلا يكون الحاضر كلّه حاضرا ، وهذا خلف. وإن لم تكن منقسمة كانت المسافة غير منقسمة ؛ لأنّها لو انقسمت لانقسمت الحركة ؛ لأنّ الحركة في أحد الجزءين مغايرة للحركة في الجزء الآخر فتكون الحركة منقسمة ، مع أنّا فرضناها غير منقسمة.

والجواب : أنّ الحركة لا وجود لها في الحال ، ولا يلزم من نفيها في الحال نفيها مطلقا ؛ لأنّ الماضي والمستقبل وإن كانا معدومين في الحال لكن كلّ واحد منهما له وجود في حدّ نفسه ؛ فإنّ الماضي من الحركة موجود في الماضي من الزمان وإن لم يكن موجودا في الحال والاستقبال ، وكذا المستقبل من الحركة موجود في المستقبل من الزمان وإن لم يكن في الماضي والآن.

قال : ( والآن (9) لا تحقّق له خارجا ).

أقول : هذا جواب عن حجّة أخرى لهم ، وهي أنّ الآن موجود ؛ لانتفاء الماضي والمستقبل ، فإن كان الآن منفيّا كان الزمان منتفيا مطلقا ، ويستحيل انقسامه ، وإلاّ لزم أن يكون الحاضر بعضه ، فلا يكون الآن كلّه آنا ، وهذا خلف. وإذا كان موجودا فالحركة الواقعة غير منقسمة ، وإلاّ لكان أحد طرفيها واقعا في زمان والآخر في زمان آخر ، فينقسم ما فرضناه غير منقسم ، وهذا خلف.

ويلزم من عدم انقسام الحركة عدم انقسام المسافة ، على ما مرّ تقريره.

وتقرير الجواب : أنّ الماضي والمستقبل موجودان في حدّ نفسهما لا في شيء من الأزمنة ليلزم أن يكون للزمان زمان ، ويكون الشيء ظرفا لنفسه ، كما أنّ المكان موجود في نفسه وإن لم يكن موجودا في شيء من الأمكنة.

نعم ، هما معدومان في الآن لا مطلقا ، والآن لا تحقّق له في الخارج ، بل هو شيء منتزع من آخر الماضي وأوّل المستقبل.

قال : ( ولو تركّبت الحركة ممّا لا يتجزّأ لم تكن موجودة ).

أقول : لمّا فرغ من النقض شرع في المعارضة ، فاستدلّ على أنّ الحركة لا تتركّب ممّا لا يتجزّأ ؛ لأنّها لو تركّبت ممّا لا يتجزّأ لم تكن موجودة ، والتالي باطل اتّفاقا فكذا المقدّم.

بيان الشرطيّة : أنّ الجزء إذا تحرّك من جزء إلى جزء فإمّا أن يوصف بالحركة حال كونه في الجزء الأوّل وهو باطل ؛ لأنّه حينئذ لم يأخذ في الحركة ، أو حال كونه في الجزء الثاني وهو باطل أيضا ؛ لأنّ الحركة حينئذ قد انتهت وانقطعت ، ولا واسطة بين الأوّل والثاني ليوصف بالحركة فيها ، فيلزم عدم وجود الحركة ، وهو محال ، وهذا المحال نشأ من إثبات الجوهر الفرد (10) ؛ لأنّه على تقدير عدمه تثبت الواسطة.

ويمكن أن يقرّر بيان الشرطية من وجه آخر ، وهو أنّ الحركة إمّا أن تكون عبارة عن المماسّة الأولى أو الثانية وهما محالان ؛ لما مرّ ، أو مجموعهما وهو باطل ؛ لانتفائه.

قال : ( والقائل (11) بعدم تناهي الأجزاء يلزمه مع ما تقدّم (12) النقض بوجود المؤلّف (13) ممّا يتناهى ويفتقر في التعميم (14) إلى التناسب (15) ).

أقول : لمّا فرغ من إبطال مذهب القائلين بالجوهر الفرد ، شرع في إبطال مذهب القائلين بعدم تناهي الأجزاء فعلا كالنظّام ، فإنّه ومن يحذو حذوه لمّا وقفوا على أدلّة نفاة الجزء ـ كلزوم تفكيك الرحى ـ ولم يقدروا على ردّها ، اضطرّوا إلى الحكم بأنّ كلّ جسم فهو قابل للانقسام لا إلى نهاية. ولمّا كان مذهبهم أنّ حصول الانقسام من لوازم قبول الانقسام ، ظنّوا أنّ جميع الانقسامات التي لا تتناهى حاصل في الجسم بالفعل ، فصرّحوا بأنّ في الجسم أجزاء غير متناهية موجودة بالفعل ، فلزمهم القول بالجزء الذي لا يتجزّأ ؛ لأنّه إذا كان كلّ انقسام ممكن حاصلا فيه بالفعل ، فالانقسام الذي ليس بحاصل غير ممكن ، فتكون أجزاؤه غير قابلة للانقسام، فقد وقعوا فيما كانوا هاربين عنه من إثبات الجزء ومفاسده ، مضافا إلى النقض بالجسم الذي فرض أنّه مركّب من أجزاء متناهية كالثمانية ، فإنّه جسم مع تناهي أجزائه.

وهذا هو الوجه الأوّل الدالّ على إبطال القول بعدم تناهي الأجزاء.

وأمّا قوله : « ويفتقر في التعميم إلى التناسب » فمعناه أنّا إذا أردنا تعميم القضيّة بأن يحكم أنّه لا شيء من الأجسام بمؤلّف من أجزاء غير متناهية فطريقه أن ينسب هذا المؤلّف الذي ألّفناه من الأجزاء المتناهية إلى بقيّة الأجسام ، فنقول : كلّ جسم فإنّه متناه في المقدار فله إلى هذا المؤلّف نسبة ، وهي نسبة متناهي المقدار إلى متناهي المقدار نعلم أنّ المقدار يزيد بزيادة الأجزاء أو ينقص بنقصانها ، فنسبة المقدار إلى المقدار كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء ، لكن نسبة المقدار إلى المقدار نسبة متناه إلى متناه ، فكذا نسبة الأجزاء إلى الأجزاء فيكون كلّ جسم مؤلّفا من أجزاء متناهية.

قال : ( ويلزم عدم لحوق السريع البطيء ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني الدالّ على إبطال القول بعدم تناهي الأجزاء.

وتقريره : أنّ الجسم لو تركّب من أجزاء غير متناهية لزم أن لا يلحق السريع البطيء ، والتالي باطل بالضرورة ، فكذا المقدّم.

بيان الشرطية : أنّ البطيء إذا قطع مسافة ثمّ ابتدأ السريع وتحرّك فإنّه إذا قطع ذلك الجزء من المسافة يكون البطيء قد قطع جزأ من آخر ؛ لعدم تخلّل السكون بشهادة الحسّ ، فإذا قطع السريع جزءا قطع البطيء جزءا آخر وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فلا يلحق السريع البطيء.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه جار فيما إذا كان الأجزاء متناهية أيضا.

والأولى أن يجعل وجها لإبطال الجزء الذي لا يتجزّأ ، كما لا يخفى.

قال : ( وأن لا يقطع المسافة المتناهية في زمان متناه ).

أقول : هذا وجه ثالث قريب من الوجه الثاني.

وتقريره : أنّا لو فرضنا الجسم يشتمل على ما لا يتناهى من الأجزاء ، لزم أن لا يقطع المتحرّك المسافة المتناهية في زمان متناه ؛ لأنّه لا يمكن قطعها إلاّ بعد قطع نصفها ، ولا يمكنه قطع نصفها إلاّ بعد قطع ربعها ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فتكون هناك أزمنة غير متناهية ، فامتنع قطعها إلاّ في زمان غير متناه ، فيلزم أن لا يلحق السريع البطيء إذا توسّط بينهما مسافة قليلة ؛ ولهذا جعل الوجهان وجها واحدا.

قال : ( والضرورة قضت ببطلان الطفرة والتداخل ).

أقول : اعلم أنّ القائلين بعدم تناهي الأجزاء اعتذروا عن الأوّل بالتداخل ، فقالوا : لا يلزم من عدم تناهي الأجزاء عدم تناهي المقدار ؛ لأنّ الأجزاء تتداخل باندراج بعضها في بعض من غير زيادة في الحجم ، فيصير جزءان أو أزيد جزءا واحدا وفي قدره ، فلا يلزم بقاء النسبة وكون نسبة الحجم إلى الحجم كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء

 

حتّى يلزم كون كلّ جسم مؤلّفا من أجزاء متناهية.

واعتذروا عن الوجهين الآخرين بالطفرة بأن يحاذي المتحرّك بعض أجزاء المسافة دون بعض؛ فإنّ المتحرّك إذا قطع مسافة غير متناهية الأجزاء في زمان متناه فإنّه يطفر بعض الأجزاء فلا يحاذيه ويتحرّك عن البعض الآخر ، وكذلك السريع يطفر بعض الأجزاء فيلحق بالبطيء ، كما أنّ الشمس وقت طلوعها يبلغ ضوؤها إلى أقصى نصف كرة الأرض ونحو ذلك ، مع استحالة قطع هذه المسافة في الزمان اليسير.

ولا يخفى أنّ الضوء ليس جسما متحرّكا كما توهّموا ، بل الأجزاء الهوائيّة لكونها مستعدّة للاستضاءة تستضيء بتمام أجزائها بمجرّد المقابلة ، فيتوهّم حركة الضوء والشعاع.

وبالجملة ، فهذان العذران باطلان بالضرورة.

قال : ( والقسمة بأنواعها تحدث اثنينيّة تساوي طباع كلّ واحد منهما طباع المجموع ).

أقول : يريد أن يبطل مذهب ذيمقراطيس (16) في هذا الموضوع.

بيانه : أنّ القسمة إمّا أن توجب انفصالا في الخارج أو لا.

والأولى هي القسمة الانفكاكيّة المنقسمة إلى الكسريّة والقطعيّة بالاحتياج إلى الآلة المفصّلة بالنفوذ وعدمه.

والثانية هي القسمة الفرضيّة ، وربّما تسمّى وهميّة أيضا.

وقد يفرّق بينهما بأنّ الفرضيّة ما هو يفرض العقل كلّيّا ، والوهميّة ما هو بحسب المتوهّم جزئيّا.

والفرضيّة إمّا أن تكون بمجرّد الفرض من غير سبب حامل عليه أو تكون بسبب حامل عليه كاختلاف عرضين قارّين أو غير قارّين أو نحو ذلك.

وحيث لم تكن الأدلّة السابقة دالّة على أنّ كلّ جسم مفرد قابل للقسمة الانفكاكيّة ، بل إنّما تدلّ على أنّه قابل للقسمة الوهميّة ، أراد أن يبيّن أنّ كلّ جسم كما هو قابل للقسمة الوهميّة كذلك قابل للقسمة الانفكاكيّة ؛ فإنّ القسمة بأنواعها الثلاثة ـ أعني الانفكاكيّة والوهميّة والتي تكون من جهة اختلاف الأعراض الإضافيّة أو الحقيقيّة ـ تحدث في المقسوم اثنينيّة تكون طبيعة كلّ واحد من القسمين مساوية لطبيعة المجموع ولطبيعة الخارج عنه الموافق له في الماهيّة.

وكلّ واحد من القسمين لمّا صحّ عليه الانفكاك عن صاحبه وكذا كلّ واحد من قسمي القسمين إلى ما لا يتناهى ، فجواز القسمة الوهميّة ملزوم لجواز القسمة الانفكاكيّة ، فبطل مذهب ذيمقراطيس وأتباعه ، وهو أنّ مبادئ الأجسام البسيطة أجسام صغار صلبة متجزّئة في الوهم لا الخارج ، فالجسم المتّصل بالحقيقة غير قابل للانفصال الفكّي وما يقبله كالماء واتّصاله بحسب الحسّ لا بالحقيقة (17) ووجه البطلان واضح.

قال : ( وامتناع الانفكاك لعارض لا يقتضي الامتناع الذاتي ).

أقول : بعض الأجسام قد يمتنع عليه القسمة الانفكاكيّة لا بالنظر إلى ذاتها ، بل بالنظر إلى عارض خارج عن الحقيقة الجسميّة : إمّا صغر المقسوم بحيث لا يتناوله الآلة القاسمة ، أو صلابته ، أو حصول صورة تقتضي ذلك ، كما في الفلك عندهم ، ولكن ذلك الامتناع لا يقتضي الامتناع الذاتي ، فلا يلزم عدم كونه غير قابل للقسمة الانفكاكيّة.

قال : ( فقد ثبت أنّ الجسم شيء واحد متّصل يقبل الانقسام إلى ما لا يتناهى ).

أقول : هذا نتيجة ما مضى ؛ لأنّه قد أبطل القول بتركّب الجسم من الجواهر المفردة ، سواء كانت متناهية أو غير متناهية ، وثبت أنّه واحد في نفسه متّصل لا مفاصل له بالفعل ، ولا شكّ في أنّه يقبل الانقسام ، فإمّا أن يكون لما يتناهى من الانقسام لا غير ، وهو باطل ؛ لما تقدّم في إبطال مذهب ذيمقراطيس ، أو لما لا يتناهى ، وهو المطلوب.

__________________

(1) انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 5.

(2) في « ج » : « في » بدل « فيه ».

(3) انظر : « المحصّل » : 296 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 8 ـ 9 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 21 ؛ « شرح المواقف » 7 : 5.

(4) انظر : « المحصّل » : 296 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9.

(5) انظر : « المحصّل » : 296 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9 و 30 ؛ « شرح المواقف » 7 : 5.

(6) هو أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أحمد ، الفيلسوف الأشعري ، له كتب كثيرة أشهرها « الملل والنحل » توفّي أواخر شعبان سنة 548. انظر : « الكنى والألقاب » 2 : 374.

(7) انظر : « نقد المحصّل » : 183 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9 نقلا عن كتابه « المناهج والبيانات » ؛ « شرح المقاصد » 3 : 21 ؛ « شرح المواقف » 7 : 5.

(8) « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 21 ؛ « شرح المواقف» 7 : 6.

(9) الآن ـ بالألف واللام ـ : الوقت الحاضر ، وعند الحكماء هو نهاية الماضي وبداية المستقبل، به ينفصل أحدهما عن الآخر ، فهو فاصل بينهما بهذا الاعتبار وواصل باعتبار أنّه حدّ مشترك بين الماضي والمستقبل ، به يتّصل أحدهما بالآخر. انظر : « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 1 : 74.

(10) يطلق الجوهر عند الفلاسفة على عدّة معان ، فقد عرّفه ابن سينا في « النجاة » بأنّه كلّ ما وجود ذاته ليس في موضوع ، أي في محلّ قريب ، قد قام بنفسه دونه لا بتقويمه. أمّا الجوهر عند المتكلّمين فهو الجوهر الفرد المتميّز الذي لا ينقسم ، أما المنقسم فيسمّونه جسما لا جوهرا ؛ ولذا لا يطلقون اسم الجوهر على المبدأ الأوّل.

(11) أي النظّام. ( منه ; ).

(12) من مفاسد إثبات الجزء. ( منه ; ).

(13) أي الجسم الذي فرض أنّه مركّب من أجزاء متناهية كالثمانية. ( منه ; ).

(14) أي الحكم بكون كلّ جسم متناهي الأجزاء. ( منه ; ).

(15) أي ملاحظة كون نسبة حجم إلى حجم آخر كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء في كونها نسبة المتناهي إلى المتناهي.

(16) انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 184 ـ 187 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 18 ؛ «شرح الإشارات والتنبيهات» 2 : 54.

(17) انظر : نفس المصادر المتقدّمة.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.