أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-2-2018
4059
التاريخ: 12-1-2017
1815
التاريخ: 31-1-2018
1968
التاريخ: 1-07-2015
2898
|
قال : ( والمعقول من الأوّل البعد ؛ فإنّ الأمارات تساعد عليه ).
أقول : « المكان » لغة الموضع كما في «
الصحاح » (1) و « القاموس » (2) ، وله إطلاقان:
الأوّل بحسب الاشتقاق ، وهو موضع كون الشيء
وحدوثه.
والثاني الإطلاق الاسمي ، وهو ما يعتمد
عليه المتمكّن عند القيام أو نحوه ممّا يحصل به الاستقرار. والظاهر عدم مدخليّة
للهواء فيه.
وأرباب المعقول قد اختلفوا في حقيقة
المكان.
فعند المشّائين ـ كما حكي عن أرسطو (3)
وابن سينا (4) أيضا ـ أنّه عبارة عن السطح الباطن للجسم الحاوي المماسّ للسطح
الظاهر من الجسم المحويّ.
وعند الإشراقيّين ـ كما حكي عن أفلاطون (5)
أيضا ـ أنّه عبارة عن البعد الموجود المجرّد عن المادّة ، المنقسم في جميع الجهات
، المساوي للبعد الذي في الجسم بحيث ينطبق أحدهما على الآخر الساري فيه بكلّيّته.
وعند المتكلّمين عبارة عن البعد الموهوم
الذي يشغله الجسم على سبيل التوهّم على وجه الانطباق المذكور (6).
ومثله الحيّز ؛ فإنّه الفراغ الموهوم
المشغول بالمتحيّز الذي لو لم يشغله ، لكان خلاء ، كداخل الكوز للماء (7).
وعند بعض هو ما يوجب الامتياز في الإشارة
الحسّيّة (8) فهو أعمّ من المكان ، لتناوله الوضع الذي يمتاز به المحدّد عن غيره
في الإشارة الحسّيّة ؛ إذ ليس وراءه جسم آخر.
نعم ، له وضع ومحاذاة بالنسبة إلى ما في
جوفه.
والمصنّف اختار مذهب من قال بالبعد ؛ فإنّ
« الأوّل » يعني به المكان ؛ لأنّه قد بيّن أنّ الجسم يقتضي بطبعه شيئين : المكان
والشكل ، ولمّا كان الشكل ظاهرا وكان طبيعيّا ذكره بعد المكان ، ثمّ عاد إلى تحقيق
ماهيّة المكان ، فالمراد أنّ المعقول من المكان البعد وإن كان فيه بعد.
والدليل على ما اختاره المصنّف أنّ المعقول
من المكان إنّما هو البعد فإذا فرضنا الكوز خاليا من الماء ، تصوّرنا الأبعاد التي
يحيط بها جرم الكوز بحيث إذا ملئ ماء شغلها الماء بجملتها والأمارات المشهورة في
المكان ـ من قولهم : إنّه ما يتمكّن المتمكّن فيه ويستقرّ عليه ويساويه ، وما يوصف
بالخلوّ والامتلاء ـ تساعد على أنّ المكان هو البعد المنقسم في جميع الجهات ،
المساوي للبعد الذي في الجسم بحيث ينطبق أحدهما على الآخر الساري فيه بكلّيّته.
وذلك البعد إمّا أن يكون أمرا موهوما يشغله الجسم ويملؤه على سبيل التوهّم كما عن
المتكلّم (9) ، أو يكون بعدا موجودا مجرّدا ؛ لئلاّ يلزم تداخل الأجسام ، ويكون
جوهرا ؛ لقيامه بذاته وتوارد الممكنات عليه مع بقاء تشخّصه ، فكأنّه جوهر متوسّط
بين العالمين ، أعني الجواهر المجرّدة والأجسام المادّية ، كما عن أفلاطون ومن
تابعه من الحكماء الإشراقيّين (10).
والإنصاف أنّ المعقول من المكان ما يعتمد
عليه المتمكّن عند القيام ونحوه ، من غير مدخليّة تمام السطح سيّما الفوقاني ، ومن
غير تصوّر البعد ، ولهذا يقال : إنّ الجسم هنا أو هناك من غير توقّف على أنّه هل
يحيط به جسم أم لا؟ وكذا ملاحظة البعد إن لم نقل بفهم خلافه.
نعم ، يشكل الأمر في الفلك الأعظم المحيط
بالعالم ؛ فإنّه جسم غير معتمد على شيء.
اللهمّ إلاّ أن يلتزم وجود جسم بلا مكان ،
كما يقال : إنّ القائلين بالسطح التزموه ، وهو ظاهر ما يقال : إنّه تعالى خلق
السماوات بغير عماد.
قال : ( واعلم أنّ البعد ، منه ملاق
للمادّة وهو الحالّ في الجسم ويمانع مساويه ، ومنه مفارق تحلّ فيه الأجسام
ويلاقيها بجملتها ويداخلها بحيث ينطبق على بعد المتمكّن ويتّحد به ، ولا امتناع ؛
لخلوّه عن المادّة ).
أقول : لمّا فرغ من بيان ماهيّة المكان شرع
في الجواب عن شبهة مقدّرة تورد على كون المكان بعدا ، وهي أنّ المكان لو كان هو
البعد لزم اجتماع البعدين ، والتالي محال ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطيّة : أنّ المتمكّن له بعد ، فإن
كان المكان هو البعد وبقيا معا لزم الاجتماع والاتّحاد ؛ إذ لا يزيد البعد الحاوي
عند حلول المحويّ. وإن عدم أحدهما كان المعدوم حالاّ في الموجود أو بالعكس ، وهما
محالان.
وأمّا بيان استحالة التالي فضروريّ ...
لأنّ المعقول من البعد الشخصي إنّما هو البعد الذي بين طرفي الحاوي ، فلو تشكّك
العقل في تعدّده بأن يحتمله لزم السفسطة.
وأيضا تجويز نفوذ البعد المكاني في البعد
القائم بالمتمكّن يؤدّي إلى تجويز دخول أجسام العالم في حيّز خردلة ؛ فإنّه إذا
أخذ خردلتان وفرض تداخل بعديهما القائمين بهما ، يلزم كونهما في حيّز خردل واحد ،
وكذا إذا انضمّ واحد بعد واحد.
وتقرير الجواب ـ مضافا إلى منع تحقّق
التداخل الممنوع في الجوهر والعرض ، أعني البعد المكاني والبعد الجسماني ـ أنّ
البعد ينقسم إلى قسمين :
أحدهما بعد مقارن للمادّة وحالّ فيها ، وهو
البعد المقارن للجسم القائم به.
والثاني مجرّد مفارق للمادّة ، وهو الحالّ
بين الأجسام المباعدة للجسم.
والأوّل يمانع مساويه ، يعني البعد الآخر
المقارن للمادّة أيضا فلا تجامعه ؛ لاستحالة التداخل بين بعدين مقارنين.
والثاني ـ وهو البعد المجرّد الذي لا يقوم
بالمادّة ـ لا يستحيل عليه أن يداخله بعد مادّي ، بل يداخله ويطابقه ويتّحد به
بحسب الإشارة الحسّيّة ، وهو محلّ الجسم المتداخل بعده. ولا امتناع في هذه
المداخلة والاتّحاد ؛ لأنّ هذا البعد خال عن المادّة ، فيجوز التداخل فيه من غير
أن يفضي إلى الاستحالة المذكورة.
قال : ( ولو كان المكان سطحا لتضادّت
الأحكام ).
أقول : لمّا بيّن حقيقة المكان ، شرع في
إبطال مذهب المخالفين القائلين بأنّ المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي.
وتقرير البطلان : أنّ المكان لو كان هو
السطح لتضادّت الأحكام العارضة للجسم الواحد ؛ فإنّ الحجر الواقف في الماء ،
والطير الواقف في الهواء يفارقان سطحا بعد سطح مع كونهما ساكنين ، ولو كان المكان
هو السطح لكانا متحرّكين ؛ لأنّ الحركة هي مفارقة الجسم لمكان إلى مكان آخر ،
ولكانت الشمس المتحرّكة الملازمة لسطحها ساكنة ، فيلزم سكون المتحرّك وحركة الساكن
، وذلك تضادّ في الأحكام محال ، فتأمّل. (11)
قال : ( ولم يعمّ المكان ).
أقول : هذا وجه ثان دالّ على بطلان القول
بالسطح.
وتقريره : أنّ الحكماء حكموا باحتياج كلّ
جسم إلى مكان (12) ، ولو كان المكان عبارة عن السطح الحاوي لزم إمّا عدم تناهي
الأجسام حتى يكون كلّ جسم في مكان ، أو وجود جسم ليس له مكان بأن يكون محيطا بجميع
الأجسام ؛ إذ لا يحويه جسم ليكون سطحه الباطن مكانا له ، فلا يعمّ المكان الأجسام
مع أنّا نقطع بأنّ كل جسم له مكان ... والقسمان باطلان فالمقدّم مثله ، فتأمّل.
__________________
(1) « الصحاح في اللغة » 4 : 2191 ، « كون ».
(2) « القاموس المحيط » 4 : 266 ، « كون ».
(3) نقل عنه في « جامع المقاصد » 2 : 199 ؛ « شرح تجريد العقائد » :
157 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 300.
(4) « الشفاء » الطبيعيات 1 : 137 ؛ « النجاة » : 124 ؛ « شرح
الإشارات والتنبيهات » 2 : 185 ؛ « رسالة الحدود » : 33.
(5) انظر : « جامع المقاصد » 2 : 199 ـ 200 ؛ « شرح تجريد العقائد » :
301 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 300 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1635 ؛ « جامع
العلوم في اصطلاحات الفنون » 3 : 307.
(6) « نهاية المرام » 1 : 384 ؛ «
التعريفات » : 292 ، الرقم 1466 ؛ « جامع العلوم في اصطلاحات الفنون » 3 : 317 ؛ «
كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1635.
(7)
« كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 1 : 725.
(8) نسبه الجرجاني في « شرح المواقف » 5 : 131 إلى القيل. وفي « كشّاف
اصطلاحات الفنون » 1 : 725 نسبه إلى التفتازاني.
(9) انظر : « جامع المقاصد » 2 : 199 ـ 200 ؛ « شرح تجريد العقائد » :
301 ؛ «شوارق الإلهام » 2 : 300 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1635.
(10)
تقدّم في ص 286 ، التعليقة 3.
(11)
إشارة إلى أنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني كونا
مستندا إلى المكين ولو كان تبعا ، كحركة الراكب ، لا ما كان مستندا إلى المكان ،
وكذا السكون ، فلا يلزم تضادّ المحالّ. ( منه ; ).
(12) « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 308 ؛ «
المباحث المشرقيّة » 2 : 66.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|