أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-3-2019
1382
التاريخ: 11-2-2018
1524
التاريخ: 1-7-2019
2011
التاريخ: 5-12-2018
2020
|
قد قضى العقل بحدوث الممكنات قاطبةً ، وأنّ كلّ ممكن موجود لابدّ من مسبوقيّته بالعدم غير المجامع لوجوده ، وأمّا الشرع فهو أيضاً كذلك ، ودلالته عليه من وجوه :
الأَوّل: دعوى إجماع الأنبياء والأوصياء عليه ،
كما عن السيد الداماد قدّس سره في قبساته(1)،
وهو الظاهر من صاحب الأسفار أيضاً .
أقول: وهي محتاجة إلى علم الغيب ؛ إذ لا طريق لنا
إلى نبيّاً من الأنبياء ( سلام الله عليهم ) قال بحدوث العالَم بالمعنى المتنازع
فيه ، فضلاً عن إحراز اتّفاق جميعهم على ذلك ، مع أنّه إن تمّ لدلّ على نفي العقول
أيضاً ، ولا يلتزم به مدّعي الإجماع نفسه .
الثاني: إجماع المِلل الأربع عليه ، وهم اليهود
والنصارى والمجوس والمسلمون ، ادّعاه جمع من المتكلّمين ، كالشهرستاني في كتاب
نهاية الإقدام ، وصحّحه المحقّق الطوسي (2) ،
وادّعاه أيضاً العلاّمة الحلي قدّس سره لكن على حدوث الأجسام فقط (3) إلاّ أن يقال : العقول غير ثابتة، أو غير ممكنة
عند الملّيين ، وحدوث الأجسام هو حدوث العالَم ، وممّن ادّعاه أيضاً العلاّمة
المجلسي ، وكذلك في المواقف وشرحها (4) ،
والإصبهاني في شرح طوالع الأنوار للبيضاوي ( المسمّى بمطالع الأنظار ) وكذا غيرهم
.
لكن الجزم بهذه النسبة مشكل ، بل غير ممكن ، فإنّ
المنقول عن اليهود أنّ الواجب في الجهة كبقية الأجسام ، وهو مماس للصفحة العليا من
العرش ، ويجوز عليه الحركة والانتقال وتبدّل الجهات (5)
، أَليس هذا التزاماً بقِدم الجهة والعرش ؟ وهذا هو مذهب محمد بن كرام من
أهل السُنة بعينه .
وأمّا النصارى فقولهم بالقدماء الثلاثة مشهور (6) .
وأمّا المجوس فمنهم مَن قال بالقدماء الخمسة ،
وهي : النفس ، والخلأ ، والزمان ، والهيولى ، والواجب ، واختاره ابن زكريا الرازي
، ومنهم مَن قال بقِدم النور والظلمة ، ومنهم مَن قال بقِدم الباري والشيطان ،
ومنهم مَن قال بقِدم الكواكب السبعة ، ومنهم مَن قال بأزلية الطبائع الأربعة (7) ... إلى غير ذلك من الخرافات ، فأين إجماع
المِلل ؟ إلاّ أن يقال : إنّهم اتّفقوا على حدوث الأفلاك والعنصر ، وهذا أيضاً غير
معلوم .
الثالث : الضرورة الدينية على حدوث ما سوى الله
وصفاته ، كما نقله المجلسي قدّس سره عن بعضهم (8)
.
أقول : الأشاعرة وغيرهم قالوا بقِدم صفاته السبع
أو الإحدى عشرة ، والمعتزلة قالوا بثبوت الأحوال أَزلاً ، ولم يقولوا بحدوث جميع
الأشياء ، فكيف يمكن أن يقال : إنّ القول بقِدم العقول كفر ومخالف للضرورة الدينية
دون القول بقِدم الصفات الزائدة ؟ فكما أنّ الأشعري يتمحّل بأنّها لا هو ولا غيره
، كذلك الفلسفي يقول : إنّ العقول ليست من العالَم ، بل هي من شؤون الواجب الوجود
، موجودة بوجوده لا بإيجاده ، باقية ببقائه لا بإبقائه ، كما صرّح به صاحب الأسفار
، بل الالتزام بالقول الثاني أهون من الالتزام بالقول الأَوّل بكثير، وإن كان كلاهما
ممّا لا يرجع إلى محصّل .
وأمّا المجسّمة والمشبّهة فحالهما أظهر من أن
يخفى ، فقولهم : بأنّ الله جالس على العرش في جهة الفوق يستلزم قِدم العرش والجهة
، وقد مرّ عن بعض الحنابلة القول بقِدم جلد القرآن ، وقال السيد الرازي في كتابه
تبصرة العوام : إنّ أهل بخارى يقولون بقِدم الإيمان ، وأهل سمرقند يقولون بقِدم
الهداية ، فأين الضرورة الدينية ، وأين إجماع المسلمين ؟ اللهم إلاّ على بعض
الأجسام .
نعم الذين يقولون بحدوث تمام العالَم وجميع ما
سوى الله هم الطائفة الإمامية ـ رضوان الله عليهم ـ فإنّهم لا يقولون بقِدم شيء
سوى ذات الواجب الوجود ، المستجمع للصفات الكمالية ، التي هي عين ذاته ، ولكن لا
ينبغي لأحد أن يدّعي الضرورة المذهبية على حدوث العالَم ؛ إذ معنى الضرورة وكون
الشيء ضرورياً ، هو كونه معروفاً معلوماً عند جميع أهل ذلك المذهب أو معظمهم ،
بحيث صار جزءً له ، وهذا مثل عصمة الأئمة ، ووجوب الخمس ، وجواز المتعة ، واستحباب
القنوت في الصلاة ، ونحو ذلك في مذهب الإمامية .
ومن المعلوم أنّ حدوث العالَم ليس بهذه المرتبة
من الاشتهار والعرفان ، بل لا يحسن دعوى إجماع العلماء الإمامية أيضاً على ذلك ؛
لأنّ الإجماع الذي هو دليل مستقلّ في قبال الأدلة الثلاثة ، هو الإجماع التعبّدي
الذي لا يستند المجمعون إلى شيء آخر من الأدلة ، وإلاّ لم يكن الإجماع بدليل
مستقلّ ، بل لابدّ من النظر إلى نفس ذلك المستند كما قُرّر في أُصول الفقه ، ومن
المعلوم أنّ إجماع الإمامية على ذلك ، إنّما هو من جهة الأدلّة العقلية التي ذكرنا
بعضها ، ومن جهة الأدلّة النقلية من الكتاب والسُنة ، ولا أقل من احتمال ذلك ، فلا
ينهض الإجماع حجّة على المقام .
وأمّا تكفير مَن قال بقِدم العالَم ، وأنّه في
حكم باقي الكفّار ، كما عن العلاّمة الحلّي وغيره، فهو محل نظر ، قال الأَوّل في
محكي كلامه (9) : مَن اعتقد قِدم العالَم فهو
كافر بلا خلاف ؛ لأنّ الفارق بين المسلم والكافر ذلك ، وحكمه حكم باقي الكفّار
بالإجماع . انتهى .
أقول : الفارق بينهما أُمور كثيرة غير هذا ،
ودعوى الإجماع على كفره عندي غير ثابتة ولا حجّية فيه .
وبالجملة : أنّ الممكنات بأسرها حادثة عقلاً
وشرعاً ، كتاباً وسنّةً ، غير أنّ مَن أنكر حدوث بعضها لشبهة فهو لا يخرج عن
الإسلام ، فافهم .
الرابع : القرآن الكريم فإنّه يدلّ على حدوث
السماوات والأرض ، والآيات الدالة على ذلك كثيرة جدّاً ، فإنّ الخَلق لا يعقل إلاّ
في المسبوق بالعدم ... ، وأمّا دلالته على حدوث ما سوى الله جميعاً فبآيات نذكر
بعضها :
1 ـ {ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: 62].
2 ـ {وَمِنْ كُلِّ
شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [الذاريات: 49].
3 ـ { َخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ} [الأنعام: 101].
4 ـ { إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]... إلى غير ذلك .
الخامس : السُنة ، ونقلها يستوجب وضع كتاب مستقل
، وهي قطعية بمجموعها دلالةً وسنداً (10) ،
وقد نقل أكثرها العلاّمة المجلسي قدّس سره في السماء والعالَم من بحاره شكر الله
مساعيه الجميلة ، والإنصاف أنّه لو لم يكن في المقام إلاّ الأخبار الواردة في حدوث
إرادته تعالى ... لكفت لإثبات المراد .
وأمّا ما ذكره اللاهيجي ، من عدم دلالة الأخبار
على حدوث العالم بالمعنى الذي يقوله المتكلّمون، بل على مطلق الحدوث الصادق على
الحدوث الذاتي كما يقوله الفلاسفة ، فمن أضعف الكلام وأسخف القول ، فلا يستحق
الاعتناء .
فتحصّل أنّ العقل والنقل متّفقان على مسبوقية
جميع الموجودات الممكنة بالعدم ، ومن هنا صحّ أن يقال : كلّ ما ثبت قِدمه لزم
دوامه ولا يمكن فناؤه كما لا يخفى ؛ إذ الممكن القديم لا يمكن صدوره من المختار ،
لكن لا لأجل أنّ قصده لا يدعو إلى الموجود كما قاله شركاء الفن ؛ إذ هو غير جارٍ
في حقّ القديم كما مرّ ، بل لِما عرفت من أنّ إيجاد الممكن موقوف على عدمه ،
فتدبّر.
وأمّا ما ذكره السيد الداماد من الحدوث الدهري ،
فهو غير صحيح عندي في نفسه ، والمقام لا يسع التعرّض له .
_______________________
(1) البحار 14 / 49 الطبعة القديمة.
(2) المصدر نفسه.
(3) شرح التجريد / 100.
(4) شرح المواقف 2 / 490.
(5) شرح المواقف 3 / 16.
(6) لاحظ الفصل في المِلل 1 / 48.
(7) الفصل 1 / 34 ـ 35.
(8) السماء والعالَم / 49. الطبعة
القديمة .
(9) السماء والعالَم / 49.
(10) نعم لم أجد عاجلاً ما هو المشهور
: ( كان الله ولم يكن معه شيء )
لكن يوجد ما هو قريب منه لفظاً .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|