المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

المعالجات الحيوية للنفط
2-2-2016
المصرف الجسري شركة تقوم على الاعتبار المالي
2023-04-03
مركبات تناسقية الترابط coordination compounds
25-6-2018
Lipomics
2-12-2018
ملوك الغساسنة
11-11-2016
حقوق المملوك.
2024-03-10


ركوب البحر وبلوغ مصر  
  
2261   01:22 صباحاً   التاريخ: 19-2-2022
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : ص:33-39
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-21 198
التاريخ: 7/11/2022 1659
التاريخ: 2023-07-27 1379
التاريخ: 2023-02-12 1033

ركوب البحر وبلوغ مصر

ثم جد بنا السير في البر أياما، ونأينا عن الأوطان التي أطنبنا في الحديث حبا لها وهياما، وكنا عن تفاعيل وصلها نياما، إلى أن ركبنا البحر، وحللنا منه بين السحر والنحر، وشاهدنا من أهواله، وتنافي أحواله، ما لا يعبر عنه، ولا يبلغ له كنه:

البحر صعب المرام جدا لا جعلت حاجتي إليه

أليس ماء ونحن طين فما عسى صبرنا عليه

فكم استقبلتنا أمواجه بوجه بواسر، وطارت إلينا من شراعه عقبان كواسر، قد أزعجتها أكف الريح من وكرها، كما نبهت اللجج من سكرها، فلم تبق شيئا من قوتها ومكرها، فسمعنا للجبال صفيرا، وللرياح دويا عظيما وزفيرا، وتيقنا أنا لا نجد من ذلك إلا فضل الله مجيرا وخفيرا، (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) (الإسراء: 67) وأيسنا من الحياة، لصوت تلك العواصف والمياه، فلا حيا الله ذلك الهول المزعج ولا بياه، والموج يصفق لسماع أصوات الرياح فيطرب بل ويضطرب، فكأنه من كأس الجنون يشرب أو شرب، فيبتعد ويقترب، وفرقه تلتطم وتصطفق، وتختلف ولا تكاد تتفق، فتخال الجو يأخذ بنواصيها، وتجذبها أيديه من قواصيها، حتى كاد سطح الأرض يكشف من خلالها، وعنان السحب يخطف في استقلالها، وقد أشرفت النفوس على التلف من خوفها واعتلالها، وآذنت الأحوال بعد انتظامها باختلالها، وساءت الظنون، وتراءت في صورها المنون، والشراع في قراع مع جيوش الأمواج

(33)

التي أمدت منها الأفوج بالأفواج، ونجن قعود، كدود على عود، ما بين فرادي وأزواج، وقد نبت بنا من القلق أمكنتنا، وخرست من الفرق ألسنتنا، وتوهمنا أنه ليس في الوجود، أغوار ولا نجود، إلا السماء والماء وذلك السفين، ومن في قبر جوفه دفين، مع ترقب هجوم العدو، في الرواح والغدو، لاجتيازه على عدة من بلاد الجرب، دمر الله سبحانه من فيها وأذهب بفتحها عن المسلمين الكرب، لاسيما مالطة الملعونة، التي يتحقق من خلص من معرتها أنه أمد بتأييد إلهي ومعونة، فقد اعرتضت في لهوات البحر الشامي شجا، وقل من ركبه فأفلت من كيدها ونجا، فزادنا ذلك الحذر، الذي لم يبق ولم يذر، على ما وصفناه من هول البحر قلقا، وأجرينا إذ ذاك في ميدان الإلقاء باليد إلى التهلكة طلقا، وتشتت أفكارنا فرقا، وذبنا أسى وندما وفرقا، إذ البحر وحده لا كمى يقارعه، ولا قوي يصارعه، ولا شكل يضارعه، ولا يؤمن على حال، ولا يفرق بين عاطل وحال، ولا بين أعزل وشاك، ومتباك وباك:

ثلاثة ليس لها أمان البحر والسلطان والزمان

فكيف وقد انضم إليه خوف العدو الغادر الخائن، والكافر الحائن، إلى أن قضى الله بالنجاة ما أراد فهو الكائن، وإن نهى عنه وأخطأ المائن، فرأينا البر وكأنما قبل لم نره، وشفيت به أعيننا من المره، وحصل بعد الشدة الفرج، وشممنا من السلامة أطيب الأرج، فيا لها من نعمة كشفت عن وجهها النقاب، يقل شكرا لها صوم الأحقاب وعتق الرقاب، وجعلنا الله بآياته معتبرين، وعلى طاعته مصطبرين؛ ولم نخل في البر من معاناة خطوب، ومداراة وجوه للمتاعب ذات تجهم وقطوب، فكم جبنا منه مهامه فيحا، ومسحنا

(34)

بالخطا منها أثيرا وصفيحا، وفلينا الفجاج، وقرأنا من الطرق خطوطا ذات استقامة واعوجاج، وقلوب الرفقة من الفرقة في اضطراب وارتجاج، وربما عميت على المجتهد الأدلة التي يحصل بها على المذهب الاحتجاج، فترى الأنفاس تعثر في زفرة الأشواق، والأجسام قد زرت عليها من التعب الأطواق، هذا والليل بصفحة البدر مرتاب، وقد شدت رحال وأقتاب، وزمت ركاب ورفعت أحداج، وفريت من الدعة بمدية النصب أوداج، وتساوي في السير نهار مشرق وليل مقمر أو داج، وأديم التأويب والإسآد، وحمل الغربة قد أثقل وآد، ثم وصلنا بعد خوض بحار، يدهش فيها الكفار ويحار، وجوب فياف مجاهل، يضل فيها القطا عن المناهل، إلى مصر المحروسة فشفينا برؤيتها من الأوجاع، وشاهدنا كثيرا من محاسنها التي تعجز عن وصفها القوافي والأسجاع، وتمثلنا في بدائعها التي لا نستوفيها، بقول ابن ناهض فيها:

شاطئ مصر جنة ما مثلها في بلد

لا سيما مذ زخرفت بنيلها المطرد

وللرياح فوقه سوابغ من زرد

مسرودة ما مسها داودها بمبرد

سائلة وهو بها يرعد عاري الجسد

والفلك كالأفلاك بي؟ ن حادر ومصعد

(35)

وبقول آخر:

انظر إلى النيل الذي ظهرت به آيات ربي

فكأنه في فيضه دمعي وفي الخفقان قلبي

وبقول أبي المكارم ابن الخطير المعروف بابن مماتي في جزيرتها:

جزيرة مصر، لا عدتك مسرة ولا زالت اللذات فيك اتصالها

فكم فيك من شمس على غصن قامة يميت ويحيي هجرها ووصالها

مغانيك فوق النيل أضحت هوادجا ومختلفات الموج فيك حبالها

ومن أعجب الأشياء أنك جنة تمد على أهل الضلال ظلالها

لعله أراد بأهل الضلال اليهود والنصارى المستولين إذ ذاك على الدولة وتذكرت في مصر قول القاضي الفاضل:

بالله قل للنيل عني إنني لم أشف من ماء الفرات غليلا

وسل الفؤاد فإنه لي شاهد إن كان طرفي بالبكاء بخيلا

يا قلب كم خلفت ثم بثينة وأظن صبرك أن يكون جميلا

(36)

وقول أحمد بن فضل الله العمري:

لمصر فضل باهر بعيشها الرغد النضر

في سفح روض يلتقي ماء الحياة والخضر

وقول آخر:

كأن النيل ذو فهم ولب لما يبدو لعين الناس منه

فيأتي حين حاجتهم إليه ويمضي حين يستغنون عنه

وقول آخر:

ولله مجرى النيل منه إذا الصبا أرتنا به من مرها عسكرا مجرا

بشط يهز السمهرية ذبلا وموج يهز البيض هندية بترا

إذا مد حاكي الورد لونا، وإن صفا حكى ماءه لونا ولم يحكه مرا

وقول آخر:

واها لهذا النيل؛ أي عجيبة بكر بمثل حديثها لا يسمع

يلقى الثرى في الماء وهو مسلم حتى إذا ما مال عاد يودع

مستقبل مثل الهلال فدهره أبدا يزيد كما يزيد ويرجع

وقول ابن النقيب:

(37)

الصب من بعدهم مفرد ودمعه النيل وتعليقه

وخده لما بكاهم دما مقياسه، والدمع تخليقه

وقول الصفدي:

سقيا لمصر وما حوت من أنسها وأناسها

ومحاسن في مقسها تبدو وفي مقياسها

ومسرة كاساتها تجلى على أكياسها

وسطور قرط خطها ال؟ باري على قرطاسها

ودمى كنائسها، ولا تنسى ظباء كناسها

ولطافة بجلالة تبدو على جلاسها

ونواسم كل المنى للنفس في أنفاسها

ومراكب لعبت بها ال؟ أمواج في وسواسها

وقول ابن جابر الأندلسي:

ما زلت أسند من محاسن أرضها خبرا صحيحا ليس بالمقطوع

كم مرسل من نيلها ومسلسل ومدبج من هضبها المرفوع

(38)

وقول إبراهيم بن عبدون:

والنيل بين الجانبين كأنما صدثت بصفحته صفيحة صيقل

يأتيك من كدر الزواخر مده بممسك من مائه ومصندل

فكأنما ضوء البدر في تمويجه برق تموج في سحاب مسبل

وكأن نور السرج من جنباته زهر الكواكب تحت ليل أليل

مثل الرياض مفتقا أنواره تبدو لعين مشبه وممثل

وقول ابن الصاحب:

فرح الأنام بنيلهم إذ صار أحمر كالسقيق

وتبركوا بشروقه فكأنه وادي العقيق

وقول آخر:

احمر للنيل خد حتى غدا كالشقيق

وقد ترنمت فيه إذ صار وادي العقيق

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.