أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-6-2016
7624
التاريخ: 18-9-2016
1751
التاريخ: 4-12-2021
2513
التاريخ: 23-3-2017
2497
|
التجربة :
تنحصر الملاحظة في فحص الظاهرة الجغرافية على النحو الذي تبدو عليه في الطبيعة، ومع أن العقل يتدخل في أبسط أنواع الملاحظة، فإن موقف الملاحظ من الظواهر نفسها لا يعدو أن يكون موقفاً سلبياً؛ لأنه يكتفي بمشاهدتها والمقارنة بينها، حتى يهتدي إلى فكرة عامة، قد تكون السبيل إلى تقرير القانون الذي يسيطر على تلك الظواهر المختلفة، فالملاحظ شبيه برجل يصغي إلى الطبيعة ليأخذ عنها ما تقول، وليسجل كلما قد تكشف له من سمات الأشياء أو العلاقات بينها.
ومع ذلك، فإن الباحث يعجز عن إدراك ما لا تريد الطبيعة اطلاعه عليه، ولذا لا يكفي موقفه السلبي تجاهها في معرفة الحقائق العلمية كلها. بيد أن رغبة الباحث في معرفة أكثر عمقاً وتفصيلاً، تضطره إلى التدخل في مجرى الظواهر الطبيعية بأن يحور في تركيبها، أو يعدل الظروف التي توجد فيها، حتى يستطيع دراستها في أنسب وضع، ويكشف عن قوانينها الخفية. وبذلك يمكن تعريف التجربة بأنها ملاحظة الظاهرة بعد تعديلها تعديلاً كبيراً أو قليلاً عن طريق بعض الظروف المصطنعة.
فإذا عرفنا الملاحظ بأنه هو الذي يستخدم وسائل البحث، سواء أكانت يسيرة أم معقدة، لكي يدرس الظواهر، دون أن يتدخل في تعديل شروط وجودها أو ظروفها، فإننا نعرف المجرب بأنه هو الذي يستخدم مختلف وسائل البحث، لتعديل الظواهر الطبيعية وإيجادها في ظروف لا تحققها الطبيعة من تلقاء نفسها. ولذا لا يكون هناك خلاف جوهري بين الملاحظة والتجربة، إذ ينحصر الخلاف الوحيد بينهما في أن الظاهرة التي يجب على المجرب ملاحظتها لا توجد في وضعها الطبيعي، بل هو الذي يخرجها إلى حيز الوجود لتحقيق غرض معين.
وهكذا يمكن القول: إن التجربة ليست في حقيقة الأمر إلا ملاحظة مثارة؛ لأن المجرب يفكر ويقارن ويحاول تحقيق الشروط التي تتلاءم مع الهدف الذي يرمي إليه، وهو الكشف عن أحد القوانين. وهذه الأسئلة هي شتى الفروض التي ترد إلى ذهنه، فإذا أجرى إحدى التجارب ليرى جواب الطبيعة، وجب عليه، متى ظهرت نتيجة التجربة ، أن ينقلب ملاحظاً دقيقاً. فالباحث يلاحظ، ثم يجرب، ثم يلاحظ نتائج تجربته، وإذا أردنا توضيح الصلة بين الملاحظة والتجربة قلنا: إن الثانية تشبه السؤال الذي يوجهه الباحث إلى الطبيعة ويطلب إليها الإجابة عنه، وإن الأولى هي الجواب الذي تجود به الطبيعة على الباحث دون أن يسألها شيئاً.
ويرى (دور كهايم) أن طريقة المقارنة تمثل تجربة غير مباشرة، فالفرق بين التجريب في الظاهرة بقصد إيجادها أو تغيير جزء منها، وبين الملاحظة بانتظار مقارنة تليها، هو فرق في الإيجاد والتغيير.
ومن الطبيعي أن تعتمد الجغرافية على الملاحظة، فهي لا تستطيع نقل ظاهراتها (كالإقليم أو المدينة... إلخ) إلى المخبر لدراستها، إنما ينقل الجغرافي صورة الإقليم أو المدينة ... إلخ ، فهو يرسم لها خريطة ، أو رسماً بيانياً، أو صورة فوتوغرافية، أو جوية، أو فضائية. وقد يدرس الجغرافي التجربة على الطبيعة، في كنف الوسط الجغرافي، وبذلك تكتسب دراسته قيمة عملية.
وهناك مختبر آخر، مختبر كبير هو التاريخ، فما لا يمكن إخضاعه للتجربة من ظاهرات مختلفة، يمكن دراستها وتتبع ما طرأ عليها من تغيرات حدثت قبل الآن.. هذه الظاهرات لا يمكن أن تدخل إلى المختبر في بعض الأحيان، بل نخرج نحن إليها بالإحصاء. فالتاريخ هو معمل الجغرافي - كما قيل - يستمد منه خاماته، ويجري عليه تجاربه. وهكذا يمكن ملاحظة الظاهرة التي تتكرر في أوقات مختلفة، بل في أماكن متعددة، وفي أوضاع وحالات مختلفة.
ويمكن الاستعاضة عن التجربة في المخبر بإجراء المحاكاة، ففي الجغرافية - على سبيل المثال - يمكن دراسة العلاقات بين الرياح وحركات الأمواج والحت والارساب على شواطئ البحار، عن طريق نموذج (محاكاة) لشاطئ البحر على شكل حوض مائي داخل صندوق زجاجي، تتحرك فيه المياه حركة تشبه حركة الأمواج.
وهكذا نستطيع في بعض الحالات إجراء التجارب المخبرية التي يمكن تحقيقها عن طريق ما يعرف ((بالنظير)) (Analogous)، فمن طرق التمثيل التي يبدو أنها مجدية وقابلة للتطبيق في مجال الجغرافية، طريقة الاختبار أو التجربة، أو بتعبير أصح؛ تصميم البحث العلمي، الذي يعرف باسم المحاكاة (Simulation)، والاسم نفسه يوحي بأن ظروف الموضوع ومتغيراته منظمة بطريقة معينة يفرض أن تكون شبيهة بالأوضاع الحقيقية.
إن المحاكاة أساساً تعني إعادة خلق، على الورقة أو الحاسب (Computer)، للعمليات التي يفرض أنها تسببت في توزيع الظاهرات المدروسة... واختبار مثل هذه الفرضيات يتطلب قياس درجة التشابه بين النمط الحقيقي للمكان، والنمط الناتج عن طريق المحاكاة، فإذ اكان النمطان متشابهين بصورة كافية، أمكن اعتبار الفرضية التي قامت على أساسها المحاكاة صالحة.
نخلص من هذا، إلى أن استخدام النماذج الجغرافية يمثل صياغة سهلة للظواهر المدروسة، يسهل استعمالها ورصدها وضبطها والسيطرة عليها وعمل الاستنتاجات فيها، وهذه هي التجربة بعينها.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|