أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2020
5791
التاريخ: 17-11-2020
11537
التاريخ: 17-1-2022
1608
التاريخ: 19-5-2022
1565
|
مواضع الحدود البحرية وفكرة المياه الإقليمية
رأينا كيف تؤثر مواقع البحار على جودة الحدود السياسية البحرية فتجعلها حدودا ذات مشكلات سياسية متداخلة أو بسيطة، والآن لنبحث في موضع خط الحدود الساحلي لتحديد النفوذ السياسي الذي ممارسه الدولة على سواحلها ومياهها الإقليمية على الرغم من وجود الدول القديمة في الماضي إلا أن قلة السكان عامة، وبطء وسائل المواصلات وعدم وجود أجهزة إنذار، وكون الحدود عامة — برية وبحرية — عبارة عن مناطق انتقال وليست خطوطا فاصلة واضحة، فإن الحدود السياسية البحرية القديمة كانت في الغالب حدودا مفتوحة أمام الغزوات البحرية المفاجئة وأمام غزوات القراصنة، ولهذا كانت وسيلة الدفاع الأولى هي ترك(شقة حرام)، بمعنى ترك أراضة مقفرة بين خط الساحل والمدن والعمران في الداخل كي تصبح تلك الأراضي عاملا من عوامل إنذار السكان، ولتمكنهم من التجمع للدفاع ضد الغزوة المفاجئة، وهذه هي نفس الخطة التي لجا إليها الناس في تخطيط حدودهم البرية، ولهذا نجد أن المدن التجارية والبحرية لم تكن تبنى على الشواطئ مباشرة إلا حيث تسمح الطروف الدفاعية، فروما كانت تقع على بعد ٢٠ كم من الساحل، وأثينا على مبعدة ثمانية كيلومترات، وطروادة على بعد خمسة كيلومترات من معبر الدردنيل الهام، وعلى عكس ذلك كانت صور وقرطاجة والإسكندرية وفينيسا التي كانت كل منها تتحصن وراء جزيرة قلعة، أو شبه جزيرة تحميها قلاع من الداخل والخارج، وبذلك كانت على ساحل البحر مباشرة ومع نمو الأساطيل البحرية السريعة ووسائل الإنذار والمواصلات الجيدة لم تعد الحاجة قائمة إلى إنشاء شقة حرام، خاصة أن ذلك يعوق التجارة البحرية، وكما تقدمت الحدود البرية عبر النطاقات الحدية الانتقالية إلى تشكيل خط سياسي واضح متفق عليه، تقدمت الحدود السياسية البحرية إلى عبر خطط الساحل، وأصبحت هناك حدود سياسية تجري على مسطح الماء، واعتبرت المياه بين الحدود والساحل مياها إقليمية تمارس فيها الدولة سيادتها كما تفعل على اليابس.
وتاريخ المياه الإقليمية وتطورها كفكرة تطبيقية في الحدود السياسية طويل ومعقد وغير متفق عليه من كافة الدول، وتبدأ هذه الأفكار منذ القرن الثالث عشر حينما أصدرت النرويج أمرا بمنع السفن من دخول مياه النرويج شمال ميناء برجن إلا بعد الحصول على تصريح ملكي، وكانت دوقية فينسيا تعتبر الأدرياتيك مياها إقليمية تابعة لها، وفي فترة الكشوف ادعت إسبانيا والبرتغال ملكية مياه المحيطات وعلى عكس هذه الادعاءات الواسعة أخذت الدول تنظر إلى المياه الغني تحف سواحلها على أنها مناطق سيادة للدولة، وظهرت آراء في أول عام ١٧ق.م تقول إنه لا يمكن اعتبار المسطحات البحرية ملفا لأحد إلا في حالات الخلجان والمضايق، وفي القرن الثامن عشر ظهر رأي آخر يقول إن الادعاءات على المياه الساحلية لا يمكن تدعيمها إلا بإنشاء سلسلة من الحصون تحمي سيادة الدولة، وبذلك ظهرت فكرة تخطيط حدود المياه الإقليمية على أساس مدى قذيفة المدفع، وعلى عكس مبدأ قذيفة المدفع ظهرت فكرة أخرى ترى وجوب تحديد نطاق أو منطقة ذات عرض محدد تمارس فيها سيادة الدولة فيما يختص بالسماكة والحياد ... إلخ من وظائف الدولة، وكانت الدانمرك أول من ينفذ هذا المبدأ فأعلنت حول شواطئها منطقة محايدة مساوية لمدى الرؤية بالعين ,عام ١٦٩١، بينما أعلن الإنجليز منطقة عرضها ١٢ ميال مياها إقليمية ١٧٣٦.
وفي ١٧٨٢ أعلن قانوني إيطالي مبدأ تحديد المياه الإقليمية بعرض ثابت في كل الدول وطالب أن يكون هذا العرض ثلاثة أميال، وقد حدد هذه الأميال الثلاثة باعتبار أنها أبعد مدى ممكن لقذيفة المدفع، كما طالب أن يكون هناك نطاق محايد وراء المياه الإقليمية بعرض مساو لضعف عرض المبباه الإقليمية، وفي عام ١٧٩٣ أعلنت أمريكا مبدأ إنشاء نطاق محايد في المياه بعرض ثلاثة أميال فقط، وبدأت الدول تأخذ بهذا المبدأ فيما بعد، وفي الحقيقة لم يكن هناك ارتباط فعلي بين الأميال الثلاثة وطلقة المدفع؛ لأنه حتى ١٨١٤ لم يتجاوز مدى المدفع الميل إلا بقليل.
وقد لاقى التنفيذ الفعلي لمبدأ الأميال الثلاثة صعوبات كثيرة في التنفيذ، فأولا: هل هناك قوة تجبر كل الدول على تنفيذ هذا المدى من المياه الإقليمية، وثانيا: هل يمكن مد سيادة الدولة على مناطق ذات أهمية أبعد من الأميال الثلاثة.
وفي عام ١٩٤٦ بدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي العمل من أجل تشريع دولي باسم «قانون البحار«، وفرغت من عملها عام ١٩٥٦، وفي مؤتمر جنيف عام ١٩٥٨ قبلت ٨٦ دولة معظم توصيات القانون الجديد، وتظهر مشكلات المنطقة الشاطئية جلية من خلال نتداخل وتعقد الظاهرات الطبيعية (انظر خريطة ١٧) وتقسم هذه المنطقة إلى: (١) نطاقات المبباه الداخلية. (٢) المياه الإقليمية. (٣) المنطقة الملاصقة. (٤) منطقة الانتشار الماني والرصيف القاري. ولا يوجد أدنى شك في سيادة الدول على مياهها الداخلية — خلجان ومصبات نهرية ومرافئ.
أما المياه الإقليمية فهي تلك التي تمارس فيها الدولة سيادة معينة، ولا يمنع فيها مرور سفن أجنبية لأغراض بريئة(أي مجرد المرور الذي أصبح حقا لكافة السفن في العالم«، أما النطاق الملاصق للمياه الإقليمية فيجوز للدولة أن تمارس فيه أشكال الرقابة التي تراها، لمنع عمليات التهريب الجمركية وتهريب الأشخاص والحماية الصحية. وباستثناء هذه الأغراض فإنه ليس للدولة حقوق أخرى على تلك المياه النني تعتبر جزءا من أعالي البحار، حرة لكل السفن. والحدود الخارجية للمياه الملاصقة عادة(١٢) ميلا بعيدا عن الشاطئ، فإذا ما ادعت دولة مياها إقليمية بعرض ١٢ ميلا — كما هو الحال في ادعاءات الاتحاد السوفيتي — فإنه في هذه الحالة لا توجد مياه ملاصقة لتلك المياه الإقليمية.
وفيما بعد النطاق الملاصق توجد منطقة غير محددة بالاتفاق تسمى منطقة الانتشار، لكن بعض الدول ادعت على هذا النطاق حقوقا معينة مثل منع الصيد البحري ومرور السفن الحربية الأجنبية لأغراض دفاعية، ومن الأمثلة على عدم وضوح وتحدد هذا النطاق أن بيرو وشيلي تدعيان نطاقا من هذه المياه عرضه ٢٠٠ ميل من الشواطئ تمنع فيهما أساطيل الصيد الأجنبية ممارسة السماكة، كما ادعت إكوادور وكوستاريكا نطاقا مماثلا، وادعت كوريا نطاقا عرضه مائة ميل، وفى ,عام ١٩٤٦ أعلنت الأرجنتين سيادة الدولة على كل المياه المحددة بالرصيف القاري الممتد على شواطئ الأرجنتين، وبذلك شملت هذه المياه نطاقا بلغ عرضه ٢٨٠ ميلا فى منطقة جزر فالكلاند البريطانية، وفي عام ١٩٣٦ كانت دول الأمريكتين قد اتفقت على نطاق عرضه الأدنى ٣٠٠ ميل على شواطئ الأطلنطي باسم نطاق الأمان Security Zone تمنع فيه كل السفن الحربية الأجنبية للدول المتحاربة كتأمين لنصف الكرة الغربي.
ولا يوجد نص في الاتفاقات الدولية على ما يسمى بنطاق الانتشار، لكن الدولة تعمل به في حدود قوتها وإمكاناتها، وبذلك فإن لكل دولة — إذا أرادت — منطقة انتشار تحددها وتمارس فيها أعمال سيادتها بحكم الواقع وليس بحكم القانون، وهذا هو الذي يدفع بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات القبض على السفن ومصادرتها أو التعويض عنها داخل ما تدعيه من مياه، مثل بيرو وأيسلندا.
وتوضح حالة أيسلندا ادعاءات المياه الإقليمية غير المتفق عليها في أجزاء كثيرة من العالم، ففي عام ١٩٤٤ — بعد استقلال أيسلندا — حددت الدولة خط قاعدة للساحل خارج الرؤوس وأشباه الجزر، ثم مدت مياهها الإقليمية أربعة أميال ابتداء من خط القاعدة هذا، وقد احتجت بريطانيا على ذلك؛ لأنه يحرم السماكين الإنجليز من مساحة كبيرة كانوا يرتادونها باستمرار منذ وقت طويل، إلا أن المحكمة الدولية وافقت على خطوط القاعدة المستقيمة يمما اختص بالنرويج والنزاع الإنجليزي النرويجي السابق. وفي سنة ١٩٤٨ مدت أيسلندا حدود مياهها الإقليمية إلى عمق ١٢ ميلا ورفض الإنجليز الاعتراف بذلك، وأرسلوا سفنا حربية لحماية مراكب الصيد الإنجليزية، وقد استمر النزاع الإنجليزي الأيسلندي لمطالبة أيسلندا بمد نفوذها على مساحات أكبر من ذلك بكثير، أسوة بدول أمريكا اللاتينية، وفي شهر أكتوبر ١٩٧٣ توصلت الدولتان إلى اتفاق لحل هذا النزاع.
وكانت هناك حالة مماثلة بين أمريكا وكندا، وقد حدث اتفاق على اعتبار ستة أميال من خط القاعدة حقا من حقوق كندا على أن يسمح للسفن الأمريكية بالصيد في هذه المياه لمدة عشر سنوات بعد الاتفاق حتى لا شاب أساطيل الصيد التي تعودت القيام بنشاطها في منطقة معينة بضربة اقتصادية مفاجئة. وخلاصة القول أن مناطق صيد الأسماك الغنية — الأطلنطي الشمالي بين النرويج وجزر فارو وأيسلندا وجرينلاند والبرادور ونيوفوندلاند، ومنطقة الأطلنطي المغربية السنغالية، ومنطقة الباسيفيك الممتدة من أمريكا الوسطى إلى شيلي — هي مناطق نزاع دولية، ومن حق بعض الدول النني تعيش في جزء كبير من مواردها على الأسماك أن تطالب بحماية المياه التي يتعيش منها جانب من سكانها كأيسلندا وبيرو، ولكن الادعاءات التاريخية لأساطيل الصيد الأخرى تقف عقبة أمام تنفيذ حقوق الدول، خاصة أنها دول صغيرة تقف أمام مجموعة من الدول الكبرى ذات الأساطيل المجهزة بأحدث وسائل الصيد الحديثة.
وإلى جانب مشكلات المياه الإقليمية والنشاطات الاقتصادية المختلفة تظهر مشكلة المياه الإقليمية أيضا بين الحين والحين في حق مرور السفن الحربية، خاصة خلال فترات الحروب، وتحتدم هذه المشكلة في مناطق المضايق مثل البسفور والدردنيل (تركيا والاتحاد السوفيتي)، ومضايق تيران (بين الدول العربية وإسرائيل)، والاتفاق العام هو أن من حق الدول في حالة الحرب منع السفن الحربية أو التجارية المعادية من المرور في المضايق التي تدخل ضمن المياه الإقليمية، لكن تنفيذ كافة الحقوق كان دائفا مشروطا بالقوة التي تمكن أو تحول دون تنفيذ هذه الحقوق.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|