أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-1-2022
![]()
التاريخ: 13-12-2021
![]()
التاريخ: 22-1-2022
![]()
التاريخ: 2023-03-01
![]() |
مشكلة تعريف الحدود وأقاليم الحدود أو التخوم
أيا كان تعقد مسالة الحدود في الوقت الراهن فإن مشكلة الحدود البرية قد أثارت — وما زالت تثير — كافة المشكلات المتضمنة في جوهر العلاقات السياسية بين الدول، كما أنها راسخة في الأذهان كافة، المتخصصين وغير المتخصصين؛ لأنها تمثل الإطار الذي ممارس فيه الدولة سيادتها الفعلية، ذلك لأن الحدود البرية للدول هي الأماكن أو النقاط التي تلتقي فيها الدول وتحتك فيها كتل الناس وتتفرق فيها المصالح الاقتصادية بتوجيه الدولة، ولهذا أثارت الحدود البرية مشكلات كثيرة خاصة بتعريفها: هل هي خط الحدود أم نطاق الحدود والتخوم؟.
يتضح الفرق بين الحدود والتخوم من خلال تتبع معانيهما في إيتمولوجيا Etymology (وهو العلم الذي يعنى بدراسة أصل الكلمات وتاريخه).
فالتخوم Frontiersهي المنطقة التي تقع في المقدمة أو منطقة الظهير لأي دولة، ولهذا كان يطلق عليها أحيانا الأرض الأمامية Foreland أو المتعلقة الحدودية March وبالمثل في إيتومولوجيا فإن الحدود Boundaries تعني تلك الخطوط التي تحد وحدة سياسية، وإن كل ماهو داخل هذه الحدود يربطها بعضها البعض برباط قومي. و تعد الحدود المصطلح الذي يلانم المفهوم المعاصر للدولة كوحدة مستقلة.
ونظرا لأن سيادة الدولة سيادة مساحية Territoria، فإن المساحات التي تحكمها الدول يجب أن يتم تحديدها بوضوح. وقد أوضح كريستوف Kristof الفارق بين الحدود والتخوم فيما يلي:
١- التخوم ذات دلالة خارجية في حين أن الحدود ذات دلالة داخلية، فغي حالة التخوم يكون الاهتمام الأساسي منصبا على المناطق الخارجية والتي تشكل مصدر خطر، وأيضا غنية مشتهاة. أما الحدود فهي على العكس ذات دلالة داخلية حيث يتم ترسيمها والحفاظ عليها بواسطة الحكومة المركزية.
٢- تمثل التخوم نتاجا لقوى الطرد المركزية "أي المناطق المجاورة" القلي ترغب في تفتيت الدولة، في حين أن الحدود هي نتاج للتجانس والتماسك داخل الدولة. وهذا التمييز تم اشتقاقه من التوجه الخارجي والداخلي للمنطقة وعلاقته بالمعمور.
٣- التخوم Frontiers عامل تكامل Integrating Factor بين الدول الواقعة على جانبيها، في حين أن الحدود عامل فصل Separating factor بكونها منطقة انتقالية (متوسطة) ما بين منطقتين مختلفتين في أساليب المعيشة، والتخوم نتوفر فرصة ممتازة للتداخل المتبادل بين المجتمعات فى كل من الدولتين، ولذا فإن التخوم عامل تكامل على النقيض، فإن العديد من العوامل الطبيعية والثقافية والسياسية جعلت من الحدود حواجز تعرقل التكامل عبر الخطوط الحدودية.
4- التخوم مناطق انتقالية بين الأقاليم الجغرافية، وليس بين الدول وعلى ذلك فهي جغرافية في طبيعتها، وليست سياسية. وعلى العكس نجد أن الحدود سياسية في أصلها ووظيفتها.
5- وتشكل التخوم طبيعة مساحية Areal في حين أن الحدود ذات طبيعة خطية – Linear فالتخوم يمكن وصفها بأنها طبيعية حيث إنها جزء من سطح الأرض. في حين أن الحدود ظاهرة صناعية اختارها وحددها ورسمها الإنسان.
6- تنتمي ظاهرة التخوم إلى الماضي، أما الحدود فتنتمي بصورة كبيرة إلى الحاضر، حيث إن الحدود شيء لا غنى عنه في العالم المعاصر.
٧- أخيرا، فإن التخوم سواء أكانت ظاهرة طبيعية أم لغوية أم دينية أم عرقية، لا يمكن تحريكها، فهي قد تتغير فيما يتعلق بوظيفتها الحدودية ولكنها تبقى في ذات المكان الذي كانت به. أما الحدود فهي بكل المقاييس غير ثابتة فحتى الحرب العالمية الثانية كان كل نزاع بين أي دولتين متحاربتين يصاحبه تغيير في موقع الخطوط الحدودية.
وقد كان فريدريك راتزل من أوائل الجغرافيين المحدثين الذين تناولوا مشكلة تعريف الحدود، وفي كتابه "الجغرافيا السياسية" (١٨٩٥) ذكر راتزل عدة إيضاحات لهذه المشكلة، فهو يقول: إن نطاق الحدود هو الحقيقة الواقعة، أما خط الحدود فليس سوى تجريد لهذا النطاق. ويقول أيهضا: في مناطق الحدود يقع جزء كبير من ثقل التوازن السياسي. وفي مكان ثالث يؤكد أن نطاق الحدود هو المكان الذي يشير إلى نمو أو تقلص الدول، فغي الدول القوية يظهر ارتباط وثيق بين نطاق الحدود وقلب الدولة، فإن أي ميل إلى ضعف هذا الارتباط يؤدي إلى ضعف الدولة وإلى خسارة جزء من أراضيها، وعلى الدول أن تسعى إلى الحصول على أقصر خطوط للحدود لأنها أقواها وأحسنها، وأن تقيم استحكامات عسكرية على طول مناطق الحدود، ويدعم هذا التدبير باتخاذ الجبال والأنهار مناطق للحدود.
لكن راتزل لم يغفل مقومات أخرى للحدود الجيدة، فإلى جانب ارتكاز الحدود على بعض الظاهرات الطبيعية يتكلم راتزل عن نوع السكان والموارد المتاحة والبناء السياسي داخل الدولة كمقومات للحدود الجيدة، وقد كان راتزل يسوق نهضة ألمانيا السياسية وتغير حدودها وتوسعها كمثال للحدود المتغيرة تعبيرا عن نظريته العضوية للدولة.
وقد ظهرت في الكتابات اللاحقة لراتزل نقاط ضعف في النظرية العضوية للدولة، لكن من المدهش أن الكثير من مفهومات راتزل عن الحدود بقيت دون أن تهدم، ولعل ذلك راجع إلى أن راتزل حاول أن يؤسس قوانين خاصة لنمو وسلوك الحدود، ولا شك أن تعميم مثل هذه القوانين أمر خاطئ، فكل حد سياسي له ظروفه وخلفيته مما يجعله ظاهرة خاصة، ومع ذلك فإن قوانين راتزل عن الحدود يمكن أن تطبق على بعض الحدود بشيء كثير من الصحة.
ومن أمثلة قوانينه التي يمكن أن تطبق على كثير من الحدود قوله: إن القانون العام لنمو «المكان« التاريخي هو أن حدود المنطقة الأكبر تنمو على حساب حدود المنطقة الأصغر، وكذلك قانونه القائل: إن تطور الحدود هو السعي إلى تبسيطها، وإن التبسيط هو السعي إلى تقصير «أطوال« خط الحدود، ولا شك في صحة هذه القوانين، فالخط المتعرج المتداخل طويل ضعيف، بينما الحد القصير أقوى في الدفاع والهجوم.
وقد أيد عدد من الكتاب أفكار راتزل في عدد من النقاط، وخاصة تلك التي تفصل بين نطاق الحدود وخطوط الحدود، وفي ذلك قالت ألين سمبل: إن الطبيعة تكره خطوط الحدود والانتقالات الفجائية، بل إن كل القوى الطبيعية تتكاتف ضد مثل هذه الخطوط ... وإذا حدث فاصل طبيعي لسبب من الأسباب فإن القوى الطبيعية تبدأ على الفور في إزالة هذا الخط بخلق أشكال انتقالية وبذلك تنشئ منطقة الحدود، وكذلك قال الكولونيل ت. ه. هولديك الطبيعة لا تعرف خط حدود، وحقا إن للطبيعة تخومها — نطاقات انتقال — لكنها تكره الخطوط، وخاصة الخطوط المستقيمة.
وإلى خبير الحدود المعروفة اللورد كرزون يرجع الفضل في التمييز بين «الحدود الطبيعية« — وهي تلك المبنية على مظهر من المظاهر الطبيعية — وبين مجموعة «التخوم الطبيعية«، وهي تلك التي تدعيها الأمم حدودا طبيعية بدافع من الرغبة في التوسع أو تحت إلحاح عواطف قومية، ويقول لورد كرزون إن محاولة تحقيق مثل هذه التخوم الطبيعية كانت المسئولة عن الكثير من الحروب والمآسي في التاريخ.
وقد رأى المحامي الفرنسي ب. دي لابرادل أن الحدود والتخوم أمران مختلفان، فهو بذلك يتفق مع راتزل في أن الحدود لا يمكن فصلها عن إقليم الحدود أو التخوم، ويرى أن التخوم قائمة كأمر واقع قبل تحديد الحدود، وأنها لها صفاتها الخاصة السياسية والاقتصادية والقانونية، فالتخوم عنده هي بيئة انتقالية ويقسمها إلى ثلاثة أقسام:
1- المنطقة الحدية territoire limitrophe : وهي المنطقة التي يمر فيها خط الحدود.
2- نطاق الحدود Frontières : وهي المنطقة التي تمتد على جانبي الحدود وتخضع كل منها لقوانين الدولة التي تنتمي إليها.
3- الجوار Le Voisinage: وهي المنطقة كلها الغلي تشتمل على القسمين السابقين.
أما الجغرافي الفرنسي ج. آنسل J. Ancel فيقول إن دراسة الحدود ومناطق الحدود ليست مثمرة قدر دراسة محتوى العلاقات الدولية، فهو يقول: ليس الإطار هو المهم بل المهم هو ما يحتويه، وكذلك يقول: لا توجد مشكلة حدود وتخوم، بل المشكلة هي مشكلة أمم ، ويستند في ذلك إلى أمثلة من الشعوب البدائية مؤكدا — على سبيل المثال — أن القبائل البادية ليس لها حدود، وأن السيادة على أرض ما مرتبطة بالمجتمع البدوي أكثر من ارتباط ذلك بالأرض نفسها، "لكن لا شك أن البدو يدعون ملكية أرض معينة".
ويقول آنسل إن هناك نوعين من الحدود: الحدود الثابتة والمتحركة، ويعارض آراء راتزل التي تؤكد أن الحدود عضو من أعضاء الدولة يعكس قوة أو ضعف الدولة، ويؤكد أن الحدود عبارة عن خط توازن بين قوتين، لكن هذا الرأي في واقعه لا يختلف عن وصف راتزل للحدود، فهي خط يفصل بين العضوين الخارجيين لدولتين متجاورتين.
وقد تعرض آخرون لتعريف الحدود والتخوم مثل س. ب. جونز مودي و فيشر. وبرغم بعض الاختلافات فان الاتفاق سائد بين الدارسين حتى الآن على التمييز بين الحدود التي تمثلها الخطوط الفاصلة بين سيادتين مختلفتين، وأقاليم الحدود، أو التخوم أو الجوار التي تمثل نطاقا انتقاليا بين الدولتين المتجاورتين.
ويمكننا أن نلخص مجمل الآراء في تعريف الحدود بأن كل خط من خطوط الحدود هو في الواقع خلق متعمد عبارة عن خط تجريدي يفصل بين دولتين أو جهازين عضويين — على حد تعبير راتزل — وبالتالي يعرب عن نبض كل من الدولتين.
إن هذا الشكل التجريدي من الحدود الخطية الفاصلة لم تصل إليه القوى السياسية والقومية إلا مؤخرا نتيجة ضاغط المصالح والقوى في كل دولة، وعلى هذا فان الحدود السياسية الحالية تمثل طغيانا حديثا على مناطق الحدود والتخوم القديمة، الغني قال بها غالبية الجغرافيين ابتداء من فريدريك راتزل، واقتسام هذه المناطق الحدية إلى آخر شبر يمكن أن تصل إليه القوى الضاغطة من جانب واحد أو من الجانبين.
فغي الماضي كان المتبع ترك مناطق حدية فاصلة — تخوم — بين المجتمعات القبلية أو الدول القديمة، وهذه المناطق هي ما نعرفه حاليا باسم الشقة الحرام No man’s Land التي تلجأ إليها الدول المتحاربة أحيانا في محاولة لتقليل فرصة الاحتكاك بين هذه الدول، مثال ذلك الأرض منزوعة السلاح بين فيتنام الجنوبية والشمالية، وهذه الشقة الحرام كانت عبارة عن أراضة مهجورة من السكان تتكون غالبا من بيئة صعبة مثل التلال أو المستنقعات أو الغابات والأحراش. وفي الماضي أيضا كان يمكن إنشاء دويلة أو إمارات صغيرة كمنطقة حاجزة بين دولتين أو مجتمعين متحاربين، وذلك أيضا من أجل تحقيق الحد الأدنى من الاحتكاك العسكري، ومن الأمثلة المشهورة على ذلك سويسرا التي قامت كدولة حاجزة بين فرنسا وألمانيا وإمبراطورية النمسا في منطقة التخوم الجبلية الفاصلة.
وتعطينا الخريطة (26) نموذجا لأنواع الحدود عند مجتمعات قبلية ودول قديمة في نيجيريا، وأهم ما توضحه هذه الخريطة تعدد أنواع حدود الاتصال والانفصال في الدولة الواحدة، فإمبراطورية الفولاني — الغني تتمثل في الخريطة في دولتي سوكوتو وجاندو — ترتبط وتنفصل عن الدول والقبائل المجاورة بشتى أنواع الحدود، على سبيل المثال الحدود الشمالية معظمها حدود فاصلة تعبر مناطق شبه جافة تفصلها عن إمارات زندر وجوبير وغيرها من إمارات الهوسا، بينما حدودها الجنوبية عبر نهر النيجر مع ممالك اليوربا الصغيرة هي حدود اتصال وعدم استقرار في منطقة إيلورين كدليل على اتجاه التوسع الفولاني صوب نطاق الغابات الاستوائية الغني في جنوب نيجيريا، كما أن حدودها مع مملكة بورنو كانت مناطق تقوم وغابات في الجنوب وقبائل وثنية في الشمال وإمارات صغيرة في الوسط، وعدى هذا تتضح مرونة الحدود القديمة بالقياس إلى تصلب الحدود الفاصلة الحالية الناجم عن الضغوط السكانية والاقتصادية الحديثة.
|
|
4 أسباب تجعلك تضيف الزنجبيل إلى طعامك.. تعرف عليها
|
|
|
|
|
أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في بريطانيا تستعد للانطلاق
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تبحث مع العتبة الحسينية المقدسة التنسيق المشترك لإقامة حفل تخرج طلبة الجامعات
|
|
|