أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-11-2016
2101
التاريخ: 2024-10-21
197
التاريخ: 29-11-2016
3390
التاريخ: 2024-09-14
298
|
معروف أن الزمان هو البعد الرابع بعد الطول، والعرض، والعمق، ولذلك فإن للسرعة في الزمن قيمة ذاتية نابعة من إندماجها بالإنتاج، فللسرعة في الصناعة قيمة تعادل الذهب، فصنع السيارة مثلاً بالسرعة المطلوبة يعادل أضعاف قيمتها فيما لو انخفضت هذه السرعة، إذ من الممكن أن يكون باستطاعة أي بلد صنع سيارة واحدة ولكن في عام كامل، بينما المصانع الحديثة تنتج مئات السيارات في يوم واحد، وهذا ما يجعلها شركات ناجحة.
من هنا فإن أهمية السرعة تأتي بنفس أهمية الجودة، فالسرعة زائداً الجودة تعني إنتاجاً كثيراً بجودة عالية، وهذا هو سر نجاح الصناعات الحديثة.
ثم كلما كانت المجتمعات أكثر تخلفاً أصيح الزمان لديها أقل أهمية، بينما المجتمعات الحديثة تسعى إلى مسابقة الزمن بأقصى سرعة.
ألا تجد كيف إننا عندما نريد تبيان مقدار التقدم الذي أحرزه الإنسان في العصر الحديث نقول: بأن الناس كانوا يسافرون في الماضي على ظهور البغال والحمير، وهم اليوم يسافرون على متن الطائرات، وحينما نقيس السرعة التي كان الإنسان الأول يقطعها مع السرعة التي يقطعها الآن نرى أن الأول متأخر في الزمان والمكان بنفس مقدار السرعة الزمانية التي قطعها الثاني.
وتسعى الدول المتقدمة إلى صنع وسائل نقل تتمتع بسرعة أكثر مما عليها الآن، وذلك من خلال صنع طائرات بمقدورها أن تقطع المسافة بين (طوكيو) و(نيويورك) في ثلاث ساعات ونصف، ونرى في المقابل دولاً أخرى يقضي مواطنوها عدة أيام لتنتقل من مدينة إلى أخرى على البغال والحمير، وهذا هو الفارق بالضبط بين تقدم كل من (طوكيو) و (نيويورك) وتأخر تلك الدول.
وفي هذا المضمار يواجهنا سؤال يقول: ما هو مقياس الزمن؟ وكيف نعرف إذا كانت حياتنا تسير ببطء، أم بسرعة؟ وبعبارة أخرى: أين موقعنا من الزمن؟
والجواب: الميزان هنا هو مقدار ما نستفيد من الزمن، وما ننجز فيه، فإذا انخفض مستوى الاستفادة، أبطأ الزمن، وميزان الساعة مقياس جميل للزمن الموجود في داخل كل إنسان، لأن الزمن كان مع الإنسان منذ الخليقة حين لم تكن الساعة، ولكن الإنسان الأول وضع لنفسه مقاييس لمعرفة الزمن بطرق مختلفة.
فالساعة بحد ذاتها يمكن أن تكون ميزاناً جيداً لقياس سرعة الزمن وبطئه، فهناك ساعات فيها عقارب تشير إلى زمن الساعة دون الدقائق أو الثواني، والزمن في هذه الساعات يعتبر بطيئاً لأنه لا يحدد لنا الدقائق، فإذا مرت نصف ساعة سنرى العقارب وهي تقطع نصف المسافة بين الرقمين ببطء شديد.
وحينما نقيس الزمان بساعة لها عقارب تشير إلى الدقائق والثواني، أو تلك الساعة الأليكترونية التي يستخدمونها في مجال الفضاء، والتي تقسم الثانية الواحدة إلى أكثر من ألف جزء، حيث يكون للزمن (الجزء من الألف من الثانية) فإن قيمته الحياتية بالنسبة إليهم تكون كبيرة جداً لأن الجزء الضئيل من الزمن هو الذي يحدد قياس سرعة الزمن عند أمة وبطئه عند أخرى.
وهناك ميزان آخر وهو مقدار الإنتاج ونوعيته وجودته، لذلك فإن البشرية تسعى دوماً لصنع أدق الأجهزة لقياس هذا الزمن والإنتاج فيه، وكلما تطور الإنتاج ازدادت الحاجة إلى مزيد من الوقت، بينما نرى في البلدان المختلفة أن هدر الوقت مواز لهدر الإنتاج، وقد يعترض البعض على مفهوم السرعة وضرورتها للحياة.
والحال أنها جزء من الخليقة، فالله سبحانه وتعالى خلق أجهزة البدن بحيث تؤدي عملها في وقت محدد، وتستجيب لكل الحوافز بأقصى سرعة ممكنة، فدماغ الإنسان لا تضاهي سرعته الفائقة أي جهاز صنعه البشر لاستقبال المعلومات وتحليلها واتخاذ القرار بشأنها، فالدماغ يؤدي مليارات العمليات الحسابية في الثانية الواحدة.
ومعنى هذا أن السرعة الحاكمة في داخل الإنسان هي أكبر بكثير مما يستفاد منها، والإنسان هو الذي يتباطأ في استخدام هذه السرعة أو يلغيها تماماً.
أترى أن الذين يتقنون سرعة القراءة هل هم يصنعون معجزة في ذلك؟ بالطبع، كلا، لأن الإنسان قادر على إتقان السرعة في القراءة، وإن لم يفعل ذلك فإنه يكون قد ضيع على نفسه الكثير من الوقت، فإذا كان بمقدورك قراءة مائة صفحة في الدقيقة الواحدة، ولكنك اكتفيت بصفحة واحدة في نفس المدة فأنت الخسران.
لقد خلق الله فيك عقلا فطناً، وعينين تلتقطان الصور بسرعة، وتنقلان المعلومات إلى دماغك بسرعة فائقة، فلماذا لا توظف هذه السرعة في زيادة معلوماتك؟
ثم إن الوقت هو العمر، والعمر هو الحياة، ومن أراد أن يعيش الحياة فلابد أن يجاريها في سرعتها وأن نسرع ولا نبطئ في الحركة، وأن نستغل كل جزء من الالف من الثانية في حياتنا.
وهنا ملاحظة هامة وهي أنه مع التأكيد على أهمية السرعة، إلا أنه ليس كل شيء يستحق السرعة، كما ليس كل شيء يستحق التمهل، فالوقت الذي نصرفه على أي شيء يجب أن يتناسب مع قيمته، فمثلاً لابد وأن نسرع في تهيئة الطعام ولكن نتمهل في أكله، كما لابد أن نسرع في تهيئه أمور السفر لكي نطمئن في الرحلة، ولابد أن نسرع في الدراسة ولكن نتمهل في الامتحان، ولابد أن نسرع في الخير حتى نستمتع بنتائجه.
ينبغي أن يكون التأني في موقعه مثلما ينبغي أن تكون السرعة في موقعها أيضاً، أما إذا خالفنا هذه المعادلة وسرنا بالاتجاه المعاكس فنكون ممن خسر مرتين، مرة حينما نعاني من متاعب السرعة في غير موقعها، ومرة حينما لا نتمهل في قطف ثمار نتائج أعمالنا.
إن ظروف الحياة ليست على مستوى واحد، ففيها منحنيات كما هي في الأرض، وهضاب وجبال وللمسير في تلك الطرق فنحن بحاجة إلى نوع مشابه للمسير، فلا يمكن مثلاً أن يركض الإنسان على الجبال، فبعض الأمور يحتاج إلى السرعة وبعضها الآخر إلى التأني، فلابد أن نعرف متى يجب أن نسرع الخطى ومتى يجب أن نتريث.
فلربما نخسر حياتنا لخطوة مستعجلة في غير محلها، أو نخسرها لأننا تثاقلنا في موقع العجلة، فلو أصيب إنسان بحادث وكان بحاجة إلى العلاج السريع فتأخر أصحابه في إيصاله إلى المستشفى، فإنهم سيساهمون في القضاء عليه.
والعكس أيضاً صحيح، فلو أن إنساناً تعرض إلى صدمة قلبية فإنه سيكون بحاجة إلى الراحة المطلقة، أما إذا أجبرته على الركض أو الحركات العنيفة فلربما تقضي على حياته.
إن الخط البياني لمختلف المسائل هو خط متعرج، وليس خطاً أفقياً مستقيماً، أو عمودياً صاعداً، وعليك أن تعرف متى ينبغي أن تستخدم السرعة ومتى ينبغي أن تتمهل، فلا تكن مسرعاً دائماً ولا مبطئاً دائماً، فليست السرعة مطلوبة في كل شيء مطلقاً، كما أن التمهل ليس هو الآخر مطلوباً في كل شيء.
إن تناسب حركتك مع حركة الحياة يجب أن تتناسب مع استخدام السرعة أو البطئ بحسب الحاجة إليهما، وتلك هي الحكمة التي لابد وأن تتمتع بها.
ألا ترى كيف أن الفاشل يؤجل عمل اليوم إلى غد، أو بعد غد، أو إلى أشعار آخر؟ أو يستعجل في غير موقعه؟
فهو في موقع السرعة يتباطأ، لأنه لا يريد أن يواجه أمراً يتطلب الجهد والتفكير، إما لأنه غير واثق من نفسه، أو لأنه خائف، أو لأنه كسول، فيحتمي وراء شعار: (في التأني السلامة).
وقد يكون هذا أحد مظاهر التخلف في عصرنا الذي إمتاز بالسرعة، واتصف بالحروب الخاطفة، سواء كانت حرب علم، أو حرب مواقع، أو حرب صناعة، فهي لا تعطي الإنسان الفرصة ليفكر فيما يعده من مستلزماتها.
لقد أصبحت جامعات كثيرة في العالم تعتبر سرعة الإجابة على الأسئلة في الامتحانات عاملاً يضاهي الإجادة والصحة فيها، أي أنه في حالة تساوي طالبين في إعطاء الجواب الصحيح، فإن هذه الجامعات ترى أنه ليس من الإنصاف أن يحصل كل منهما على درجة واحدة، إذا كان أحدهما أسرع من الآخر.
من هنا يمكن القول إن (التأني) في غير موقعه نوع من (الأفيون) يخدر الأعصاب، ويمزق الإرادة، ويربك الإحساس بالزمن، تماماً كما تفعل الكحول والمخدرات.
فشرب المسكرات يؤثر سلباً على قابلية الشخص التسلسل الزمني للحوادث يستعمل الخبراء فقدان (ضبط التسلسل الزمني للحوادث) في سبيل الكشف عن السكران، وهذا بالضبط ما يحدث أيضاً لمن يتباطأ دائماً في أعماله، ويؤخر أعماله دائماً.
على أن البعض لا يكتفي بتخدير نشاطه وتمزيق همته، بل يتجه نحو الوقت فيعتبره عدوه، لا لسبب غير أن الوقت يتطلب نشاطاً وهمة، فلو سألت أحد الشبان عما يفعل في المقهى وحده، فهو يجيبك أنه يريد أن يقتل الوقت وذلك هو هدفه الأساسي.
وهنا ملاحظة هامة جداً، وهي أن كثيرين ينتظرون (الوقت المناسب) لأعمالهم، بينما الوقت المناسب لأي عمل هو وقت إنجازه، كما يقول الإمام علي (عليه السلام): (كل شيء طلبته في وقته فقد فات وقته) (١).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|