نظرية الحتم البيئي:

لعل من أكثر الكتب التي لاقت ذيوعا في أوربا هو كتاب أصل الأنواع لداروين والذي نشر عام 1859، حيث أسس لثورة في كثير من فروع العلم، وقد تأثر الكثير من الباحثين في العلوم الانسانية بفكرة الانتخاب الطبيعي، وحاولوا تطبيقها فيما عرف بالدارونية الاجتماعية، فقد تأثر بها هنري آدمز وفردريك جاكسون في علم التاريخ، وهنري مين في علم السياسة، وفبلن في علم الاقتصاد، وهلمز في علم القانون، ومورجان في الأنثروبولوجيا، وفي حقل الجغرافيا أسفر التأثر بفكر دارون عن ظهور نظرية الدولة العضوية، كما ظهر ما يسمى بالحتم البيئي.

ويعني الحتم البيئي أن ظروف البيئة الطبيعية هي التي تحدد سلوك الانسان كان يقال أن بيئة اليابان الجبلية وقلة الأراضي الزراعية بها قد دفعت سكانها صوب البحر من أجل الحياة، وأن بريطانيا بفضل توافر المرافئ الطبيعية ووفرة الغابات قد تمكنت من بناء أسطول ساعدها على التحكم في البحار.

شهدت نظرية الحتم البيئي منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين تطورات في اتجاه تقليل درجة الحتمية، من راتزل إلى الأمريكية سمبل والبريطاني - الاسترالي - الكندي جريفت تايلور، وبنهاية الثلاثينيات من القرن المنصرم تعرضت نظرية الحتم البيئي لهجوم شديد، وبنهاية الخمسينيات أصبحت مجرد إرث علمي تاريخي.

ظهرت أفكار مضادة لتلك النظرية، فقد رأى برستون جيمس أن ثقافة الإنسان هي التي تحدد طريقة استغلاله لبيئته، وسانده في الرأي ديرونت هوتلسي، ومهما يكن فإنه لا يمكن التهوين من ما للبيئة من تأثير على سلوك الأفراد والدول، إلا أنه لا ينبغي التهويل من قدرة، ولعل ذلك هو ما قصده الجغرافيان الفرنسيان فيدل دي لابلاش وجين بروني عندما طرحا مفهومان جديدان هما الاحتمالية والإمكانية كبدائل للحتمية.