أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2016
2602
التاريخ: 8/10/2022
1435
التاريخ: 28-6-2017
2363
التاريخ: 19-6-2016
2080
|
يتحدد الرافد الأول (القيمي) لمرجعية ثقافة الأطفال في إطارها الفكري من مجموعة معارف وأساليب ومبادئ وأفكار وقواعد، أنتجها الفكر الإنساني، وتعارفت عليها المجتمعات لتكون قواعد قيمية تختص بمعرفة الطفل والطفولة، من كافة اتجاهاتها وخصائصها البيولوجية والفسيولوجية والسيكولوجية التي خلصت في تراكمها المعرفي وسعة مفاهيمها وتطبيقاتها وقواعدها المتعددة إلى إيجاد أرضية خصبة للدراسة والبحث والملاحظة، تتجسد فيها آليات دراسة الطفل وفق القواعد القيمية الصالحة.. وقد تطورت هذه الآليات لتصب في قاعدة أكبر لدراسة الطفل دراسة شاملة سميت (علم الطفل)، أو (البيدالوجيا Pedalogie) القائم على الملاحظة العميقة في التجربة والانطلاق بالدراسة من الخصائص الصغيرة إلى الخصائص الكبيرة لفهم الطفل..
وقد شكلت هذه الدراسة البداية الحقيقية لفهم الطفل وطرق العناية به، كما شكلت المنطلق الأساسي الذي شجع العلماء والمفكرين والمربين والأدباء والفنانين، على اختلاف تخصصاتهم وتوجهاتهم، للتوجه في مخاطبة الطفل، والاهتمام بحاجاته وقدراته المختلفة.
وقبـل ذلـك كـانت هناك مجمـوعـة مـن الـطـرق والـمـبـادئ والـقـيـم والأساليب التي شكلت قاعدة العناية بالطفل والنظر اليه، نشير إلى أبرزها بإيجاز هنا.. حيث تنقلنا المصادر وترجعنا إلى الحقب التاريخية التي نشأت فيها هذه المعارف.. فقبل شيوع (مفهوم ثقافة الأطفال) في المجتمعات الإنسانية، سار التوجه لدى هذه المجتمعات، وخاصة المجتمعات الأولية، إلى النظر بخصوصية فائقة إلى الطفل، بوصفه كائناً ضعيفاً يتطلب الاهتمام والرعاية بشكل متواصل، ليتمكن من النمو بشكل سلیم . .
وقد تعارفت هذه المجتمعات على نوع من الأعراف والتقاليد والأساليب الخاصة بتهذيب الطفل وتنشئته، يتوافق من خلالها الطفل مع وسائل العيش وطرقه، بناء على ملاحظته لأساليب والديه وطرق عيشهما، وكيفية التكيف الاجتماعي مع محيطه البيئي..
وأوسع من ذلك تعارفت الأسر في تلك المجتمعات على آلية تربوية مع الطفل بشكل تدريجي، هدفها الأساس تمكينه من العيش بسلام، والتكيف الطبيعي مع جماعته في البيئة الاجتماعية.. وهذا الحال يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر.. حيث يجتهد كل مجتمع بإيجاد الآلية المناسبة لتربية وتهذيب أطفاله وفق نظرته وتقاليده وأعرافه وما تفرضه في هذا الاتجاه طبيعته الاجتماعية والثقافية.. حتى صار لكل مجتمع رؤيته وأساليبه الخاصة بشأن الطفل.
ففي المجتمعات اليونانية القديمة، كان الحال يختلف تماماً.. إذ كانت هذه المجتمعات أوسع نظرة، وأكثر سعة بالنظر إلى الطفل، والعناية به، حيث اهتمت بالطفل اهتماماً واسعاً نوعاً ما، من أجل مساعدته على تحقيق النمو المتكامل، عبر الاهتمام بجسمه وعقله وروحه وذوقه، ان (افلاطون ٤٢٩-٣٤٧ ق. م) و(ارسطو ٣٨٤-۳۲۲ ق.م) قد أهتما كثيراً بالتربية الجسمية خلال السنوات الست الأولى من عمر الطفل، إلى جانب اهتمامهما بالتربية العقلية والخلقية للطفل، عن طريق الألعاب والنحو والرياضيات والرسم)(۱).
أما المجتمعات الرومانية القديمة فقد اهتمت بالناحية العلمية في تدريب الطفل وتنشئته وتربيته، وقد سارت بذلك على منهج مفكرها (كوا نتيليان Quintilien 95-35 م)، الذي أطلق على طريقته التربوية سمة خاصة تدعى بـ (التربية الخطابية)، وذلك حين جعل الدراسة للطفل كاللعب، فنادى بالإكثار من الأسئلة، وإعطاء المكافآت، والتدرج مع الطفل في تعليمه القراءة والكتابة، وعدم الإسراع في ذلك أكثر مما ينبغي)(2).
وهذا الحال أعطى زخماً فكرياً وقيمياً للمجتمعات الأخرى للاهتمام بالطفل، بشكل أوسع.. خاصة بعد تطور الثقافات الإنسانية، (وبمجيء الديانتين المسيحية والإسلامية، زاد الاهتمام بتربية الطفل، ففي الديانة المسيحية الأولى والعصر الوسيط كان الهدف الأسمى تقوية عقيدة الطفل، وتهذيب خلقه، وإعداده للحياة الآخرة)(۳).
أما في الديانة الإسلامية فقد كان الاهتمام بالطفل اهتماماً واسعاً من كل النواحي المتعلقة بجسم الطفل وروحه وعقله وذوقه ويده وعمله.. وكان هدف التربية دينياً ودنيوياً منذ البداية، عبر الاهتمام بتعليم الأطفال في (الكتاتيب)(*) القراءة والكتابة، والقرآن الكريم والعلوم المتصلة به، وللنبي محمد صلى الله عليه وآله منهج عظيم في تربية الطفل وفي أساليب تنشئته السليمة، وطرق التعامل معه وتأديبه، وهذا المنهج يتضح في سيرته العظيمة وفي أحاديثه الشريفة، وأقواله البليغة التي تحث على ضرورة الاهتمام بالطفل ورعايته وتأديبه ليكون ولداً صالحاً، حيث يقول صلى الله عليه وآله (من حق الولد على الوالد ان يحسن اسمه، ويحسن تأديبه)(4).. وقال أيضاً صلى الله عليه وآله: (رحم الله عبداً أعان ولده على بره، بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه، وتأديبه)(5).
ولقد كان لمنهج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله في تربية الطفل أثره البالغ في نفوس المسلمين، وفي تأسيس القواعد الصحيحة لتنشئته الطفل في المجتمع الإسلامي، وقد انعكس ذلك على واقع الثقافة العربية الإسلامية ، حيث برز فيها العديد من العلماء والفلاسفة والمفكرين والمربين الذين اهتموا بقضايا الطفل وتربيته وتهذيبه، بشكل واسع، من أمثال (الغزالي ٤٥٠هـ ١٠٥٨م - ٥٠٥ هـ ١١١١م) و(ابـن خـلـدون ۷۳۲هـ ۱۳۳۲ م - ٨٢٨هـ ١٤٠٦م) و(القابسي ٣٢٤هـ ٩٣٥م - ٤٠٣هـ ١٠١٤م)، وغيرهم العديد من الفلاسفة والعلماء والمفكرين العرب والمسلمين الذين أثروا الثقافة الإسلامية بشكل خاص والثقافة الإنسانية بشكل عام، لما قدموه من آراء وأفكار ومفاهيم قيمة اختصت بدراسة الطفل وتفسير ظواهر الطفولة من مختلف الجوانب والتوجهات، التي تدور في مفاهيم تربوية وإرشادية وتهذيبية عديدة، وكل ذلك قد وسع من دائرة الاهتمام بالطفل، ومعه توسعت النظرة إلى القيم وأساسياتها والطرق التربوية والإرشادية المتبعة في رعاية الطفل والاهتمام به لتأخذ مجالاً أوسع وأكثر أهمية في اتجاهاتها العلمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الله عبد الدايم ـ التربية عبر التاريخ.
(2) المرجع نفسه.
(3) عمر محمد التومي الشيباني، مرجع سابق.
(*) الكتاتيب : اسلوب استخدمه المسلمون لتعليم الأطفال القراءة والكتابة.
(4) انظر مستدرك الوسائل للمحدث النوري.
(5) المرجع نفسه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|