أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-12-2020
1798
التاريخ: 2023-03-03
1027
التاريخ: 16-12-2021
1700
التاريخ: 17-1-2016
23396
|
الجيوبولتيك نظام علمي مفتوح
كانت معرفة الجيوبوليتيك وممارستها تسعيان إلى فهم التوسع المكاني أو تحقيقه، وقد عملت النظريات الكلاسيكية على وضع الشروط والاقتراحات اللازمة لرجال الدولة والحرب من أجل السيطرة على الأقاليم، وتوسيع جغرافيا الدولة القومية، وأوضحت كيف أن السياسات الخارجية ترتبط بالحتميات الجغرافية، فمنذ بدايات القرن التاسع عشر أرست المدرسة الألمانية على يد فريدريك راتزل (عام ١٩٠٤٠١٨٤٤)، والمنحدرة من تقاليد المدرسة العضوية، المبادئ والشروط الطبيعية لتوسع الدولة، بصفتها كائنا طبيعيا ينمو ويتوسع؛ فدعت إلى ضرورة اتساع إقليم الدولة بقدر نمو سكانها، وتوسع نشاطهم الاقتصادي، وأكدت أنه ما دام "التوسع الإقليمي متأصلا في طبيعة الدول" يكون ضمان القوة والبقاء هو الأولوية. وقد انتقل راتزل من مبدأ "الكفاح من أجل الوجوده Kampf ums D ein , إلى "الكفاح من أجل المجال" Kampf um Raum, من خلال الربط العضوي بين المجتمع والأرض والدولة، ويقول في ذلك، واصفا علاقة حركة البشر بالحياة "بين حركة الحياة، التي لم تهدأ أبدا، وإقليم الأرض (Raum)، الذي يبدو ثابتا، ينشأ التناقض. ويولد الخروج من هذا التناقض الكفاح من أجل المجال (space).
ففي البداية استطاعت الحياة سريعا التوسع، والاستيلاء على سطح الأرض (Boden) بصفته ملكية خاصة بها، ولكن عندما بلغت الحياة منتهي هذا السطح بدأت مرة أخرى في الانبثاق، ومنذ ذلك الوقت، والحياة تناضل باستمرار مع الحياة على كامل وجه الأرض من أجل المجال، إن تعبير "الكفاح من أجل الوجود" الذي أسيء استخدامه وفهمه كثيرا لا يعني في المقام الأول سوى الكفاح من أجل المجال. فالمجال هو الشرط الأول للحياة، وعليه تقاس سائر الشروط، وفوق كل ذلك شرط الرزق.
وكذلك نبه هاوسهوفر السياسيين إلى ضرورة توسيع مجال ألمانيا، وتخفيف عبء الكثافة السكانية الخانقة عن مدنها، واستعادتها لما فقدته في مؤتمر فرساي، فيؤكد للقادة الألمانيين مثلا أهمية هذه المقاربة وأنه يجب على كل من له صلاحية إعادة تشكيل شعبة في مجال حيوي كافي ومقدس أن يحس بالمسؤولية بصفته إنسانا مؤثرا في العالم. وتفيدنا قواعد الجيوبوليتيك في بحث وضع الدول ضمن النطاق الجغرافي العالمي، وتحديد مصادر القوة داخل الأقاليم وخارجها، ونظرة إلى أن الجيوبوليتيك الكلاسيكية كانت تنطلق من مركزية الدولة وقرارات النخب، وأن العولمة غيرت مفهوم الحدود، والنظرة إلى طبيعة الصراعات ووظيفة الدولة، بدا أن الجيوبوليتيك يمكن أن تكون في خدمة السلام، وأن ترتبط بالمشروعات المدنية التي تمس الجماهير الواسعة، وأن تكون مسالمة وعلمية وبعيدة عن الأيديولوجيا والتوسع النازي الذي ألصق بها، وذلك ما رمي إليه آيسايا بومان خلال الحرب العالمية الثانية في تفريقه بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتك وهو كذلك ما حاول شاول بونار كوهين القيام به في تفريقه بين جيوبوليتيك كلاسيكية أو ماضية و نيوم جيوبوليتيك.
وفي الحقيقة، فان ما يروج له بانه جيوبوليتيك السلام يسعى ضمنيا إلى استعمال آليات أخرى للهيمنة عن طريق استخدام الثقافة، والإعلام، والجيو - اقتصاد، والتقنية، وما بات يعرف بالقوة "الناعمة" أو "القوى الذكية" هي بما يعطي الحروب والصراعات مشروعية أكبر، أو يجعلها غير مرئية للرأي العام، وتدفعنا هذه الاعتبارات إلى التأكيد أن هذا الميدان ليس محايدا بالرغم من
الموضوعية والعلمية اللتين يمكن أن يظهر بهما؛ فقد ارتبطت الجيوبوليتيك باستراتيجيات الدول والحكومات ومساعيها إلى السيطرة على الأقاليم، وخوض الحروب على ما تعده مصالح حيوية وشرطا للمحافظة على القوة القومية، أو تعظيمها.
ومن هذا المنطلق يبقى ما أكده مؤسس الجيوبوليتيك الفرنسية المعاصرة، إيف لاكوست، ذا دلالة؟ وهو الذي قال إن "الجغرافيا هدفها، أولا وقبل كل شئ ، صناعة الحرب"، فهي ترتبط بالأيديولوجيا: إلى جانب أنها أداة ممارسة وسلطة في يد الدولة.
وينقل إلينا لاكوست ما نصه: "لا يعني أن الجغرافيا تصلح العمليات العسكرية فقط، بل لتنظيم الإقليم أيضا ليس للاحتراز في المعارك التي يجب أن نخوضها ضد هذا العدو أو ذاك فقط، بل تصلح كذلك لمراقبة البشر بشكل أفضل أينما يمارس جهاز الدولة سلطته". وقد أسهم لاكوست فيما مضى في التوعية بقائدة التحليل الجيوبوليتيكي على مستوى النخب والجماهير، وأسس لأجل ذلك مجلة هيرودوت (Herodote) المستمرة في الصدور إلى اليوم، وحاول قبله أول مدرس ومؤلف كتاب في الجيوبوليتيك بفرنسا في عام ١٩٣٦ جاك أنسل (Jacques Ancel) تأسيس مدرسة فرنسية ضد المدرسة الألمانية، وقد ترافع في اجتماع السلام في فرساي عام ١٩١٩ عن حق فرنسا في إقليمي الالزاس واللورين بانتهاج أسلوب المحاججة الجغرافية. "
وفي سياق مواز عمل رواد التفكير الجيوبوليتيكي الأمريكي على بلورة نظريات تسمح بسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على نطاقات جغرافية جديدة، وإعادة تعريف الحدود العالمية بما يتماشى والهيمنة الجيواقتصادية المرجوة منها. فقد وضع منظر القوة البحرية والضابط في الكلية الحربية البحرية الأمريكية، ألفريد ثاير ماهان (عام ١٨٤٠- ١٩١٤) بحوثه في خدمة بلده، وواجه الكونجرس من أجل إتمام بناء أسطول بحري حقيقي، ومن المبدأ والالتزام أنفسهما أكد سبيكمان أن "الجغرافيا هي المحدد الرئيسي لتشكيل سياسة قومية؛ لأنها دائمة؛ ولأن المحددات الجغرافية للدولة ثابتة نسبية وغير قابلة للتغيير، وغدت طموحاتها الجغرافية مطابقة لما كانت عليه في قرون سابقة، ولأن العالم لم يحقق بعد الوضعية المرضية التي لا تدخل فيها احتياجات البعض في صراع مع البعض الآخر، تطل هذه الطموحات مصدرا للاحتكاكات الخصومات" وأضاف في مقالة مطولة نشرها في جزأين عن "الجغرافيا والسياسة الخارجية" تأثيرات حجم الدولة وموقعها الإقليمي منظورا إليه من خلال الجوار المباشر في سياستها الخارجية، كما عقد مقارنات بين مزايا الدول الشاطئية والبرية. وبعدها بسنة، وبالاشتراك مع ابي رولينز، عدد في مقالة من جرأين "الأهداف الجغرافية في السياسة الخارجية"، وعلى رأسها التوسع، ثم التحكم في الحدود (وهي علاقات قوة)، وفي الأنهار والوديان، وتأمين الوصول إلى البحر، والتوسع المحيطي عبر البحار.
وبما أن أساس الدولة القومية هو الإقليم؛ فان سياسات الحكومات تعمل على تماسكه وتعزيز مكانته ضمن الأقاليم الأخرى، كما تضفي عليه هوية قومية؛ وهو ما سماه هاوسهوفر "الشخصية الجيوبوليتيكية" للدولة؛ فالاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية توضع للدفاع عن جغرافيا الدولة و"شخصيتها"، وتشتغل الرؤى الجيوبوليتيكية كمرجعيات لذلك، وعلى لسان كولن غراي: "كل سياسة هي جيوبوليتيك، وكل استراتيجية هي جيواستراتيجيا"، ويضيف "أنه لا مفر من الجيوبوليتيك والنظرية الجيوبوليتيكية، بما في ذلك الجغرافيا التي يجب أن يرتبطا بها. إن الحكومات وعقل الأقراد في المحصلة تفكر جيوبوليتيكية" وهو ما يجعل الشأن الجغرافي شأنا سياسيا وأمنيا واستراتيجيا.
ومن خلال ما تقدمه الجيوبوليتيك إلى الدولة والسلطة، واستراتيجيات القوى الكبرى، نفترض أن عنصر "المدى الحيوي" Lebensraum , الذي اقترحه المؤسسون الأوائل للجيوبوليتيك الألمانية لم يحتف، وإنما يتم التعبير عنه وفق أشكال "ناعمة" قد تراعي مسائل العولمة، وتوازن القوى، والقانون الدولي، وضغوط الرأي العام، ومن بين هذه الأشكال: المصالح الحيوية، مناطق النفوذ، مسرح العمليات، نطاق الحرب على الإرهاب، حق التدخل؛ فقانون القوى العالمية هو البحث عن مناطق لتمد فيها نفوذها، وفي المقابل تبحث القوى المتوسطة أو الضعيفة عن مجرد البقاء وحفظ المكانة؛ لذلك مهما تلونت الجيوبوليتيك تحت أسماء نقدية مختلفة، تبقى في النهاية مرتبطة بالدولة، وبما ابتدعته المدرسة الكلاسيكية. ويدعم هذا الطرح بحث أولا تونندار الذي تؤكد فيه عودة خطابات الجيوبوليتيك الأنجلوساكسونية إلى ميراث الجيوبوليتيك الألمانية والسويدية، وبالخصوص مفاهيم رودولف تشيلين عن العرق والإقليم، وهو ما تجسد لاحقا في أطروحة صدام الحضارات لصموئيل هنتنجتون، الذي وضع حدودا عرقية ودينية للحضارات، وتفترض أن روية تشيلين العرقية للسياسة العالمية ولتوسع ألمانيا، التي يجب عليها إقامة اتحاد ما بين الدول يدمج الأعراق السلافية الغربية من سكان أوروبا الوسطى لمواجهة هيمنة روسيا، تنطبق على سياسة حلف الناتو، وتؤكد أن "التشابه بين أفكار تشيلين وتلك الأفكار التي تشكل حلف الناتو أمر مدهش". ونفهم من كل ذلك أن التفكير الأمريكي المعاصر (خصوصا النقدي منه)، الذي قدم نفسه بديلا لجيوبوليتيك التوسع، ظل وفيا للمدرسة الكلاسيكية، فمثلا كتاب كولن غراي عن القوة العظمى (The Geopolitics of Super Power، 1988) يتضمن استخدامات ضمنية لنظريات ماكيندر.
ويبدو جليا أنه مهما تغيرت طبيعة الفواعل وأشكال الصراعات والحروب تبقى الجيوبوليتيك تنطلق من مركزية الدولة، ومن مادية الجغرافيا وحتميات الطبيعة، ويبقى الباحثون مكرهين على استعمال المناهج الواقعية في ظل وجود أشكال تقليدية للصراع الجغرافي، وعلى اعتماد أساسيات التفكير الجيوبوليتيكي الكلاسيكي الواقعي (realist geopolitical thought) ومبادئ الواقعية من مركزية الدولة، وفوضوية النظام الدولي، وتوازن القوى، والمصلحة القومية، لتفسير صراعات القرن الحادي والعشرين وحروبه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|