اختيار المواقع الملائمة لأستغلال الطاقة الحرارية في البحار والمحيطات |
2718
10:44 صباحاً
التاريخ: 2-6-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-6-2021
2585
التاريخ: 4-7-2021
1194
التاريخ: 28-7-2021
2456
التاريخ: 30-5-2021
1502
|
اختيار المواقع الملائمة لأستغلال الطاقة الحرارية في البحار والمحيطات
يتطلب استغلال أي مصدر من مصادر الطاقة توفر مجموعة من الشروط تجعل من مثل هذا الاستغلال أمرا ممكنا من الناحية العلمية والعملية، فقد توجد هناك بعض المصادر التي لا تتوفر التكنولوجيا الملائمة لاستغلالها، فلو افترضنا مثلا أن هناك مصادر نفطية على أعماق عشرات آلاف الأمتار تحت سطح الأرض فان المعطيات التكنولوجية المتوفرة حاليا تجعل من استغلال مثل هذا المصدر أمرا شبه مستحيل في الوقت الحاضر، ثم هناك مجموعة العوامل الاقتصادية التي تتطلب قبل كل شيء امكان استغلال مصدر الطاقة بتكلفة معقولة تحددها في العادة مجموعة من المتغيرات الاقتصادية كالأسعار وكمية الطلب ومنافسة المصادر الأخرى، وهناك أيضا العوامل البيئية التي بدأت تفرض نفسها بشكل واضح بعد ازدياد وعي الانسان بالأخطار الجسيمة الكامنة في الاستغلال اللاعقلاني لمصادر الطاقة، والطاقة الحرارية في البحار والمحيطات لا تختلف عن غيرها من مصادر الطاقة حيث إن لها مشكلاتها الخاصة وان استغلالها مرتبط بتوفر مجموعة من الشروط الملائمة.
ان الشرط الأساسي والضروري لتوفر امكان استغلال الطاقة الحرارية في البحار والمحيطات هو توفر فارق في درجة الحرارة بين مياه السطح ومياه الأعماق بحيث لا يقل هذا الفرق عن ١٥ درجة مئوية في العادة، والسبب في ذلك هو حقيقة أن كفاءة المحطات التي تعمل على فروق درجات حرارة المياه تكون في العادة منخفضة جد ولا تزيد عن اكثر من 2-3 % مقارنة بكفاءة في حدود 30% للمحطات التي تعمل على الفحم والبترول، والواضح أن عنصر الطاقة في البحار والمحيطات عنصر مجاني يعني أن صاحب المحطة لا يدفع ثمنه، كما هو الحال مع الفحم والبترول، وعليه، فان الكفاءة المنخفضة جدا للمحطات العاملة على مصدر الطاقة الحراري في البحار لا تشكل عائقا أمام استثماره بشرط توفر فارق معتدل في درجات الحرارة، ويكن القول بشكل عام ودون تخصيص إن اكثر الأماكن ملاءمة لأنشاء مثل هذه المحطات هي المناطق البحرية بين المدارين، اي تلك المنطقة الواقعة بين خطوط العرض 23.5 شمال خط الاستواء و 23.5 جنوبه، فكمية الاشعاع الشمسي الساقطة في هذه المنطقة تكون في العادة أعلى منا في المناطق الواقعة على خطوط العرض الأخرى الأكثر بعدا عن خط الاستواء ثم إن هذه المناطق بسبب بعدها عن القطبين الشمالي والجنوبي تكون على الأغلب أقل تأثرا بالبرودة الشديدة السائدة في القطبين مما يسمح بإمكانية تواجد فارق حراري بين السطح والأعماق يجعل من الممكن تشغيل المحطة على مدار السنة.
ولو نظرنا الى التدرج الحراري من السطح الى الأعماق في البحار المدارية لوجدنا الصورة التالية : تكون درجة الحرارة على السطح في حدود ٢٥-٢٧ درجة مئوية وتبقى ضمن هذه الحدود في طبقة مائية سمكها من 50-100 متر. ثم تأخذ درجة الحرارة بالانخفاض السريع لتصل الى حوالي 10 درجات مئوية على عمق 200 متر ويعرف هذا الانخفاض السريع في درجة الحرارة باسم «الانحدار الحراري»، بعد ذلك تأخذ درجة الحرارة بالانخفاض بمعدل بطيء فتصل الى ٧ درجات مئوية على عمق 700 متر، والى ٥ درجات مئوية على عمق ألف متر تقريبا، ولا تنخفض درجة الحرارة في مثل هذه المناطق حتى على أعماق أكبر عن ، درجات مئوية، على أن نموذج التدرج الحراري هذا لا يأخذ في الاعتبار وجود أية مصادر حرارية في قعر البحر مثل مصادر الطاقة الجيوحرارية، فالمعروف أن هناك مناطق في قعر البحار والمحيطات مازالت نشيطة بركانيا، وينطلق من التشققات في قعر البحر كميات كبيرة من الحرارة قد تؤدي الى رفع درجة حرارة المياه موضعيا. إن التدرج الذي نتكلم عنه هنا هو ذلك الموجود في غياب وجود تأثيرات المصادر الحرارية الأخرى، ويعطي الشكل رقم (١) صورة عن هذا التدرج.
اذا توفر وجود التدرج الحراري الملائم في منطقة ما تأتي بعد ذلك مسألة اختيار موقع المحطة نفسها، فالمحطة اما أن يتم انشاؤها على اليابسة أو على منصة في عرض البحر. ففي الحالة الأولى يكون المطلوب ضخ المياه الساخنة والباردة من البحر الى المحطة عبر أنابيب تمتد الى مسافة كيلومترات عديدة، وحيث إن المحطات تتطلب كميات كبيرة جدا نظرا للانخفاض النسبي لدرجات الحرارة وللانخفاض النسبي في فوارق درجات الحرارة فان أحجام أنابيب ضخ المياه تكون في العادة كبيرة، لذا حتى اذا توفر فارق درجات الحرارة على مسافات بعيدة في عرض البحر فقد يصبح من غير المقبول علميا وعمليا واقتصاديا انشاء محطات للطاقة على اليابسة، ومن الضروري أن تكون منطقة اليابسة — حيث تبنى المحطة — من المناطق التي يسهل الوصول اليها وغير وعرة، لأن وجود محطة طاقة يتطلب نقل الكثير من التجهيزات والعدد والأدوات والمكائن والعاملين في المحطة أنفسهم واحتياجاتهم اليومية من غذاء وما شابه، بالإضافة الى ذلك، يفضل أن تنشأ المحطة في مناطق قريبة من أسواق استهلاك الطاقة مثل المناطق الصناعية أو المدن والتجمعات السكنية الأخرى. ولكن من المحتمل أن تعمل هذه المحطات –فيما لو كانت قريبة من المناطق الريفية — على تزويد هذه المناطق بحاجتها من الطاقة الكهربائية وبخاصة اذا كان من الصعب ايصال الكهرباء لهذه المناطق من الشبكة الكهربائية العامة، إن توفر اسواق الاستهلاك أمر ضروري اذ لا حاجة للاستثمار في مشاريع تنتج سلعا لا يتوفر لما مستهلكون.
أما في الحالة الثانية حيث يتم انشاء المحطة في عرض البحر فان الوضع يختلف، فلا حاجة هنا الى مد أنابيب طويلة لنقل المياه مثلا، ولكن يكون من الضروري هنا انشاء منصة قوية وكبيرة قادرة على تحمل الوزن الكبير للمحطة، ورغم أن انشاء هذه المنصات كانت تعترضه بعض الصعوبات في الماضي الا أن تطور تكنولوجيا التنقيب عن البترول في البحار شديدة العواصف والأمواج مثل بجر الشمال قد جعل الأمر في متناول القدرات التكنولوجية السائدة في عالم اليوم، وقد يكون من المطلوب ضرورة تطوير تصاميم هذه المنصات بشكل اكثر ملاءمة لأغراض استغلال مصادر لبحار الحرارية، لكن العلماء والمختصين في هذا المجال لا يجدون أية صعوبات تكنولوجية أمام مثل هذا التطوير، وربما تكمن مشكلهم الوحيدة في أنه لم يتم انشاء أية محطة عائمة إلى الآن بحيث يستطيعون اجراء الدراسات والقيام بالتحليلات المطلوبة.
إن انشاء محطات عائمة على ظهر منصات في عرض البحر يتطلب القيام بدراسات واسعة ومكثفة لأحوال المناخ وأحوال البحر، فن الضروري معرفة طبيعة الرياح السائدة وقوتها واتجاهاتها وسرعاتها وتأثيرها على المنصات، شم من الضروري معرفة طبيعة أمواج البحر وتحركاتها وقوتها ومدى تحمل المنصة في ظل الظروف المختلفة، فكثيرا ما نسمع عن حدوث اعصارات قوية في مختلف مناطق العالم تؤدي الى تهديم البيوت وفيضان مياه البحار على اليابسة، إن المنصة القائمة في عرض البحر لا يحميها من مثل هذه الأمواج الكبيرة أو الأعاصير سوى قدرتها على المقاومة، ولذا لابد من أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار في حالة التصميم واخيار لمواقع، ثم هناك التيارات البحرية التي تسير بسرعات تصل الى أميال قليلة في بعض الأحيان والتي اذا كان موقع المحطة أو المنصة في مجراها فأنها ستعرض المنصة أو المحطة الى قوة مؤثرة بشكل مستمر، ولذا ينبغي أخذ الاحتياطات اللازمة، ولكن من ناحية أخرى فقد تكون مثل هذه التيارات ذات فائدة لعمل المحطة، إذ المعروف أن سرعة انتقال الحرارة من سطح صلب الى سائل مجاور تزداد مع ازدياد سرعة السائل، وهذا يعني أن الحرارة تنتقل عبر سطوح المحطة بمعدل أسرع، مما يساعد في تحسين كفاءة المحطة.
وإذا تم اختيار موقع المحطة على أن يكون في عرض البحر فستظهر ، مسألة نقل الطاقة من المحطة الى اليابسة لتوزيعها من ثم على مختلف أشكال الاستعمالات، وهناك الآن خياران أمام العلماء لنقل الطاقة من عرض البحر الى اليابسة، الخيار لأول هو انتاج الطاقة الكهربائية في عرض ابحر ونقلها بواسطة اسلاك كهربائية تمتد عبر مياه البحر الى اليابسة. ولكن اذا كانت المحطة على مسافة بعيدة عن اليابسة فهذا يعني تركيب اسلاك وكالات طويلة مما يزيد التكلفة الاقتصادية أولاً ويؤدي الى فقدان قسم من الطاقة الكهربائية بسبب طول الأسلاك ثانيا، أما الخيار الآخر فهو استعمال الطاقة المتولدة من لمحطة في أعمال التحليل الكهربائي للمياه لإنتاج الهيدروجين، والهيدروجين كما هو معروف غاز قابل للاشتعال ويمكن استعماله في العديد من الأغراض لتوليد الطاقة، أما بالنسبة لنقل الهيدروجين من المحطة في عرض البحر الى اليابسة فهذا لا يشكل أية مشكلة ذ أن تكنولوجيا نقل الغاز الطبيعي في الأنابيب في عرض البحار متقدمة بما فيه الكفاية لضمان سلامة نقل الهيدروجين، كما أنه من الممكن نقل الهيدروجين بواسطة السفن بذات الشكل الذي يتم به نقل الغاز الطبيعي.
واذا ما أنشئت محطة التوليد في عرض البحر أو في خليج مثلا فيجب الأخذ بعين الاعتبار لخطوط الملاحة الموجودة في المنطقة التي هي قيد الدراسة بحيث لا تعترض المحطة خطوط سير السفن والناقلات الكبيرة.
هناك جانب آخر يتحكم في اختيار موقع المحطة سواء على اليابسة أو في عرض البحر وهو طبيعة نظام انتاج الطاقة المقترح، فهناك محطات تعمل على الدورات المفتوحة والتي يتم فيها ادارة التوربين بواسطة بخار ماء على ضغط قليل، فبعد خروج البخار من التوربين يذهب الى المكثف حيث يتحول الى ماع مرة أخرى، واذا أخذنا بالاعتبار كميات الماء الكبيرة المستعملة في محطات الطاقة هذه نجد أنفسنا أمام مصدر من الماء النقي الذي يمكن استعماله في العديد من الأغراض خاصة وان مناطق كثيرة في العالم تعاني من نقص متزايد في مصادر المياه. إن الاستفادة من هذا الماء النقي سيزيد من محاسن مصدر الطاقة هذا ويجعله موضع اهتمام متزايد.
الجانب الثالث في دراسة ملاءمة المواقع لأنشاء محطات الطاقة هو الجانب البيئي. فالبحار مملوءة بأنواع خلفة من الحيوانات المائية التي تعيش في ظل ظروف خاصة وتتغذى على عناصر معينة في مياه البحار وقد تأقلمت حياتها على درجات حرارة معينة أيضا. وبما لا شك فيه ان اقامة محطات الطاقة في عرض البحر بخاصة سيعني تدخلا في طريقة حياة هذه الكائنات البحرية، فأجزاء المحطة الرئيسية مثل المبخر والمكثف تكون في العادة كبيرة الحجم مما يعني أنا ستحتل حيزا كبيرا كانت تنعم فيه الكائنات البحرية، ومن جهة أخرى، وحيث إن مياه الأعماق الباردة تستعمل لتبريد المكثف فان هذا يعني احتمال ارتفاع درجة حرارة الأعماق بمقدار بسيط. لكن مثل هذه الجوانب لا تشغل بال المهتمين بالبيئة اذ أنهم يعتقدون أن تحريك المياه داخل البحر سيؤدي الى نقل كميات من مياه الأعماق الى الأعلى، وحيث إن مياه الأعماق تحوى الكثير من لمواد الغذائية للأسماك فانهم يتوقعون أن يؤدي هذا الى تنشيط الحياة البحرية بدل تعريضها للأخطار.
اذن فالتفكير في استغلال الطاقة الحرارية في البحار والمحيطات يتطلب دراسات واسعة ومفصلة للبيئة البحرية تغطي الجوانب العديدة من التركيب الطبوغرافي للبحار الى الخصائص الحرارية الموضعية والأحوال المناخية السائدة وطبيعة الأمواج والتيارات البحرية السائدة والجوانب البيئية المختلفة لحياة الكائنات البحرية وطبيعة المتطلبات الاقتصادية في المنطقة المذكورة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|