أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014
782
التاريخ: 8-10-2014
861
التاريخ: 8-10-2014
1000
التاريخ: 8-10-2014
2310
|
إنّ الكثرة الكاثرة من العرب في الجاهلية كانوا يعيشون في فقر مدقع ، يأكلون القد والعلهز والفصيد والهبيد من فرط الجوع ، ويشربون الطرق وأحياناً الفظ من العطش.
قالت فاطمة ابنة رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) في خطبتها للمهاجرين والانصار : (وكنتم ... تشربون الطرق وتقتاتون القد) (1).
أ وب ـ القد والطرق :
قال ابن الاثير ، الطرق : الماء الّذي خاضته الابل وبالت فيه وبعرت.
وقال في مادة القدّ :
ومنه حديث عمر : كانوا يأكلون القدّ يريد جلد السخلة في الجدب.
قال المؤلف : يقصد الجلد غير المدبوغ.
ج ـ العلهز :
قال ابن الاثير وابن منظور في مادة العلهز :
في دعائه (عليه السلام) على مضر : (اللّهمّ اجعل عليهم سنين كسني يوسف).
فابتلوا بالجوع حتى أكلوا العلهز ، هو شيء يتخذونه في سنين المجاعة يخلطون الدم بأوبار الابل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه.
وقيل : كانوا يخلطون فيه القردان ويقال للقراد الضخم العلهز ، ومنه حديث عكرمة كان طعام أهل الجاهلية العِلْهِز.
د ـ الهبيد
قال ابن الاثير وابن منظور ما موجزه :
الهبيد : الحنظل يكسر ويستخرج حبّه وينقع لتذهب مرارته ويتّخذ منه طبيخ يؤكل عند الضرورة وفي حديث عمر وأمّه فزودتنا من الهبيد.
ه ـ الفصيد والبجة :
قال ابن الاثير وابن منظور في مادة الفصيد ما موجزه :
وكانوا يفصدون عرق الناقة ليخرج الدّم منه فيشرب ، يفعلونه أيام الجوع. كما كانوا يأخذون ذلك الدمّ ويسخنونه إلى أن يجمد ويقوى فيطعم به الضيف في شدّة الزمان ، إذا نزل بهم ضيف فلا يكون عندهم ما يَقْرِيه ، ويشح أن ينحر المضيف راحلته فيفصدها.
و(الفصيد) دم كان يوضع في الجاهلية في معى من فصد عرق البعير ويشوى وكان أهل الجاهلية يأكلونه ويطعمونه الضيف في الازمة.
وقال ابن الاثير ـ أيضاً ـ في تفسيرها :
وفي حديث أبي رجاء لا بلغنا أنّ النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) قد أخذ في القتل هربنا فاستثرنا شلو ارنب دفيناً وفصدنا عليها فلا أنسى تلك الاكلة أي فصدنا على شلو الارنب بعيراً وأسلنا عليه دمه وطبخناه وأكلناه.
وقالا في مادة البجّة ما موجزه :
ويقال للفصيد (البجّة) كذلك. و(البجّة) دم الفصيد ، يأكلونها في الازمة. والبج الطعن غير النافذ ، فقد كانوا يفصدون عرق البعير
ويأخذون الدم يتبلغون به في السنة المجدبة. جاء في الحديث : (إنّ اللّه قد أراحكم من الشجّة والبجّة).
و ـ الفظ :
ماء كرش البعير.
وافتظّ البعير : شقّ كرشه ، واعتصر ماءه ليشربه ، وكان المسافر في الصحراء يسقي الابل ، ثمّ يشدّ أفواهها ، لئلا تجترّ ، فإذا عطش افتظها (2).
وفي تاريخ العرب قبل الاسلام لم يكن في وسع كثير من الجاهليين الحصول على اللحم لفقرهم. فكانوا يأتدمون (الصليب) وهو الودك ـ ودك العظام ـ يجمعون العظام ويكسرونها ويطبخونها ، ثم يجمعون الودك الّذي يخرج منها ليأتدموا به.
وقد عرفوا بـ (أصحاب الصلب).
ولما قدم الرسول مكّة (أتاه أصحاب الصلب الذين يجمعون العظام إذا لحب عنها لحمانها فيطبخونها بالماء ويستخرجون ودكها يأتدمون به).
ولم يكن في استطاعة الفقراء أكل الخبز لغلائه بالنسبة لهم. لذلك عدّ أكله من علائم الغنى والمال ، وكان الّذي يطعم الخبز والتمر يعد من السادة الكرام. وكان أحدهم يفتخر بقوله (خبزت القوم وتمرتهم) ، بمعنى أطعمتهم الخبز والتمر.
وقد افتخر (بنو العنبر) بسيدهم (عبداللّه بن حبيب العنبري) ، لانّه كان لا يأكل التمر ولا يرغب في اللبن ، بل كان يأكل الخبز ، فكانوا إذا افتخروا ، قالوا : منّا آكل الخبز.
وكانوا يقولون (أقرى من آكل الخبز) لأنه كان جواداً.
وكان منهم من رضي وقنع بالدون من المعيشة ، فعاش في فقر مدقع ، والدقع الرضا بالدون من المعيشة وسوء احتمال الفقر واللصوق بالأرض من الفقر والجوع ، فهم ينامون على التراب ويلتحفون السماء ، والدوقعة الفقر والذل ، وجوع أدقع وديقوع شديد ، وهم مثل (بنو غَبْراء) في الفقر والحاجة ، أولئك الذين توسدوا الغبراء واتخذوا التربة فراشاً لهم ، لعدم وجود ملجأ لهم يأوون إليه ، ولا مكان يحتمون به (3).
* * *
كانت تلكم بعض أنواع طعامهم في أيام المخمصة واحياناً كانوا لا يجدون ما يقتاتون به ، فيؤدي ذلك بهم إلى الانتحار الّذي كانوا يسمونه الاعتفاد كالاتي بيانه :
وكان بين الجاهليين فقراء معدمون مدقعون لم يملكوا من حطام هذه الدنيا شيئاً ، وكانت حالتهم مزرية مؤلمة ، منهم من سأل الموسرين نوال إحسانهم ، ومنهم من تحامل على نفسه تكرماً وتعففاً ، فلم يسأل غباً ولم يطلب من الموسرين حاجة ، محافظة على كرامته وعلى ماء وجهه ، مفضلاً الجوع على الشبع بالاستجداء ، حتى ذكر ان منهم من كان يختار الموت على الدنية ، والدنية هي أن يذهب إلى رجل ، فيتوسل إليه بأن يجود عليه بمعروف ، ومنهم من اعتفد ، والاعتفاد أن يغلق الرجل بابه على نفسه ، فلا يسأل أحداً حتى يموت جوعاً ، وكانوا يفعلون ذلك في الجدب ، قيل : كانوا إذا اشتد بهم الجوع وخافوا أن يموتوا أغلقوا عليهم باباً وجعلوا حظيرة من شجرة يدخلون فيها ليموتوا جوعاً (4).
روى السيوطي بتفسيره سورة قريش عن عمر بن عبد العزيز انّه قال : كانت قريش في الجاهلية تعتفد وكان اعتفادها : أنّ أهل البيت منهم كانوا إذا سافت يعني هلكت أموالهم خرجوا إلى برار من الارض فضربوا على أنفسهم الاخبية ثمّ تناوبوا فيها حتّى يموتوا من قبل أن يُعْلَم بخلتهم حتى نشأ هاشم بن عبد مناف ، فلما نبل وعظم قدره في قومه قال يا معشر قريش إنّ العزّ مع الكثرة ، وقد أصبحتم أكثر العرب أموالاً وأعزّهم نفراً ، وإنّ هذا الاعتفاد قد أتى على كثير منكم ، وقد رأيت رأيا.
قالوا : رأيك راشد فمرنا نأتمر قال : رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم فاعمد إلى رجل غني ، فأضم إليه فقيراً عياله بعدد عياله فيكون يوازره في الرحلتين رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن ، فما كان في مال الغني من فضل عاش الفقير وعياله في ظله وكان ذلك قطعاً للاعتفاد (5).
قالوا نعم ممّا رأيت فألف بين الناس (6).
وتفصيل الخبر بتفسير السورة عند القرطبي وبعضه بمادة (عفد) من لسان العرب وأكثر لفظ الخبر من القرطبي عن ابن عباس انّه قال :
إن قريشاً كانوا إذا أصابت واحداً منهم مخمصة (7) جرى هو وعياله إلى موضع معروف ، فضربوا على أنفسهم خباء فماتوا ، حتى كان عمرو بن عبد مناف ، وكان سيداً في زمانه ، وله ابن يقال له : أسد ، وكان له تِرْب (8) من بني مخزوم ، يحبه ويلعب معه ، فقال
له : نحن غد نعتفد وتأويله : ذهابهم إلى ذلك الخباء ، وموتهم واحداً بعد واحد.
قال : فدخل أسد على أمّه يبكي ، وذكر ما قاله تِربه.
قال : فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق ، فعاشوا به أياما ، ثم إن تربه أتاه أيضاً فقال : نحن غدا نعتفد ، فدخل أسد على أبيه يبكي ، وخبره خبر تربه ، فاشتدّ ذلك على عمرو بن عبد مناف ، فقام خطيباً في قريش وكانوا يطيعون أمره ، فقال : إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتكثر العرب ، وتذلون وتعزّ العرب ، وأنتم أهل حرم اللّه ـ جلّ وعزّ ـ وأشرف ولد آدم ، والناس لكم تبع ، ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم.
فقالوا : نحن لك تبع.
قال : ابتدأوا بهذا الرجل ـ يعني أبا تِرب أسد ـ فأغنوه عن الاعتفاد ففعلوا ، ثم إنّه نحر البدن ، وذبح الكِباش والمعز ، ثم هشم الثريد ، وأطعم الناس ، فسمّى هاشماً ، وفيه قال الشاعر :
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكّة مُسنِتون (9) عجاف
ثم جمع كل بني أب على رحلتين : في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام للتجارات ، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير ، حتّى صار فقيرهم كغنيهم ؛ فجاء الاسلام وهم على هذا ، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعزّ من قريش ، وهو قول شاعرهم :
والخالطون فقيرهم بغنيهم حتّى يصير فقيرهم كالكافي
فلم يزالوا كذلك ، حتّى بعث اللّه رسوله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، فقال : {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} بصنيع هاشم { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش : 3 ، 4] (10).
ومع ذلك ـ أيضاً ـ لم يكن كلّ أفراد قريش أثرياء مرفّهين ، بل كانت الكثرة الكاثرة منهم يتحملون السغب والجوع ، ومن ثمّ كانت كثرة العيال لهم محنة يتعسر عليهم تحمّلها.
ونذكر مثالين من سيرة الرسول كدليل على الوضع الاقتصادي لدى سروات مكّة :
أ ـ روى ابن اسحاق وقال :
إن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عِيال كثير؛ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) للعباس عمّه ، وكان من أيسر بني هاشم :
يا عباس ، إن أخاك أبا طالب كثيرُ العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الازمة ، فانطلق بنا إليه فَلْنخفف عنه من عياله ، آخذُ
من بَنيه رجلاً وتأخذ أنت رجلاً فنكلهما عنه؛ فقال العباس : نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب ، فقالا له : إنا نريد أن نخفف عنك مِنْ عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه.
فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلاً وطالباً فاصنعا ما شئتما.
فأخذ رسولُ اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) علياً فضمّه إليه ، وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه؛ فلم يزل عليُّ مع رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) حتى بعثه اللّه ـ
تبارك وتعالى ـ نبيّاً ، فاتّبعه عليُّ (عليه السلام) ـ وآمن به وصدّقه؛ ولم يزل جعفرٌ عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه (11).
كانت إعالة الذكور من الاولاد مشكلة لغير ذوي اليسار في سنة الجدب والقحط.
أمّا إعالة البنات ، فقد كانت مشكلة في العصر الجاهلي تعمّ الفقير منهم وذوي اليسار في سني الجدب والرخاء كما نرى ذلك في الخبر الاتي :
ب ـ روى ابن اسحاق ـ أيضاً ـ وقال :
كان رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) قد زوج عتبة بن أبي لهب رقية أو أمّ كلثوم ، فلما بادى قريشاً بأمر اللّه ـ تعالى ـ وبالعداوة ، قالوا : إنّكم قد فرغتم محمداً من همّه ، فرُدّوا عليه بناته ، فاشغلوه بهنّ. فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له : فارق صاحبتك ونحن نزوّجك أي امرأة من قريش شئت؛ قال : ها للّه (*) ، إني لا أفارق صاحبتي ، وما أحبّ أن لي بامرأتي امرأةً من قريش.
وكان رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) يثني عليه في صهره خيراً ، فيما بلغني.
ثمّ مشوا إلى عتبة بن أبي لهب ، فقالوا له : طلق بنت محمد ونحن ننكحك أي امرأة من قريش شئت.
فقال : إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص ، أو بنت سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه بنت سعيد بن العاص ، وفارقها ، ولم يكن دخل بها فأخرجها اللّه من يده كرامةً لها وهواناً له ، وخلف عليها عثمان بن عفّان بعده (12).
إن قريشاً لما أرادت أن تكيد برسول اللّه كيداً يقعده عن دعوته للتوحيد عمدت إلى إرجاع بناته إلى بيته ليشغلوه بهنّ عن مقارعتهم ومقابلتهم.
وذلك لان المرأة لم تكن تشترك يومذاك في الغزو ولا في سفر التجارة وغيرهما من الاعمال الجالبة للثروة ، ومن ثم كانت أبداً ودائماً عالة على الرجل وكان ذلك أهم سبب لوأد البنات في الجاهلية .
________________
1- شرح النهج 16/250.
2- أخذنا موجز ما قاله ابن الاثير في نهاية اللغة وابن منظور في لسان العرب بترجمة القد والعلهز والهبيد والفصيد والبجّة والفظّ وأوردناه سياقاً واحداً وأخذنا ترجمة الفظّ من مادته في المعجم الوسيط.
3- تاريخ العرب قبل الاسلام تأليف الدكتور جواد علي 5 / 80 ـ 81 ط. دار العلم في بيروت سنة 1970 م.
4- مادة عفد من تاج العروس وتاريخ العرب قبل الاسلام 5 / 80.
5- في الاصل نحتفد والاحتفاد تحريف.
6- تفسير السيوطي 6 / 397.
7- المخمصة : المجاعة.
8- الترب (بالكسر) : اللدة ومساويك في السن ومن ولد معك.
9- مسنتون : أي أصابتهم السنة. والسنة : الجدب والقحط.
10- تفسير القرطبي 20 / 204 ـ 205.
11- ابن هشام 1 / 263.
(*) هكذا النص ونراه من خطأ النساخ والصواب : لا ها اللّه.
12- ابن هشام 2 / 206 ـ 207؛ وط. مصر سنة 1356 ، 2 / 296.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|