المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6667 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

المسطحات المائية والحدود السياسية
24-1-2016
Nd : Glass
28-1-2021
Behavior of a P-N junction
5-5-2021
Primitive Prime Factor
16-9-2020
العوامل الطبيعية المؤثرة في قوة الدولة- الشكل - الشكل المستطيل
29-12-2021
الاستغناء عن الناس
8-4-2022


حركة التاريخ في مظهر التّفاعل الاجتماعي الثّوري  
  
2836   04:41 مساءً   التاريخ: 22-4-2021
المؤلف : الشيخ محمّد مهدي شمس الدين
الكتاب أو المصدر : حركة التاريخ عند الإمام علي (ع)
الجزء والصفحة : ص124-147
القسم : التاريخ / التاريخ والحضارة / التاريخ /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-4-2019 1515
التاريخ: 15-12-2020 3849
التاريخ: 9-6-2021 2593
التاريخ: 2023-12-26 1115

حركة التاريخ في مظهر التّفاعل الاجتماعي الثّوري:

البشر يتحرّكون دائماً في الزّمان والمكان: يبدعون، ويتواصلون بالتّجارة والصداقة تارةً، وبالعداوة والحرب تارةً، وبالفكر دائماً.

ويتعاملون مع الطّبيعة دائماً. يكيّفونها ويتكيّفون معها، ويحبّونها ويهربون منها في بعض الأحيان.

وهم يواجهون الإخفاق وخيبات الأمل في حالات، ويسعدون بنشوة النصر في حالات أخرى. ويشلّهم اليأس عن الحركة في بعض الحالات، ولكن سرعان ما يؤجّج الأمل في التّقدم والمستقبل الأفضل في قلوبهم جذوة الرغبة في التغيير، فيعودون إلى الحركة من جديد.

وهكذا يصنع البشر تاريخهم باستمرار، ينسجونه خيطاً فخيطاً، ويبنونه ذرّةً فذرَّةً من ملايين الآمال الصّغيرة، والمخاوف الصّغيرة، والأحقاد الصّغيرة، والشّهوات الصّغيرة، الّتي تنكر لهم كلّها وتتراكم فتتكوّن منها عجينة التاريخ.

ولكنّها لنْ تكون تاريخاً ما لم تأخذ قواماً معيّناً وما لم تتشكّل بهيئة معيّنة... ما لم تتضمّن فكرة تغيير، وروح تغيير، وعزيمة تغيير، تجعل من آحاد الآمال والمخاوف والأحقاد والشّهوات التي تبلغ الملايين شيئاً واحداً كبيراً تنبض فيه روح واحدة تلفّ بوهجها كلّ المجتمع والجماعة، وتدفع بهم - لا في طريق الحركات الأحاديّة المبعثرة - في طريق حركة متدفّقة هادِرة، تحدوها رؤيا واحدة أو رؤى متقاربة تلتقي على التّغيير. حينئذٍ تنشط حركة التّاريخ الّتي كانت هادئة أو أمينة، وتتعاظم، وتلد الأحداث الكبيرة، وتدخل المجتمع والجماعة في منعطف من التاريخ جديد.

قد يتمّ هذا التّفاعل في حال السّلم والاستقرار الاجتماعي، فتكون الفترة الزّمنيّة الّتي يستغرقها التّغيير - بعد فترة الإعداد والاختمار - طويلة نسبيّاً؛ لأنّ التّغيير التّاريخي يتمّ في هذه الحالة وفقاً لمعادلات السّلم والاستقرار الّتي تجعل الإنسان أكثر أناة وتؤدة في حركته، وأكثر قدرة على الاختيار.

وقد يتمّ هذا التّفاعل في حال الغليان الاجتماعي والقلق العام.

في هذا الحال تنشأ ظاهرتان:

الأولى: ظاهرة رفض وتمرّد في الجماهير، يغذّيها ويؤجّجها اليأس من العدالة الرّسميّة، وينعشها الأمل في مستقبل أفضل لهذه الجماهير يتوصّل إليه دعاة التّغيير.

 

الثّانية: تقابل الأولى وتتولّد منها، وهي إجراءات القمْع التي تلجأ إليها السّلطة الرسميّة؛ من أجل أنْ تضمن سيادة وثبات نظامها وقِيَمها.

إنّ هذا القمْع: يعزّز روح اليأس والغضب، ويدفع إلى مزيد من التّمرّد والرّفض، ويرصّ - بدرجة أعلى من الصّلابة والتّماسك - ملايين الآمال والمخاوف والأحقاد والشّهوات، ويؤجج روح الغضب، ويدفع الجماهير - أكثر فأكثر - نحو العنف باتّجاه التغيير.

في هذه الحالة تقصر نسبيّاً، الفترة الحاسمة الّتي يستغرقها التّغيير بعد فترة الإعداد والاختمار. إنّ الأحداث تتسارع، ويتعاظم حجمها، وتتّسع مساحة الفئات الاجتماعيّة الّتي تشارك فيها، وتتصاعد إلى أنْ تبلغ الذّروة الّتي ينهار عندها العهد التّاريخي الّذي كان سائداً، ويدخل المجتمع في منعطف من تاريخه جديد.

إذن البشر لا يتوقّفون عن صنع التأريخ، لكنّهم قد يصنعون تاريخهم في حال السّلم، وقد يصنعونه في حال الغليان والتّوتّر الاجتماعي، كما قد يصنعونه بالحرب.

وقد لاحظ الإمام علي (عليه السّلام) حركة التّاريخ في مظهرها الثّاني؛ لأنّ الظّروف السّائدة في مجتمعه كانت تدفع بهذا المجتمع نحو هذا المسار الدّامي في مواجهة مستقبله المُكْفَهِر، الحافل بالأنواء.

لقد تسببت أخطاء الحكم في عهد الخليفة (عثمان بن عفان) في خيبة آمال فئات واسعة من المسلمين وغضبها. كما تسبّبت - إلى جانب ذلك - في انبعاث كثير من القِيَم والأخلاق والمطامح الجاهليّة الّتي نَشطت للعمل من خلال ممثِّليها ورموزها في قمّة السّلطة في مجالات السّياسة والاقتصاد والاجتماع.

وقد أدّى انبعاث هذه القِيَم الجاهليّة إلى تعارض في المصالح بين ممثِّلي هذه القِيَم وبين أكثريّة المسلمين الّذين كانت تغتذي نفوسهم بالآمال الّتي تولّدها قِيَم الإسلام في العدالة الخالصة والمساواة... هذا التعارض المأساوي الّذي ما فتئت تُغَذِّيه أخطاء الحكم وسياسات الرّموز الجاهليّة العائدة، فتعمّقه، وتزيده حدّة، وتدفع به إلى مزيد من الأتّساع والانتشار.

وقد تراكم كلّ ذلك على مدى سنين، واتّسع إلى أنْ شمل حواضر الدّولة كلّها. وأدّى في النّهاية إلى عاقبته الوخيمة وثمرته المرّة: ثورة شارك فيها الأغنياء والفقراء، السّاخطون بلا حقد والحاقدون من عِلْيَة القوم. وأدّت الثورة إلى مقتل الخليفة (عثمان) ، وإلى دخول المسلمين في منعطف من تاريخهم جديد، طلبوا من علي بن أبي طالب أنْ يقودهم فيه، ولكنّه رفض طلبهم؛ لأنّه أدرك - وهو الراعي للتاريخ وأفاعليه وآليّة حركته - أنّ حجم الحاجات الّتي يفتقر إليها النّاس والآمال الّتي تعمر قلوبهم أكبر بكثير من حجم الإمكانات الّتي توفّرها مؤسّسات الدّولة، وأنّ حجم المعوّقات الّتي يمثّلها رموز العهد الماضي وقواه الّتي شلّتْها الثورة فاضطرّت إلى الانكماش... حجم هذه المعوّقات كبير وخطير؛ لأنّها مُسْتَشْرِيَة في جميع مراكز السّلطة، وقد قال لهم مُعْلِنَاً رفضه:

(دعُوني والتمِسُوا غيري، فإنَّا مُستقبِلُون أمراً لهُ وجوه وألوان، لا تقُوم لهُ القُلُوبُ، ولا تثبُتُ عليهِ العُقُولُ (١) . وإنّ الآفاق قد أغامت (٢) ، والمحجَّة قد تنكَّرت (٣) . واعلموا أني إنْ أجبتُكُم ركِبتُ بِكُم ما أعلمُ، ولم أُصغِ إلى قولِ القائلِ وعتبِ العاتبِ، وإنْ تركتُمُوني فأنا كأحدِكُم، ولعلِّي أسمعُكُم وأطوعُكُم لِمَنْ ولَّيتُمُوهُ أمركُم، وأنا لكُم وزيراً، خير لكُم منّي أمير) (4) .

وقد ذكّر الإمام - فيما بعد - بموقفه هذا في مناسبات كثيرة:

منها قوله في كلام له عند خروج طلحة والزّبير عليه:

(فأقبلتُم إليَّ إقبال العُوذ المطافيلِ على أولادِها (5) ، تقُولُون: البيعة البيعة!! قبضتُ كفِّي فبسطتُمُوها، ونازعتْكُم يدي فجاذبتُمُوها) (6) .

ومنها قوله لطلحة والزّبير أيضاً:

(واللّه ما كانت لي في الخِلافةِ رغبة، ولا في الولايةِ إربة (7) ، ولكِنَّكُم دعوتُمُوني إليها، وحملتُمُوني عليها...) (8) .

وقال في موقف آخر:

(... وبسطتُم يدي فَكَفَفْتُها، ومددتُمُوها فقبضْتُها. ثُمَّ تداككتُم عليَّ (9) تَداكَّ الإبلِ الهيم (10) على حِياضِها يوم وِرْدِها، حتَّى انقطعتِ النَّعلُ، وسقط الرِّداءُ، ووُطئ الضَّعِيفُ، وبلغَ مِن سُرُور النَّاسِ ببيعتهم إيَّاي أنْ ابتهج بها الصَّغيرُ، وهدج إليها الكبيرُ (11) ، وتحامل نحوها العليلُ، وحسرت ْ(12) إليها الكِعابُ) (١3) .

 

* لماذا أبى عليّ بن أبي طالب أنْ يستجيب...؟

لعلّه كان يأمل أنْ يمرّ المجتمع - بعد ما أصاب علاقاته من اهتزاز وتشويه في العهد الماضي - في مرحلة انتقال يقوده فيها رجال لا تتألّب عليهم مراكز القوى الجديدة الّتي تمثّل قِيَم الجاهليّة...

ولكنّ تيّار الرّغبة كان عارماً، كما تعكسه لنا النّصوص الآنفة الذّكر، ولم يكن من الممكن تحويل ولاء الجماهير وثقتها إلى بديل. لقد كان الرّفض يعني الكارثة؛ لأنّ القوى الجاهليّة كانت قادرة - إذا استمر الفراغ في السّلطة - أنْ تعود من جديد، بعد أنْ تكتّل قواها المبعثرة، وحينئذٍ يحرم المجتمع الإسلامي حتّى مِن تجربة تكون في المستقبل نموذجاً ومَلْهَمَاً...

ولا نعدم في نهج البلاغة نصوصاً تضيء هذه المسألة، وتوحي بقوّة أنّ الإمام كان يفكّر على هذا النّحو، وذلك كقوله في كلام له عنونه الشّريف الرّضي بـ (... يبيّن سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحق):

(... اللّهُمَّ إنَّك تعلمُ أنّهُ لم يكُنِ الذّي كان مِنّا مُنافسةً في سُلطانٍ، ولا التِماس شيءٍ مِن فُضُول الحُطامِ، ولكن لنردَ المعالمَ من دينك ونُظهِر الإصلاح في بلادك، فيأمَنَ المَظلُومُون مِن عبادِك، وتُقام المُعطَّلةُ من حُدُودك) (14) .

وقوله في كتاب منه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاه إمارتها:

(... ولكننَّي آسى (15) أنْ يلي (16) أمر هذهِ الأمّةِ سُفهاؤُها وفُجَّارُها، فيتّخِذُوا مال اللّه دُوَلاً (17) وعِبادَهُ خولاً (18) والصّالحينَ حرباً (19) ، والفاسقينَ حزباً...) (20) .

وما هو أشد خطورة في دسّ المنافقين واستغلالهم للإمكانات الّتي يتيحها الإفك، هو أنّ الفتنة أدّت إلى تصدّع تلاحم المسلمين أنفسهم، حيث استغلّ زعماء قبيلة (الأوس) تورّط بعض أفراد قبيلة (الخزرج) في إشاعة الحديث عن الإفك، للتّعبير عن أحقاد قَبَلِيَّة جاهليّة، تحت ستار الغيرة على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، والتّمسّك بأهداب الدّين.

فقال رئيس الأوس (أسيد بن حضير) مخاطباً رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) حين وجّه عتاباً رقيقاً للّذين روّجوا الإشاعة الكاذبة، دون أنْ يُسمّي أحداً:

(يا رسول اللّه: إنْ يكونوا من الأوس نكفكهم، وإنْ يكونوا من إخواننا من الخزرج فَمُرْنَا بأمرك، فو اللّه إنّهم لأهل أنْ تضرب أعناقهم).

فقال (سعد بن عبادة) زعيم الخزرج رادّاً عليه:

(كذبتَ لعمر اللّه، لا تضرب أعناقهم. أَمَا واللّه ما قلتَ هذه المقالة إلاّ أنّك عرفتّ أنّهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا...).

فقال (أسيد بن حضير) :

(كذبت لعمر اللّه، ولكنّك منافق تجادل عن المنافقين...).

وتساور النّاس (21) حتّى كاد يكون بين هذين الحَيَّين من الأوس والخزرج شرّ (22) .

وهكذا وَجَدَتْ القِيَم الجاهليّة القديمة متنفّساً تعبّر به عن نفسها من خلال هذه الفتنة، متستّرة بشعارات إسلاميّة.

ولكن حكمة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، ووعْي المجتمع، ورسوخ المبادئ والقِيَم الإسلاميّة في نفوس النّخبة، حصرتْ الفتنة في نطاق ضيّق، وحالتْ دون تأثير في إحداث تفاعلات سيّئة بالنّسبة إلى حركة التّقدم النّبويّة. وجاء الوحي بعد ذلك فقضى على الفتنة، حيث أنزل اللّه تعالى في هذا الشّأن سورة النّور (السّورة رقم ٢٤ في المصحف) وجعل منها درساً تربويّاً، ومناسبة لسنّ تشريعات تتعلّق بالعلاقات بين الجنسين داخل المجتمع الإسلامي، في نطاق الزّوجية - من حيث العلاقات الزّوجيّة وغيرها - وخارج الحياة الزّوجيّة.

هذان نموذجان للفتنة العارضة في المجتمع الإسلامي في عهد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، وقد واجه المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله) فتنة عارضة ذات طابع سياسي محض، هي (فتنة السّقيفة) .

وقد بدأت هذه الفتنة حين تجاوز بعض كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وصيّة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بإسناد الخلافة بعده إلى الإمام (علي بن أبي طالب) ؛ لأنّه كان الشّخصيّة الإسلاميّة الوحيدة الّتي تجمّعت فيها المواهب والمؤهّلات الّتي جعلتها قادرة على قيادة الأمّة الإسلاميّة بعد وفاة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله).

وقد حسم النّزاع على منصب الخلافة بين المهاجرين والأنصار، في سقيفة بني ساعدة (23) ، بمعزل عن الإمام (علي بن أبي طالب) ، لمصلحة قبيلة قريش، بمبايعة الخليفة الأوّل (أبي بكر) على أثر مناورات سياسيّة استخدم فيها منطق قَبَلي، وكادت تؤدّي إلى انشقاق خطير داخل المجتمع الإسلامي الوليد (24) .

وقد كان العامل الأكبر والأبعد أثراً في التّغلّب على فتنة السّقيفة وآثارها الخطيرة هو موقف (علي بن أبي طالب) .

فقد كان الإمام عليّ بمؤهلاته المتفوّقة بشكل مطلق على نخبة الصحابة، وبمواهبه النادرة الفريدة، وبالنّصّ عليه من رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) خليفةً من بعده... كان لذلك كلّه رجل الشرعيّة الإسلاميّة الأصيل.

وكان هذا الوضع الحقوقي المؤاتي بالنّسبة إليه يخوّله حقّ المعارضة، ونقض القرار والإنجاز الّذي اتُّخذ خارج الشّرعيّة في اجتماع السّقيفة، سعياً وراء حقّه في تسلّم السّلطة.

كما يراجع للمؤلّف أيضاً: ثورة الحسين / ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة (الطبعة الخامسة) الفصل الأوّل.

ولكن هذا الوضع الحقوقي النّظري بالنّسبة إليه، كان يواجه وضعاً اجتماعيّاً وسياسيّاً واقعيّاً.

فمِنْ ناحيةٍ كان المجتمع الإسلامي الوليد لا يزال مجتمعاً هَشّاً من حيث التّلاحم الدّاخلي النّاشئ عن العقيدة الواحدة؛ لأنّ القِيَم الجاهليّة كانت لا تزال سائدة في الحياة العامّة للقبائل الّتي دخلت في الإسلام في (عام الوفود) قبل وفاة النّبي (صلّى الله عليه وآله) بسنة وأشهر - أو أقل من سنة بالنّسبة إلى إسلام بعض هذه القبائل - وكانت هذه القِيَم الجاهليّة في أحسن الحالات مستكنّة تحت قشرة رقيقة من الإسلام، وكان لا بدّ من مضيّ وقت طويل قبل أنْ تذبل هذه القِيَم الجاهليّة وتفقد حرارتها وفاعليّتها.

وفي حالة كهذه كان أيّ عمل سياسي يتّسم بطابع العنف سيؤدّي في الراجح إلى تصدّع خطير في بُنْيَة المجتمع الإسلامي وتماسكه، وقد يؤدّي إلى رِدّة واسعة النّطاق في أوساط حديثي العهد بالإسلام.

ومن ناحية أخرى كان فريق من القبائل قد ارتدّ فعلاً عن الإسلام، واتّبع بعض أدعياء النّبوة، وغدا يُشكّل تهديداً حقيقيّاً للإسلام حين انتشرتْ ظاهرة التّنبّؤ، واتّجه قادتها إلى تحالف يوحّد قواهم، فسيطروا على (اليَمَن) تقريباً في الجنوب، وعلى مساحات واسعة من (الحجاز ونجد) في الشّمال.

وقد اتّجه الإمام عليّ إلى المعارضة والاحتجاج أوّل الأمر، ورفض الاعتراف بالنّتيجة الّتي أسفر عنها اجتماع السّقيفة، واعتصم في منزله، وبدا بوضوح أنّ موقفه سيثير تفاعلات خطيرة في وجه اختيار السّقيفة داخل المدينة وخارجها... ولكنّ الإمام عليّاً سرعان ما واجه الواقع السّياسي والاجتماعي للمجتمع الإسلامي الوليد، والأخطار الّتي ربّما تعرّض لها الإسلام نفسه نتيجةً لهذا الموقف.

ولو لم يكن (عليّ بن أبي طالب) رجل العقيدة الأوّل، ورجل الرّسالة الأوّل، الأكثر وعياً والأعظم شعوراً بالمسؤوليّة، لَمَا ألقى بالاً إلى الواقع السّياسي والاجتماعي للإسلام، وَلَمَضَى في معارضته إلى نهايتها، مستغِلاًّ الواقع السّياسي والاجتماعي في سبيل نجاح مسعاه للوصول إلى السّلطة.

ولكنّه كان بالفعل رجل العقيدة الأوّل، ورجل الرّسالة الأوّل، وأعظم المسلمين إطلاقاً، شعوراً بالمسؤوليّة تجاه الإسلام، وأعظمهم حرصاً على ازدهاره وانتشاره وتعمّقه في العقول والقلوب.

ومن المؤكّد أنّ الحكم عنده لم يكن مطلباً شخصيّاً، بل وسيلة إلى بلوغ غاية تتجاوز الأشخاص والأجيال والمصالح الخاصّة؛ لتعمّ وتشمل ما بقي من عمر الدّنيا، وما تضمره القرون المقبلة من أجيال في كلّ الأوطان وفي كلّ الأمم.

إنّ عليّاً، بعد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) - كان أب الإسلام، وقد تصرّف تصرّف الأب الحريص، فتحمّل بصبر جميل نبيل جراحه الشّخصيّة وحرمانه في سبيل قضيّة حياته الكبرى، قضيّة الإسلام.

ولا شكّ في أنّ جميع المسلمين كانوا يعرفون هذه الحقائق في شخصيّة وضمير الإمام عليّ، ويبدو أنّ منافسيه السّياسيّين قاموا بمغامرتهم النّاجحة (25) معتمدين على جملة معطيات من جملتها: ثقتهم بأنّ الإمام سيقدّم مصلحة الإسلام العليا على مصالحه الخاصّة.

لقد أشار الإمام في كتاب له بعث به إلى أهل مصر مع (مالك الأشتر) لمّا ولاّه إمارتها، إلى العامل السّياسي الّذي حال دون مضيّه في المعارضة، فقال:

(... فأمسكتُ يدِي (26) حتَّى رأيتُ راجِعةَ النّاسِ (27) قد رجعت عنِ الإسلامِ، يدعُونَ إلى محقِ دِينِ مُحمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله)، فخشِيتُ إنْ لم أنصُرِ الإسلام وأهلهُ أنْ أرى فِيه ثلْماً (28) أو هدْماً تكُونُ المُصِيبةُ بِهِ عليَّ أعظمَ مِن فوتِ ولايتِكُمُ التي إنَّما هيَ متاعُ أيَّامٍ قلائلَ يزُول مِنهَا ما كانَ كمَا يزُولُ السَّرابُ، أو كما يتقشَّعُ السَّحابُ فنهضتُ في تِلك الأحداثِ حتَّى زاح (29) الباطِلُ وزَهقَ (30) ، واطمأنَّ الدِّينُ وتنهنه (31) ). (32)

وقد خيّب موقفه المبدئي الرّسالي آمال كثيرين ممّن كان إسلامهم موضع شكّ، أو كانوا مسلمين مخلصين ولكنّهم ينظرون إلى مسألة الحكم من زاوية المصالح القبليّة والعائليّة؛ نتيجة لافتقارهم إلى النّضج والوعي.

وقد حاول بعض هؤلاء أنْ يحملوه على تغيير موقفه المبدئي الرّسالي، ولكنّه رفض محاولاتهم، مصرِّحاً بأنّ الموقف موقف فتنة، داعياً إلى النّظر في الموقف وفقاً لمقياس عقيدي إسلامي مبدئي، والابتعاد عن المنظور الجاهلي القَبَلي الّذي بَدَتْ سماته في تلك المحاولات.

وقد صرّح بذلك في مواقف كثيرة، منها قوله مخاطِباً الناس حين دعاه (أبو سفيان بن حرب، والعبّاس بن عبد المطلب) إلى أنْ يُبَايِعَا له بالخلافة:

(أيُّها النّاسُ، شُقُّوا أمواجَ الفِتنِ بِسُفُنِ النَّجاةِ، وعرِّجُوا عن طرِيقِ المُنافرِةِ (33) وضعُوا تِيجانَ المُفاخرةِ. أفلحَ مَن نهض بِجناحِ، أو استسلم فأراح. هذا ماء آجِن (34) ، ولُقمَة يغصُّ بِها آكِلُها. ومُجتنِي الثَّمرةِ لِغيرِ إيناعِها (35) كالزَّارِعِ بِغيرِ أرضِهِ) (36) .

والسّمات الّتي تميّز الفتنة العارضة، فيما نستفيده من جملة ما ورد عن الإمام عليّ في هذا الشّأن، ومن الدّراسة التّاريخيّة،... أربع:

١ - تتولّد أزمة سياسيّة، قد تكون بسبب أحداث صغيرة، تكون غالباً غير مخطّط لها، بل عَرَضِيَّة، ولكن سرعان ما تدخلها بعض القوى الاجتماعيّة ذات الأهداف السرِّيّة المخالفة لنظام المجتمع في نطاق خططها، للاستفادة منها ومن تلك الأزمة السّياسيّة، في سبيل الوصول إلى أهدافها.

وقد تتولّد الأزمة السّياسيّة بسبب أحداث ذات شأن كبير ومخطّط لها - كما حدث في السّقيفة - ولكن الجماعات الّتي تصنع الحدث لا تستثمره لأهداف مخالفة لنظام المجتمع العام والسّائد، بل تكون عازمة على الانسجام مع نظام المجتمع، ساعيةً إلى تعزيزه وِفقاً لفهمها الخاص، عاملةً على أنْ يكون ذلك من خلال سلطتها هي.

٢ - في الحالتين الآنفتَين تُحرّك الفتنة العارضة بعض القِيَم القديمة الّتي قضى عليها النّظام الجديد:

- إمّا بسبب ضعف رقابة النظام؛ لانشغال أجهزته بالمشكلات السّياسيّة الآنيّة.

- أو بسبب التسامح مع بعض القوى السّياسيّة غير الواعية؛ لأجل كسب ولائها في الصّراع السّياسي الدّائر.

ولكن هذه القِيَم القديمة، في جميع الحالات، لا تعود سافرة صريحة، إنّما تعود مُمَوَّهة بشعارات جديدة.

٣ - (في الغالب) تتولّد الأحداث الّتي تكوّن مناخ الفتنة من مشكلات يُثيرها أشخاص عاديّون، أو ذَوُو قيمة ثانويّة في السُلَّم الاجتماعي، كما أنّها تقع على أشخاص من هذا القبيل، كما هو الحال في فتنة النّزاع على الماء بين (الغفاري والجهني) ، ولكن علاقات الدّم والصّداقة والمصالح والمطامح سرعان ما (تُسَيِّس) الأحداث وتستغلّها.

وقد يحدث أنْ تتولّد الأحداث من مشكلات يثيرها أشخاص ذَوُو شأن كبير في المجتمع، أو تصيب هذه الأحداث أشخاصاً من هذا النّوع، كما هو الحال في حادثة (الإفك) وفي أحداث (السّقيفة) .

٤ - تواجه القيادة الحقيقيّة الشّرعيّة هذه الفتنة بسياسة تَتَّسِم بالهدوء، وروح المسؤوليّة العالية، وتتجنّب اتّخاذ أيّة إجراءات أو مواقف انفعاليّة وانتقاميّة، لِمَا يؤدّي إليه ذلك من عواقب خطيرة تزيد الموقف تعقيداً والفتنة استحكاماً، وتُتِيح للقوى الخفيّة المعادية للنّظام (المنافقون - مثلاً - في المجتمع الإسلامي) أنْ تستغل الوضع الطّارئ لتحقيق أهدافها / لاحظ السّمة رقم (1).

وبدلاً من مواجهة أحداث الفتنة العارضة بالعنف والانفعال، تحرص القيادة على مواجهتها بأسلوب يعطي الأولويّة في الحلّ لمصلحة القضايا المبدئيّة والعامّة، لا للجانب الشّخصي والعائلي.

هذه هي - فيما نرى - أبرز سِمات الفتنة العارضة.

ج - الفتنة الغالبة:

هذا النوع الثّالث من أنواع الفتنة، هو - كما يدلّ عليه الوصف الّذي اخترناه له - دون الفتنة الشّاملة، وفوق الفتنة العارضة.

وقد تنشأ الفتنة الغالبة من تدهور سياسي (عقيدي / تشريعي) كبير يحلّ بالمجتمع أثناء حركته الانبعاثيّة، أو بعد بلوغه الذّروة.

كما قد تنشأ من فتنة عارضة تهمل القيادة جانب الحكمة في مواجهتها، أو تغفل عنه، فتتعاظم عثرة المجتمع، وتتغذّى الحالة الانحرافيّة بالتّناقضات المستكنّة في أعماق التّركيب الاجتماعي، كما أنّها تتغذّى بالقِيَم القديمة الّتي أجبرها النّظام الجديد على أنْ تنسحب من دائرة العمليّات الاجتماعيّة إلى الظّلام.

وتفشل النّخبة في علاج العثرة بسبب عجز هذه النّخبة، أو بسبب تناحر أجنحتها وانحياز بعض الأجنحة إلى خطّ الانحراف.

وعامل الزّمن في مصلحة الانحراف، فكلّما مضى على الانحراف يوم دون أنْ يوضع له حد ودون أنْ يقوّم، يزداد رسوخاً وتمكّناً، ويستوعب مساحة جديدة من المجتمع، ويكوّن لدى مزيد من النّاس قناعات في صالحه، بينما تزداد النّخبة عجزاً، وعزلةً، وتفقد مزيداً من مواقعها.

وقبل مضيّ زمن طويل على الانحراف - الّذي أنشب مخالبه في كيان المجتمع، وفشلتْ النّخبة في القضاء عليه - يشيع هذا الانحراف، ويطبع كثيراً من أوجه الحياة، ويغدو عرفاً أو قانوناً أو سنّة متّبعة، تحميه وتصونه قناعات تتأصّل في الثّقافة، وتغدو جزءاً من تكوين المجتمع الثّقافي.

قلنا:

إنّ هذا يحدث قبل مضيّ زمن طويل على حدوث الانحراف؛ لأنّ الانحراف عادةً يكون إلى جانب اليُسر والسهولة والحياة الهيّنة، وهذا ما يغري بالاتّباع؛ لأنّه أوفق بهوى النفوس، وأَبْعد عن التّبِعَة والتّضحية.

ولكنّ الانحراف (الفتنة) لا يبلغ درجة الشّمول واستيعاب كلّ مؤسّسات المجتمع، ولا يستطيع أنْ يغيّر بُنْيَتَه الثّقافيّة من جميع وجوهها، ولا يقدر على أنْ يستوعب في مفاهيمه وقِيَمِهِ الجديدة المبتدعة أو القديمة المحياة كلّ الفئات الاجتماعيّة، ومِن ثمّ فهو لا يستطيع أنْ يقضي نهائيّاً على حركة المجتمع التقدّميّة:

- إنّه يعوّقها ولكنّه لا يعطّلها.

- يشوّهها ولا يَمْسخها.

- إنّه لا يبلغ درجة الفتنة الشّاملة، وإنّما يكون فتنة غالبة.

تبقى مع الانحراف الغالِب روح الطّهارة والأصالة شائعة في المجتمع بوجهٍ عام، تغذّي حركته التّقدميّة في أكثر من وجه من وجوه حياته ونشاطاته، وإنْ كانت هذه الرّوح تتعرّض دائماً للنّكسات بالنّسبة إلى عامّة المجتمع، ولكنّها تبقى على وهجها الكامل وفاعليّتها الكاملة في جماعات قد تكون محدودة وصغيرة، منبثّة في ثنايا المجتمع سَلَِمْت من الانحراف فلم ينل منها شيئاً، وبقيتْ ثابتة على الصّراط المستقيم.

هذه الجماعات الأصيلة الطّاهرة هي طليعة الكفاح ضدّ الفتنة الغالبة في داخل المجتمع.. هي الّتي تحول بين الفتنة وبين أنْ تستوعِب كلّ المجتمع وتغدو شاملة، وهي الّتي بكفاحها الدّائب الصّبور تحول بين الفتنة وبين التمكّن والاستقرار، وتجعلها في حالة حرب مستمرّة.

ومِن هنا فإنّ المجتمع في حالة الفتنة الشّاملة يتمتّع باستقرار وثبات؛ نتيجةً لتناغم المؤسّسات مع القِيَم مع القناعات الشّعبيّة مع الثّقافة العامّة، فهذه كلّها تتكامل وتتساند، وتتوفّر نتيجةً لذلك حالة من التّوازن توفّر بدورها استقراراً وثباتاً.

أمّا في الفتنة الغالبة فإنّ الأمر على خلاف ذلك؛ لأنّه يوجد تنافر قليل أو كثير بين المؤسّسات والقِيَم والقناعات والثّقافة، وهذا يؤدّي إلى أنْ يعاني المجتمع باستمرار من القلق والفوران والتمزّق؛ نتيجةً لوجود القوى المناهضة للفتنة، هذه القوى الّتي تضطرّ حركتها الأصيلة المناهضة نظام الفتنة إلى أنْ يتحرّك ضدّها.

والفتنة الغالبة - في عالم الإسلام - هي الفتنة الّتي استفحلتْ في آخر عهد الخليفة (عثمان بن عفان) ، وقاد الإمام (علي بن أبي طالب) حركة التّصدّي لها طيلة السّنيّ الأخيرة من حياته... واستمرّت بعد استشهاده، وزادتْ ضراوةً وعنفاً حين فترتْ الهِمَم، وتَقَاعَسَتْ العزائم عن التّصدّي الفعّال لها، فانتصرتْ وسادتْ - قبل عهد الثّورات - حركة الرّدّة.

ومن هنا فقد كثر كلام الإمام عليّ عن هذه الفتنة من جميع وجوهها: نعرض أسباب وبدايات حدوثها، وآليّة حركتها، والموقف منها:

 

أ - كيف تبدأ الفتنة؟

كيف تبدأ الفتنة؟

قال عليه السلام:

(إنّما بدءُ وُقُوعِ الفِتَن أهواء تُتَّبَعُ، وأحكام تُبْتَدَعُ، يُخالَفُ فيهَا كِتابُ اللّه، ويتولَّى عليها رِجال رِجالاً على غير دينِ اللّه. فلو أنَّ الباطِلَ خلصَ مِن مِزَاجِ الحقِّ لَمْ يخفَ على المُرْتَادِين (37) ولو أنَّ الحقَّ خلصَ مِن لبسِ الباطِلِ انقطعتْ عنهُ ألسُنُ المُعاندينَ (38) ولكِن يُؤخذُ مِن هذا ضِغث (39) وَمِنْ هذا ضِغْث فيُمْزَجانِ فهُنالك يَستَولي الشَّيطانُ على أوليائهِ. وينجُو:

( الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) (40) ) (41) .

هذا النّصّ يكشف عن عامِلَين يكوّنان الفتنة الغالبة:

أحدهما:

تغليب المقياس الذّاتي في القِيَم على المقياس الموضوعي: (أهواء تُتَّبَع).

فبدلاً منْ أن يكون المرجع في القِيَم النّظام العقيدي والتّشريعي للمجتمع، يتجاوز روّاد الفتنة هذا النّظام فيرجعون إلى النّوازع الذّاتيّة والعاطفيّة والمصلحيّة، فتكون هي المقياس بالمعتمد وهو المرجع الأخير في القِيَم والسّلوك، وعلى ضوء ما تُمْليه تُتَّخذ المواقف من الأحداث والأشخاص.

ثانيهما:

سقوط القانون وانتهاك حرمته على الصّعيد العملي: (... وأحكام تُبْتَدَعُ، يُخالَفُ فيهَا كِتابُ اللّه)، وتغلّب العامل الشخصي بالإحتيال على الشّرعية القانونيّة الّتي يحتفّظ لها المفتونون بالاحترام النّظري، ويتظاهرون بتطبيقها، بينما هي على الصّعيد العملي تنتهك كلّما تمكّن الأقوياء من انتهاكها.

هذان العاملان:

- سقوط المقياس الموضوعي في القِيَم على صعيد الأخلاق والعلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة.

- وسقوط الشّرعيّة القانونيّة على صعيد المؤسّسات العامّة والعلاقات والوضعيّة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.

هذان العاملان هما جوهر الفتنة الغالبة.

ويحدث حينئذٍ أنْ تتكوّن القناعات الموالية للفتنة الغالبة لدى فئات اجتماعيّة جديدة: (... ويتولَّى عليها رِجال رِجالاً على غير دينِ اللّه) يتعزّز بها موقع الانحراف في المجتمع، ويعمّق رسوخه في القلوب والعقول، ويتّسع مداه فيشمل مساحات جديدة من الحياة.

ولكنّ الفتنة - كما ذكرنا آنفاً - لا تبلغ درجة الشّمول، بل يبقى للحقّ في المجتمع سلطان، ويبقى للشّرعيّة في المجتمع أعوان، هم: ( الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) وهم الّذين يقودون حركة الكفاح ضدّ الباطل والفتنة من أجل الحقّ الخالص الّذي لا يلتبس بالباطل.

 

ب - كيف تتحرّك الفتنة وتنمو؟

ويصف الإمام في نصّ آخر كيف تبدأ الفتنة، ويُصوِّر آليّة حركتها وانتشارها في المجتمع، وذلك في سياق وصفه للفتنة الغالبة الّتي كانت نذرها تطلّ على المجتمع الإسلامي في عهده:

 (... ثُمَّ إنَّكُم معشَرَ العربِ أغراضُ بلايا قدِ اقتربَت، فاتَّقُوا سكراتِ النِّعمَةِ واحذرُوا بوائقَ النقمةِ (42) ، وتثبَّتُوا في قتامِ العِشوةِ (43) واعوِجاجِ الفِتنةِ عندَ طُلُوع جنِينها، وظُهُورِ كمينها، وانتِصابِ قُطبِها ومدارِ رَحاها. تبدأُ في مدارجَ خفيَّةٍ، وتؤُولُ إلى فظاعةٍ جليَّةٍ. شِبابُها كشِبابِ الغُلام (44) ، وآثارُها كآثارِ السِّلامِ (45) يتوارثُها الظَّلمَةُ بِالعُهُودِ، أوَّلُهُم قائد لآخِرِهِم، وآخِرُهُم مُقتدٍ بِأوَّلهِم. يتنافَسُون في دُنيا دنِيَّةٍ، ويتكالبُون على جِيفةٍ مُريحَةً (46) . وعن قلِيلٍ يتبرَّأُ التَّابعُ مِن المتبُوع، والقائدُ من المَقُودِ، فيتزايلُونَ بِالبَغضاءِ (47) ويتلاعنُونَ عِندَ اللِّقاءِ) (48) .

في هذا النّصّ صورّ الإمام آليّة حركة الفتنة، ونموّها وانتشارها في المجتمع، فأبرز الملامح التّالية:

١ - إنّ شيوع روح التّرف في المجتمع، واستغراق النّخبة في التّرف يؤدّيان بالمجتمع إلى أنْ يَفقد روحَه النّضاليّة الرّساليّة، ويحرص على حياته الهيّنة النّاعمة، وعلى توفير الوسائل الملائمة لبلوغ مستوى من الحياة أكثر نعومةً وَلِيْنَاً.

كما أنّ النّخبة في هذه الحالة تُصاب بالتّرهّل والعجز والجبن.

وشيوع هذه الرّوح - روح التّرف - في مجتمع لا يزال في مرحلة تكوين نفسه، ومحاطٌ بالقوى المضادّة الخائفة، ويحتوي تركيبه الدّاخلي على نقاط ضعف ناشئة من كونه يضمّ جماعات لم تتمثّل بعدُ بدرجة مرضيّة وعميقة رسالته الّتي يعتنقها ويبشّر بها... شيوع هذه الرّوح في مجتمع كهذا - وهو ما كانه المجتمع الإسلامي في ذلك الحين - يجعله مهيّأً لنموّ روح الفتنة فيه وانتشارها.

لقد حذّر الإمام من هذا بقوله: (فاتَّقُوا سكراتِ النِّعمَةِ...).

٢ - تقع في الحياة العامّة أحداث، أو يواجه المجتمع حالات معيّنة، تسبّب - هذه أو تلك - التباساً في طريقة التّعامل مع بعض المفاهيم الرّساليّة ومفاهيم المعتقد على ضوء الواقع الّذي حصل، مثلاً: التّغيّرات الّتي نشأت نتيجةً لتوسّع حركة الفتح في إيران والمستعمرات البيزنطيّة... والاحتكاك بالحضارتَين الإيرانيّة، والرّومانيّة - الشّرقيّة - أو الحيرة الّتي نشأت نتيجةً لمقتل الخليفة (عثمان بن عفان) ...

في هذه الحالات قد تَتّخذ النّخبة أو القيادة السّياسيّة للمجتمع قرارات مرتجلة، وتخضع لآليّة الفعل وردّ الفعل، بعيداً عن التروّي مثلاً: كالّذي حدث عند مطالبة الإمام عليّ بعد البيعة فوراً بأنْ يقبض على المتّهمين بقتل (عثمان) ويعاقبهم، فقد قال له قومٌ من الصّحابة: لو عاقبت قوماً مِمَّن أجلب (49) على عثمان؟ فقد أجابهم الإمام جواب رجل الدّولة المسؤول النّاظر إلى عواقب الأمور، البعيد عن الانفعال: (يَا إخوَتاهُ! إنِّي لستُ أجهلُ ما تعلمُونَ، ولكِن كيف لي بِقُوّةٍ والقومُ المُجلبُون على حدِّ شوكتِهِم (50) يملِكُوننا ولا نملِكُهُم! وها هُم هؤُلاء قد ثارت معهُم عبدانُكُم، والتفَّت إليهم أعرابُكُم (51) وهُم خِلالَكم (52) يسُومُونكُم ما شاؤوا (53) وهل ترون موضِعاً لِقُدرةٍ على شيءٍ تُريدُونهُ! إنّ هذا الأمر أمرُ جاهليَّةٍ، وإنَّ لهؤُلاء القومِ مادَّةً (54) . إنَّ النَّاس من هذا الأمرِ إذا حُرِّك على أُمُورٍ: فِرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترونَ، وفِرقة لا ترى هذا ولا ذاك. فاصبِرُوا حتَّى يهدأ النَّاسُ، وتقع القُلُوبُ مواقِعها (55) وتُؤخذَ الحُقُوقُ مسمحَةً (56) ).

(فاهدأُوا عنّي، وانظُرُوا ماذا يأتيكُم بِهِ أمري، ولا تفعلُوا فعلَةً تُضعضِعُ قُوةً، وتُسقِطُ مُنِّةً (57) ، وتُورِثُ وهناً وذِلّةً. وسأُمسِكُ الأمر ما استمسك، وإذا لم أجِد بُدَّا فآخِرُ الدَّواءِ الكيُّ) (58) .

وهكذا نرى الإمام يطلب إلى هؤلاء المتعجّلين أنْ يلزموا جانب التّروّي، وأنْ يتركوا له اتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وألاّ يخضعوا لمنطق الفعل وردّ الفعل؛ لأنّ هذا يؤدّي إلى:

- التباس في المفاهيم.

- وتخبّط في المواقف.

- وأخطاء في القرارات، تجعل المناخ العام أكثر ملاءمة لروح الفتنة.

وقد أشار الإمام إلى ذلك بقوله: (... وتثبَّتُوا في قتامِ العِشوةِ...).

٣ - حين يتهيّأ المناخ الملائم نتيجةً للعاملين الآنفي الذّكر تبدأ الفتنة بظواهر انحرافيّة بسيطة وهيّنة، يقابلها المجتمع بوجه عام، ونخبته السّياسيّة والفكريّة بوجه خاص، بالتّسامح واللامبالاة، وهذا ما يوفّر لهذه الظّواهر الانحرافيّة مناخ الأمان وفرص الاتّساع والنّمو. وهذا ما عبّر عنه الإمام بقوله: (... تبدأُ في مدارجَ خفيَّةٍ، وتؤُولُ إلى فظاعةٍ جليَّةٍ ...).

٤ - وعلى خلاف وضع الفتنة حين تبدأ خفيّة حيّة، تلوذ وراء المبرّرات وتغطّي نفسها بشعارات خادعة، فإنّها حين تنمو وتتّسع (وتؤُولُ إلى فظاعةٍ جليَّةٍ) يكون لها عنفوان وتسلّط وبطش، وتبدأ بطبع آثارها العميقة في بُنْيَة المجتمع، وهذا ما عبّر عنه الإمام بقوله: (... شِبابُها كشِبابِ الغُلام، وآثارُها كآثارِ السِّلامِ ...).

٥ - بعد انتشار الفتنة، واتّساع المساحات الّتي تستوعبها من فئات المجتمع، تكوّن قناعات تجعلها أشدّ رسوخاً في الذّهنيّة العامّة، وتغدو ثقافة شائعة ترتكز إليها السّلطة الّتي تقود حركة الفتنة، وتوجّه المجتمع وفقاً لقوانينها، وهذا ما عبّر عنه الإمام بقوله: (... يتوارثُها الظَّلمَةُ بِالعُهُودِ، أوَّلُهُم قائد لآخِرِهِم، وآخِرُهُم مُقتدٍ بِأوَّلهِم ...).

٦ - ولكنّ الوضع السّياسي لِقَادَة الفتنة - بعد انتشارها، وتأصّلها في بُنْيَة المجتمع - لا يبقى موحَّداً ومتلاحماً، وإنّما تبرز التّناقضات والسّمات الشّخصيّة لكلّ فئة، والمطامع والمخاوف الخاصّة بكلّ جماعة. وحينئذٍ تنقسم قيادة الفتنة إلى فئات متخاصمة متناحرة، وتجرّ المجتمع وراءها إلى التّخاصم والتّناحر والحروب الأهليّة، وهذا ما عبّر عنه الإمام بقوله: (... وعن قلِيلٍ يتبرَّأُ التَّابعُ مِن المتبُوع، والقائدُ من المَقُودِ، فيتزايلُونَ بِالبَغضاءِ ويتلاعنُونَ عِندَ اللِّقاءِ).

وهذا نص يصرّح فيه الإمام لأصحابه بما ينتظرهم من الفتنة وويلاتها من بعده، مُحَمِّلاً إيّاهم مسؤوليّة نشوء الفتنة وانتشارها وما يترتّب على ذلك من شرور؛ لأنّهم كانوا سلبيّين أمام مظاهر تسرّب روح الفتنة إلى مجتمعهم السّياسي وبُنْيَتهم الثّقافيّة، وهذا ما وفّر للفتنة أجواء النّموّ والانتشار، وكانوا متخاذلين، مُهْمِلِيْنَ لواجبهم، لم يتحمّلوا مسؤوليّتهم في نصرة قضيّتهم، وحماية نظامهم الشّرعي العادل:

(أيُّها النَّاسُ، لو لم تتخاذلُوا عن نصرِ الحقِّ، ولم تهِنُوا عن توهينِ الباطِلِ، لم يطمع فيكُم من ليس مِثلكُم، ولم يقوَ مَن قويَ عليكُم. لكِنَّكُم تِهْتُم مَتَاه بني إسرائيلَ، ولعمري ليُضعَّفنَّ لكُمُ التِّيهُ مِن بعدي أَضْعافاً، بِما خلَّفتُمُ الحقَّ وراء ظُهُورِكُم، وقطعتُمُ الأدنى ووصلتُمُ الأبعدَ ...) (59) .

 

ج - ما موقف المسلم من الفتنة حين تبدأ؟

ما موقف المسلم من الفتنة حين يذرّ قرنها؟

في الفتنة - كما رأينا - يختلط الحّق بالباطل، ويلتبس الصّواب بالخطأ، فلا يتميّز أحدهما من الآخر.

وفي هذه الحالة يكون الموقف الأسلم والأوفق بالشرع هو الابتعاد عن الفتنة والامتناع عن المشاركة مع هذا الطرف أو ذاك، إذ لا يأمن المشارك مِن أنْ يقع في الباطل وهو يرى أنّه ينصر الحق، أو يحارب الحقّ وهو يرى أنّه يحارب الباطل.

وهذا هو الموقف الّذي نصح الإمام بالتزامه حين تقع الفتنة، ويلتبس فيها الحقّ بالباطل، فقد قال:

(كُن في الفِتنَة كابنِ اللَّبُونِ. لا ظهر فيُركبَ، ولا ضرع فيُحلبَ) (60) .

ولكنّ هذا الموقف يكون صواباً حين لا يكون الإمام العادل موجوداً، ولا يُتاح للمسلم أنْ يتبيّن الحقّ من الباطل في الأحداث والمواقف الّتي تجري أمامه، أمّا حين يكون الإمام العادل موجوداً، ويتّخذ من الفتنة موقفاً، فإنّ على المسلم أنْ ينسجم في مواقفه مع مواقف الإمام العادل، وليس له أنْ يبقى على السّلبيّة، متذرّعاً بأنّه يخشى الوقوع في الباطل، وإنّما يكون موقفه هذا - في هذه الحالة - جبناً وخذلاناً للحقّ، بل إنّه يكون، من بعض الوجوه، خيانة ومساهمة في الفتنة؛ لأنّه بسلبيّته غير المبرّرة قد يضلّل آخرين يجدون في سلبيّته تبريراً لمواقفهم.

وقد واجه الإمام أثناء فترة حكمه العاصفة مثل هذه المواقف الجبانة السلبيّة الخائنة من قبل بعض القيادات في مجتمعه تجاه الفتنة الّتي أثارتها قِوى الثّورة المضادّة، فقال مرّة يخاطب النّاس:

(أيُّها النَّاسُ، ألقُوا هذِهِ الأزِمَّة (61) الَّتِي تحمِلُ ظُهُورُها الأثقالَ مِن أيدِيكُم، ولا تصدَّعُوا (62) على سُلطانِكُم، فتذُمُّوا غِبَّ فِعالِكُم (63) ولا تقتحِمُوا ما استقبلتُم مِن فور نارِ الفِتنةِ (64) ، وأميطُوا عن سننِهَا (65) وخلُّوا قصد السّبِيلِ لها (66) ، فقد لعمري يهلِكُ في لهبها المُؤُمِنُ، ويسلمُ فيها غيرُ المُسلِمِ).

(إنَّما مَثَلِي بينكُم كمثلِ السِّراجِ في الظُّلمةِ، يستضِيءُ بهِ مَنْ وَلَجَهَا ...) (67) .

فالإمام هنا ينهى جمهوره عن المشاركة في الفتنة، ولكنّه لا يقرّهم على الموقف السّلبي منها، وإنّما يأمرهم بالتّصدّي لها.

إنّ المشاركة فيها تعني التآمر معها، والسّلبيّة أمامها تعني عدم التّصدّي لها، وكلاهما خطأ.

الموقف السّليم هو مواجهتها مع الإمام الحاكم العادل؛ لأنّ الحقّ - بوجوده - بيّن ظاهر، فهو الهادي، وهو الدّليل الّذي لا يضلّل، وهو السّراج في الظّلمة، ظلمة الفتنة، وكلّ ظلمة.

وقد حدث أنّ بعض المسلمين في بدايات خلافة أمير المؤمنين عليّ التبس عليهم الأمر في الفتنة الّتي أثارها خروج (طلحة والزّبير) ، وعصيان (معاوية) نتيجة لموقف (أبي موسى الأشعري) الّذي قال للنّاس في الكوفة حين دعوا إلى قمع عصيان (طلحة والزّبير) : إنّ الموقف موقف فتنة، وأنّ الموقف السّليم منها هو الامتناع عن المشاركة فيها.

وقد أوضح الإمام إذ ذاك أنّ الموقف من الفتنة الّتي يلتبس فيها الحقّ بالباطل هو هذا، ولكنّ الأمر يختلف حين يتّضح جانب الحقّ بوجود الإمام العادل أو بأيّة وسيلة أخرى، فإنّ السّلبيّة في هذه الحالة تكون خيانة.

ومن هنا فقد سمّى الإمام خروج (طلحة والزّبير) فتنة، ودعا الناس إلى مواجهتها وقمعها؛ لأنّ وجه الحقّ فيها بَيِّن، فقد كتب إلى أهل الكوفة عند مسيره إلى البصرة:

(... واعلمُوا أنَّ دارَ الهِجرة (68) قد قلعت بِأهلِها وقلعوا بِها (69) ، وجاشت جيش المِرجلِ (70) ، وقامتِ الفِتنةُ على القُطبِ (71) ، فأسرِعُوا إلى أميرِكُم، وبادِرُوا جِهادَ عدُوِّكُم) (72) .

 

د - موقف الإمام عليّ من فتنة عصره:

ما دور الإمام عليّ، وما موقفه من الفتنة الّتي عصفتْ بالمجتمع الإسلامي في عهده؟

نظرة إلى التاريخ السّياسي والفكري للإسلام تكشف بوضوح عن أنّ الإمام عليّاً كان المنقذ الأكبر للإسلام من التّشوّه والمسخ بالفتنة الّتي عصفت رياحها المجنونة بالمسلمين، منذ النّصف الثاني من خلافة (عثمان) .

ولولا توجيه (عليٍّ) الفكري، ومواقفه السّياسيّة، ومواجهته العسكريّة للفتنة في شتّى مظاهرها الفكريّة والسّياسيّة والعسكريّة لَتشوّه الإسلام، وانْمسخ، وتقلّص. ولكنّ الإمام عليّاً، بموقفه الواضح الصّريح الرّافض لأيّة مساومة، كان المنقذ الّذي كشف الفتنة ودعاتها، ووضع المسلمين جميعاً أمام الخيار الكبير: مع الفتنة أو ضدّها؟

ولا يهمّ بعد ذلك أنّ الفتنة حازتْ إلى جانبها جمهوراً كبيراً من النّاس، المهم أنّها افتضحتْ، وبافتضاحها سلم الإسلام من التّشوّه ومن خطر التّزوير، وكان على الّذين انحرفوا أنْ يجدوا لأنفسهم مبرّرات.

وقد كان توقّع نشوء الفتنة، والخوف منها ومن أفاعليها وعواقبها، هاجساً عامّاً عند المسلمين. يكشف عن ذلك السّؤال عنها، وعن الموقف الصّواب منها، وكثرة حديث الإمام عن أخطارها وملابساتها.

وقد كان الإمام عليّ بـ:

- روحانيّته العالية السّامية.

- وإسلاميّته الصّلبة الصّافية.

- وروحه الرّساليّة الّتي تفوّق بها على جميع معاصريه.

- وحكمته وشجاعته.

- وسيرة حياته الناصعة الّتي ابتدأت بالإسلام...

كان هو الرّجل الوحيد المرصود لمواجهة الفتنة، وإنقاذ الإسلام منها.

لقد أعلمه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بذلك، وأدرك هو دوره من خلال رَصْده لحركة المجتمع التّاريخيّة.

وهذا نصّ عظيم الأهمّيّة يكشف لنا عن الدّور المرصود للإمام عليّ في مواجهة الفتنة، يتضمّن الرّؤية النّبويّة لمستقبل الحركة التّاريخيّة من جهة، والرّؤية النّبويّة لدور الإمام عليّ في هذه الحركة.

وقد أورد (الشّريف الرّضي) هذا النّصّ، كما أورده (ابن أبي الحديد) في شرحه (٩ / ١٠٥ - ١٠٧) برواية الشّريف وبرواية أخرى أكثر بسطاً. ويبدو أنّ الرّواية الأخرى تقريريّة حدّث بها الإمام، ورواية الشّريف خطابيّة، جاءت جواباً منه على سؤال، فقد قام إليه رجل - وهو يخطب - فقال: يا أمير المؤمنين: أخبرنا عن الفتنة، وهل سألتَ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) عنها؟

فقال عليه السّلام: (إنَّهُ لَمّا أنزلَ اللّه سُبحانهُ قولَهُ: ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (73) .

علِمتُ أنَّ الفِتنة لا تنزِلُ بِنا ورسُولُ اللّه(صلّى الله عليه وآله) بين أظهُرِنا.

فقُلتُ: يا رسُول اللّهِ ما هذهِ الفِتنةُ الَّتِي أخبرَك اللّه تعالى بِها؟ فقال: (يا علِيُّ، إنّ أُمَّتي سيُفْتَنُون مِن بعدِي)، فقُلتُ: يا رسُولَ اللّه، أَوَ لَيْسَ قد قلتَ لي يوم أُحُدٍ حيثُ استُشهِدَ من استُشهِدَ من المُسلمِين، وَحِيْزَتْ (74) عنِّي الشَّهادةُ، فشقَّ ذلك عليَّ، فقُلتَ لي: (أَبْشِر، فإنَّ الشَّهادةَ مِن ورائكَ). فقال لِي: (إنَّ ذلِك لكذلِك، فكيف صبرُك إذن؟) فقُلتُ: يا رسُول اللّه: ليس هذا مِن مواطِنِ الصَّبرِ، ولكِن مِن مواطِنِ البُشرى والشُّكرِ.

وقال: (يا عليُّ، إنَّ القومَ سيُفتنُون بِأموالِهِم، ويمُنُّون بدينِهِم على ربِّهِم، ويتمنَّون رحمتَهُ، ويأمنُون سطوتَهُ، ويستحِلُّون حرامَهُ بِالشُّبُهاتِ الكاذبِةِ، والأهواءِ السَّاهيةِ، فيستحِلُّون الخمرَ بالنَّبيذِ، والسُّحتَ بالهديَّةِ، والرِّبا بالبيعِ) قُلتُ: يا رسُول اللّه: فبأيِّ المنازِلِ أُنزِلُهُم عندَ ذلِك؟ أبمنزلَةِ رِدَّةٍ أم بمنزلَةِ فِتنةٍ؟ فقالَ: (بِمنزِلَة فِتنةٍ) ) (75) .

وإذن، فقد كان الإمام مرصوداً لمواجهة الفتنة وفَضْحها. لقد كان منقذ الإسلام بعد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) من التّزييف والتّحريف، فحقّق بمواجهته للفتنة صيغة الإسلام الصّافي، في المعتقد والفكر والتّشريع والعمل، وغدتْ الفتنة أزمة في داخل الإسلام، ولَم تُفلح في أنْ تكون هي الإسلام. وقد عبّر الإمام في أكثر من مقام عن دوره العظيم الفريد في التاريخ، من حيث كونه القيادي الوحيد الّذي استطاع أنْ يواجه الفتنة ويفضحها. فقال ممّا قال: (... فإنِّي فقأتُ عين الفِتنةِ (76) ، ولم يكُن ليجترئ عليها أحد غيري، بعدَ أنْ ماج غيهبُها (77) واشتدَّ كلبُها (78) ).

لقد حدثت داخل الإسلام فِتَن كثيرة، ولكنّ أعظم هذه الفتن خطورةً وأشدّها تخريباً فتنة بني أميّة الّتي عصفتْ رياحُها السّوداء الشّرّيرة المجتمعَ الإسلامي منذ النّصف الثّاني من عهد (عثمان) ، وتعاظمت خطورتها بعد مقتله. واستغرقتْ مواجهتها الفكريّة والسّياسيّة والعسكريّة معظم جهود أمير المؤمنين عليّ في السّنين الأخيرة من حياته.

وقد كان الإمام يغتنم كلّ فرصة سانحة ليحدّث مجتمعه عن هذه الفتنة، ويبيّن له أخطارها الآنيّة والمستقبليّة من أجل إيجاد المناعة النّفسية منها، والوعي العقلي لأَخْطارها، والعزم العَمَلي على مواجهتها وقَمْعها، والتّصميم على رَفْضها حتّى بعد انتصارها.

قال عليه السّلام:

(إنَّ الفِتنَ إذا أقبلتْ شبَّهتْ (79) ، وإذا أدبرتْ نبَّهتْ، يُنكرن مُقبِلاتٍ، ويُعرفن مُدبِراتٍ، يحُمنَ حَوْم الرِّياحِ، يُصِبْنَ بَلَدَاً، ويُخْطِئنَ بَلَدَاً. أَلاَ وإنّ أَخْوَفَ الفِتنِ عندي عليكُم فِتنةُ بني أُميَّة، فإنَّها فتنة عمياءُ مُظلِمة، عمَّت خُطَّتُها (80) وخصَّتْ بَلِيَّتُها، وأصاب البلاءُ مَنْ أَبْصَرَ فيها، وَأَخْطَأَ البلاءُ مَنْ عُمِيَ عنه) (81) .

فَهي فتنة عمَّتْ بَلِيَّتُها؛ لأنّ روّادها الحكّام أنفسهم، ومِن ثمّ فشرورها السّياسيّة والفكريّة تشمل المجتمع كلّه.

وهي فتنة خصّت بليّتها؛ لأنّ أعنف ضرباتها ستوجّه إلى الصّفوة المؤمنة الواعية، الّتي بقيتْ سليمة من داء الفتنة، ووضعتْ نفسها في مواقع كفاح الفتنة الغالبة.

والمسؤوليّة في هذه الفتنة ملقاة على المبصِرين فيها، الّذين يعرفونها ويعرفون وجه الحقّ، ويجبنون عن مواجهتها، أو يتواطؤون، ضدّ الحقّ، معها.

أمّا مَن عمي عنها، وجَهل أبعادها وأخطارها فهو معذور بجهله.

___________________

(1) لا تقوم له القلوب: لا تجرئ عليه. لا تثبت عليه العقول: لا تكاد تفهمه وتحققه، يومئ بذلك إلى المشكلات الإجتماعية والأزمات الّتي عصفت بالمجتمع كلّه.

(2) أغامت: حجبها الغيم، كناية عن صعوبة إيجاد الحلول المقبولة من الجميع.

(3) المحجّة: الطّريقة الواضحة - وتنكّرت: التبس أمرها على النّاس.

(4) نهج البلاغة: رقم النّص: ٩٢.

(5) العوذ المطافيل: الإبل والضّباء ذات الأولاد، وهي جمع عائذة، ومطفل: كناية عن اللّهفة الّتي توجّهوا بها إليه، طالبين منه قبول بيعتهم، كما اللّهفة الّتي تقبل بها أمّ الطّفل على ولدها.

(6) نهج البلاغة: رقم النّص: ١٣٧.

(7) الإربة: الغرض والرّغبة.

(8) نهج البلاغة: رقم النّص: ٢٠٥.

(9) التّداك: الازدحام - تصوير لحالهم في الإقبال على البيعة.

(10) الهيم: العطاش: تصوير لرغبتهم العارمة في إنجاز البيعة.

(11) الهدج: مشي الضّعيف. بيان لإقبال الجميع على البيعة، حتّى أولئك الذين لهم مِن سِنِّهم العالية أو مرضهم عذر يعفيهم من مشقة التّزاحم على البيعة.

(12) الكعاب: جمع كاعبة: الفتاة ينهد ثدياها. وحسرت: كشفت عن وجهها كناية عن إقبال النّاس جميعاً وفرحتهم بالبيعة.

(13) نهج البلاغة: رقم النّص: ٢٢٩.

(14) نهج البلاغة: رقم النّص: ١٣١.

(15) آسى: أَحْزَنَ - الماضي منه: أَسَيْتُ بمعنى حزنت.

(16) يلي: يكون والياً وحاكماً على الأُمّة.

(17) دولاً: جمع دولة، يعني: لِئَلاّ يكون المال العام بأيدي السّفهاء والفجّار يتداولونه بينهم لمصالحهم مهملين مصالح الأمّة فيه. والعبارة تومئ إلى قول اللّه عزّ وجلّ:

( كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ) سورة الحشر: الآية: ٧.

(18) خولاً: عبيد، يعني لِئَلاّ يستعبدوا النّاس ويذلّوهم.

(19) حرباً: أعداء يحاربونهم.

(20) نهج البلاغة: باب الكتب / رقم النّصّ: ٦٢.

(21) تساور النّاس: قام بعضهم إلى بعض ليتقاتلوا.

(22) تراجع سيرة (ابن هشام) بتحقيق (مصطفى السّقا) ورفيقَيه (الطّبعة الثّانية) ١٣٧٥ هجري = ١٩٥٥ م / القسم الثّاني / ص: ٢٨٩ - ٣٠٧.

(23) سقيفة بني ساعدة: مكان مسقوف بسعف النّخل في المدينة (يثرب) ، وكانت مجمع الأنصار بعد الإسلام، ودار ندوتهم لفصل القضايا وإجراء المناورات.

(24) يُراجع للمؤلِّف: نظام الحكم والإدارة في الإسلام.

(25) ممّا يوحي بشعور الجميع آنذاك بخطورة الإجراء الّذي اتّخذوه واشتماله على درجة كبيرة من المغامرة قول الخليفة (عمر بن الخطّاب) في خلافته في تحذير غير مباشر وجّهه إلى (طلحة والزّبير) وغيرهما لَمّا نمي إليه عنهم من آراء تتّصل بطريقة انتقال السّلطة على الأسلوب الّذي تمّ في السّقيفة (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها) .

(26) أمسكتُ يدي: توقّفتُ عن المشاركة في الموقف الرّاهن.

(27) راجعة الناس: الرّاجعون عن الإسلام، المرتدّون.

(28) ثلْماً: خرْقاً وانتهاكاً.

(29) زاح: ذهب وزال.

(30) زهق: مات، يعني هنا: زال الباطل تماماً.

(31) تنهنه: انتعش.

(32) نهج البلاغة، باب الكتب، رقم النّصّ: ٦٢.

(33) عرّج عن الطّريق: تنحّى عنها. يعني تنحّوا عن الأسلوب الجاهلي في الصّراع السّياسي وهو المنافرة والمفاخرة.

(34) الآجن: الماء الّذي تغيّر لونه وفسدت رائحته ولم يعد صالحاً للشرب، يعني بذلك الأسلوب السّياسي الجاهلي.

(35) الإيناع: النّضج والصّلاحيّة للأكل.

(36) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ٥.

(37) المرتاد: الطّالب.

(38) اللّبس: الملابسة والمخاطبة.

(39) الضّغث: من الحشيش القبضة منه. يعني يخلط شيء من الحقّ بشيء من الباطل فيشتبه أمرهما وتحصل الفتنة.

(40) سورة الأنبياء: (مكِّيّة / ٢١) الآية ١٠١.

(41) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ٥٠.

(42) البوائق: جمع بائقة، وهي الواهية، والمصيبة الكبيرة.

(43) القتام: الغبار، العشوة: الظلام. يعني أنّ الموقف الآتي شديد الإلتباس؛ لأنّه مظلم في نفسه، ويثور مع ذلك حوله الغبار. ويعني بذلك الفتنة الآتية.

(44) شباب الغلام: فتوّته وعنفوانه، والفتنة تبدأ هكذا ذات عنفوان.

(45) السّلام: الحجارة الصّمّ، وأثرها في الأبدان الجرح والكسر.

(46) مريحة: منتنة.

(47) يتزايلون: يتفارقون وينفصل بعضهم عن بعض.

(48) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ١٥١.

(49) أجلب عنه: أعان عليه.

(50) على حدّ شوكتهم: الشّوكة الشّدّة، أي لم يضعف هَيَجَانهم.

(51) التفّت: انضمّت إليهم واختلطت بهم.

(52) وهم خلالكم: أي بينكم.

(53) يسومونكم. . يكلّفونكم بما يريدون من الأفعال والمواقف.

(54) مادّة: مدداً وأنصاراً.

(55) تقع القلوب مواقعها: تهدأ وتستقر بعد اضطرابها بسبب هَيَجَان الفتنة.

(56) مسمحة: أي سهلة ميسّرة وهذا حين تهدأ العواطف، ويثوب النّاس إلى المنطق والقانون.

(57) المنّة: القوّة والقدرة، ينهاهم عن الأعمال المرتجلة المتسرّعة الّتي تسبّب انشقاقاً وتمزّقاً في المجتمع يضعفه ويُوهن قوّته.

(58) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ١٦٨.

(59) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ١٦٦. ويومئ في الجملة الأخيرة إلى أنّهم اتصّلوا بمعاوية وتخلّوا عن الحاكم الشّرعي.

(60) نهج البلاغة: باب الحكم / رقم ١. وابن اللّبون: هو ابن النّاقة إذا كمل له سَنَتَان. وهو في هذه الحالة لا ينفع للرّكوب؛ لأنّه لا يقوى على حمل الأثقال، وليس له ضرع ليحلب، كنّى الإمام بذلك عن أنّ الإنسان الواعي في الفتنة يقف على الحياد فلا يكون ذا نفع لأيّ طرف من أطرافها.

(61) الأزمّة: جمع زمام، كنّى عن قضايا الفتنة بالنياق الّتي يمسك أصحابها بأزّمتها، وهي تحمل على ظهورها الأثقال. يقول لهم: اتركوا قفا الفتنةِ ولا تخوضُوا فِيها لِتخلصُوا مِن آثارِها.

(62) لا تصدّعوا: لا تتفرّقوا عن الحاكم الشّرعي.

(63) غِبّ فعالكم: عواقبها.

(64) فور النّار: تعاظمها وارتفاع لهبها.

(65) أماط: نحّى وأزال. والسّنن: الطّريق. يعني تنحّوا عن طريق الفتنة وابتعدوا.

(66) قصد السّبيل: الطّريق. أي اتركوا الفتنة تسير في طريقها ولا تشتركوا فيها .

(67) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ١٨٧.

(68) دار الهجرة: هي المدينة المنوّرة.

(69) قلع المكان بأهله: نبذهم وطردهم. وقلع فلان بمكانه: نبذه وابتعد عنه.

(70) جاشت: اضطربت، والمرجل: القدر: يعني أنّ دار الهجرة قد اضطربت بأهلها؛ بسبب الفتنة الّتي نشبت فيها وانطلقت منها.

(71) قامت الفتنة على القطب: وجدتْ من يوجّهها ويرعاها ويُغذّيها بالأفكار والقوى، فاشتدّت وعظم خطرها.

(72) نهج البلاغة: باب الكتب / الكتاب رقم ١.

(73) سورة العنكبوت: (مكِّيّة / ٢٩) الآية: ١ - ٢.

(74) حاز عنه الشّيء: أبعده عنه.

(75) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ١٥٦.

(76) فقأْتُ عين الفتنة: تغلّبت عليها.

(77) الغَيْهَب: الظّلمة. يعني أنِّي واجهتها في عنفوانها وقوّتها.

(78) الكلب: داء معروف يصيب الكلاب. يعني أنّه واجهها وهي في هذه الحالة عن الأذى والشّرّ الشّديدَين. والخطبة في نهج البلاغة: رقم: ٩٣.

(79) شبّهت: اشتبه فيها الحقّ بالباطل، وإذا أدبرتْ وخلص النّاس منها تميّز حقّها من باطلها.

(80) عمّت خطّتها: يعني أنَّها فتنة غالبة تصيب ببلائها أهل الحقّ.

(81) نهج البلاغة: الخطبة رقم: ٩٣.

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).