أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-18
1057
التاريخ: 4-12-2015
5099
التاريخ: 25-09-2014
4723
التاريخ: 26-09-2014
7280
|
قاعدة فلسفية في الإلهيات تعرف بقاعدة «بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء منها» تعود جذورها في التحليل إلى فكر ابن عربي، على حين يعود تشييدها فلسفيا إلى الشيرازي الذي بلغ من اعتزازه بها أن سجّل نصّا : «إنّ كلّ بسيط الحقيقة يجب أن يكون جميع الأشياء بالفعل، وهذا مطلب شريف لم أجد في وجه الأرض من له علم بذلك» (1).
وكلام الشيرازي في الشق الثاني غير دقيق، لأنّ للقاعدة جذورها الواضحة في فكر ابن عربي- كما أسلفنا- وقد أشار الشيرازي نفسه لذلك في موضع آخر (2)، كما نوّه إليه عدد من الدارسين المعاصرين أيضا (3).
بمقتضى هذه القاعدة، ما من كمال يفرض إلّا وهو موجود للّه سبحانه، وهذا الكمال ليس موجودا للّه بنحو التناهي وحسب، بل هو موجود له فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى. لقد أثرت هذه القاعدة البحث التوحيدي في الاتجاه الذي ينطلق من العرفان، ومن العرفان الفلسفي كما ركّبه ابن عربي واتبعه عليه الشيرازي ومن والهما، وخرج بنتائج ثريّة ليس على صعيد العلم الإلهي وعلمه سبحانه بالأشياء تفصيلا قبل الإيجاد وحسب، بل على صعيد العديد من القضايا الاخرى في البحث التوحيدي (4).
لقد انطلق الشيرازي في الاستدلال على القاعدة من بساطة الحقّ سبحانه (5).
فلو كان اللّه سبحانه واجدا لشيء وفاقدا لشيء آخر للزم من ذلك التركيب، وحيث ثبت أنّ الحقّ سبحانه ليس مركّبا بل هو بسيط من كلّ جهة، فالنتيجة إذن بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء منها.
يدلف الإمام من هذه القاعدة لبيان طبيعة العلاقة بين اللّه والموجودات، أو بين الخلق والمخلوقات، في الاتجاه الذي يعزّز المنحى العرفاني، ويخرج عن جفاف الرؤية الفلسفية المشائية التي تفسّر العلاقة على ضوء مبدأ العلية على النحو الذي أوضحه الإمام نفسه.
يقول بعد الانتهاء من بيان رؤية العرفاء : «هناك أيضا تعبير لفلاسفة الإسلام، هو : صرف الوجود كلّ الأشياء وليس بشيء منها، إذ يلحظ أنّ (كلّ الأشياء) و(ليس بشيء منها) هو بنفسه تعبير متناقض!».
ثمّ يوضّح القاعدة بما يرفع التناقض الذي يبدو عليها لأوّل وهلة، بقوله :
«يريد النص أن يقول إنّه ليس ثمّ نقص فيه [أي الحقّ سبحانه] فلا نقص مطلقا في صرف الوجود، وكلّ ما هو سنخ الكمال فهو واجد له، والموجودات كلها ناقصة، فإذا : ليس بشيء منها ... عند ما يكون الموجود تاما، فلا نقص فيه مطلقا، وعند ما لا يكون فيه نقص لا يمكن أن يكون فاقدا لأيّ كمال كان. وكلّ كمال موجود في أي موجود، فهو منه، هو رشحة منه، وهو مظهر له، وعند ما يكون جلوة له، فإنّ الذات على نحو البساطة هي كلّ الكمال وتمامه. (كلّ الأشياء) يعني كلّ الكمال، و(ليس بشيء منها) بمعنى لا نقص فيه. لا تريد القاعدة من القول : صرف الوجود
كلّ الأشياء، هو أنّ (صرف الوجود) هو أنتم [البشر!] لهذا لا تلبث وأن تسجّل :
وليس بشيء منها. ما نريد تسجيله : أنّه سبحانه تمام الكمال وليس ثمّ موجود غيره بهذه الصفة، وما دام كذلك، فهو واجد لكلّ كمال» (6).
ينسب الإمام نص القاعدة إلى فلاسفة الإسلام، والأدق أن تقترن النسبة بقيد، فالفلاسفة المشاءون لا يعرفون هذه القاعدة، بل من أرسى بناءها التحتي هم العرفاء، ثمّ شيّد البناء ورفعه العرفان الفلسفي (7)، أو خط الحكمة المتعالية في الفلسفة؛ هذا الخط الذي سعى إلى التركيب بين العرفان والفلسفة والنقل.
الملاحظة الاخرى التي ترمي بظلالها على النص كأنّها هاجس يلاحق صاحبه، هي حذر الإمام من وقوع اللبس لدى السامع، الذي يتوهّم بأنّ القاعدة تريد بقولها : بسيط الحقيقة أو صرف الوجود كلّ الأشياء، أنّ كلّ ما موجود في الخارج هو اللّه!
لذا تراه يلحّ في سعيه لرفع هذا التوهّم والالتباس، وهو يؤكّد على الدوام ضرورة الانتباه إلى مدلول تتمّة القاعدة، فيما تسجّله مباشرة : وليس بشيء منها، وذلك إلى الحد الذي يؤثّر هذا الإصرار لرفع الالتباس، على سلامة النص واتساقه وسلاسته.
كان هذا الذي مرّ هو جواب السؤال الأوّل الذي أثاره الإمام عن طبيعة الدوافع التي أملت على العرفاء الميل إلى استخدام هذه اللغة، والعزوف عن لغة الاصطلاح الفلسفي بمنظومته المشائية.
__________________
(1)- الحكمة المتعالية 3 : 40.
(2)- راجع مثلا : الحكمة المتعالية 6 : 286- 289 حيث نقل الشيرازي كلاما لابن عربي يدل على وجود القاعدة في نصوصه وفكره. ولكن يبدو أنّ الشيرازي غفل عن ذلك ونساه لطول المدّة التي أمضاها في تأليف أجزاء كتابه «الحكمة المتعالية».
(3)- منهم الشيخ جوادي آملي. وما عليه المدرسة الفلسفية المعاصرة في قم بخطها الصدرائي، أنّ مقولات الحكمة المتعالية تعود بجذورها بالجملة إلى الشيخ الأكبر، كما سجّل ذلك بوضوح السادة محمّد حسين الطباطبائي ومرتضى مطهري وحسن حسن زاده آملي وعبد اللّه جوادي آملي وغيرهم. راجع في رصد شهادات هؤلاء والتوثيق لنصوصهم بهذا الشأن :
التوحيد، بحوث في مراتبه ومعطياته 1 : 229- 233.
(4)- راجع في تطبيقات القاعدة : التوحيد، بحوث في مراتبه ومعطياته، بجزأيه الأوّل والثاني.
(5)- راجع : الحكمة المتعالية 6 : 111- 112.
(6)- تفسير سورة حمد : 180.
(7)- لا نقصد من هذا التمييز بين «العرفان» و«العرفان الفلسفي» سلب صفة التنظير عن عرفان ابن عربي، فعرفان ابن عربي هو عرفان فلسفي منظومي بامتياز، يبهر ببراعة استخدام الاستدلال والنظر العقلي وتشييد الأبنية البرهانية لإثبات مقولاته.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|