أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-6-2022
2009
التاريخ: 2023-12-05
1141
التاريخ: 29-1-2017
2289
التاريخ: 2024-09-23
185
|
الوصية كما في المختصر النافع: (الوصية تمليك عين ، أو منفعة ، أو تسليط على تصرف بعد الوفاة)(1) .
وبالتالي فالوصية هي أن يقوم الإنسان قبل الوفاة بتكليف شخص ما بعد وفاته بالقيام ببعض المهام ، او ان يعطيه جزءا من ماله ، او بعض منافع هذا المال .
والوصية نوعان : إما عهدية او تمليكية. وواضح من خلال الأسماء أن العهدية تعني : أن يعهد لشخص ما ببعض المهام كأن يجعله وصيا على أولاده او وليا على بعض ممتلكاته أو متعلقاته وهي لا تحتاج في نوعيها الى قبول الموصي فيكفي الإيجاب من الموصي من دون حاجة الى قبول من الوصى له وإن ذهب البعض الى حاجة الوصية التمليكية الى القبول منه .ويدل على ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال : (إن أوصى رجل الى رجل وهو غائب فليس له أن يرد وصيته ، وإن أوصى إليه وهو بالبلد فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل)(2) .
ـ وجوب الوصية :
فرض الإسلام على كل المسلمين أنه إذا ظهرت عليهم أمارات الموت من خلال مرض يصابون به يخاف منه على حياتهم ، او سفر يريدون القيام به ولا يأمنون العودة الى أهلهم ويخافون إدراك الموت لهم ، أو وقوع الحرب في بلدهم بحيث يصبح الخطر مستحكم على كل أفراد المجتمع ولا يأمنون على حياتهم ويخافون الموت في أية لحظة بحيث تصبح النجاة من هذه الحرب منية يتمناها كل من أفراد المجتمع ، أو يكون الخوف ناتجا عن سبب من الأسباب الطبيعية التي يُحتمل فيها احتمالاً عقلائياً أن يموت الإنسان كَكِبره ووصوله الى سن يموت فيها الإنسان عادة .
في كل هذه الموارد التي تحدثنا عنها فرض الإسلام على من بلغ هذه الحال أن يوصي بأمواله الى من يجب عليه أن يوصي إليهم به ، وليس فقط الوصية من الجهة المالية بل الأمور الدينية في كل ما له علاقة بالصلاة والصوم والأمور العبادية ، فقد ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180] ، واضح جدا من خلال هذه الآية ان الامر ليس على نحو الاستحباب ولكنه على نحو الوجوب ، لأنه قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} [البقرة: 180] أي فرض عليكم ثم قال: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] يعني إن ظهر على أحدكم أمارات الموت ، أو كان يخاف على نفسه الموت ، {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] ، والخير هنا المال سواء أكان هذا المال نقداً ، أو أرضاً ، أو بناء ، أو أي شيء له قيمة مالية أو حتى معنوية كتب عليه الوصية للوالدين والأقربين. حيث إن الوالدان أول من يستفيد من هذا المال ثم الأقربين بالمعروف والمقصود من المعروف هنا العدل. وهنا نسأل كيف يكون العدل ؟ وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً ، ثم قال سبحانه وتعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ }[البقرة: 180]، فهذا خطاب للمتقين الذين يبحثون عن رضا الله سبحانه وتعالى في كل شيء ، فالمتقي يجب ان يعتبر الوصية باعتبارها أمراً من الله سبحانه وتعالى هي نوع من الواجبات الملقاة على عاتقه ، ويجب أن لا يتردد في ان يقوم بأدائه من دون أي إبطاء ، ومشكلتنا اليوم أن كثيرا من الناس يستهترون بهذا الامر. مع الاهمية القصوى للوصية لما لها من دخالة في حل كثير من المشاكل التي تواجه الورثة بعد موت المورث ، فمثلاً قد يأتي شخص يدعي أن له مالاً على أبيهم وهم لا يعلمون بذلك ، وأبيهم إن كانت ذمته فعلا مشغولة بالمال وتوفي ولم يبرئ أولاده ذمته من ماله الذي تركه لهم لأنهم لم يعترفوا بالدين الثابت في ذمة أبيهم فسيقف موقفا عسيرا يوم القيامة وسيحاسبه الله على مسألتين:
الاولى : أنه لم يوص وخالف أمراً وضاحا لله عز وجل .
الثاني : أنه ضَيّع حق الآخرين عنده فبدل من حفظ حقهم بعد أن ساعدوه وقت الضائقة المالية التي مر بها وقد يكونوا أقرضوا قربة الى الله تعالى ولم يأخذوا على قرضهم موثقا من وثيقة عند كاتب عدل تؤدي الى إلزام الأبناء بأن يعترفوا بالدين فتركوا الأمر تهاونا أو اعتمادا على الثقة فضاع عليهم مالهم وضاع عليه الوفاء الواجب عليه فوقع في المحذور الشرعي .
ومن المستغرب ان البعض كان يأتي إلينا لكتابة وصية وعندما نسأله هل عليك ديون مالية أو أمانات للناس كان يقول يوجد ولكن لا ضرورة لذكرها .
لأنه من غير المعقول أن ينكر اولادنا هذا الشيء ، متناسياً أن من حقهم ان يشككوا إن لم يكن لدهيم بينة على ما يدعيه الناس من أمانات وديون ، ولا يكون قصدهم عدم تفريغ ذمة والدهم من الدين. أو قد تكون ثقته في اولاده في غير محلها فيطمعون بالمال ، وحيث لا وثيقة ينكرون هذا الدين ولا يقبل منه يوم القيامة الاعتذار بانه اعتمد على أولاده لأن الله سبحانه وتعالى سيقول له : بغض النظر عن اي شيء أنا أمرتك بالوصية وأنت خالفت فتحمل نتيجة مخالفتك. أما في الأمور العبادية يأتي إلينا الكثير وبعض الأشخاص يقول : نعلم أن والدنا قطعا عليه قضاء صلوات وصوم وأمور كثيرة إلا أنه لم يوص بها فماذا نفعل ؟ نحن نتعامل معهم بطريقة احتياطية من أجل ان يتم القضاء عن الميت ببراءة الذمة ولكن قد يكلفهم ذلك امرا لا يطيقونه فالوصية تحل هذه المشكلة .
فالوصية فرض وهي واجبة شرعا وتركها من المحرمات التي يعاقب الله عليها وإذا قلنا إن الكبيرة هي ترك كل ما ورد فيه حث في القرآن الكريم فتركها من الكبائر فلماذا نتركها وهي لا تكلف شيئا ؟ فإن المورث لن يدفع عليها مالا بل سيحضر ورقة وقلما ويكتب عليها هذه الامور ويشهد عليها اثنان من عدول المؤمنين وانتهت القصة ، وفي هذه الأيام كل الجمعيات والعلماء يوزعون الوصية مطبوعة ومجانا وتحتوي على كل الامور مفصلة وموضحة .
وبناء للأهمية التي أوردناها للوصية فإن الاحتياط يقتضي ان يكتبها الإنسان المؤمن المتقي سواء كانت هناك أمارات الموت أولم تكن ، ذلك أن الموت لا يُنذر أحداً حتى يتجهز الإنسان له بل يأتي فجأة من دون سابق إنذار. نعم عذر من لم تظهر عليه أمارات الموت أقوى ممن ظهرت عنده.
ـ الوصية قابله للتغيير :
الوصية فريضة إلهية كما باقي الأحكام العبادية الأخرى ، لكن بعض الناس يؤجلون الوصية ويخافون أنهم إذا كتبوها فإنهم لن يستطيعوا أن يغيروها ، وهذا ليس صحيحا فإنك تستطيع بأي لحظة تغيرها ، ويدل على ذلك ما رواه عبيد بن زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : للموصي أن يرجع في وصيته إن كان في صحة أو مرض)(3) ..
ولكن يجب الالتفات الى مشكلة تحصل بسبب تكرار الوصية التي تؤدي الى ان يتمسك البعض من الورثة بواحدة منها لأنه في مصلحته فيما يتمسك الآخرون بالأخرى لأنهم لهم مصلحة بها. وبهذه الحالة العلاج للوصايا هو في الرجوع الى آخرها تاريخا ولا قيمة للوصايا السابقة والحذر من جانب الموصي يكون من خلال ذكر التاريخ واضاحاً عند كتابة كل وصية ، وعدم كتابة أكثر من نسخة منها يسحبها عندما يريد أن يوصي مرة أخرى فلا يترك مجالا لمستغل أو لقليل دين .
ـ شرو ط الموصي :
يجب ان تتوافر في الموصي شروطا اهمها :
أـ البلوغ والعقل والرشد:
كما في كل المعاملات لا بد من أن يكون الشخص الذي يجري المعاملة بالغا لأنه لا يصح تصرف غير البالغ . وأن يكون عاقلا لأنه لا يصح تصرف المجنون ، وان يكون راشدا فلا يصح تصرف السفيه ، ويدل على ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال:
(إذا بلغ أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم او لم يحتلم وكتب عليه السيئات وكتب له الحسنات وجاز له كل شيء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها) (4) .
فيظهر وبشكل واضح أنه لا يصح أبدا أن يوصي الإنسان بماله قبل بلوغه ورشده بالإضافة الى كونه عاقلا .
ب – الاختيار :
يشترط من الناحية الشرعية أيضا أن يكون الإنسان الموصي مختارا فلا تصح وصية المكره ويدل عليه كل ما دل على بطلان تصرف المكره منها ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) حيث قال: (في الرجل يُستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال: لا ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا ) (5) ، فلا بد من توافر ركن الاختيار كي تصح الوصية من الموصي .
ج - أن لا يكون قاتل نفسه :
إذا قام شخص بكتابة وصية ما ثم قتل نفسه قصد من وراء ذلك أن تكون الوصية لمن أعطاهم دون غيرهم وكان القتل مقدمة لتنفيذها فإن هذه الوصية تعتبر باطلة من الناحية الشرعية وقد ورد في ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها ، قلت : أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته ؟ قال : فقال : إن كان قد أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه وإن كان اوصى بوصية بعدما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته)(6) .
فالظاهر من الناحية الشرعية أنه لو كتب وصيته قبل أن يقوم بأي شيء من الأمور التي سببت مقتله فوصيته تنفذ إن كانت مساوية للثلث أو أقل منه ، أما إذا أوصى وفعل ما فعل بقصد الموت بمعنى أن هدفه من وراء قتل نفسه تنفيذ الوصية على نحو الذي يريد فهذه الوصية التي توسل لتنفيذها بالقتل تعتبر باطلة من الناحية الشرعية كما هو منطوق الحديث .
د – أن لا يكون في مرض الموت :
اشترط لنفوذ الوصية أن لا يكون الموصي في مرض الموت وهو ما اصطلح عليه وعلى غيره
باسم منجزات المريض ، وتفصيل ذلك أن الإنسان إن مرض مرضا علم فيه أنه سيموت كما يحصل في هذه الأيام لمن يبتلى بمرض عضال لا شفاء منه يعرف فيه انه سيموت فيقوم هذا الشخص بالوصية بطريقة معينة فإن تصرفات المريض مرض الموت أثناء مرضه ليست جائزة كلها ، بل أفتى الفقهاء أن تصرف المريض بيعا وشراء بثمن المثل لا إشكال فيه وأما إذا تصرف فيه بأقل من ثمن المثل محاباة لمن يريد بيعه هذا ما يحصل عادة بان يبيع أحد أبنائه مثلا بثمن بخس ، أو لا قيمة له فقيل إنه لا يصح هذا التصرف ولا ينفذ إلا من الثلث كما في أي وصية أخرى وإن كان هذا التصرف وهو حي فإن حياته هنا المتصلة بموته المتأكد منه بنسبة كبيرة يعتبر بمثابة وصية .
ويدل على ذلك ما رواه سماعة رضي الله عنه عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده فقال: أما إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء وأما في مرضه فلا يصلح) (7) .
وبالتالي فإن العطية في مرض الموت لا تصلح ولكنها تنفذ في الثلث ويدل عليه ما رواه عقبة بن خالد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال (سألته أن يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه ؟ قال : ما يعتق منه إلا ثلثه وسائر ذلك الورثة أحق بذلك) (8) .
وهذا ما يؤكد أن وصية المريض مرض الموت لا تنفذ إلا في الثلث لا أكثر.
ـ شروط الوصي :
الوصي هو الشخص الذي يَعهد إليه الموصي إدارة ماله ، أو توزيعه ، أو رعاية أيتامه ، لذا لا بد من توافر شروط كثيرة في هذا الوصي وهي بعد الشروط العامة من البلوغ والعقل الإسلام فلا يصح أن يجعل الكافر وصياً على المؤمنين بدليل قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]. ومعنى أن يكون الكافر ولياً على أولاد المسلمين هو اننا جعلنا للكافر على المؤمن سبيلا بحيث إن له الحق الكامل بالتصرف في أموال الموصى عليهم وهذا غير جائز شرعا.
ولكن وقع الخلاف في أنه هل يشترط في المسلم ان يكون عادلا ؟ أو يكتفي بمجرد كون ثقة ؟ أو لا حاجة حتى للثقة ؟
ذهب بعض الفقهاء الى اشتراط العدالة مطلقا لأن غير العادل ظالم وقد امرنا الله سبحانه وتعالى أن لا نركن للذين ظلموا ، وأيضا بأننا لا نستطيع أن نؤمن الفاسق على مال أولادنا ورعايتهم ولعل هذا هو الاوجه وإن اعتبر فقهاء آخرين كفاية الوثاقة في الوصي ، واستدلوا على ذلك بما رواه سماعة رضي الله عنه عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية ، وله خدم ومماليك وعقد ، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث ؟ قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس)(9) .
مما يظهر منه أنه يُكتفى في مُقَسِم المال أن يكون ثقة ولا حاجة لعدالته ، ولكن الأفضل مع ذلك ان لا نختار سوى العادل ، لأننا وبحسب تجربتنا العملية نرى أنه لا بد من أن يكون الوصي من خيرة المؤمنين ورأس العدول لأننا وجدنا بعض الأوصياء ممن كانوا مؤمنين ظاهرا بعد أن امتلكوا مال الأيتام صرفوها على أنفسهم وظلموا لذلك فإننا نشدد على أن يكون الوصي عادلا .
بل أكثر من ذلك فإننا ننصح ان يكون مع الوصي مشرفا وناظرا على عمل الوصي يستطيع
منعه من التعدي والتفريط ، ويفضل أن يكون هذا الناظر ، أو الوصي أيضا من أهل العلم والإيمان والعدالة .
كيف نكتب الوصية وماهي الشروط التي يجب توافرها ؟:
هناك أمور كثيرة يجب توافرها في الوصية منعاً للطعن بها وكي تكون شاملة لكل ما يجب توافره فيها وهذه الأمور هي :
أ- التوثيق :
نقصد بالتوثيق هنا أن يكون هناك شاهدين عادلين على هذه الوصية ، بحيث يرجع إليهما عند الطعن بها من أي شخص من الورثة. وأنا أحب أن ألفت نتيجة التجربة كل الاخوات والأخوة أنهم إذا أرادوا أن يشهدوا أحدا فيجب أن يجهدوا في اختيار الشاهد فالإشهاد ليس للمفاخرة كما يفعل البعض بأن يختاروا الوجيه الفلاني ، أو الشخصية العامة الفلانية ، بل يجب اختيارهم من الشباب المؤمنين الصغار ، لأنه لدينا مشاكل عامة بالوصايا ناتجة عن أن الشاهد يموت قبل الموصي ، لذلك يجب اختيار الشاهد صغير في السن فيكون على الأقل وبحسب السير الطبيعي ما لم يأتي قضاء الله سبحانه وتعالى لديه امكانية الحياة الى بعد موت الموصي .
في القضايا التي نعالجها يأتينا العديد من القضايا التي يوجد فيها خلافات بين الورثة وطعن في الوصية ويكون فيها كل الشهود اموات ، فماذا نفعل بوصية شهودها أموات ؟ فقد يأتي أحد الورثة ويقول : هذه ليست وصية أبي . والمشكلة من الناحية الشرعية أن الأوراق لا تثبت شيئا فالوصية قيمتها بالشهود عليها ، ومن دون شهود لا قيمة لها ، فالله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} [المائدة: 106]. فالآية واضحة بضرورة الإشهاد وأن يكون اثنان عدول منا ، أي من ملتنا ومن ديننا ، وإذا كنتم في سفر فالآية وضعت حلا بأنه إذا كنا في منطقة لا يوجد فيها أناس من ملتنا أن نحضر اثنان من غير ملتنا وبعد الصلاة التي يؤدونها على غير الملة ويقسمون إذا ارتبنا انهم لن يبيعوا ذمتهم ولن يشهدوا بغير الذي قيل أمامهم حتى لو كان قريب لهما ، المهم في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى يشدد على أن تكون الوصية موثقة بشاهدين عادلين ونؤكد على نصيحتنا أن يكون الشاهد صغير السن وعادلا ملتزما بكل واجباته الدينية ، ومع الاعتذار من كل طيبي القلب فإنه مهما كان الإنسان طيب القلب ، فإن شهادته لن تقبل امام الشرع إن لم يكن عادلا فلماذا نوقع أنفسنا بإشكالات من هذا النوع ؟ فبعض الناس عندما يكونون في مجلس كتابة للوصية ويكون في هذا المجلس شخص غير متدين وإن كان في معاملاته غير سيء فيطلبون منه أن يوقع حياء ، ونحن لا نطلب هنا أن نشعره بأنه غير مقبول ومرفوض بل يمكن ان يكون توقيعه إضافة الى تواقيع الشهود والعدول فنجمع بين الحقين بأن يكون التوثيق شرعيا من خلال توقيع العدول ، وأن لا نسيء لغير العادل بان يوقع توقيعا لن يقدم في المحصلة ولن يؤخر .
ب- كثرة الشهود :
قدمنا فيما سبق أنه تحصل مشكلة في بعض الأحيان ناتجة عن وفاة الشهود ، أو أحدهم قبل الموصي الذي لا يلتفت الى زيادة شاهد آخر مكانه ما يوقع في مشكلة ، لذلك وتحسبا للمشكلة قبل وقوعها يفضل أن يكون الشهود أكثر من أثنين ، وبذلك يحتاط لحالة ما لو مات بعضهم قبل
وفاته .
ج- تعريف الشهود منعا للجهالة :
من المعروف وخاصة في القرى أن كثيرا من الأشخاص يحملون نفس الاسم ويقوم أهل القرية بتمييز أحدهم عن الآخر إما باسم الام والذي يمكن أن يكون مصادفة نفسه ، أو من خلال لقب اشتهر به ، أو أي مميز يرفع الاشتراك ، لذلك لا بد عند ذكر الشاهد من تحديده بدقة بشكل يرفع اللبس والاشتراك ولو من خلال رقم بطاقة الهوية او أي مميز آخر .
د – معرفة الشهود بمضمون الوصية:
يشترط في الشهادة أن تكون على أمر بيّن واضح ولا قيمة لشهادة غير المطلع ، فالذي يحصل في بعض الأحيان وهذه مشاكل عانينا منها أن الموصي يكتب وصيته ثم يذهب بها لشخص ويطب منه أن يوقع عليها دون أن يعرفه بمضمونها. فاذا وقع الإشكال بين الورثة واحضر الشاهد أمام القضاء ليسأل لا عن أصل توقيعه على الوصية ، بل على مضمونها فإنه يعتذر بأنه لم يطلع على المضمون ، بل قام بالتوقيع فقط وبالتالي لن تكون شهادته مفيدة على المقصود من كلام الموصي وإن أفادت بان هذه الوصية قد كتبها الموصي أثناء حياته إن تأكد الشاهد من توقيعها إذ يأتينا بعض الشهود ليقولوا بأنهم لم يعودوا يذكروا أن هذه الورقة التي وقعوها أم غيرها . في حين أن الشاهد لو اطلع على مضمون الوصية فإن كلامه يصبح حجة يستفاد منها أمام القضاء الشرعي إن كانت عادلة وضم إليها شهادة أخرى ، حتى لو لم تكن الورقة موجودة بأن كانت مفقودة وكذلك يمكن اللجوء الى شهادته في تفسير بعض العبارات الملتبسة وغير الوضحة.
لذلك فانه من الأفضل ، بل من الضروري أن يقوم الموصي أثناء الوصية بتعريف الشهود بقصد وبمضمون وصيته. كي تكون الشهادة مفيدة وقد طلب منا الإسلام ان تكون شهادتنا على أمور واضحة فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) وقد سئل عن الشهادة فقال: (هل ترى الشمس ؟ على مثلها فاشهد أو دع )(10) .
فالمطلوب ان تكون الشهادة على أمور واضحة وضوح الشمس فإن كانت أقل سطوعا منها فإن تكليفنا أن نتركها ولا نشهد بها .
هـ - أن تكون عباراتها واضحة لا لبس فيها :
من الأمور التي يجب مراعاتها أيضا اختيار العبارات الواضحة التي لا لبس فيها والتي لا تحتمل تفسيرات مختلفة ، ولا مانع من الإطالة خاصة في مورد المسائل التي تحتاج الى مزيد من التوضيح منعا للخلافات المستقبلية ، ففي موضوع الأراضي مثلا يجب التحديد بدقة لحدود الأرض وتفاصيلها كي لا تكون مستقبلا سببا للمشاكل .
و- حضور الورثة وأخذ توقيعاتهم :
من أفضل المسائل التي تمنع من المشاكل المستقبلية أن يحضر الورثة كتابة الوصية ويبلغهم بإدارته كي لا يسمح لهم مستقبلا بالاعتراض فبعد ورود التوقيع لن يستطيع أن يطعن وينفي والموصي بذلك يقوم بتفادي إشكالات يمكن أن تقع مستقبلا , ويدل على ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (في رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم ان يردوا ما أقروا به ؟ فقال : ليس لهم ذلك والوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته)(11) .
فالحديث واضح لجهة أنه لا يجوز للورثة فيما لو وافقوا على الوصية الرجوع فيما وافقوا عليه
وأيضا إذا كان هناك من اعتراض لديهم فإنه يعالجه بحياته ويضمن أن لا يختلف الإخوة لاحقا .
ز- تاريخ الوصية :
يجب أن يذكر التاريخ في الوصية لأن الوصية التي لا يذكر فيها التاريخ ، أو يكون مبهما غير واضح تصبح بلا قيمة إن كان هناك وصية أخرى وتصبح هذه المعتمدة حتى لو كانت في الواقع هي السابقة وتلك التي لا تاريخ فيها ، او تاريخها غير واضح هي المتأخرة ما لم يثبت التاريخ من خلال الشهود وان لم يكتب. لذا فإن المطلوب كتابة التاريخ أولا وأن يكون بالأحرف لا بالأرقام ، أو بهما معا لان إمكانية التزوير بالأرقام أكبر بكثير من الأحرف ، فلو كانا معا أحرفا وأرقاما يصبح الموضوع أوثق .
ح – مراعاة حدود الله سبحانه وتعالى فيما يوصي به :
عندما شرع الله سبحانه وتعالى الوصية طلب من الموصي ان يترك بالمعروف والمعروف كما قلنا هو العدل ، وكل الفقهاء أجمعوا وليس هناك خلاف بين المذاهب الإسلامية مجتمعة ، على أن الموصي لا يحق له أن يوصي بأكثر من ثلث تركته ، فإذا كنت تملك مبلغا من المال ، أو عندك أملاك غير نقدية فإنك تستطيع أن توصي بثلث هذا المال ، أو العقار الى من شئت سواء كان من الورثة أنفسهم ، أو كان من غيرهم الذين لا يشملهم الميراث سواء أكانوا أنسباء ليسوا من الورثة ، او كانوا غرباء لا علاقة نسبية لهم بالموصي .
فالإسلام أعطى كل منا حرية أن يوصي لمن يريد حتى لو لم يكن من الأقرباء ، وقد ورد في ذلك روايات متعددة ، منها ما رواه شعيب بن يعقوب عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يموت ما له من ماله ؟ فقال : له ثلث ماله وللمرأة أيضا) (12) .
فالواضح من هذه الرواية أن الحد الأقصى الذي يسمح فيه للموصي أن يتصرف به من ماله هو ثلث التركة وهو المصطلح عليه في الآية الكريمة بالمعروف ، فلو قام الموصي بالوصية بأكثر من الثلث فإن الفقهاء حكموا ببطلانها فيما زاد عن ذلك ، وقد ورد في ذلك ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (قضى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في رجل توفي وأوصى بماله كله أو أكثره فقال: إن الوصية ترد الى المعروف غير المنكر فمن ظلم نفسه وأتى في وصيته المنكر والحيف فإنها ترد الى المعروف ويترك لأهل الميراث ميراثهم)(13) .
هذا القضاء من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هو تطبيق للآية الكريمة التي تتحدث بشكل واضح على أن يوصي الإنسان بالمعروف ، وعليه فلو تجاوز الموصي المعروف الى المنكر فان وصيته ترد الى المعروف ، واللطيف في الحديث أنه (عليه السلام) اعتبر أن هذا الإنسان لو أوصى بأكثر من ثلث ماله فقد ظلم نفسه ، لأنه يكون قد أتى بوصيته المنكر والحيف الذي هو الظلم . وهنا يحق للشرع ان يتدخل فيبطل ما زاد عن الثلث ويترك كما تقول الرواية لأهل الميراث ميراثهم.
ومع ذلك فان الشرع استحب للموصي أن لا يستعمل كل الثلث ، بل أن يكون مُقلاً في ذلك فلا يستخدم منه خارج إطار الورثة الشرعيين ، أو حتى تمييز بعضهم إلا بمقدار قليل ، أو الأفضل أن لا يوصي بشيء زائد ويترك التقسيم كما قسمه الله سبحانه وتعالى ، وقد ورد في ذلك ما رواه الإمام الباقر (عليه السلام) حيث قال: (كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: لئن اوصي بخمس مالي أحب إلي من أن أوصي بالربع ، ولئن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث ، ومن أوصى بالثلث فلم يترك فقد بالغ) (14) .
بمعنى إن الإمام (عليه السلام) يرشد الى أن من أحب أن يوصي بجزء من ماله لغير الورثة فكلما كان هذا المبلغ أقل كلما كان أحسن ، وهذا ما يوحي أيضا أنه إن تركه كله فلم يوص به فهو أفضل .
وفلسفة ذلك أن الله هو الذي قَسّم أليس الله بأعدل العادلين وهو الأعلم بمصالح عباده فلماذا ترفضون وتتدخلون في أمر حدده هو سبحانه وتعالى الذي ليس هناك من هو أعدل منه . فلو لم يكن هناك مصلحة بالتقسيم بهذه الطريقة لما أمر الله سبحانه وتعالى بها .
ومن الأمور التي يخاف منها ويجب أن ينتبه الإنسان إليها مسألة الحيف بالوصية ، فقد تورث هذه المسألة العداوة بين الأولاد ، فإذا أعطيت ولدا أكثر من ولد فهذا سيؤدي الى بذر بذور فتنة عند الأولاد ناتجة عن تمييز ولد عن غيره .
____________________
1ـ المختصر النافع ص 163 .
2- وسائل الشيعة ج 13 ص 398 .
3- المصدر السابق ص 386 .
4- وسائل الشيعة ص 431 .
5- المصدر السابق ج 16 ص 136 .
6- المصدر السابق ج 13 ص 441 .
7- المصدر السابق ص 384 .
8- المصدر السابق ص 365 .
9- المصدر السابق ص 474 .
10- المصدر السابق ج 18 ص 250 – 251 .
11- المصدر السابق ج 13 ص 371 .
12- الكافي ج 7 ص 11 .
13- المصدر السابق .
14- المصدر السابق .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|