أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-9-2016
1302
التاريخ: 24-9-2016
2809
التاريخ: 24-9-2016
1958
التاريخ: 24-9-2016
997
|
الموقع:
رغم أن الإنسان يشكل العامل الحاسم في بناء الحضارة، فإنه من الصعب إهمال دور البيئة الطبيعة وأثرها على الإنسان من جهة، وعلى حضارته من جهة أخرى، بمعنى أن بناء أي حضارة من الحضارات ما هو إلا حصيلة فاعل مشترك بين الإنسان وبيئته (1)، ويظهر تأثير البيئة الجغرافية بوضوح في مجموعة البلدان الممتدة من البحر المتوسط حتى الهضبة الإيرانية والتي اصطلح على تسميتها "الشرق الأدنى"، فقد كانت نشاطات الإنسان المختلفة مشروطة إلى حد بعيد بالأرض، طبيعة التربة، كمية المطر، توزيع الينابيع والآبار ومسارات الأنهار، وكان لهذه العوامل تأثيرها العميق على الإنسان, حيث ساهمت في تشكيل صفاته الجسمية والخلقية وتحديد أفكاره ومعتقداته الدينية، وبذلك فتاريخ أي بلد من بلدان الشرق الأدنى يجب أن يبدأ بدراسة الطبيعة الجغرافية وأرض الرافدين لا تخرج عن هذه القاعدة (2).
وقد عرف الجغرافي سترابون(Strabon) منطقة وادي الرافدين بقوله: "أن البلاد التي تحاذي بلاد فارس هي إقليم أشور، ويفهم من هذا الاسم أي أشور بلاد بابل وجزء كبير من المنطقة المجاورة التي كانت تضم كل إقليم أشور ومركزه نينوى، والضفة الأخرى لنهر الفرات، وهي القسم الواسع الذي ينقسم بين العرب والسوريين إلى غاية الحدود مع سيليسيا (3) وفينيقيا وأرض اليهود" (4).
ويذهب جورج رو (George Roux) في تعريف موقع وادي الرافدين بالقول: "أن منطقة وادي الرافدين هي حقل مثلث تبلغ مساحته حوالي 208 ألف كم، تحدها خطوط افتراضية تمتد من حلب إلى بحيرة أورمية (5) وحتى مدخل شط العرب (6)، وتقسم الحدود السياسية الحالية من هذا المثلث اليوم بين سوريا والعراق بينما تظهر فيه أجزاء من تركيا وإيران في الشمال" (7).
أما كلوديوس بطليموس فيقول في وصفه جغرافية العالم خلال زمانه، ذاكرا أرض وادي الرافدين كالآتي: " تنتهي بلاد ما بين النهرين من الشمال بذلك الجزء من أرمينيا (8).
الكبرى... ومن الغرب بذلك الجزء من الفرات، ومن الشرق بالجزء من دجلة القريب من بلاد أشور... ومن الجنوب بما تبقى من نهر الفرات" (9).
إن لموقع وادي الرافدين مكانة مهمة في تاريخه القديم والحديث أيضا ليس لكونه مهد الحضارة البشرية فقط بل لأنه غني في ثروته الطبيعية ولأهميته العسكرية... والتي تجعله مشرفا على القسم الشرقي من الشرق الأوسط، وهذا الجزء من الشرق مهم في موقعه لأنه يقع على الجسر الأرضي الذي تلتقي فيه القارات الثلاث أوروبا، آسيا وإفريقيا (10).
والحديث عن الظروف الجغرافية يحتم علينا تناول نهري الدجلة والفرات اللذين يعتبران شريان الحياة في المنطقة، فإذا كانت مصر هبة النيل فإن بلاد وادي الرافدين هبة الدجلة والفرات، هذان النهران ينبعان من جبال أرمينيا في جنوب القوقاز ويصبان في الخليج العربي (11)، وكلمة فرات ذات أصل سومري ووردت في النصوص البابلية تحت اسم "بورتم" أو "يوراتي" و"بوراتوم" بالأكدية و"أراتزا" في السوبارية، أما دجلة فقد ورد في النصوص القديمة تحت اسم "دقلات" و"أدجلات" و"حداقل" بالعبرية، "أرتزاخ" بالحورية، "تبركا" بالفهرية، والتي تعني السهم لسرعة سيره (12).
ويتميز نهر الفرات بأنه أطول من نهر دجلة وأكثر تعرجا حيث يبلغ طوله 2842 كم مقابل 1840 كم طول نهر الدجلة (13) وهو يمتاز عنه باتساع واديه وعمقه، أما الدجلة فإنه يتميز من ناحية أخرى بكثرة روافده التي تنبع من هضبة إيران، وهو بذلك يتلقى إمدادات كثيرة، ولعل أهم روافده نهر الزاب (الأعلى) الذي يصب في دجلة على بعد 64 كم جنوبي نينوى بالقرب من نمرود، ثم الزاب الأسفل إلى الجنوب من ذلك بحوالي 128 كم، ومن هذه الروافد أيضا نهر ديالى أدت كثرة الروافد وتنوع مصادرها إلى أن أصبحت الفيضانات المفاجئة من المظاهر المميزة لنهر الدجلة، أما أهم روافد الفرات فهما "البالخ" و"الخابور" ويلاحظ أنه رغم أن نهر دجلة أقل اتساعا من نهر الفرات إلا أن أوعية المياه التي يحملها أكبر، وسرعة التيار في النهرين شديدة مما يؤثر على المجرى الجيري لهما فيجعل ماء النهرين سريع الجريان مليئا بالرواسب، وفي بعض الأحيان تؤدي سرعة جريان نهر دجلة وفيضانه المفاجئ إلى غمر الكثير من الأراضي، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى أن يشق النهر نفسه مجرى جديدا (14)
وقد كون كل من النهرين دلتا خاصا به امتد كل منهما تدريجيا إلى الجنوب الشرقي في مياه الخليج العربي، ونظرا للترسبات التي حملتها العديد من الأنهار الأخرى في هذه المنطقة تكون رصيف من مادة فيضية رسوبية في الجنوب عبر رأس الخليج العربي، وأدى ذلك إلى تكوين حاجز أمام نهري الدجلة والفرات، مما أدى إلى ترسيب كميات كبيرة من الطمي الذي يحملانه في الأراضي الداخلية فأدى إلى تكوين المستنقعات الطمية، وأدى ذلك إلى وجود إقليمين مميزين في الأراضي المنخفضة لدجلة والفرات وهما السهل الأدنى والسهل الأعلى (15).
وينقسم السطح في وادي الرافدين إلى قسمين: شمالي وجنوبي، قسم شمالي تغلب عليه الطبيعة الجبلية إذ تكثر فيه المرتفعات وبخاصة في قسمه الشمالي الشرقي الذي تتخلله وديان دجلة وفروعه، ويفصله عن الجهات التي تقع أبعد من ذلك شمالا سلسلة جبال طوروس وهضبة أرمينيا، ويطلق على معظم أجزاء هذا الجزء تسمية أرض أشور نسبة إلى مدينة أشور التي كانت من أهم المدن الشمالية.
أما القسم الجنوبي فهو حديث التكوين من الناحية الجيولوجية، وهو يبدأ على وجه التقريب من بغداد ويمتد جنوبا حتى الخليج العربي، وينقسم هذا القسم بدوره إلى عدة أقسام حسب طبيعته الجغرافية، فيبدأ بمنطقة مصب النهر في أقصى الجنوب، وتمتد من منطقة التقاء النهرين حتى الخليج العربي، يليها شمالا منطقة الأحراش وهي تشغل المجريين الأدنيين لنهري دجلة والفرات، وتنخفض أرض هذه المنطقة مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه فيها، مما جعلها تحوي الكثير من الأحراش والمستنقعات.
ويلي هذا القسم منطقة الدلتا، وهي تشغل معظم القسم الجنوبي، ويخترقها العديد من القنوات كما تغمرها الفيضانات السنوية للنهرين. وإلى الشمال من منطقة الدلتا توجد منطقة السهل حيث يقترب فيها مجرى نهري دجلة والفرات إلى أدنى حد، وتتعرض هذه المنطقة لفيضانات عنيفة ومدمرة (16).
أما المناخ فيتأرجح بين المتوسطي والصحراوي، وعلى العموم فقد كانت تطرأ عليه تغيرات فجائية، وفي فصل الشتاء فإن هبوب الرياح يأتي من الشمال الشرقي، مجتازة بذلك المرتفعات الثلجية قي أرمينيا فتتسبب في انخفاض كبير في درجات الحرارة مشكلة غطاء جليديا ابتداء من شهر جانفي أما في الصيف فيتميز بحرارة شديدة (17) تصل إلى الفجر إلى خمسين درجة مئوية (18)، وقد انعكس تأثير المناخ على الغطاء النباتي، فمن أهم المزروعات نجد الحبوب مثل القمح البري والشعير حيث كان إنتاجهما وفيرا، وفي ذلك يقول سترابون "ليس هناك من بلاد على الأرض تنتج الشعير مثل بابل".
أما أشجار التين والكروم والزيتون فكانت قليلة، وأكثر الأشجار انتشارا بالمنطقة هي أشجار النخيل التي انتشرت في الجنوب بينما تقل في الشمال بسبب انخفاض درجة الحرارة وقد لعبت النخلة دورا بارزا في النصوص الأدبية القديمة، وكان يستخرج منها سكان المنطقة الخمور والخل والعسل، ونواة النخلة المنقوعة في الماء تستعمل كعلف للحيوانات (19).
وكانت منطقة واد الرافدين خاصة في الجنوب فقيرة من حيث الخشب والحجارة فالخشب الوحيد المستعمل في البناء هو خشب النخيل رغم أنه لم يكن صالحا للبناء (20)، أما الثروة الحيوانية التي اشتهر بها سكان وادي الرافدين في تربيتها فهي العجول والثور الآسيوي المستورد من الأناضول والثور المحدب من الهند والمواشي بكل أنواعها، وقد اشتهرت المنطقة بوجود الغزال والضبي والخنزير والأرانب، أما الحصان فلم يعرف بالمنطقة إلا خلال الألف الثاني قبل الميلاد وبذلك فقد كان الحمار هو الذي يحل محل الحصان في الخدمة (21).
____________
(1) تقي الدباغ وآخرون، المرجع السابق، ص 15.
(2) George Roux, La Mésopotamie, Seuil, Paris, 1995, p 19)
(3) سيليسيا: إقليم يقع جنوب تركيا ومن أهم مدنه أدنه.
www.wikipedia.org/wiki104-12:32-05/08/ أنظر: 2008
(4) Strabon, la géographie de Strabon, livre XVI, trad par: Amédée, Hachette, Paris, 1980, P 238)
(5) بحيرة أورمية: بحيرة تقع في محافظة أذربيجان غربي شمال إيران قرب الحدود مع تركيا.
www.wikipedia.org/wiki64-12:35-05/08/ أنظر: . 2008
(6) شط العرب: هو نهر ناتج من إلتقاء نهري الدجلة والفرات، حيث يلتقي النهران في مدينة الفرنة على بعد 375 كم، جنوب بغداد ويبلغ طوله 130 كم، ويصب في الخليج العربي عند طرف مدينة الفاو التي تعتبر أقصى نقطة من جنوب العراق ويصل عرض شط العرب في بعض مناطقه إلى 2 كم. أنظر: محمد شفيق غربال، الموسوعة العربية الميسرة، الدار القومية للطباعة، مصر, 1965 , ص 1084.
(7) George Roux, Op. Cit, P 28-29.
(8) أرمينيا: تقع اليوم جنوب القوقاز، ومن الغرب تحدها تركيا وشرقا أذربيجان وإيران من الجنوب الغربي وفي الشمال جورجيا. أنظر: محمد شفيق غربال، المرجع السابق، ص 123.
(9) نقلا عن: سامي سعيد الأحمد، العراق في كتابات اليونان والرومان، مجلة سومر، المجلد 26، ج 1+2 مديرية الآثار، بغداد، 1970، ص 132.
(10) تقي الدباغ وآخرون، المرجع السابق، ص 16.
(11) George Contenau, Les Civilisations Ancienne de Proche- Orient, P U F, Paris, 1945, P 10)
(12) سامي سعيد الأحمد، السومريون وتراثهم الحضاري، مطبعة الجامعة، بغداد، 1975، ص 24.
(13) سيكون لويد، آثار بلاد الرافدين، تر: سامي سعيد الأحمد، دار الرشيد للنشر، العراق، 1980، ص 13.
(14) أحمد أمين سليم، المرجع السابق، ص 96 .
(15) سيكون لويد، المرجع السابق، ص 13 .
(16) أحمد أمين سليم, المرجع السابق، ص ص 97 – 100.
(17) Maspero, Histoire de l'orient, Hachette, paris, 1891, P 75.
(18) George Contenau, Op.Cit, P 78
(19) Strabon, Loc.Cit,P 310
(20) Paul Garelli, Le Proche Orient AsiatiquePUF, Paris, 1969, P 44
(21) George Contenau, Op.Cit, P 12
موقع العراق قديما
بلخير بقة
أثر ديانة وادي الرافدين على الحياة الفكرية سومر وبابل 3200- 539 ق.م، ص 11-19
__________________
الموقع:
رغم أن الإنسان يشكل العامل الحاسم في بناء الحضارة، فإنه من الصعب إهمال دور البيئة الطبيعة وأثرها على الإنسان من جهة، وعلى حضارته من جهة أخرى، بمعنى أن بناء أي حضارة من الحضارات ما هو إلا حصيلة فاعل مشترك بين الإنسان وبيئته (1)، ويظهر تأثير البيئة الجغرافية بوضوح في مجموعة البلدان الممتدة من البحر المتوسط حتى الهضبة الإيرانية والتي اصطلح على تسميتها "الشرق الأدنى"، فقد كانت نشاطات الإنسان المختلفة مشروطة إلى حد بعيد بالأرض، طبيعة التربة، كمية المطر، توزيع الينابيع والآبار ومسارات الأنهار، وكان لهذه العوامل تأثيرها العميق على الإنسان, حيث ساهمت في تشكيل صفاته الجسمية والخلقية وتحديد أفكاره ومعتقداته الدينية، وبذلك فتاريخ أي بلد من بلدان الشرق الأدنى يجب أن يبدأ بدراسة الطبيعة الجغرافية وأرض الرافدين لا تخرج عن هذه القاعدة (2).
وقد عرف الجغرافي سترابون(Strabon) منطقة وادي الرافدين بقوله: "أن البلاد التي تحاذي بلاد فارس هي إقليم أشور، ويفهم من هذا الاسم أي أشور بلاد بابل وجزء كبير من المنطقة المجاورة التي كانت تضم كل إقليم أشور ومركزه نينوى، والضفة الأخرى لنهر الفرات، وهي القسم الواسع الذي ينقسم بين العرب والسوريين إلى غاية الحدود مع سيليسيا (3) وفينيقيا وأرض اليهود" (4).
ويذهب جورج رو (George Roux) في تعريف موقع وادي الرافدين بالقول: "أن منطقة وادي الرافدين هي حقل مثلث تبلغ مساحته حوالي 208 ألف كم، تحدها خطوط افتراضية تمتد من حلب إلى بحيرة أورمية (5) وحتى مدخل شط العرب (6)، وتقسم الحدود السياسية الحالية من هذا المثلث اليوم بين سوريا والعراق بينما تظهر فيه أجزاء من تركيا وإيران في الشمال" (7).
أما كلوديوس بطليموس فيقول في وصفه جغرافية العالم خلال زمانه، ذاكرا أرض وادي الرافدين كالآتي: " تنتهي بلاد ما بين النهرين من الشمال بذلك الجزء من أرمينيا (8).
الكبرى... ومن الغرب بذلك الجزء من الفرات، ومن الشرق بالجزء من دجلة القريب من بلاد أشور... ومن الجنوب بما تبقى من نهر الفرات" (9).
إن لموقع وادي الرافدين مكانة مهمة في تاريخه القديم والحديث أيضا ليس لكونه مهد الحضارة البشرية فقط بل لأنه غني في ثروته الطبيعية ولأهميته العسكرية... والتي تجعله مشرفا على القسم الشرقي من الشرق الأوسط، وهذا الجزء من الشرق مهم في موقعه لأنه يقع على الجسر الأرضي الذي تلتقي فيه القارات الثلاث أوروبا، آسيا وإفريقيا (10).
والحديث عن الظروف الجغرافية يحتم علينا تناول نهري الدجلة والفرات اللذين يعتبران شريان الحياة في المنطقة، فإذا كانت مصر هبة النيل فإن بلاد وادي الرافدين هبة الدجلة والفرات، هذان النهران ينبعان من جبال أرمينيا في جنوب القوقاز ويصبان في الخليج العربي (11)، وكلمة فرات ذات أصل سومري ووردت في النصوص البابلية تحت اسم "بورتم" أو "يوراتي" و"بوراتوم" بالأكدية و"أراتزا" في السوبارية، أما دجلة فقد ورد في النصوص القديمة تحت اسم "دقلات" و"أدجلات" و"حداقل" بالعبرية، "أرتزاخ" بالحورية، "تبركا" بالفهرية، والتي تعني السهم لسرعة سيره (12).
ويتميز نهر الفرات بأنه أطول من نهر دجلة وأكثر تعرجا حيث يبلغ طوله 2842 كم مقابل 1840 كم طول نهر الدجلة (13) وهو يمتاز عنه باتساع واديه وعمقه، أما الدجلة فإنه يتميز من ناحية أخرى بكثرة روافده التي تنبع من هضبة إيران، وهو بذلك يتلقى إمدادات كثيرة، ولعل أهم روافده نهر الزاب (الأعلى) الذي يصب في دجلة على بعد 64 كم جنوبي نينوى بالقرب من نمرود، ثم الزاب الأسفل إلى الجنوب من ذلك بحوالي 128 كم، ومن هذه الروافد أيضا نهر ديالى أدت كثرة الروافد وتنوع مصادرها إلى أن أصبحت الفيضانات المفاجئة من المظاهر المميزة لنهر الدجلة، أما أهم روافد الفرات فهما "البالخ" و"الخابور" ويلاحظ أنه رغم أن نهر دجلة أقل اتساعا من نهر الفرات إلا أن أوعية المياه التي يحملها أكبر، وسرعة التيار في النهرين شديدة مما يؤثر على المجرى الجيري لهما فيجعل ماء النهرين سريع الجريان مليئا بالرواسب، وفي بعض الأحيان تؤدي سرعة جريان نهر دجلة وفيضانه المفاجئ إلى غمر الكثير من الأراضي، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى أن يشق النهر نفسه مجرى جديدا (14)
وقد كون كل من النهرين دلتا خاصا به امتد كل منهما تدريجيا إلى الجنوب الشرقي في مياه الخليج العربي، ونظرا للترسبات التي حملتها العديد من الأنهار الأخرى في هذه المنطقة تكون رصيف من مادة فيضية رسوبية في الجنوب عبر رأس الخليج العربي، وأدى ذلك إلى تكوين حاجز أمام نهري الدجلة والفرات، مما أدى إلى ترسيب كميات كبيرة من الطمي الذي يحملانه في الأراضي الداخلية فأدى إلى تكوين المستنقعات الطمية، وأدى ذلك إلى وجود إقليمين مميزين في الأراضي المنخفضة لدجلة والفرات وهما السهل الأدنى والسهل الأعلى (15).
وينقسم السطح في وادي الرافدين إلى قسمين: شمالي وجنوبي، قسم شمالي تغلب عليه الطبيعة الجبلية إذ تكثر فيه المرتفعات وبخاصة في قسمه الشمالي الشرقي الذي تتخلله وديان دجلة وفروعه، ويفصله عن الجهات التي تقع أبعد من ذلك شمالا سلسلة جبال طوروس وهضبة أرمينيا، ويطلق على معظم أجزاء هذا الجزء تسمية أرض أشور نسبة إلى مدينة أشور التي كانت من أهم المدن الشمالية.
أما القسم الجنوبي فهو حديث التكوين من الناحية الجيولوجية، وهو يبدأ على وجه التقريب من بغداد ويمتد جنوبا حتى الخليج العربي، وينقسم هذا القسم بدوره إلى عدة أقسام حسب طبيعته الجغرافية، فيبدأ بمنطقة مصب النهر في أقصى الجنوب، وتمتد من منطقة التقاء النهرين حتى الخليج العربي، يليها شمالا منطقة الأحراش وهي تشغل المجريين الأدنيين لنهري دجلة والفرات، وتنخفض أرض هذه المنطقة مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه فيها، مما جعلها تحوي الكثير من الأحراش والمستنقعات.
ويلي هذا القسم منطقة الدلتا، وهي تشغل معظم القسم الجنوبي، ويخترقها العديد من القنوات كما تغمرها الفيضانات السنوية للنهرين. وإلى الشمال من منطقة الدلتا توجد منطقة السهل حيث يقترب فيها مجرى نهري دجلة والفرات إلى أدنى حد، وتتعرض هذه المنطقة لفيضانات عنيفة ومدمرة (16).
أما المناخ فيتأرجح بين المتوسطي والصحراوي، وعلى العموم فقد كانت تطرأ عليه تغيرات فجائية، وفي فصل الشتاء فإن هبوب الرياح يأتي من الشمال الشرقي، مجتازة بذلك المرتفعات الثلجية قي أرمينيا فتتسبب في انخفاض كبير في درجات الحرارة مشكلة غطاء جليديا ابتداء من شهر جانفي أما في الصيف فيتميز بحرارة شديدة (17) تصل إلى الفجر إلى خمسين درجة مئوية (18)، وقد انعكس تأثير المناخ على الغطاء النباتي، فمن أهم المزروعات نجد الحبوب مثل القمح البري والشعير حيث كان إنتاجهما وفيرا، وفي ذلك يقول سترابون "ليس هناك من بلاد على الأرض تنتج الشعير مثل بابل".
أما أشجار التين والكروم والزيتون فكانت قليلة، وأكثر الأشجار انتشارا بالمنطقة هي أشجار النخيل التي انتشرت في الجنوب بينما تقل في الشمال بسبب انخفاض درجة الحرارة وقد لعبت النخلة دورا بارزا في النصوص الأدبية القديمة، وكان يستخرج منها سكان المنطقة الخمور والخل والعسل، ونواة النخلة المنقوعة في الماء تستعمل كعلف للحيوانات (19).
وكانت منطقة واد الرافدين خاصة في الجنوب فقيرة من حيث الخشب والحجارة فالخشب الوحيد المستعمل في البناء هو خشب النخيل رغم أنه لم يكن صالحا للبناء (20)، أما الثروة الحيوانية التي اشتهر بها سكان وادي الرافدين في تربيتها فهي العجول والثور الآسيوي المستورد من الأناضول والثور المحدب من الهند والمواشي بكل أنواعها، وقد اشتهرت المنطقة بوجود الغزال والضبي والخنزير والأرانب، أما الحصان فلم يعرف بالمنطقة إلا خلال الألف الثاني قبل الميلاد وبذلك فقد كان الحمار هو الذي يحل محل الحصان في الخدمة (21).
____________
(1) تقي الدباغ وآخرون، المرجع السابق، ص 15.
(2) George Roux, La Mésopotamie, Seuil, Paris, 1995, p 19)
(3) سيليسيا: إقليم يقع جنوب تركيا ومن أهم مدنه أدنه.
www.wikipedia.org/wiki104-12:32-05/08/ أنظر: 2008
(4) Strabon, la géographie de Strabon, livre XVI, trad par: Amédée, Hachette, Paris, 1980, P 238)
(5) بحيرة أورمية: بحيرة تقع في محافظة أذربيجان غربي شمال إيران قرب الحدود مع تركيا.
www.wikipedia.org/wiki64-12:35-05/08/ أنظر: . 2008
(6) شط العرب: هو نهر ناتج من إلتقاء نهري الدجلة والفرات، حيث يلتقي النهران في مدينة الفرنة على بعد 375 كم، جنوب بغداد ويبلغ طوله 130 كم، ويصب في الخليج العربي عند طرف مدينة الفاو التي تعتبر أقصى نقطة من جنوب العراق ويصل عرض شط العرب في بعض مناطقه إلى 2 كم. أنظر: محمد شفيق غربال، الموسوعة العربية الميسرة، الدار القومية للطباعة، مصر, 1965 , ص 1084.
(7) George Roux, Op. Cit, P 28-29.
(8) أرمينيا: تقع اليوم جنوب القوقاز، ومن الغرب تحدها تركيا وشرقا أذربيجان وإيران من الجنوب الغربي وفي الشمال جورجيا. أنظر: محمد شفيق غربال، المرجع السابق، ص 123.
(9) نقلا عن: سامي سعيد الأحمد، العراق في كتابات اليونان والرومان، مجلة سومر، المجلد 26، ج 1+2 مديرية الآثار، بغداد، 1970، ص 132.
(10) تقي الدباغ وآخرون، المرجع السابق، ص 16.
(11) George Contenau, Les Civilisations Ancienne de Proche- Orient, P U F, Paris, 1945, P 10)
(12) سامي سعيد الأحمد، السومريون وتراثهم الحضاري، مطبعة الجامعة، بغداد، 1975، ص 24.
(13) سيكون لويد، آثار بلاد الرافدين، تر: سامي سعيد الأحمد، دار الرشيد للنشر، العراق، 1980، ص 13.
(14) أحمد أمين سليم، المرجع السابق، ص 96 .
(15) سيكون لويد، المرجع السابق، ص 13 .
(16) أحمد أمين سليم, المرجع السابق، ص ص 97 – 100.
(17) Maspero, Histoire de l'orient, Hachette, paris, 1891, P 75.
(18) George Contenau, Op.Cit, P 78
(19) Strabon, Loc.Cit,P 310
(20) Paul Garelli, Le Proche Orient AsiatiquePUF, Paris, 1969, P 44
(21) George Contenau, Op.Cit, P 12
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|