المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

Power calculations
11-4-2021
الملكيات المقيدة في مصر القديمة
28-5-2022
عناصر الإدارة الإلكترونية
11-11-2021
معنى كلمة ركم
4-06-2015
قيمة الدعاء
2024-08-14
المصائد المغناطيسية السوارية
4-6-2017


تفسير الآية (37-44) من سورة يس  
  
10932   05:34 مساءً   التاريخ: 9-10-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2020 11899
التاريخ: 10-10-2020 5501
التاريخ: 8-10-2020 17320
التاريخ: 10-10-2020 4761

قال تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } [يس : 37 - 44] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وآية لهم} أي : ودلالة لهم أخرى {الليل نسلخ منه النهار} أي : ننزع منه ، ونخرج ضوء الشمس ، فيبقى الهواء مظلما ، كما كان ، لأن الله سبحانه يضئ الهواء بضياء الشمس ، فإذا سلخ منه الضياء أي : كشط وأزيل ، يبقى مظلما .

وقيل : إنما قال سبحانه {نسلخ منه النهار} لأنه تعالى جعل الليل كالجسم لظلمته ، وجعل النهار كالقشر ، ولأن النهار عارض ، فهو كالكسوة ، والليل أصل فهو كالجسم .

وقوله : {فإذا هم مظلمون} أي : داخلون في الليل ، لا ضياء لهم فيه {والشمس تجري لمستقر لها} معناه : ودلالة أخرى لهم الشمس . وفي قوله {لمستقر لها} أقوال أحدها : إنها تجري لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا ، فلا تزال تجري حتى تنقضي الدنيا ، عن جماعة من المفسرين . قال أبو مسلم : ومعنى هذا ، ومعنى لا مستقر لها واحد أي : لا قرار لها إلى انقضاء الدنيا وثانيها : إنها تجري لوقت واحد لا تعدوه ، ولا يختلف ، عن قتادة وثالثها : إنها تجري إلى أقصى منازلها في الشتاء والصيف ، لا تتجاوزها . والمعنى أن لها في الارتفاع غاية لا تتجاوزها ، ولا تنقطع دونها ، ولها في الهبوط غاية لا تتجاوزها ، ولا تقصر عنها ، فهو مستقرها .

{ذلك تقدير العزيز} أي : القادر الذي لا يعجزه شئ {العليم} الذي لا يخفى عليه شئ . {والقمر قدرناه منازل} وهي ثمانية وعشرون منزلا ، ينزل كل يوم وليلة منزلة منها ، لا يختلف حاله في ذلك إلى أن يقطع الفلك . {حتى عاد كالعرجون القديم} أي : عاد في آخر الشهر دقيقا كالعذق اليابس العتيق ، ثم يخفى يومين آخر الشهر ، وإنما شبهه سبحانه بالعذق ، لأنه إذا مضت عليه الأيام جف وتقوس ، فيكون أشبه الأشياء بالهلال . وقيل : إن العذق يصير كذلك في كل ستة أشهر .

روى علي بن إبراهيم بإسناده قال : دخل أبو سعيد المكاري ، وكان واقفيا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له : أبلغ من قدرك أنك تدعي ما ادعاه أبوك ؟ فقال له أبو الحسن : ما لك أطفأ الله نورك ، وأدخل الفقر بيتك ، أما علمت أن الله ، عز وجل ، أوحى إلى عمران : إني واهب لك ذكرا يبرئ الأكمه والأبرص ، فوهب له مريم ، ووهب لمريم عيسى ، فعيسى من مريم ، ومريم من عيسى ، ومريم وعيسى شئ واحد ، وأنا من أبي ، وأبي مني ، وأنا وأبي شئ واحد ؟ فقال له أبو سعيد : فأسألك عن مسألة ؟ قال : سل ، ولا أخالك تقبل مني ، ولست من غنمي ، ولكن هلمها . قال : ما تقول في رجل قال عند موته : كل مملوك لي قديم ، فهو حر لوجه الله ؟ فقال أبو الحسن : ما ملكه لستة أشهر فهو قديم ، وهو حر . قال : وكيف صار كذلك ؟ قال : لأن الله تعالى يقول : {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} أسماه الله قديما ، ويعود كذلك لستة أشهر . قال : فخرج أبو سعيد من عنده ، وذهب بصره ، وكان يسأل على الأبواب حتى مات .

{لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} في سرعة سيره ، لأن الشمس أبطأ سيرا من القمر ، فإنها تقطع منازلها في سنة ، والقمر يقطعها في شهر ، والله سبحانه يجريهما إجراء التدوير ، باين بين فلكيهما ومجاريهما ، فلا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر ، ما داما على هذه الصفة . {ولا الليل سابق النهار} أي : ولا يسبق الليل النهار . وقيل : معناه لا يجتمع ليلتان ليس بينهما يوم ، بل تتعاقبان كما قدره الله تعالى ، عن عكرمة . وروى العياشي في تفسيره بالإسناد عن الأشعث بن حاتم ، قال : كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه السلام والفضل بن سهل والمأمون ، في إيوان الحبري بمرو ، فوضعت المائدة ، فقال الرضا عليه السلام إن رجلا من بني إسرائيل بالمدينة ، فقال : النهار خلق قبل أم الليل ؟ فما عندكم ؟ قال : فأداروا الكلام ، فلم

يكن عندهم في ذلك شئ ، فقال الفضل للرضا : أخبرنا بها أصلحك الله ! قال : نعم من القرآن أم من الحساب ؟ قال له الفضل : من جهة الحساب . فقال : قد علمت يا فضل أن طالع الدنيا السرطان ، والكواكب في مواضع شرفها ، فزحل في الميزان ، والمشتري في السرطان ، والشمس في الحمل ، والقمر في الثور ، فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل ، في العاشر من الطالع ، في وسط السماء .

فالنهار خلق قبل الليل . وفي قوله تعالى : {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ، ولا الليل سابق النهار} أي : قد سبقه النهار .

ثم قال : {وكل} من الشمس ، والقمر ، والنجوم {في فلك يسبحون} يسيرون فيه بانبساط ، وكل ما انبسط في شئ ، فقد سبح فيه ، ومنه السباحة في الماء ، وإنما قال {يسبحون} بالواو والنون ، لما أضاف إليها ما هو من فعل الآدميين ، كما قال : {ما لكم لا تنطقون} لما وصفها بصفة من يعقل . وقال ابن عباس : يسبحون أي : يجري كل واحد منها في فلكه ، كما يدور المغزل في الفلكة .

ثم امتن سبحانه على خلقه بذكر فنون نعمه ، دالا بذلك على وحدانيته ، فقال : {وآية لهم} أي : وحجة وعلامة لهم على اقتدارنا {أنا حملنا ذريتهم} يعني آباءهم وأجدادهم الذين هؤلاء من نسلهم {في الفلك المشحون} يعني سفينة نوح المملوءة من الناس ، وما يحتاج إليه من فيها ، فسلموا من الغرق ، فانتشر منهم بشر كثير . ويسمى الآباء ذرية من ذرأ الله الخلق ، لأن الأولاد خلقوا منهم . وسمي الأولاد ذرية لأنهم خلقوا من الآباء ، عن الضحاك ، وقتادة ، وجماعة من المفسرين . وقيل : الذرية هم الصبيان والنساء . والفلك هي السفن الجارية في البحار . وخص الذرية بالحمل في الفلك لضعفهم ، ولأنه لا قوة لهم على السفر ، كقوة الرجال . فسخر الله لهم السفن ، ليمكن الحمل في البحر ، والإبل ليمكن الحمل في البر . يقول القائل : حملني فلان إذا أعطاه ما يحمل ، أو هداه إلى ما يحمل عليه . قال الشاعر : ألا فتى عنده خفان يحملني عليهما . إنني شيخ على سفر {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} أي : وخلقنا لهم من مثل سفينة نوح سفنا ، يركبون فيها كما ركب نوح ، يعني السفن التي عملت بعد سفينة نوح مثلها على صورتها وهيئتها ، عن ابن عباس وغيره . وقيل : إن المراد به الإبل وهي سفن البر ، عن مجاهد . وقيل : مثل السفينة من الدواب كالإبل ، والبقر ، والحمير ، عن الجبائي . {وإن نشأ نغرقهم} أي : وإن نشأ إذا حملناهم في السفن ، نغرقهم بتهييج الرياح ، والأمواج . {فلا صريخ لهم} أي : لا مغيث لهم {ولا هم ينقذون} أي : ولا يخلصون من الغرق إذا أردناه .

{إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين} أي : إلا أن نرحمهم بأن نخلصهم في الحال من أهوال البحر ، ونمتعهم إلى وقت ما قدرناه ، لتقضى آجالهم . وقيل : معناه بقيناهم نعمة منا عليهم ، وإمتاعا إلى مدة .

 ________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص274-278 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ذكر سبحانه هنا آيات كونية تدل على قدرته وعظمته ، وهي :

1 - {وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ} . يتعاقب الليل والنهار نتيجة لكروية الأرض ودورانها حول نفسها تماما كدوران الرحى ، وجانب الأرض الذي يحاذي الشمس حين الدوران يصير نهارا ، وغير المحاذي يصير ليلا ، فإذا تجاوز عن الشمس ما كان محاذيا لها بسبب الدوران وحلّ محله الجانب الآخر الذي كان ليلا ، إذا كان كذلك ينعكس الأمر ، فيصير ما كان ليلا نهارا ، وما كان نهارا يصير ليلا ، وهكذا دواليك ، وقد عبّر سبحانه عن هذا بالانسلاخ ، وأسنده إليه لأنه خالق الكون وسبب الأسباب ، وتقدم مثله في الآية 27 من سورة آل عمران ج 2 ص 37 والآية 12 من سورة الإسراء ج 5 ص 26 .

2 - {والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} . اختلف المفسرون في المراد من مستقرها على أقوال أنهاها الرازي إلى أربعة ، وكلها بعيدة عن الافهام ، والصواب ان مستقرها كناية عن سيرها بنظام محكم ودقيق ، ويومئ إلى هذا قوله تعالى : ذلك تقدير العزيز العليم . ونقل مؤلف كتاب القرآن والعلم الحديث عن كبار علماء الفلك المعاصرين : {ان الشمس تجري بسرعة 12 ميلا في الثانية غير دورانها حول نفسها ، وانها تختلف عن حال دوران الأرض} . وتقدم ما يتصل بذلك في الآية 2 من سورة الرعد ج 4 ص 373 .

{والْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} . وهذه المنازل لا تبدل بغيرها ، ولا تتحول من مكانها ، ولا القمر يضل عنها . وقال الفلكيون : انها 28 ينزل كل ليلة في واحد منها ، ويستتر في ليلتين إذا كان الشهر 30 يوما ، وفي ليلة واحدة إذا كان 29 ، وعندئذ يصير كغصن النخلة في الدقة والانحناء ، وهذا هو المراد بالعرجون . وتقدم ما يتعلق بذلك في الآية 36 من سورة التوبة ج 4 ص 29 فقرة الأشهر القمرية هي الأشهر الطبيعية .

{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} . لكل كوكب فلكه الخاص يدور فيه بنظام ، ويجري في منازل مقدرة إلى أن يطويها اللَّه طي السجل للكتاب . وفي نهج البلاغة : {وجعل شمسها – أي شمس الكواكب - آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوة من ليلها - أي ان ضوء القمر يطغى على ضوء بقية الكواكب - فأجراهما ، وقدر سيرهما في مدارج درجهما ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما . .

ومما قرأته في هذا الباب حديث قدسيّ ذكره صاحب الأسفار في المجلد الثالث ، ومعناه ان اللَّه سبحانه قال : لو وضعت الشمس في جانب خاص من الكون لرفع الغني بناءه وحجب نور الشمس عن الفقير ، ولكن وضعتها في أفق تدور فيه وتسير حتى يجد الفقير نصيبه من ضوئها تماما كما يجد الغني .

3 - {وآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} . ضمير {لهم} وذريتهم يعود إلى أبناء آدم . . يذكرهم اللَّه سبحانه بأنعمه العظام عليهم ، ومنها حملهم في السفن مملوءة بهم وبمتاعهم تنقلهم من بلد إلى بلد . وتقدم مثله في الآية 32 من سورة إبراهيم ج 4 ص 448 والآية 66 من سورة الإسراء ج 5 ص 65 .

4 - {وخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ} . ضمير مثله يعود إلى الفلك ، وقال المفسرون القدامى : المراد بمثله الإبل والخيل والبغال والحمير . قالوا هذا حيث لا طائرة ولا سيارة ولا مركبة فضاء {وإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} ولو كانوا في المدرعات وحاملات الطائرات . والغرض هو أن يذكرهم سبحانه بنعمة النجاة من الغرق ، وانه لولا رحمته وعنايته لكانوا من الهالكين {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ ولا هُمْ يُنْقَذُونَ} من الغرق مهما استغاثوا واستجاروا {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا ومَتاعاً إِلى حِينٍ} إلا أن يتداركهم اللَّه برحمته من أهوال البحر ، ويؤخرهم إلى أجل مسمى وفقا لعلمه وحكمته .

_______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص315-316 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون} آية أخرى من آيات الربوبية الدالة على وقوع التدبير العام السماوي للعالم الإنساني مذكورة في أربع آيات .

ولا شك أن الآية تشير إلى مفاجأة الليل عقيب ذهاب النهار ، والسلخ في الآية بمعنى الإخراج ولذلك عدي بمن ولوكان بمعنى النزع كما في قولنا : سلخت الإهاب عن الشاة تعين تعديه بعن دون من .

ويؤيد ذلك أنه تعالى عبر في مواضع من كلامه عن ورود كل من الليل والنهار عقيب الآخر بإيلاجه فيه فقال في مواضع من كلامه : {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج : 61] فإذا كان ورود النهار بعد الليل إيلاجا للنهار في الليل اعتبارا كان مفاجأة الليل بعد النهار إخراجا للنهار من الليل اعتبارا .

كأن الليل أطبق عليهم وأحاطت بهم ظلمته ثم ولج فيه النهار فوسعهم نوره وضياؤه ثم خرج منه ففاجأهم الليل ثانيا بانطباق الظلام وإحاطته بما أضاءه النهار ففي الكلام نوع من الاستعارة بالكناية .

ولعل فيما ذكرناه من الوجه كفاية عما أطنبوا فيه من البحث في معنى سلخ النهار من الليل ثم مفاجأة الليل .

قوله تعالى : {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} جريها حركتها وقوله {لمستقر لها} اللام بمعنى إلى أو للغاية ، والمستقر مصدر ميمي أواسم زمان أو مكان ، والمعنى أنها تتحرك نحو مستقرها أو حتى تنتهي إلى مستقرها أي استقرارها وسكونها بانقضاء أجلها أو زمن استقرارها أو محله .

وأما جريها وهو حركتها فظاهر النظر الحسي يثبت لها حركة دورية حول الأرض لكن الأبحاث العلمية تقضي بالعكس وتكشف أن لها مع سياراتها حركة انتقالية نحو النسر الواقع .

وكيف كان فمحصل المعنى أن الشمس لا تزال تجري ما دام النظام الدنيوي على حاله حتى تستقر وتسكن بانقضاء أجلها فتخرب الدنيا ويبطل هذا النظام ، وهذا المعنى يرجع بالمال إلى معنى القراءة المنسوبة إلى أهل البيت وغيرهم : {والشمس تجري لا مستقر لها} كما قيل .

وأما حمل جريها على حركتها الوضعية حول مركزها فهو خلاف ظاهر الجري الدال على الانتقال من مكان إلى مكان .

وقوله : {ذلك تقدير العزيز العليم} أي الجري المذكور تقدير وتدبير ممن لا يغلبه غالب في إرادته ولا يجهل جهات الصلاح في أفعاله .

قوله تعالى : {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} المنازل جمع منزل اسم مكان من النزول والظاهر أن المراد به المنازل الثمانية والعشرون التي يقطعها القمر في كل ثمانية وعشرين يوما وليلة تقريبا .

والعرجون عود عذق النخلة من بين الشمراخ إلى منبته وهو عود أصفر مقوس يشبه الهلال ، والقديم العتيق .

وقد اختلفت الأنظار في معنى الآية للاختلاف في تركيبها ، وأقرب التقديرات من الفهم قول من قال : إن التقدير والقمر قدرناه ذا منازل أو قدرنا له منازل حتى عاد هلالا يشبه العرجون العتيق المصفر لونه .

تشير الآية إلى اختلاف مناظر القمر بالنسبة إلى أهل الأرض فإن نوره مكتسب من الشمس يستنير بها نصف كرته تقريبا وما يقرب من النصف الآخر غير المسامت للشمس مظلم ثم يتغير موضع الاستنارة ولا يزال كذلك حتى يعود إلى الوضع الأول ويعرض ذلك أن يظهر لأهل الأرض في صورة هلال ثم لا يزال ينبسط عليه النور حتى يتبدر ثم لا يزال ينقص حتى يعود إلى ما كان عليه أوله .

ولاختلاف صوره آثار بارزة في البر والبحر وحياة الناس على ما بين في الأبحاث المربوطة .

فالآية الكريمة تذكر من آية القمر أحواله الطارئة له بالنسبة إلى الأرض وأهلها دون حاله في نفسه ودون حاله بالنسبة إلى الشمس فقط .

ومن هنا لا يبعد أن يقال في قوله تعالى : {والشمس تجري لمستقر لها} إن المراد بقوله : {تجري} الإشارة إلى ما يعطيه ظاهر الحس من حركتها اليومية والفصلية والسنوية وهي حالها بالنسبة إلينا ، وبقوله : {لمستقر لها} حالها في نفسها وهي سكونها بالنسبة إلى سياراتها المتحركة حولها كأنه قيل : وآية لهم أن الشمس على استقرارها تجري عليهم وقد دبر العزيز العليم بذلك كينونة العالم الأرضي وحياة أهله والله أعلم .

قوله تعالى : {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} لفظة ينبغي تدل على الترجح ونفي ترجح الإدراك من الشمس نفي وقوعه منها ، والمراد به أن التدبير ليس مما يجري يوما ويقف آخر بل هو تدبير دائم غير مختل ولا منقوض حتى ينقضي الأجل المضروب منه تعالى لذلك .

فالمعنى أن الشمس والقمر ملازمان لما خط لهما من المسير فلا تدرك الشمس القمر حتى يختل بذلك التدبير المعمول بهما ولا الليل سابق النهار وهما متعاقبان في التدبير فيتقدم الليل والنهار فيجتمع ليلتان ثم نهاران بل يتعاقبان .

ولم يتعرض لنفي إدراك القمر للشمس ولا لنفي سبق النهار الليل لأن المقام مقام بيان انحفاظ النظم الإلهي عن الاختلال والفساد فنفى إدراك ما هو أعظم وأقوى وهو الشمس لما هو أصغر وأضعف وهو القمر ، ويعلم منه حال العكس ونفى سبق الليل الذي هو افتقاده للنهار الذي هو ليله والليل مضاف إليه متأخر طبعا منه ويعلم به حال العكس .

وقوله : {وكل في فلك يسبحون} أي كل من الشمس والقمر وغيرهما من النجوم والكواكب يجرون في مجرى خاص به كما تسبح السمكة في الماء فالفلك هو المدار الفضائي الذي يتحرك فيه الجرم العلوي ، ولا يبعد حينئذ أن يكون المراد بالكل كل من الشمس والقمر والليل والنهار وإن كان لا يوجد في كلامه تعالى ما يشهد على ذلك .

والإتيان بضمير الجمع الخاص بالعقلاء في قوله {يسبحون} لعله للإشارة إلى كونها مطاوعة لمشيته مطيعة لأمره تعالى كالعقلاء كما في قوله : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت : 11] .

وللمفسرين في جمل الآية آراء أخر مضطربة أضربنا عنها من أراد الوقوف عليها فليراجع المفصلات .

قوله تعالى : {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} قال الراغب : الذرية أصلها الصغار من الأولاد ، وتقع في التعارف على الصغار والكبار معا ، ويستعمل للواحد والجمع وأصله للجمع .

انتهى ، والفلك السفينة ، والمشحون المملوء .

آية أخرى من آيات ربوبيته تعالى وهو جريان تدبيره في البحر حيث يحمل ذريتهم في الفلك المشحون بهم وبأمتعتهم يجوزون به من جانب إلى جانب للتجارة وغيرها ، ولا حامل لهم فيه ولا حافظ لهم عن الغرق إلا هو تعالى والخواص التي يستفيدون منها في ركوب البحر أمور مسخرة له تعالى منتهية إلى خلقه على أن هذه الأسباب لولم تنته إليه تعالى لم تغن طائلا .

وإنما نسبت الحمل إلى الذرية دونهم أنفسهم فلم يقل : أنا حملناهم لإثارة الشفقة والرحمة .

قوله تعالى : {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} المراد به - على ما فسروه - الأنعام قال تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف : 12] وقال : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون : 22] .

وفسر بعضهم الفلك المذكور في الآية السابقة بسفينة نوح (عليه السلام) وما في هذه الآية بالسفن والزوارق المعمولة بعدها وهو تفسير رديء ومثله تفسير ما في هذه الآية بالإبل خاصة .

وربما فسر ما في هذه الآية بالطيارات والسفن الجوية المعمولة في هذه الأعصار والتعميم أولى .

قوله تعالى : {وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون} الصريخ هو الذي يجيب الصراخ ويغيث ، الاستغاثة والإنقاذ هو الإنجاء من الغرق .

والآية متصلة بقوله السابق : {أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} أي إن الأمر إلى مشيتنا فإن نشأ نغرقهم فلا يغيثهم مغيث ولا ينقذهم منقذ .

قوله تعالى : {إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين} استثناء مفرغ والتقدير لا ينجون بسبب من الأسباب وأمر من الأمور إلا لرحمة منا تنالهم ولتمتع إلى حين الأجل المسمى الذي قدرناه لهم .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص74-77 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

هذه الآيات تتحدّث في قسم آخر من آثار عظمة الله في عالم الوجود ، وحلقة اُخرى من حلقات التوحيد التي مرّ منها في الآيات السابقة ما يتعلّق بالمعاد وإحياء الأرض الميتة ، ونمو النباتات والأشجار .

تقول الآية الكريمة الاُولى {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون} .

«نسلخ» من مادّة (سلخ) وتعني في الأصل نزع جلد الحيوان ، والتعبير في الآية تعبير لطيف ، فكأنّ نور النهار لباس أبيض ألبسه جسد الليل ، يُنزع عنه إذا حلّ الغروب ليبدو لونه الذاتي ، والتأمّل في هذا التعبير يوضّح هذه الحقيقة ، وهي أنّ الظلام هو الطبيعة الأصل للكرة الأرضية ، وأنّ النور والإضاءة صفة عارضة عليها تأتيها من مصدر آخر ، فهو كاللباس الذي يرتدى ، وحينما يُخلع ذلك الثوب ، يظهر اللون الطبيعي للبدن (2) .

هنا يشير القرآن الكريم إلى ظلمة الليل ، وكأنّه يريد ـ بعد أن تعرّض إلى كيفية إحياء الأرض الميتة كآية من آيات الله في الآيات السابقة ـ أن يعرض نموذجاً عن الموت بعد الحياة من خلال مسألة تبديل النور بظلمة الليل .

على كلّ حال ، فعندما يستغرق الإنسان في ظلمة الليل ، ويتذكّر النور وبركاته ونشاطه ومنبعه يتعرّف ـ بتأمّل يسير ـ على خالق النور والظلام .

الآية التي بعدها تتعرّض إلى النور والإضاءة وتذكر الشمس فتقول : {والشمس تجري لمستقر لها} (3) .

هذه الآية تبيّن بوضوح حركة الشمس بشكل مستمر ، أمّا ما هو المقصود من تلك الحركة؟ فللمفسّرين أقوال متعدّدة :

قال بعضهم : إنّ ذلك إشارة إلى حركة الشمس الظاهرية حول الأرض ، تلك الحركة التي ستستمر إلى آخر عمر العالم الذي هو نهاية عمر الشمس ذاتها .

وقال آخرون : إنّه إشارة إلى ميل الشمس في الصيف والشتاء نحو الشمال والجنوب على التوالي ، لأنّنا نعلم بأنّ الشمس تميل عن خطّ إعتدالها في بدء الربيع بطرف الشمال ، لتدخل في مدار (23) درجة شمالا ، وتعود مع بدء الصيف قليلا قليلا حتّى تنتهي إلى خطّ إعتدالها عند بداية الخريف وتستمر على خطّ سيرها ذلك باتّجاه الجنوب حتّى بدء الشتاء ، ومن بدء الشتاء تتحرّك باتّجاه خطّ إعتدالها حتّى تبلغ ذلك عند بدء الربيع . وبديهي أنّ جميع تلك الحركات في الواقع ناجمة عن حركة الأرض حول الشمس وإنحرافها عن خطّ مدارها ، وان كانت ظاهراً تبدو وكأنّها حركة الشمس .

وآخرون اعتبروا الآية إشارة إلى حركة الشمس الموضعية بالدوران حول نفسها ، حيث أثبتت دراسات العلماء بشكل قطعي أنّ الشمس تدور حول نفسها (4) .

وآخر وأحدث التفاسير التي ظهرت بخصوص هذه الآية ، هو ما كشفه العلماء أخيراً من حركة الشمس مع منظومتها باتّجاه معيّن ضمن المجرة التي تكون المجموعة الشمسية جزءاً منها ، وقيل أنّ حركتها باتّجاه نجم بعيد جدّاً أطلقوا عليه اسم «وجا» .

كلّ هذه المعاني المشار إليها لا تتضارب فيما بينها ، ويمكن أن تكون جملة «تجري» إشارة إلى جميع تلك المعاني ومعاني اُخرى لم يصل العلم إلى كشفها ، وسوف يتمّ كشفها في المستقبل .

وعلى كلّ حال ، فإنّ حركة كوكب الشمس الذي يعادل مليون ومائتي الف مرّة حجم الأرض ، بحركة دقيقة ومنظمة في هذا الفضاء اللامتناهي ، ليس مقدوراً لغير الله سبحانه الذي تفوق قدرته كلّ قدرة وبعلمه اللامتناهي ، لذا فإنّ الآية تضيف في آخرها {ذلك تقدير العزيز العليم} .

أمّا آخر ما قيل في تفسير هذه الآية فهو أنّ تعبير الآية يشير إلى نظام السنّة الشمسية الناشىء عن حركة الشمس عبر الأبراج المختلفة ، ذلك النظام الذي يعطي لحياة الإنسان نظاماً وبرنامجاً معيّناً يؤدّي إلى تنظيم حياته من مختلف النواحي .

لذا فإنّ الآية التالية تتحدّث عن حركة القمر ومنازله التي تؤدّي إلى تنظيم أيّام الشهر ، وذلك لأجل تكميل البحث السابق ، فتقول الآية : (والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم) .

المقصود بـ (المنازل) تلك المستويات الثمانية والعشرون التي يطويها القمر قبل الدخول في «المحاق» والظلام المطلق . لأنّ القمر يمكن رؤيته في السماء إلى اليوم الثامن والعشرين ، ولكنّه يكون في ذلك اليوم هلالا ضعيفاً مائلا لونه إلى الإصفرار ، ويكون نوره قليلا وشعاعه ضعيفاً جدّاً ، وفي الليلتين الباقيتين من الثلاثين يوماً تنعدم رؤيته تماماً ويقال : إنّه في دور (المحاق) ، ذلك إذا كان الشهر ثلاثين يوماً ، أمّا إذا كان تسعة وعشرين يوماً ، فإنّ نفس هذا الترتيب سيبدأ من الليلة السابعة والعشرين ليدخل بعدها القمر في (المحاق) .

تلك المنازل محسوبة بدقّة كاملة ، بحيث أنّ المنجّمين منذ مئات السنين يستطيعون أن يتوقّعوا تلك المنازل ضمن حساباتهم الدقيقة .

هذا النظام العجيب ينظّم حياة الإنسان من جهة ، ومن جهة اُخرى فهو تقويم سماوي طبيعي لا يحتاج إلى تعلّم القراءة والكتابة لمتابعته . بحيث أنّ أيّ إنسان يستطيع بقليل من الدقّة والدراية في أوضاع القمر خلال الليالي المختلفة . . يستطيع بنظرة واحدة أن يحدّد بدقّة أو بشكل تقريبي أيّة ليلة هو فيها .

ففي الليلة الاُولى يظهر الهلال الضعيف وطرفاه إلى الأعلى ، ويزداد حجمه ليلة بعد ليلة حتّى الليلة السابعة حيث تكتمل نصف دائرة القمر ، ثمّ تستمر الزيادة حتّى تكتمل الدائرة الكاملة للقمر في الليلة الرابعة عشرة ويسمّى حينئذ «بدراً» . ثمّ يبدأ بالتناقص تدريجياً حتّى الليلة الثامنة والعشرين حيث يصبح هلالا باهتاً يشير طرفاه إلى الأسفل .

نعم ، فإنّ النظم يشكّل أساس حياة الإنسان ، والنظم بدون التعيين الدقيق للزمن ليس ممكناً ، لذا فإنّ الله سبحانه وتعالى قد وضع لنا هذا التقويم الدقيق للشهور والسنين في كبد السماء .

بعد إستعراضنا لأشكال القمر ومنازله يتّضح تماماً معنى الجملة التالية {حتّى عاد كالعرجون القديم} (5) .

وفي الحقيقة فإنّ الشبه بين العرجون والهلال من جوانب عديدة : من ناحية الشكل الهلالي ، ومن ناحية اللون الأصفر ، والذبول ، وإشارة الأطراف إلى الأسفل ، وكونه في وسط دائرة مظلمة تكون في حالة العرجون منسوبة إلى سعف النخل الأخضر ، وبالنسبة للهلال منسوبة إلى السماء المظلمة .

والوصف بـ (القديم) إشارة إلى كون العرجون عتيقاً ، فكلّما مرّ عليه زمن وتقادم أكثر أصبح ضعيفاً وذابلا واصفّر لونه وأصبح يشبه الهلال كثيراً قبل دخوله المحاق .

وسبحان الله فقد تضمّن تعبير واحد قصير كلّ تلك الظرافة والجمال؟

الآية الأخيرة من هذه الآيات ، تتحدّث عن ثبات ودوام ذلك النظم في السنين والشهور ، والنهار والليل ، فقد وضع الله سبحانه وتعالى لها نظاماً وبرنامجاً لا يقع بسببه أدنى إضطراب أو إختلال في وضعها وحركتها ، وبذا ثبت تاريخ البشر وإنتظم بشكل كامل ، تقول الآية : {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلّ في فلك يسبحون} .

من المعلوم أنّ الشمس تطوي في دورانها خلال العام الأبراج الإثني عشر ، في حين أنّ القمر يطوي منازله خلال شهر واحد ، وعليه فحركة القمر أسرع من حركة الشمس في مدارها إثنتي عشرة مرّة ، لذا فإنّ الآية تقول بأنّ الشمس بحركتها لا يمكنها أن تدرك القمر في حركته فتقطع في شهر واحد ما تقطعه في سنة واحدة . وبذا يختلّ النظام السنوي لها .

كما أنّ الليل لا يتقدّم على النهار ، بحيث يدخل جزء منه في النهار ، فيختلّ النظام الموجود ، بل إنّهما ـ على مدى ملايين السنين ـ ثابتان على مسيرهما دون أدنى تغيير .

يتّضح ممّا قلنا أنّ المقصود من حركة الشمس في هذا البحث ، هي الحركة بحسب حِسّنا بها ، والملفت للنظر هنا ، هو أنّ هذا التعبير عن حركة الشمس ظلّ يستعمل حتّى بعد أن ثبت للجميع بأنّ الشمس هي المركز الثابت لحركة الأرض حولها ، فمثلا يقال : إنّ الشمس قد تحوّلت إلى برج الحمل ، أو يقال : وصلت الشمس إلى دائرة نصف النهار ، أو أنّ الشمس بلغت الميل الكامل (الميل الكامل هو بلوغ الشمس إلى أقصى نقطة إرتفاع لها في نصف الكرة الأرضية الشمالي في بداية الصيف أو بالعكس أدنى نقطة إنخفاض في بداية الشتاء) .

هذه التعبيرات تدلّل دوماً على أنّه حتّى بعد أن تمّ الكشف عن دوران الأرض حول الشمس وثبات الأخيرة ظلّت تستخدم ، لأنّ النظر الحسّي يستشعر حركة الشمس وثبات الأرض ، ومن هنا تستعمل هذه التعبيرات ، وعلى هذا أيضاً يكون قوله تعالى : {وكلّ في فلك يسبحون} .

كذلك يحتمل أن يكون المقصود من (السباحة) هنا حركة الشمس في فلكها مع المنظومة الشمسية والمجرّة التي نحن فيها ، حيث أنّ الثابت علمياً حالياً أنّ المنظومة الشمسية التي نعيش فيها جزء من مجرّة عظيمة هي بدورها في حالة دوران . إذ أنّ «فلك» كما يقول أرباب اللغة بمعنى : بروز وإستدارة ثدي البنت ، ثمّ اُطلقت على القطعة المدوّرة من الأرض أو الأشياء المدوّرة الاُخرى أيضاً ، ومنه اُطلق على مسير الكواكب الدوراني .

جملة (كلّ في فلك يسبحون) في إعتقاد الكثير من المفسّرين ، إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والنجوم الاُخرى التي تتّخذ لنفسها مسارات ومدارات ، وإن لم يرد ذكر النجوم في الآية ، ولكن بملاحظة ذكر «الليل» وإقتران ذكر النجوم مع القمر والشمس ، لا يستبعد المعنى المذكور ، خاصّة وأنّ «يسبّحون» ورد بصيغة الجمع .

وكذلك يحتمل أن تكون الجملة إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والليل والنهار ، لأنّ كلا من الليل والنهار له مدار خاص ، ويدور حول الأرض بدقّة ، فالظلام يغطّي نصف الكرة الأرضية دوماً ، والنور يغطّي النصف الآخر منها ، وهما يتبادلان المواضع خلال أربع وعشرين ساعة ويتمّان دورة كاملة حول الأرض .

«يسبّحون» من مادة «سباحة» وهي كما يقول «الراغب» في المفردات : المرّ السريع في الماء والهواء . واستعير لحركة النجوم في الفلك والتسبيح تنزيه الله تعالى ، وأصله المرّ السريع في عبادة الله!» ولذا فإنّها في الآية إشارة إلى الحركة السريعة للأجرام السماوية ، والآية تشبهها بالموجودات العاقلة المستمرة في دورانها ، وقد ثبت حالياً أنّ الأجرام السماوية تنطلق بسرعة هائلة في الفضاء .

 

وقوله تعالى : {وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَعاً إِلَى حِين}

 

حركة السفن في البحار آية إلهيّة :

رغم أنّ بعض المفسّرين أمثال القرطبي اعتبر الآية الاُولى من هذه الآيات من أعقد وأصعب آيات هذه السورة ، إلاّ أنّه وبتدقيق النظر في هذه الآيات وربطها بالآيات السابقة ، يتّضح أن ليس هناك تعقيد في هذه الآيات ، لأنّ الآيات السابقة تحدّثت عن دلالة قدرة الباري عزّوجلّ في خلق الشمس والقمر والليل والنهار وكذلك الأرض وبركاتها ، وفي هذه الآيات التي أمامنا يتحدّث الباري عزّوجلّ عن البحار وقسم من بركات ونعم ومواهب البحار ، يعني حركة السفن التجارية والسياحية على سطحها .

علاوةً على أنّ حركة السفن في خضمّ المحيطات ليست بعيدة في الشبه عن حركة الكواكب السماوية في خضمّ المحيط الفضائي .

لذا فإنّ الآيات الكريمة تقول أوّلا : {وآية لهم أنّا حملنا ذرّيتهم في الفلك المشحون} .

الضمير «لهم» لا يعود فقط على مشركي مكّة ، بل على جميع العباد الذين أشارت لهم الآيات السابقة .

«ذرّية» : كما يقول الراغب في مفرداته ، أصلها الصغار من الأولاد ، وإن كان يقع على الصغار والكبار معاً عرفاً ، ويستعمل للواحد والجمع .

وما تذكره الآية من حمل ذريّاتهم وليس هم ربّما لأنّ الأولاد هم أكثر حاجة لركوب مثل ذلك المركب السريع ، بلحاظ أنّ الكبار أكثر إستعداداً للسير على سواحل البحار وطي الطريق من هناك !!

فضلا عن أنّ هذا التعبير أنسب لتحريك عواطفهم .

«مشحون» أي مملوء ، إشارة إلى أنّ السفن لا تحملهم هم فقط ، بل أموالهم وتجارتهم وأمتعتهم وما أهمّهم أيضاً .

وما قاله البعض من أن «الفلك» إشارة إلى سفينة نوح ، و «ذريّة» بمعنى الآباء من مادّة «ذرأ» بمعنى خلق ، فيبدو بعيداً ، إلاّ إذا كان من قبيل ذكر المصداق البارز .

على كلّ حال فإنّ حركة السفن والبواخر التي هي من أهمّ وأضخم وسائل الحمل والنقل البشري ، وما يمكنها إنجازه يعادل آلاف الأضعاف لما تستطيعه المركّبات الاُخرى ، كلّ ذلك ناجم عن خصائص الماء ووزن الأجسام التي تصنع منها السفن ، والطاقة التي تحرّكها ، سواء كانت الريح أو البخار أو الطاقة النووية . وكلّ هذه القوى والطاقات التي سخّرها الله للإنسان ، كلّ واحدة منها وكلّها معاً آية من آيات الله سبحانه وتعالى .

ولكي لا يتوهّم أنّ المركّب الذي أعطاه الله للإنسان هو السفينة فقط ، تضيف الآية التالية قائلة : {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} .

المراكب التي تسير على الأرض ، أو في الهواء وتحمّل البشر وأثقالهم .

ومع أنّ البعض فسّر هذه الآية بخصوص «الجمل» الذي لقّب بـ «سفينة الصحراء» ، والبعض الآخر ذهب إلى شمولية الآية لجميع الحيوانات ، والبعض فسّرها بالطائرات والسفن الفضائية التي اخترعت في عصرنا الحالي تعبير «خلقنا» يشملها بلحاظ أنّ موادّها ووسائل صنعها خلقت مسبقاً) ولكن إطلاق تعبير الآية يعطي مفهوماً واسعاً يشمل جميع ما ذكر وكثيراً غيره .

في بعض آيات القرآن الكريم ورد مراراً الإقتران بين «الأنعام» و «الفلك» مثل قوله تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف : 12] ، وكذلك قوله تعالى : {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [المؤمنون : 22] .

ولكن هذه الآيات أيضاً لا تنافي عمومية مفهوم الآية مورد البحث .

الآية التالية ـ لأجل توضيح هذه النعمة العظيمة ـ تتعرّض لذكر الحالة الناشئة من تغيير هذه النعمة فتقول : {وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون} .

فنصدّر أمرنا لموجة عظيمة فتقلب سفنهم ، أو نأمر دوّامة بحرية واحدة ببلعهم ، أو يتقاذفهم الطوفان بموجة في كلّ إتّجاه بأمرنا ، وإذا أردنا فنستطيع بسلبنا خاصّية الماء ونظام هبوب الريح وهدوء البحر وغير ذلك أن نجعل الإضطراب صفة عامّة تؤدّي إلى تدمير كلّ شيء ، ولكنّنا نحفظ هذا النظام الموجود ليستفيدوا منه . وإذا وقعت بين الحين والحين حوادث من هذا القبيل فإنّ ذلك لينتبهوا إلى أهميّة هذه النعمة الغامرة .

«صريخ» من مادّة «صرخ» بمعنى الصياح . و «ينقذون» من مادّة «نقذ» بمعنى التخليص من ورطة .

وأخيراً تضيف الآية لتكمل الحديث فتقول : {إلاّ رحمة منّا ومتاعاً إلى حين} .

نعم فهم لا يستطيعون النجاة بأيّة وسيلة إلاّ برحمتنا ولطفنا بهم .

«حين» بمعنى «وقت» وهي في الآية أعلاه إشارة إلى نهاية حياة الإنسان وحلول أجله ، وذهب البعض إلى أنّها تعني نهاية العالم بأسره .

نعم ، فالأشخاص الذين ركبوا السفن أيّاً كان نوعها وحجمها يدركون عمق معنى هذه الآية ، فإنّ أعظم السفن في العالم تكون كالقشّة حيال الأمواج البحرية الهائلة أو الطوفانات المفجعة للمحيطات ، ولولا شمول الرحمة الإلهية فلا سبيل إلى نجاة أحد منهم إطلاقاً .

يريد الله سبحانه وتعالى بذلك الخيط الرفيع بين الموت والحياة أن يظهر قدرته العظيمة للإنسان ، فلعلّ الضالّين عن سبيل الحقّ يعودون إلى الحقّ ويتوجّهون إلى الله ويسلكون هذا الطريق .

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص144-155 .

2 ـ الراغب في «المفردات» يقول : السلخ نزع جلد الحيوان ، يقال سلخته فانسلخ ، وعنه استعير سلخت درعه نزعتها ، وسلخ الشهر وانسلخ ، ولكن بعض المفسّرين يقولون : إنّ ذلك في حالة تعدّي «سلخ» بحرف الجرّ «عن» وإذا تعدّى بالحرف «من» يكون بمعنى الإخراج ، ولكن ليس من دليل واضح في كتب اللغة على هذا التفاوت ـ على ما نعلم ـ وإن كان «لسان العرب» يقول : «إنسلخ النهار من الليل خرج منه خروجاً» والظاهر أنّ هذا مأخوذ من المعنى الأوّل .

3 ـ هذه الجملة لها إعرابان ، فإمّا أن تكون معطوفة على «الليل» والتقدير «وآية لهم الشمس» ، وإمّا أن تكون مبتدأ وخبر ، فالشمس مبتدأ و (تجري) خبر ، وقد اخترنا الإعراب الأوّل .

4 ـ طبق هذا التّفسير فإنّ (اللام) في «لمستقر لها» بمعنى «في» ويكون التقدير «في مستقر لها» .

5 ـ «عرجون» كما قال أغلب المفسّرين وأهل اللغة : من الإنعراج وهو الإعوجاج والإنعطاف ، وعليه فالنون زائدة وهو على وزن فعلون ، ويعتقد آخرون أنّه مأخوذ من «عرجن» فالنون ليست زائدة ، وبمعنى : أصل عنقود الرطب المتّصل بالنخلة ، وتوضيح ذلك أنّ الرطب يظهر على شكل عنقود من النخلة ، وأصل ذلك العنقود يكون على شكل مقوّس أصفر اللون يبقى معلّقاً في النخلة ، و «قديم» : بمعنى العتيق الذي مضى زمنه .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .