أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-5-2022
5824
التاريخ: 24-1-2016
8075
التاريخ: 2023-03-03
1001
التاريخ: 11-9-2021
1772
|
تطور مفهوم الاستراتيجية : تحتل الاستراتيجية مكانا تزداد فيه أهمية يوما بعد آخر , حتى باتت كمفردة ترادف مفردة الأهمية وتساوق في أهميتها كثير من العلوم والمجالات التي تستخدم فيها , فعندما نقول عن شيء انه استراتيجي يتبادر إلى الذهن وبصورة تلقائية أنه مهم بل على قدر عال من الأهمية.
وهي تتصف بالمرونة دائما وتكيف باستمرار بحسب ما يستجد من متغيرات محلية وإقليمية ودولية وهذه المتغيرات في أغلبها متغيرات جغرافية, فالاستراتيجية لم تعد عملا عسكريا صرفا, بل علما يؤخذ فيه بعين الاعتبار جميع ألمتغيرات الجغرافية والسياسية والعسكرية , وتبعا للظروف المتعاقبة والمحتملة الظهور, ولهذا السبب وبهذه العقلية تعمد كثير من الدول المتقدمة إلى جمع البحوث الجغرافية وعناصر الإستراتيجية في كتاب واحد , ولا أدل على ذلك من كتاب الأمريكيين ايتزل وفيفلو (Etzel - Fifielo) جغرافيا العالم السياسية (World political geoqraphie) وكتاب البريطاني كول (kool) الجغرافيا العسكرية الإمبراطورية (Imperlal military geoqraphie)(1)
ولتصور مفهوم الاستراتيجية المعاصرة لابد من بحثها على أساس المعطيات القديمة الدائمة التي تضاف إليها مع ما يمتزج معها من المعطيات والشروط المعاصرة , فإذا انطلقنا من التحليل الكلاسيكي لمصطلح الاستراتيجية, نجده يرجع في أصله إلى اللغة الإغريقية, إذ إن المفردة في أصلها مؤلفة من مقطعين( stratos- agein) وبوصلهما تتألف كلمة strategos وتعني الجنرال, والفعل منها stratego ويعني قاد أو أمر ، أما الصفة strategikos فتعني وظائف و أعمال الجنرال بالمفهوم العسكري للكلمة كما تعني صفاته التي يمتلكها(2).
وهناك فرضية أخرى حول أصل الاشتقاق في جذوره الأولى , فعندما نقول stratos فهذا لا يعني الجيش أو الجيوش بشكل عام ، بل يعني الجيش الذي يعسكر في منطقة ما ويكون في حالة حرب , والاستراتيجية في الواقع لا تحدد في حالة صراع واحدة فكلمة stratos تتعلق بكلمة أخرى أكثر قوة في المعنى وهي كلمة (gia) أي الأرض، أما (agein) فتعني الدفع إلى الأمام وهذه الفرضية الأخيرة هي الأقرب والأكثر واقعية عند الكثير من مؤرخي العلوم الاستراتيجية ربما لأن هذا الاقتراح في التحليل يشير إلى إنها ليست شيئا ساكنا بل هي مرتبطة بالحركة, لذا اقترن استعمال هذا المصطلح لفترات طويلة بالعمليات العسكرية وقيادة الجيوش في ارض المعركة, حتى باتت تعرف على أنها فن القيادة للجيش أو بشكل أشمل هي فن القيادة (3).
وفي القواميس اللغوية تعددت الآراء حولها , فنجد قاموس (Webster) يقدمها على إنها علم التخطيط والتوجيه في العمليات العسكرية (4). بينما يقدمها قاموس المورد ويحدد دلالتها اللغوية بأنها فن أو علم الحرب ووضع الخطط.(5)
وكنتيجة طبيعية للارتباط الوثيق بين الحرب والسياسية نمت درجة شمولية الاستراتيجية وتجردها بعد الحرب العالمية الثانية, فاقترنت بالعديد من القوى المحركة لمسيرة الحياة بفعل ما تشتمل عليه من زيادة فرص النجاح إذا ما تهيأت لها الظروف المناسبة, ورغم ذلك بقي الطابع العسكري هو السمة البارزة في أغلب المفاهيم التي صيغت لهذه المفردة ويمكن التماس ذلك في ما ورد من تعريفات عديدة تناولت هذا المفهوم, فقد عرفها الألماني كارل فون كلاوزفيتز بأنها "فن استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب" وعرفها الفيلسوف الفرنسي ليتريه "بأنها فن إعداد خطة الحرب وتوجيه الجيش في المناطق الحاسمة والتعرف على النقاط التي يجب تحشيد أكبر عدد من القطعات فيها لضمان نجاح المعارك" ومما لاشك فيه أن الاستراتيجية بهذا المعنى الأخير أوسع من الحرب, فالحرب إحدى طرق الوصول إلى الأهداف السياسية لا جميعها, كما أن مفهوم القوة بمعناه الشامل لا يقتصر على القوة العسكرية فقط بل يشمل عددا من العناصر الأخرى كالعناصر الجغرافية والاقتصادية والسياسية والنفسية وغيرها(6).
وذهبت المدرسة الأمريكية إلى أن الاستراتيجية "فن وعلم تطوير استخدام القوى السياسية والاقتصادية والنفسية والعسكرية والدعائية , وكل ما هو ضروري في السلم والحرب , لتقديم أقصى درجة من المساندة لسياسات الدولة لزيادة الإمكانيات والنتائج المرغوبة للنصر وتقليل فرص الهزيمة" في حين ذهبت المدرسة البريطانية إلى أنها فن التخطيط لعملية ما وتوجيهها وهو الأسلوب الذي يتبعه القائد بسحب العدو إلى المعركة.
والى الشرق حيث ذهب لينين إلى أن الاستراتيجية الصحيحة هي التي تتضمن تأخير الهجمات إلى الوقت الذي تكون الضربة المميتة للخصم سهلة نتيجة لانهياره المعنوي , ولم تختلف الرؤية العربية عن المفاهيم السابقة كثيرا فقد ذهبت المدرسة المصرية إلى أنها أعلى مجال في فن الحرب وتدرس طبيعة وتخطيط وإعداد وإدارة الصراع وهي اسلوب علمي ونظري يبحث في مسائل إعداد القوات المسلحة واستخدامها في الحرب(7) أما الرؤية العراقية فتجسدها بأنها فن إعداد وتوزيع القوات المسلحة واستخدامها أو التهديد باستخدامها ضمن أطار الاستراتيجية العامة لتحقيق أهداف السياسة (8).
وعموما فان التطور الأهم في مفهوم الاستراتيجية كان إثر تأثرها بالتطور الحاصل في مختلف ميادين العلوم الاجتماعية, ما أدى إلى الحد من ارتباطها بالمفهوم العسكري , لتعرف بأنها " الجهد العلمي المخطط للتنسيق بين عدد من العناصر الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية لصياغة المستقبل على المدى الطويل, والتي أصبحت بالغة الأهمية بالنسبة للقادة السياسيين والمخططين والعسكريين, ومن الباحثين من عرفها بأنها " نظام متناغم لمجموعة من الأهداف القابلة للتحقيق باستخدام الوسائل المتاحة كافة وفق اختيارات متعددة مبنية على أسس علمية وفنية بما يضمن الاستجابات لحاجات بيئية معينة في إطار زمني متسلسل"(9).
من جانب آخر فان التطورات التي شهدتها وظيفة الدول قادت إلى التوسع في عملية التخطيط لتشمل مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وغيرها وأصبح وضع الاستراتيجيات والتخطيط لها يمثل الفعل الواعي المعبر عن استخدام الأسلوب العلمي للربط بين الأهداف والوسائل المستخدمة لتحقيقها ومحاولة التحكم بما يستجد من أحداث في الحاضر والمستقبل عن طريق إتباع سياسات مدروسة ومحددة تربط بين :