أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2020
12444
التاريخ: 5-10-2020
4981
التاريخ: 7-10-2020
4681
التاريخ: 3-10-2020
5474
|
قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [القصص : 71 - 75] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
بين سبحانه ما يدل على توحيده فقال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) {قل} يا محمد لأهل مكة الذين عبدوا معي آلهة تنبيها لهم على خطإهم {أ رأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا} أي دائما {إلى يوم القيامة} لا يكون معه نهار {من إله غير الله يأتيكم بضياء} كضياء النهار تبصرون فيه فإنهم لا يقدرون على الجواب عن ذلك إلا بأنه لا يقدر على ذلك سوى الله فحينئذ تلزمهم الحجة بأنه لا يستحق العبادة غيره {أ فلا تسمعون} أي أ فلا تقبلون ما وعظتم به وقيل أ فلا تسمعون ما بينه الله لكم من أدلته وتتفكرون فيه .
{قل} يا محمد لهم {أ رأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا} أي دائما {إلى يوم القيامة} لا يكون معه ليل {من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه} أي تستريحون فيه من الحركة والنصب {أ فلا تبصرون} أي أ فلا تعلمون من البصيرة وقيل أ فلا تشاهدون الليل والنهار وتتدبرون فيهما فتعلموا أنهما من صنع مدبر حكيم .
ثم قال {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار} أي ومن نعمته عليكم وإحسانه إليكم أن جعل لكم الليل والنهار {لتسكنوا فيه} أي في الليل {ولتبتغوا من فضله} أي في النهار {ولعلكم تشكرون} نعم الله في تصريف الليل والنهار وفي سائر أنواع النعم {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} مضى تفسيره فإنما كرر ذكر النداء للمشركين بأين شركائي تقريعا لهم بعد تقريع وقيل لأن النداء الأول لتقرير إقرارهم على أنفسهم بالغي الذي كانوا عليه ودعوا إليه والثاني للتعجيز عن إقامة البرهان على ما طولبوا به بحضرة الأشهاد .
{ونزعنا من كل أمة شهيدا} أي وأخرجنا من كل أمة من الأمم رسولها الذي يشهد عليهم بالتبليغ وبما كان منهم عن مجاهد وقتادة وقيل هم عدول الآخرة ولا يخلوكل زمان منهم يشهدون على الناس بما علموا {فقلنا هاتوا برهانكم} أي حججكم على صحة ما ذهبتم إليه {فعلموا أن الحق لله} أي فبهتوا وتحيروا لما لم يكن لهم حجة يقيمونها وعلموا يقينا أن الحق ما أنتم عليه وما أنزله الله وأن الحجة لله ولرسوله فلزمتهم الحجة لأن المشهود عليه إذا لم يأت بمخلص عن بينة الخصم توجهت القضية عليه ولزمه الحكم {وضل عنهم} أي ذهب عنهم {ما كانوا يفترون} من الكذب وبطل ما عبدوه من دون الله تعالى .
____________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص454-455 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} . لا بد للإنسان من العمل والراحة بالنوم ، والعمل يحتاج إلى ضياء ، والنوم في الظلام أعمق وأصح للجسم ، فخلق سبحانه النهار للعمل ، والليل للراحة ، وقد ذكّر ، جلت حكمته ، عباده بنعمة الليل والنهار ، وانه لو استمر الليل بلا صباح ، أو النهار بلا ليل لكانت الحياة إلى بوار .
وقال سبحانه عند ذكر الليل : أفلا تسمعون . وعند ذكر النهار : أفلا تبصرون لأن الليل يناسبه السمع ، والنهار يناسبه الإبصار . وقلنا فيما تقدم : ان تعاقب الليل والنهار يستند مباشرة إلى أسبابه الكونية ، واليه تعالى بالواسطة لأنه خالق الكون ومدبره بعلمه وحكمته .
{ومِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي جعل الليل لتسكنوا فيه ، وجعل النهار لتبتغوا فيه الخ . وتقدم مثله في الآية 67 من سورة يونس ج 4 ص 177 والآية 12 من سورة الإسراء ج 5 ص 26 والآية 47 من سورة الفرقان .
{ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} . تقدم بنصه الحرفي في الآية 62 من هذه السورة ، ولا نعرف وجها لهذا التكرار إلا التثبيت والتأكيد {ونَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ} يأتي اللَّه غدا من كل أمة بنبيّهم ، فيشهد عليهم بتبليغ الرسالة وبما قابلوها من التكذيب والإعراض بعد إقامة الحجج عليهم وقطع جميع الأعذار . وعندئذ يقول سبحانه للجاحدين : لقد أدلى الرسول بما عنده ، فهاتوا ما عندكم من تبرير موقفكم معه وتكذيبكم رسالته تماما كما هو شأن القاضي ، يستمع أولا من المدعي ، ثم يستوجب المدعى عليه ، فيخرس المبطلون عن الجواب ، ويحيق بهم العذاب . وتقدم مثله في الآية 143 من سورة البقرة ج 1 ص 225 والآية 89 من سورة النحل ج 4 ص 543 {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} أي علموا ان الحجة للَّه عليهم ، ولا حجة لهم على اللَّه {وضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} على اللَّه بوجود الشريك ، وعلى الطيبين بالإشاعات الكاذبة .
________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 83-84 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {قل أ رأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة} إلى آخر الآية ، السرمد على فعلل بمعنى الدائم ، وقيل : هومن السرد والميم زائدة ومعناه المتتابع المطرد ، وتقييده بيوم القيامة إذ لا ليل بعد يوم القيامة .
وقوله : {من إله غير الله يأتيكم بضياء} أي من الإله الذي ينقض حكمه تعالى ويأتيكم بضياء تستضيئون به وتسعون في طلب المعاش ، هذا ما يشهد به السياق ، ويجري نظيره في قوله الآتي : {من إله غير الله يأتيكم بليل} إلخ .
وبذلك يندفع ما استشكل على الآيتين من أنه لو فرض تحقق جعل الليل سرمدا إلى يوم القيامة لم يتصور معه الإتيان بضياء أصلا لأن الذي يأتي به إما هو الله تعالى وإما هو غيره أما غيره فعجزه عن ذلك ظاهر ، وأما الله تعالى فإتيانه به يستلزم اجتماع الليل والنهار وهو محال والمحال لا يتعلق به القدرة ولا الإرادة ، وكذا الكلام في جانب النهار .
وربما أجيب عنه بأن المراد بقوله : {إن جعل الله عليكم} إن أراد الله أن يجعل عليكم . وهوكما ترى .
وكان مقتضى الظاهر أن يقال : من إله غير الله يأتيكم بنهار ، على ما يقتضيه سياق المقابلة بين الليل والنهار في الكلام لكن العدول إلى ذكر الضياء بدل النهار من قبيل الإلزام في الحجة بأهون ما يفرض وأيسره ليظهر بطلان مدعى الخصم أتم الظهور كأنه قيل : لوكان غيره تعالى إله يدبر أمر العالم فإن جعل الله الليل سرمدا فليقدر أن يأتي بالنهار ، تنزلنا عن ذلك فليقدر أن يأتي بضياء ما تستضيئون به لكن لا قدرة لشيء على ذلك إن القدرة كلها لله سبحانه .
ولا يجري نظير هذا الوجه في الآية التالية في الليل حتى يصح أن يقال مثلا : من إله غير الله يأتيكم بظلمة لأن المأتي به إن كان ظلمة ما لم تكف للسكن وإن كان ظلمة ممتدة كانت هي الليل .
وتنكير {ضياء} يؤيد ما ذكر من الوجه ، وقد أوردوا وجوها أخرى في ذلك لا تخلومن تعسف .
وقوله : {أ فلا تسمعون} أي سمع تفهم وتفكر حتى تتفكروا فتفهموا أن لا إله غيره تعالى .
قوله تعالى : {قل أ رأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه} أي تستريحون فيه مما أصابكم من تعب السعي للمعاش .
وقوله : {أ فلا تبصرون} أي إبصار تفهم وتذكر وإذ لم يبصروا ولم يسمعوا فهم عمي صم ، ومن اللطيف تذييل الآيتين بقوله : {أ فلا تسمعون} {أ فلا تبصرون} ولعل آية النهار خص بالإبصار لمناسبة ضوء النهار الإبصار وبقي السمع لآية الليل وهولا يخلو من مناسبة معه .
قوله تعالى : {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} الآية بمنزلة نتيجة الحجة المذكورة في الآيتين السابقتين سيقت بعد إبطال دعوى الخصم في صورة الإخبار الابتدائي لثبوته من غير معارض .
وقوله : {لتسكنوا فيه} اللام للتعليل والضمير لليل ، أي جعل لكم الليل لتستريحوا فيه ، وقوله : {لتبتغوا من فضله} أي وجعل لكم النهار لتطلبوا من رزقه الذي هو عطيته فرجوع {لتسكنوا} و{لتبتغوا} إلى الليل والنهار بطريق اللف والنشر المرتب ، وقوله : {ولعلكم تشكرون} راجع إليهما جميعا .
وقوله : {ومن رحمته جعل لكم} في معنى قولنا : جعل لكم وذلك رحمة منه وفيه إشارة إلى أن التكوين كالسكون والابتغاء والتشريع وهو هدايتهم إلى الشكر من آثار صفة رحمته تعالى فافهم ذلك .
قوله تعالى : {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} تقدم تفسيره وقد كررت الآية لحاجة مضمون الآية التالية إليها .
قوله تعالى : {ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم} إلى آخر الآية ، إشارة إلى ظهور بطلان مزعمتهم لهم يوم القيامة ، والمراد بالشهيد شهيد الأعمال - كما تقدمت الإشارة إليه مرارا - ولا ظهور للآية في كونه هو النبي المبعوث إلى الأمة نظرا إلى إفراد الشهيد وذكر الأمة إذ الأمة هي الجماعة من الناس ولا ظهور ولا نصوصية له في الجماعة الذين أرسل إليهم نبي وإن كانت من مصاديقها .
وقوله : {فقلنا هاتوا برهانكم} أي طالبناهم بالحجة القاطعة على ما زعموا أن لله شركاء .
وقوله : {فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي غاب عنهم زعمهم الباطل أن لله سبحانه شركاء فعلموا عند ذلك أن الحق في الألوهية لله وحده فالمراد بالضلال الغيبة على طريق الاستعارة .
كذا فسروه ، ففي الكلام تقديم وتأخير والأصل فضل عنهم ما كانوا يفترون فعلموا أن الحق لله .
وعلى هذا فقوله : {إن الحق لله} نظير ما يقال في القضاء بين المتخاصمين إذا تداعيا في حق يدعيه كل لنفسه : أن الحق لفلان لا لفلان كأنه تعالى يخاصم المشركين حيث يدعون أن الألوهية بمعنى المعبودية حق لشركائهم فيدعي تعالى أنه حقه فيطالبهم البرهان على دعواهم فيضل عنهم البرهان فيعلمون عندئذ أن هذا الحق لله فالألوهية حق ثابت لا ريب فيه فإذا لم يكن حقا لغيره تعالى فهو حق له .
وهذا وجه بظاهره وجيه لا بأس به لكن الحقيقة التي يعطيها كلامه تعالى أن من خاصة يوم القيامة أن الحق يتمحض فيه للظهور ظهورا مشهودا لا ستر عليه فليرتفع به كل باطل يلتبس به الأمر ويتشبه بالحق ، ولازمه أن يظهر أمر الألوهية ظهورا لا ستر عليه فيرتفع به افتراء الشركاء ارتفاعا مترتبا عليه لا أن يفتقد الدليل على الشركاء فيستنتج منه توحده تعالى بالألوهية على سبيل الاحتجاجات الفكرية فافهم ذلك .
وبذلك يندفع أولا ما يرد على الوجه السابق أن المستفاد من كلامه تعالى أنهم لا حجة عقلية لهم على مدعاهم ولا موجب على هذا لتأخر علمهم أن الحق لله إلى يوم القيامة ، ويرتفع ثانيا حديث التقديم والتأخير المذكور الذي لا نكتة له ظاهرا إلا رعاية السجع .
ومن الممكن أن يكون {الحق} في قوله : {فعلموا أن الحق لله} مصدرا فيرجع معنى الجملة إلى معنى قوله : {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور : 25] ، فكون الحق لله هو كونه تعالى حقا إن أريد به الحق في ذاته أو كونه منتهيا إليه قائما به إن أريد به غيره ، كما قال تعالى : {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } [آل عمران : 60] ، ولم يقل : الحق مع ربك .
______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص57-59 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
نعمتا «الليل والنهار» العظيمتان :
هذه الآيات ـ محل البحث ـ تتحدث عن قسم كبير من مواهب الله سبحانه ، التي تدل على التوحيد ونفي الشرك من جهة ، كما أنّها تكمّل البحث السابق . . وتذكر مثلا للنعم التي تستوجب الحمد والثناء . . الحمد المشار إليه في الآيات المتقدمة ، كما هي في الوقت ذاته شاهد على اختيار الله وتدبيره في نظام الخلق من جهة أُخرى ! .
ففي الآية الأُولى من هذه الآيات إشارة إلى نعمة النهار والنور الذي هو أساس لأية حركة ، فتقول الآية : {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون} (2) .
هنا عبر عن النهار بالضياء ، لأنّ الهدف الأصلي من النهار هو الضياء والإنبلاج ، ذلك الضياء الذي تتعلق به حياة كل الموجودات الحية ، فلولا ضياء الشمس لما تنسمت «زهرة» ولانمت «شجرة» ولا طار «طائر» ولا بقي «إنسان» ولا هطل مطر .
«السرمد» معناه الدائم المتواصل ، ويرى البعض بأنه المتتابع ، وأصله «سرد» ويرون أن ميمها زائدة . . لكن الظاهر أنّها كلمة مستقلة تعطي معنى الدوام والاستمرار . (3)
كما تتحدث الآية الأُخرى عن نعمة الظلمة فتقول : {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون} .
أمّا الآية الثّالثة فتحكي عن نتيجة النعمة المشار إليها في الآيتين السابقتين فيقول {من رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}
أجل ، إنّ سعة رحمة الله تستوجب أن تضمن جميع عوامل حياتكم ، فأنتم ـ من جانب ـ بحاجة إلى السعي والحركة ، وكل ذلك لابدّ لهما من الليل !
لقد ثبت ـ في هذا العصر ـ علميّاً أن جميع أجهزة البدن تكون فعالةً ونشطة مع وجود النور ، إذ تنشط الحركة الدموية والجهاز التنفسي وحركة القلب وسائر الأجهزة ، وإذا استمر النور أكثر من المعتاد تعبت خلايا الجسم وتحول النشاط إلى خمول !
وبالعكس فإنّ الخلايا تهدأ في الليل وتستريح استراحة عميقة تستعيد نشاطها وقواها «شرحنا هذا المعنى في الجزء السادس ذيل الآية 67 من سورة يونس والآية (12) من سورة الاسراء» ،
الطريف هنا أن الآية حين تتحدث عن سرمديّة الليل تخاطب الناس قائلةً : {أفلا تسمعون} . . . وحين تتحدث عن سرمدية النهار تخاطبهم قائلة : {أفلا تبصرون} ولعل هذا التعبير لأجل أَن الحسّ المناسب لليل هو السمع والأذن ، وما يناسب النهار هو البصر والعين . . إلى هذه الدرجة نلاحظ الدقّة في القرآن الكريم .
كما أنّ من الجدير الإلتفات إلى أنَّ الآية هنا بعد ذكر مسألتي السمع والبصر أو الليل والنهار ، تختتم الحديث بالقول : {لعلكم تشكرون} الشكر إزاء النظام المحسوب النور والظلمة ، الشكر الذي يوصل الإنسان إلى معرفة المنعم والشكر الذي يكون باعثاً على الإيمان في المباحث الإعتقادية ! .
ومرّة أُخرى ـ بعد ذكر جانب من دلائل التوحيد ونفي الشرك ـ يعود القرآن الكريم على السؤال الأوّل الذي أثير في الآيات السابقة ليقول : {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} .
وهذه الآية مكررة في السورة نفسها ، إذ وردت بنصّها في الآية 62 ، ولعل هذا التكرار ناشىء عن السؤال مرتين في يوم القيامة ، مرّة بصورة انفرادية ليعودوا إلى وجدانهم فيخجلوا من أنفسهم ، ومرّة بصورة عامّة في محضر الشهود ، وهوما أشير إليه في الآية التي بعدها . . ليخجلوا أيضاً من حضورهم .
لذلك تأتي الآية التي بعدها فتقول : {ونزعنا من كل أمة شهيداً (4) فقلنا هاتوا برهانكم} أيّها المشركون الضالون .
وحين تنكشف المسائل وتتجلى الأُمور لا تبقى خافية {فعلموا أن الحق الله وضل عنهم ما كانوا يفترون} .
هؤلاء الشهود هم الأنبياء بقرينة الآيات الأُخرى في القرآن ، إذ أن كل نبي شاهد على أمته ، ونبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله) الذي هو خاتم الأنبياء هو شهيد على جميع الأنبياء والأُمم ، كما نقرأ ذلك في الآية (41) من سورة النساء { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء : 41] .
فعلى هذا ، ينعقد يوم القيامة مجلس كبير بحضور الأنبياء ، ويؤتى بالمشركين المعاندين عمي القلوب ، وهناك يعرفون الفاجعة العظمى للشرك ، وحقانية الله ، وضلال الأصنام . . . بجلاء .
ومن الطريف أن القرآن يعبر بـ {ضل عنهم ما كانوا يفترون} أي إن تصوراتهم واعتقاداتهم في الأصنام تمحى عنهم يوم القيامة ، لأنّ عرصة القيامة عرصة الحق ، ولا مكان للباطل هناك ، فالباطل يضل هناك ويمحى من الوجود ! .
فإذا كان الباطل يغطي وجهه هنا (في هذا العالم) بستار من الحق ليخدع الناس أيّاماً ، فهناك تنكشف الحجب ولا يبقى سوى الحق .
نقرأ في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير {ونزعنا من كل أمّة شهيداً} قوله : «ومن هذه الأُمة إمامها» (5) .
وهذا الكلام إشارة إلى أنّه لابدّ في كل عصر وزمان من شاهد معصوم للأُمة ، والحديث آنف الذكر من قبيل بيان مصداق هذا المفهوم القرآني .
_____________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص618-621 .
2 ـ «أرأيتم» جملة تأتي بمعنى «أخبروني» عادةً ، كما فسّروها ، ولكن كما قلنا سابقاً تأتي أحياناً بمعنى : هل علمتم؟!
3 ـ قال أهل اللغة : إن كلمة «سرمدي» تطلق على ما ليس له بداية ولا نهاية ، و«الأزلي» ما ليس له بداية ، و«الأبدي» ما ليس له نهاية . . .
4 ـ التعبير بـ «نزعنا» التي تعني جذب الشيء من مقرّه ، هي إشارة إلى إحضار الشهود من بين كل جماعة وأُمة . . .
5 ـ تفسير الميزان ، ج 16 ، ص 20 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|