أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2020
3933
التاريخ: 1-10-2020
11385
التاريخ: 1-10-2020
4053
التاريخ: 2-10-2020
2914
|
قال تعالى : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوشَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُو أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [فصلت : 13 - 18] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
عقب سبحانه دلائل التوحيد بذكر الوعيد لأهل الشرك والجحود من العبيد فقال {فإن أعرضوا} عن الإيمان بك بعد هذا البيان {فقل} يا محمد لهم مخوفا إياهم {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} أي استعدوا للعذاب فقد خوفتكم عذابا مثل عذاب عاد وثمود لما أعرضوا عن الإيمان والصاعقة المهلكة من كل شيء وهي في العرف اسم للنار التي تنزل من السماء فتحرق .
{إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم} إذ متعلقة بقوله {صاعقة} والتقدير نزلت بهم حين أتتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم عن ابن عباس يعني به الرسل الذين جاءوا آباءهم والرسل الذين جاءوهم في أنفسهم لأنهم كانوا خلف من جاء آباءهم من الرسل فيكون الهاء والميم في من خلفهم للرسل وقيل معناه أن منهم من تقدم زمانهم ومنهم من تأخر قال البلخي ويجوز أن يكون المراد : أتاهم أخبار الرسل من هاهنا ومن هاهنا .
{ألا تعبدوا} أي أرسلناهم بأن لا تعبدوا {إلا الله} وحده ولا تشركوا بعبادته غيره {قالوا} أي فقال المشركون عند ذلك {لوشاء ربنا} أن نؤمن به ونخلع الأنداد {لأنزل ملائكة} تدعونا إلى ذلك ولم يبعث بشرا مثلنا وكأنهم أنفوا من الانقياد لبشر مثلهم وجهلوا أن الله تعالى يبعث الأنبياء على حسب ما يعلمه من مصالح عباده ويعلم من يصلح للقيام بأعباء النبوة {فإنا بما أرسلتم به كافرون} أي أظهروا الكفر بهم والجحود .
ثم فصل سبحانه أخبارهم فقال {فأما عاد فاستكبروا} أي تجبروا وعتوا {في الأرض} وتكبروا على أهلها {بغير الحق} أي بغير حق جعله الله لهم بل للكفر المحض والظلم الصراح {وقالوا من أشد منا قوة} اغتروا بقوتهم لما هددهم بالعذاب فقالوا نحن نقدر على دفعه بفضل قوتنا إذ لا أحد أشد منا قوة فقال الله سبحانه ردا عليهم {أ ولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} أي أ ولم يعلموا أن الله الذي خلقهم وخلق فيهم هذه القوة أعظم اقتدارا منهم فلوشاء أهلكهم {وكانوا ب آياتنا} أي بدلالاتنا {يجحدون} ينكرونها ولا يعترفون بها .
ثم أخبر سبحانه عن إهلاكهم بقوله {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا} أي عاصفا شديدة الصوت من الصرة وهي الصيحة وقيل هي الباردة من الصر وهو البرد عن ابن عباس وقتادة وقال الفراء هي الباردة تحرق كما تحرق النار {في أيام نحسات} أي نكدات مشئومات ذوات نحوس عن مجاهد وقتادة والسدي والنحس سبب الشر والسعد سبب الخير وبذلك سميت سعود النجوم ونحوسها وقيل نحسات ذوات غبار وتراب حتى لا يكاد يبصر بعضهم بعضا عن الجبائي وقيل نحسات باردات والعرب تسمي البرد نحسا عن أبي مسلم .
{لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا} أي فعلنا ذلك بهم لنذيقهم عذاب الهون والذل وهو العذاب الذي يجزون في الدنيا فيوقنوا بقوة معذبهم وبقدرته عليهم ويظهر ذلك لمن رأى حالهم {ولعذاب الآخرة أخزى} وأفضح من ذلك {وهم لا ينصرون} أي لا يدفع عنهم العذاب الذي ينزل بهم ثم ذكر قصة ثمود فقال {وأما ثمود فهديناهم} أي بينا لهم سبيل الخير والشر عن قتادة وقيل دللناهم وبينا لهم الحق عن ابن عباس والسدي وابن زيد {فاستحبوا العمى على الهدى} فاختاروا العمى في الدين على قبول الهدى وبئس الاختيار ذلك عن الحسن ، وقيل اختاروا الكفر على الإيمان عن ابن زيد والفراء .
{فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} أي ذي الهون وهو الذي يهينهم ويخزيهم وقد قيل أن كل عذاب صاعقة لأن كل من يسمعها يصعق لها {بما كانوا يكسبون} من تكذيبهم صالحا وعقرهم الناقة {ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} الشرك أي ونجينا صالحا ومن آمن به من العذاب .
_______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص11-15 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهً} . ضمير أعرضوا لمشركي العرب والمخاطب بقل رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، ومن بين أيديهم ومن خلفهم كناية عن مبالغة الرسل واجتهادهم في التبشير والانذار ، وانهم سلكوا من أجل هدايتهم كل سبيل ، ولكن استحوذ عليهم الشيطان ، وصدق فيهم ظنه حيث قال : {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومِنْ خَلْفِهِمْ وعَنْ أَيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ} [الأعراف - 17] . والمعنى قل يا محمد لمن كفر بك وبرسالتك : لقد كذبت عاد وثمود بالرسل الذين دعوهم إلى ما دعوتكم إليه من التوحيد ، وبذلوا كل جهد لهدايتهم ، ولما أصروا على الضلال أخذهم اللَّه بعذاب الدنيا والآخرة ، واني نذير لكم أن يصيبكم ما أصابهم {قالُوا لَوشاءَ رَبُّنا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} . أجاب عاد وثمود الرسل بالتكذيب لأن اللَّه بزعمهم لا يبعث للناس رسولا منهم ، بل يبعثه من الملائكة . . ودحضنا هذا القول عند تفسير الآية 8 من سورة الأنعام ج 3 ص 164 .
{فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} . قوله بغير حق هومن باب الإيضاح والتأكيد ، لأن الاستكبار لا يكون من المخلوق إلا بالباطل بخاصة إذا كان عن عبادة اللَّه ، وقد استكبر عنها عاد واحتقروا الضعفاء ، وقالوا : نحن أقوى وأعظم من أن ينالنا أحد بسوء {أَولَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهً الَّذِي خَلَقَهُمْ هُو أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} . وهذه بديهة لا تحتاج إلى دليل . قال الإمام علي (عليه السلام) :
كل عزيز غير اللَّه ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز {وكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ} .
كفروا بالأدلة الكونية الدالة على وحدانية اللَّه وعظمته ، وقالوا : كل ما في الكون من حياة وإحكام ونظام هومن عمل الطبيعة .
{فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أَخْزى وهُمْ لا يُنْصَرُونَ} . أخذهم سبحانه في الدنيا بريح هوجاء باردة في أيام هي نحس وخزي عليهم ، ثم استكملوا العذاب في الآخرة بما هو أشد وأخزى من عذاب الدنيا .
{وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} . هذه الآية واضحة الدلالة على أن الإنسان مخيّر غير مسيّر لأنها تقول : ان اللَّه أرشد ثمودا إلى طريق النجاة ، وأمرهم بسلوكه ، وحذرهم من المعصية ، وبيّن لهم طريق الهلاك ونهاهم عنه ، وأنذرهم سوء العاقبة ان سلكوه ولكنهم آثروه على طريق النجاة ، فكان جزاؤهم الوبال والخسران {ونَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ} نجاهم سبحانه لأنهم سلكوا طريق النجاة . وتقدم الكلام عن عاد في الآية 50 وما بعدها من سورة هود ج 4 ص 239 ، وعن ثمود في الآية 61 ص 244 من نفس السورة والمجلد .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص482-483 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
الآيات تتضمن الإنذار بالعذاب الدنيوي الذي ابتليت به عاد وثمود بكفرهم بالرسل وجحدهم لآيات الله ، وبالعذاب الأخروي الذي سيبتلى به أعداء الله من أهل الجحود الذين حقت عليهم كلمة العذاب ، وفيها إشارة إلى كيفية إضلالهم في الدنيا وإلى استنطاق أعضائهم في الآخرة .
قوله تعالى : {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} قال في المجمع ، : الصاعقة المهلكة من كل شيء انتهى ، وقال الراغب : قال بعض أهل اللغة : الصاعقة على ثلاثة أوجه : الموت كقوله : {صعق من في السموات} وقوله : {فأخذتهم الصاعقة} والعذاب كقوله : {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} والنار كقوله : {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} وما ذكره فهو أشياء حاصلة من الصاعقة فإن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجوثم يكون نار فقط أو عذاب أو موت وهي في ذاتها شيء واحد ، وهذه الأشياء تأثيرات منها . انتهى .
وعلى ما مر تنطبق الصاعقة على عذابي عاد وثمود وهما الريح والصيحة ، والتعبير بالماضي في قوله : {أنذرتكم} للدلالة على التحقق والوقوع .
قوله تعالى : {إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله} إلخ ظرف للصاعقة الثانية فإن الإنذار بالصاعقة بالحقيقة إنذار بوقوعها وحلولها فالمعنى مثل حلول صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم إلخ .
ونسبة المجيء إلى الرسل وهو جمع - مع أن الذي ذكر في قصتهم رسولان هما هود وصالح - باعتبار أن الرسل دعوتهم واحدة والمبعوث منهم إلى قوم مبعوث لآخرين وكذا القوم المكذبون لأحدهم مكذبون لآخرين قال تعالى : {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء : 123] وقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء : 141] ، وقال : {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء : 160] إلى غير ذلك .
وقول بعضهم : إن إطلاق الرسل وهو جمع على هود وصالح (عليهما السلام) وهما اثنان من إطلاق الجمع على ما دون الثلاثة وهو شائع ، ومن هذا القبيل إرجاع ضمير الجمع في قوله : {إذ جاءتهم} إلى عاد وثمود .
ممنوع بما تقدم ، وأما إرجاع ضمير الجمع إلى عاد وثمود فإنما هو لكون مجموع الجمعين جمعا مثلهما .
وقوله : {من بين أيديهم ومن خلفهم} أي من جميع الجهات فاستعمال هاتين الجهتين في جميع الجهات شائع ، وجوز أن يكون المراد به الماضي والمستقبل فقوله : {جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم} كناية عن دعوتهم لهم من جميع الطرق الممكنة خلوة وجلوة وفرادى ومجتمعين بالتبشير والإنذار ولذلك فسر مجيئهم كذلك بعد بقوله : {أن لا تعبدوا إلا الله} وهو التوحيد .
وقوله : {قالوا لوشاء ربنا لأنزل ملائكة} رد منهم لرسالتهم بأن الله لوشاء إرسال رسول إلينا لأرسل من الملائكة ، وقد تقدم كرارا معنى قولهم هذا وأنه مبني على إنكارهم نبوة البشر .
وقوله : {فإنا بما أرسلتم به كافرون} تفريع على النفي المفهوم من الجملة السابقة أي فإذا لم يشأ ولم يرسل فإنا بما أرسلتم به وهو التوحيد كافرون .
قوله تعالى : {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق} إلخ رجوع إلى تفصيل حال من كل الفريقين على حدته ، من كفرهم ووبال ذلك ، وقوله : {بغير الحق} قيد توضيحي للاستكبار في الأرض فإنه بغير الحق دائما ، والباقي ظاهر .
قوله تعالى : {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات} إلخ فسر الصرصر بالريح الشديدة السموم ، وبالريح الشديدة البرد ، وبالريح الشديدة الصوت وتلازم شدة الهبوب ، والنحسات بكسر الحاء صفة مشبهة من نحس ينحس نحسا خلاف سعد فالأيام النحسات الأيام المشئومات .
وقيل : أيام نحسات أي ذوات الغبار والتراب لا يرى فيها بعضهم بعضا ، ويؤيده قوله في سورة الأحقاف : {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الأحقاف : 24] .
وقوله : {وهم لا ينصرون} أي لا منج ينجيهم ولا شفيع يشفع لهم .
والباقي ظاهر .
قوله تعالى : {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} إلخ المراد بهدايتهم إراءتهم الطريق ودلالتهم على الحق ببيان حق الاعتقاد والعمل لهم ، والمراد بالاستحباب الإيثار والاختيار ، ولعله بالتضمين ولذا عدي إلى المفعول الثاني بعلى والمراد بالعمى الضلال استعارة ، وفي مقابله الهدى له إيماء إلى أن الهدى بصر كما أن الضلالة عمى ، والهون مصدر بمعنى الذل وتوصيف العذاب به للمبالغة أو بحذف ذي والتقدير صاعقة العذاب ذي الهون .
والمعنى : وأما قوم ثمود فدللناهم على طريق الحق وعرفناهم الهدى بتمييزه من الضلال فاختاروا الضلال الذي هو عمى على الهدى الذي هو بصر فأخذتهم صيحة العذاب ذي المذلة – أو أخذهم العذاب بناء على كون الصاعقة بمعنى العذاب والإضافة بيانية - بما كانوا يكسبون .
قوله تعالى : {ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} ضم التقوى إلى الإيمان معبرا عن التقوى بقوله : {وكانوا يتقون} الدال على الاستمرار للدلالة على جمعهم بين الإيمان والعمل الصالح وذلك هو السبب لنجاتهم من عذاب الاستئصال على ما وعده الله بقوله : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم : 47] .
والظاهر أن الآية متعلقة بالقصتين جميعا متممة لهما وإن كان ظاهر المفسرين تعلقها بالقصة الثانية .
______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص305-307 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
أحذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود !
بعد البحث المهم الذي تضمّنته الآيات السابقة حول التوحيد ومعرفة الخالق جلّ وعلاه تنذر الآيات ـ التي بين أيدينا ـ المعارضين والمعاندين الذين تجاهلوا كلّ هذه الدلائل الواضحة والآيات البينات ، وتحذرهم أن نتيجة الإعراض نزول العذاب بهم ، يقول تعالى : {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} (2) .
عليكم أن تخافوا هذه الصاعقة المميتة المحرقة التي اذا نزلت بساحتكم تفنيكم وتحل بداركم الدمار .
لاحظنا في بداية هذه السورة المباركة أنّ بعض زعماء الشرك في مكّة مثل «الوليد بن المغيرة» وبرواية اُخرى «عتبة بن ربيعة» جاءوا إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتحقيق حول القرآن ودعوة الرّسول وطرحوا عليه بعض الأسئلة وفي سياق إجابة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم تلا عليهم الآيات الاُولى من هذه السورة ، وعندما وصل النّبي في تلاوته إلى الآيات أعلاه وهدّدهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، ارتعشت أجسادهم وأصيبوا بالخوف بحيث أنّهم لم يكونوا قادرين على الإستمرار في الكلام ، لذلك عادوا إلى قومهم وذكروا لهم تأثرهم العميق واضطرابهم ووجلهم من هذه الكلمات .
«الصاعقة» كما يقول الراغب في المفردات ، تعني الصوت المهيب في السماء ، ويشتمل على النّار أو الموت أو العذاب . (ولهذا السبب تطلق الصاعقة على الموت أحياناً ، وعلى النّار في أحيان اُخرى) .
والصاعقة ـ وفقاً للتحقيقات العلمية الراهنة ـ هي شرارة كهربائية عظيمة تحدث بين مجموعة من الغيوم التي تحمل الشحنات الكهربائية الموجبة ، وبين الأرض التي تكون شحنتها «سالبة» وتصيب عادة قمم الجبال والأشجار وأي شيء مرتفع ، وفي الصحاري المسطحة تصيب الإنسان والأنعام ، كما أن حرارتها شديدة للغاية بحيث أنّها تحيل أي شيء تصيبه إلى رماد ، وتحدث صوتاً مهيباً وهزّة أرضية قوية في المكان الذي تضربه .
الله تبارك وتعالى ـ كما تنص على ذلك آيات القرآن ـ عاقب بعض الأقوام الأشقياء من الأمم السابقة بالصاعقة .
والطريف هنا أنّ عالم اليوم برغم التقدم الهائل في العلوم ، بقي عاجزاً عن اكتشاف وسيلة لمنع الصاعقة .
وسيبقى هذا السؤال : لماذا ذكر هنا قوم عاد وثمود من بين جميع الأقوام السابقة؟
السبب يعود إلى أنّ العرب كانوا على اطّلاع بخبر أُولئك الأقوام ، وكانوا قد شاهدوا بأعينهم آثار مدنهم المدّمرة ، إضافة إلى أنّهم كانوا يعرفون أخطار الصواعق ، لأنّهم يعيشون في الصحراء والبادية .
يواصل الحديث القرآني سياقه بالقول : {إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله} .
إنّ استخدام تعبير {من بين أيديهم ومن خلفهم} هو إشارة إلى ما ذكرناه أعلاه من أنّ الأنبياء قد استخدموا جميع الوسائل والأساليب لهدايتهم ، وحاولوا طرق كلّ الأبواب حتى ينفذوا إلى قلوبهم المظلمة .
وقد يكون التعبير إشارة إلى الأنبياء الذين بعثوا خلال أزمنة مختلفة إلى هؤلاء الأقوام ، وطرحوا عليهم نداء التوحيد .
لكن لنرى ماذا كان جوابهم حيال هذه الجهود العظيمة الواسعة لرسل الله تعالى؟
يقول تعالى : {قالوا لوشاء ربّنا لأنزل ملائكة} لإبلاغ رسالته بدلا من إرسال الناس .
والآن وما دام الأمر كذلك : {فإنا بما أرسلتم به كافرون} . وما جئتم به لا نعتبره من الله !
إنّ مفهوم هذا الكلام لا يعني إيمان هؤلاء بأنّ هؤلاء رسل الله حقّاً ، وأنّهم لا يؤمنون بهم ، وإنّما مفهوم الكلام رفض هؤلاء دعوة الرسل في أنّهم مبلغوا رسالات الله من الاساس ، حيث حملوهم على الكذب والإدّعاء . (ذلك فإنّ جملة (بما أرسلتم به )هي للإستهزاء أو السخرية ، أو أن يكون المقصود بها هو : طبقاً لإدعائكم بأنّكم رسل الله تبلغون عنه) .
إنّها نفس الذريعة التي ينقلها القرآن مراراً على لسان منكري النبوات ورسالات الله ومكذبي الرسل ، من الذين كانوا يتوقعون أن يكون الأنبياء دائماً ملائكة ، وكأنما البشر لا يستحقون مثل هذا المقام .
مثال ذلك قولهم في الآية (7) من سورة الفرقان : { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا } [الفرقان : 7] .
إنّ قائد البشر يجب أن يكون من صنف البشر ، كي يعرف مشاكل الإنسان واحتياجاته ويحس آلامهم ويتفاعل مع قضاياهم ، وكي يستطع أن يكون القدوة والأسوة ، لذلك يصرح القرآن في الآية (9) من سورة «الأنعام» بقوله تعالى : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } [الأنعام : 9] .
بعد المجمل الذي بينته الآيات أعلاه ، تعود الآيات الآن ـ كما هو أسلوب القرآن الكريم ـ إلى تفصيل ما أوجز من خبر قوم عاد وثمود ، فتقول : {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشدّ منّا قوّة} .
إنّ هؤلاء القوم كانوا يعيشون في أرض «الأحقاف» من (حضرموت) جنوب الجزيرة العربية ، وكانوا يتصفون بوضع استثنائي فريد من حيث القوّة الجسمانية والمالية والتمدّن المادي ، فكانوا يبنون القصور الجميلة والقلاع المحكمة ، خاصة في الأماكن المرتفعة حيث يرمز ذلك إلى قدرتهم ويكون وسيلة لإستعلائهم .
لقد كانوا رجالا مقاتلين أشدّاء ، فأصيبوا بالغرور بسبب قدراتهم الظاهرية ومجدهم المادي ، حتى ظنّوا أنّهم أفضل من الجميع ، وأنّ قوّتهم لا تقهر ، ولذلك قاموا بتكذيب الرسل والإنكار عليهم ، وتكالبوا على نبيّهم «هود» .
لكن القرآن يرد على هؤلاء ودعواهم بالقول : {أولم يروا أنّ الله الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة} .
أليس الذي خلقهم خلق السماوات والأرض ؟
بل هل يمكن المقايسة بين هاتين القدرتين ، فأين القدرة المحدودة الفانية من القدرة المطلقة اللامتناهية الأزلية؟!
ما للتراب وربّ الأرباب (3) ؟!
تضيف الآية في النهاية قوله تعالى : {وكانوا بآياتنا يجحدون} .
نعم ، إنّ الإنسان الضعيف المحدود سوف يطغى بمجرّد أن يشعر بقليل من القدرة والقوة ، وأحياناً بدافع من جهله ، فيتوهم أنّه يصارع الله جلّ وعلا !!
لكن ما أسهل أن يبدل الله عوامل حياته إلى موت ودمار ، كما تخبرنا الآية عن مآل قوم عاد : {فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا} .
إنّ هذه الريح الصرصر ، وكما تصرح بذلك آيات اُخرى ، كانت تقتلعهم من الأرض بقوّة ثمّ ترطمهم بها ، بحيث أصبحوا كأعجاز النخل الخاوية . (يلاحظ الوصف في سورة «القمر» الآية 19ـ20 وسورة الحاقة الآية 6 فما بعد) .
لقد استمرت هذه الريح سبع ليال وثمانية أيّام ، وحطّمت كيانهم وكل وسائل عيشهم ، نكالا بما ركبوا من حماقة وعلو وغرور ، ولم يبق منهم سوى أطلال تلك القصور العظيمة ، وآثار تلك الحياة المرفهة .
هذا في الدنيا ، وهناك في الآخرة : (ولعذاب الآخرة أخزى) .
إنّ العذاب الأخروي هو في الواقع كالشرارة في مقابل بحر لجي من النّار .
والأنكى من ذلك أن ليس هناك من ينصرهم : {وهم لا ينصرون} .
فبعد عمر من الجد والعمل في سبيل التظاهر بالعظمة والعلو ، يصيبهم الله تعالى بعذاب أذلهم في هذه الدنيا ، وفي العالم الآخر ينتظرهم ما هم أشد وأصعب !
«صرصر» : على وزن (دفتر) مشتقّة في الأصل من كلمة «صُرّ» على وزن «شرّ» وتعني الغلق بإحكام ، لذا تستعمل كلمة «صرّه» للكيس الذي يحتوي على المال وهو مغلق بشكل جيّد . ثمّ أطلقت على الرياح الباردة جداً ، أو التي فيها صوت عال ، أو الرياح المسمومة القاتلة . وقد تكون الرياح العجيبة التي شملت قوم «عاد» تحمل كلّ هذه الصفات جميعاً .
(أيّام نحسات) تعني الأيام المشؤومة التي اعتبرها البعض بأنّها الأيّام المليئة بالتراب والغبار ، أو الأيّام الباردة جداً ، وهذه المعاني يمكن أن تكون مرادة من الآيات التي نحن بصددها .
لقد أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) في خطب نهج البلاغة إلى قصة عاد ، كي تكون درساً أخلاقياً تربوياً يتعظ منه الأخرون . يقول(عليه السلام) : «واتعظوا فيها بالذين قالوا : من أشدّ منّا قوّة؟ حملوا إلى قبورهم ، فلا يدعون ركباناً ، وأنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفاناً ، وجعل لهم من الصفيح أجنان ، ومن التراب أكفان ، ومن الرفات جيران» (4) .
وقوله تعالى : {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صَعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( 17 ) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانَواْ يَتَّقُونَ}
عاقبة قوم ثمود :
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن قوم عاد ، تبحث هاتان الآيتان في قضية قوم ثمود ومصيرهم ، حيث تقول : إنّ الله قد بعث الرسل والأنبياء لهم مع الدلائل البينة ، إلاّ أنّهم : {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} .
لذلك : {فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون} .
وهؤلاء مجموعة تسكن «وادى القرى» (منطقة بين الحجاز والشام) وقد وهبهم الله أراضي خصبة خضراء مغمورة ، وبساتين ذات نعم كثيرة ، وكانوا يبذلون الكثير من جهدهم في الزراعة . ولقد وهبهم الله العمر الطويل والأجسام القوية ، وكانوا مهرة في البناء القوي المتماسك ، حيث يقول القرآن عنهم في ذلك : { وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} [الحجر : 82] .
لقد جاءهم نبيّهم بمنطق قوي وقلب ملؤه الحبّ ، ومعه المعاجز الإلهية ، إلاّ أنّ هؤلاء القوم المغرورين المستعلين لم يرفضوا دعوته ـ وحسب ـ بل آذوه وأتباعه القليلين ، لذلك شملهم الله بعقابه في الدنيا ، ولن يغني ذلك عن عذاب الآخرة شيئاً .
نقرأ في الآية (78) من سورة الأعراف أنّهم أصيبوا بزلزلة عظيمة ، فبقيت أجسادهم في المنازل بدون حراك : {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف : 78] .
وفي الآية (5) من سورة الحاقة قوله تعالى بشأنهم : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } [الحاقة : 5] .
أمّا الآية (67) من سورة هود فتقول عنهم : {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود : 67] .
أمّا الآية التي نحن بصددها فقد استخدمت تعبير «صاعقة» .
قد يتصور البعض أن هناك تعارضاً بين هذه التعابير ، ولكن عند التدقيق يظهر أنّ الكلمات الأربع أعلاه (رجفة ، طاغية ، صيحة ، صاعقة) ترجع جميعاً إلى حقيقة واحدة ، لأنّ الصاعقة ـ كم قلنا سابقاً ـ لها صوت مخيف ، بحيث يمكن أن نسميها بالصيحة السماوية ، ولها أيضاً ناراً محرقة ، وهي عندما تسقط على منطقة معينة تحدث هزّة شديدة ، وكذلك هي وسيلة للتخريب .
في الواقع إنّ البلاغة القرآنية تستوجب أن تبيّن الأبعاد المختلفة للعذاب الإلهي بتعابير مختلفة وفي سياق آيات عديدة كيما تخلّف اثراً عميقاً في نفس الانسان .
وهؤلاء القوم قد واجهتهم عوامل مختلفة للموت في إطار حادثة واحدة ، بحيث أن كلّ عامل لوحده يكفي لإبادتهم كالصيحة المميتة مثلا ، أو الهزة الأرضية القاتلة ، أو النّار المحرقة ، وأخيراً الصاعقة المخيفة .
ولكن قد يتساءل عن مصير الاشخاص الذين آمنوا بصالح(عليه السلام) بين هذه الأمواج القاتلة من الصواعق ، فهل احترقوا بنيران غيرهم ؟
القرآن يجيبنا على ذلك بقول الله عزّ وجلّ : {ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} .
لقد أنجى هذه المجموعة إيمانها وتقواها ، بينما شمل العذاب تلك الكثرة الطاغية بسبب كفرها وعنادها ، والمجموعتان يمكن أن تكونا نموذجاً لفئات من هذه الأُمة .
قال بعض المفسّرين : لقد آمن بنبيّ الله صالح (110) أشخاص من بين مجموع القوم ، ولقد أنقذ الله هؤلاء وأنجاهم في الوقت المناسب .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص159-166 .
2 ـ «الفاء» في «فإن اعرضوا» هي «فاء التفريع» كما قيل ، بناءاً على ذلك فإنّ هذا الإنذار الحاسم يعتبر فرعاً ونتيجة للإعراض عن الآيات التوحيدية السابقة .
3 ـ إنّ هذا التعبير يشبه في الواقع جملة : «الله أكبر» حيث تقوم بتعريف الله (جلّ وعلا) بأنّه أعظم وأكبر من جميع الموجودات ، ذلك أنّنا نعلم أن لا قياس بين الإثنين (التراب ورب الأرباب) ولكن الله يتحدّث إليها بلساننا ، لذلك نرى أمثال هذه الألفاظ والتعابير في كلامه تعالى .
4 ـ نهج البلاغة : الخطبة رقم (111) .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يعلن إطلاق المسابقة الجامعية الوطنية لأفضل بحث تخرّج حول القرآن الكريم
|
|
|