أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-26
1154
التاريخ: 23-04-2015
2201
التاريخ: 23-04-2015
7944
التاريخ: 2023-12-12
1384
|
يتحدث ابن جني عن مصدر الصوت ، وكيفية حدوثه ، وطريق خروجه ، وعوامل تقاطعه ، واختلاف جرسه بحسب اختلاف مقاطعه ، وبذلك يعطينا الفروق المميزة بين الأصوات والحروف فيقول :
«اعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلا متصلا ، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته ، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفا ، وتختلف أجراس الحروف بحسب مقاطعها ، وإذا تفطنت لذلك وجدته على ما ذكرته لك ، أ لا ترى أنك تبتدئ الصوت من أقصى حلقك ، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت ، فتجد له جرسا ما ، فإن انتقلت عنه راجعا منه أو متجاوزا له ثم قطعت ، أحسست عند ذلك صدى غير الصدى الأول ، وذلك نحو الكاف ، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما ، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره ، وإن جزت إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين ... (1)
هذا العرض في إحداث الصوت كشف لنا عن مصطلح حديث عند الأوروبيين هو المقطع ، وأقف عنده لما استقطبه هذا الاصطلاح الذي سيره «ابن جني» من مناقشات وممارسات أصواتية متميزة ، كان هو الأساس فيها في الدلالة الدقيقة على المعنى المراد دون غيره عند الأصواتيين العالميين.
الأصوات عادة تتجمع في وحدات ، تكون تلك الوحدات أكبر من الأصوات بالضرورة ، لأنها أطول مسافة صوتية ، فتشكل في أكثر من صوت وحدة صوتية معينة ، وأهم هذه الوحدات هو المقطع الذي تذوقه ابن جني ، فرأى فيه ما يثني الكلام عن استطالته وامتداده تارة ، وما تحس به صدى عند تغير الحرف غير الصدى الاول تارة أخرى.
والتعريف البسيط للمقطع هو «تأليف أصواتي بسيط ، تتكون منه واحدا أو أكثر كلمات اللغة ، متفق مع إيقاع التنفس الطبيعي ، ومع نظام اللغة في صوغ مفرداتها» (2).
وقد جرى تأليف المقطع العربي على البدء بحرف صامت ، ويثنى بحركة ، ولا يبدأ بحركة إطلاقا خلافا للغات الأوروبية.
ومن المبادئ الأساسية أن اللغة العربية تبدأ كلماتها بمتحرك واحد ، وتختمها إما بحركة ، فهو المقطع المفتوح. وإما بصامت ، فهو المقطع المقفل. ومن غير الممكن في العربية أن تبدأ الكلمة بمجموعة من الصوامت ، أو أن يتخلل الكلمة أكثر من صامتين متجاورين ، أو أن تختم الكلمة بمجموعة من الأصوات الصامتة (3).
إذن : حرف صامت+ حركة مقطع ، وهذا هو المقطع القصير ، وقد يضاف إلى هذا حرف صامت ، أو حركة أخرى ، فيكون المقطع طويلا ، لأنه تجاوز الحد الأدنى من التكوين ، وهو الحرف والحركة ، وتخطاهما إلى ثالث ، حركة كان هذا الثالث أم حرفا.
والعربية عادة تتكون الغالبية العظمى من كلماتها من ثلاثة مقاطع في المادة دون اشتقاقها ، ففي الثلاثي خذ كلمة : «ذهب» في ثلاثة مقاطع هي :
ذ/ ه/ ب ، وكل مقطع هنا مكوّن من حرف وحركة كما ترى.
قال ابن جني ، مستفيدا بما قدمه الخليل (4) : «إن الاصول ثلاثة :
ثلاثي رباعي وخماسي ، فأكثرها استعمالا ، وأعدلها تركيبا الثلاثي ، وذلك لأنه : حرف يبتدأ به ، وحرف يحشى به ، وحرف يوقف عليه. وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه حسب ، لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه لأنه أقل حروفا ... فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه لعمري ، ولشيء آخر هو حجز الحشو الذي هو عينه بين فائه ولامه ، وذلك لتعادي حاليهما. أ لا ترى أن المبتدا لا يكون إلا متحركا وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنا ، فلما تنافرت حالاهما وسطوا العين حاجزا بينهما لئلا يفجئوا والحسّ بضد ما كان آخذا فيه» (5).
لقد أدرك الأصواتيون العرب هذا التخطيط المقطعي من ذي قبل فأكدوا عليه حتى في تقطيع الوزن العروضي للشعر عند الخليل في حدود ، وهو ما أثبته ابن جني في برمجته للمقاطع في تفصيله.
ولقد أفاد الأوروبيون من هذا الملحظ إفادة تامة ، فقد كان المقطع- تبعا للتفكير التقليدي عند الغربيين- يتكون من حركة تعتبر دعامة أو نواة ، يحوطها بعض الصوامت Consonnes وعليه بنى اسم Consonne أي الذي يصوّت مع شيء آخر ، وهو الذي لا يصوت وحده ، وأطلق على الحركات اسم مصوتات Sonnetes لأنها قادرة على التصويت دون الاعتماد على شيء آخر ، ومن هنا كان المفهوم الوظيفي للمقطع ، كما جاءت أفكار الحركات والصوامت (6).
وهو نفسه ما تحدث عنه ابن جني ، وهو الواقع في الفكر الصوتي عند العرب فالحرف لا ينطق وحده فيشكل صوتا ، إلا بانضمام الحركة إليه ، فيتكون بذلك المقطع الصالح للتصويت.
ويرى أتوجسبرسن OttoJespersen : أن الوحدات الأصواتية تتجمع حول الوحدة الأكثر إسماعا ، بحسب درجة الوضوح السمعي ، والمقطع طبقا لرأيه هو المسافة بين حدين أدنيين من الوضوح السمعي.
إن نظرية جسبرسن من بين ما ارتضاه عالم الأصوات الانجليزي دانيال جونز ، فهي وصف جيد للمقطع المثالي ، ولكنها لا تقول شيئا لنا عما هو جوهري في المقطع ، ولا تقول لنا : أن الحد بين المقاطع ، وهو ما يطلق عليه الحد المقطعي (7).
حقا لقد كان البنيوي السويسري فرديناند دي سوسور أقرب إلى الفكر العربي في تصوره لحدود المقطع الصوتي على أساس درجة الانفتاح في الأصوات ، إذ تتجمع الصوامت حول الحركات تبعا لدرجة الانفتاح ، فالحد المقطعي يوجد ويتوافر حين يكون التنقل من صوت أكثر انغلاقا إلى صوت أكثر انفتاحا (8).
إن هذا التوصل إلى حدود المقطع وتعريفاته عند الأوروبيين هو الذي ذهب إليه ابن جني ، وأضاف إليه ذائقة كل مقطع ، قال : «و سبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحرف أن تأتي به ساكنا لا متحركا ، لأن الحركة تقلق الحرف عن موضعه ومستقره ، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي بعضه ، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبله ، لأن الساكن لا يمكن الابتداء به ، فتقول : اك. اق. اج ، وكذلك سائر الحروف ، إلا أن بعض الحروف أشد حصرا للصوت من بعضها» (9).
وهذا ما نعتبره ابتكارا لم يسبق إليه ، إلا فيما عند الخليل في ذواقة للأصوات اب/ ات/ اع/ اغ (10).
فإنها مقاطع طويلة مقفلة تكونت من ثلاثة عناصر في كل منها هي الألف والكسرة والحرف : ب/ ت/ ع/ غ.
والمدهش حق عند ابن جني أن يهتدي إلى سر المقطع من خلال تصريفه لشئون الحركات ، فهو يعتبر الحركة صوتيا تتبع الحرف ، فتجد بهما الصوت يتبع الحرف «و إنما يعرف هذا الصويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقفت عليها ، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها ، فيتمكن الصويت فيظهر ، فأما إذا وصلت هذه الحروف ونحوها ، فإنك لا تحس معها شيئا من الصوت كما تجده معها إذا وقفت عليها» (11).
(2) عبد الصبور شاهين ، علم الأصوات- الدراسة : 164.
(3) ظ : عبد الصبور شاهين ، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي : 409.
(4) ظ : عبارة الخليل في العين : 1/ 49.
(5) ابن جني ، الخصائص : 1/ 55- 56.
(6) ظ : برتيل مالمبرج ، علم الأصوات : 155.
(7) ظ : المرجع نفسه بتصرف : 157.
(8) ظ : دي سوسور ، علم اللغة العام : 77 وما بعدها.
(9) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1/ 7.
(10) ظ : الخليل ، العين : 1/ 47.
(11) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1/ 7.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|