أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-06-2015
2324
التاريخ: 23-04-2015
2813
التاريخ: 2023-05-29
1948
التاريخ: 23-04-2015
6615
|
لقد اتسم العرب بدقة الملاحظة ، وسلامة الحس الفطري ، في تذوق الأصوات ، فقسموا الحروف إلى طائفتين صوتيتين :
الأصوات الصائتة ، والأصوات الصامتة. فحروف العلة في المعجم العربي وهي : الياء والواو والألف من الصوائت ، وبقية حروف المعجم من الصوامت ، وقد أدركوا جميع الملامح التي ميزت بين هذه الأصوات ، فانقسمت عندهم إلى مجهورة ومهموسة تارة ، وإلى رخوة وشديدة تارة أخرى ، وإلى أنسانية ولثوية مرة ، وإلى حنكية ولهوية مرة ، ومن ثم تجد الإشارات الصوتية في كل ملحظ من ملاحظ الأصوات المترامية لدى التقسيم.
يقول الأستاذ (كاردنر -W.H.T.Gairdner) «لقد سبق العلماء العرب الأصواتيين المحدثين في تصنيف الأصوات حيث أشاروا إلى الأصوات الأسنانية والحنكية واللهوية واللثوية من الصوامت ، وقدموا ملاحظاتهم المضبوطة عن المواقع الدقيقة للّسان والحنك متمثلة بأصوات متعددة ... وسلموا بصحة اندراجها تحت فصيلتين هما المجهورة والمهموسة ، وللعرب معرفة كبيرة بالتقسيم الثاني الأساسي للأصوات الصحيحة ، حيث يسمّون القسم الأول حروف الشدة ، ويقصدون به الأصوات الصحيحة المشددة أو المتوترة. أما القسم الثاني فيسمونه حروف الرخاوة ، ويقصدون به الأصوات المترخية» (1).
و كان من نتائج مسيرة التطور للبحث الصوتي عند الأوروبيين أن قسموا الأصوات اللغوية إلى قسمين رئيسيين :
الأول : كونسونانتس- .Consonants
الثاني : فويلز- .Vowels
ويمكن تسمية القسم الأول بالأصوات الساكنة ، وتسمية الثاني بأصوات اللين ، أو هي : الأصوات الصامتة والأصوات الصائتة (2). وهذا ما أشار إليه علماء الصوت العرب منذ عهد مبكر لدى اعتبارهم الفتحة والكسرة والضمة ، وألف المدّ ، وياء المد ، وواو المدّ : أصوات لين ، وما سواها أصواتا ساكنة.
ومع أن الاهتمام العربي المبكر كان منصبّا على الأصوات الساكنة وهي الصامتة ، وقد عبر عنها العلماء برموز كتابية معينة إلا أنهم أشاروا إلى الأصوات اللينة وهي الصائتة ، واعتبروها أبعاض تلك الحروف.
وقد كان ابن جني (ت : 392 هـ) سبّاقا إلى هذا الملحظ بقوله :
«اعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين وهي : الألف والواو والياء ، فكما أن هذه الحروف ثلاثة فكذلك الحركات ثلاث وهي : الفتحة والكسرة والضمة.
فالفتحة بعض الألف ، والكسرة بعض الياء ، والضمة بعض الواو ، وقد كان متقدموا النحويين يسمون الفتحة : الألف الصغيرة ، والكسرة : الياء الصغيرة ، والضمة : الواو الصغيرة ، وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة» (3).
والدليل على صحة رأي ابن جني أن الحركات إذا أشبعتها أصبحت حروفا ، فحركة الفتحة إذا أشبعتها ومددتها أصبحت ألفا ، وحركة الكسرة
إذا أشبعتها ومددتها أصبحت ياء ، وحركة الضمة إذا أشبعتها ومددتها أصبحت واوا.
فكأن ابن جني يشير بذلك إلى التفاوت في كمية النطق ونوعيته ، فما يسمى بالألف عبارة عن فتحة ممدودة ، وما يسمى بالياء عبارة عن كسرة ممدودة ، وما يسمى بالواو عبارة عن ضمة ممدودة ، والعكس بالعكس.
وقد أفاد من هذا الملحظ الدقيق علماء التلاوة والأداء القرآني ، فنظموا قواعدهم تنظيما اقتطعوه من علم الأصوات في هذا المجال في كل من المد والإشمام ، والإبدال والإعلال ، والترخيم والإدغام فكان «علم التجويد».
أما الصوامت من الأصوات عند علماء العربية ، فقد وفق د. عبد الصبور شاهين إلى استقرائها بعامة ، فأعطى لكل صامت خصائصه في العربية من حيث المخرج والصفة ، وذلك من خلال متابعة جيدة للمناخ الأصواتي العالمي ، واضعا نصب عينيه برمجة العلماء العرب للأصوات ، فصنع جدولا فنيا وزع فيه الصوامت العربية على مخارجها وصفاتها ، مقارنا ذلك بالقيم الأصواتية المماثلة في اللغات الأوروبية الحية ، بحيث أعطى كل صوت من الصوامت مميزاته الدقيقة بالشكل الفني المقبول ، أنموذج ذلك الأمثلة الثلاثة التالية من تخطيطه المقارن ، والتي اخترناها للتنظير على صحة ما توصل إليه العرب في صفات الأصوات من مخارج مختلفة ، قد تعطي كشفا لملامح الأصوات.
هذه الأصوات الثلاثة هي : الباء اللام ، الشين ، يقول عنها :
1- الباء : صامت شفوي مزدوج- انفجاري (شديد)- مجهور- مرقق. وهو يقابل في اللغات الأوروبية رمز (B) وليس في العربية صامت يقابل الرمز (B) وهو يختلف في قيمته الأصواتية عن باء العربية بالهمس فقط ، مع اتفاق الصوتين في القيم الأخرى.
2- اللام : صامت أسناني لثوي- مائع (متوسط)- مجهور- جانبي- مرقق دائما ، إلا في لفظ الجلالة ، فإنه يفخم إذا كان الانتقال إليه من فتح أو ضم ، فأما إذا كان الانتقال من كسر فإنه يرقق على أصله.
3- الشين : صامت غاري ملثي- احتكاكي (رخو) مهموس- مرقق- يوصف بالتفشي ، ومعناه أن مخرجه يحتل مساحة كبيرة من منطقة الغار واللثة ، يتصل بها اللسان ، فيكون أثر الاحتكاك في النطق صادرا من نقاط متعددة ، متفشية في الفم(4).
و ينقسم الصوت عند الأوروبيين من خلال علاقته المتماسة بالوترين الصوتيين إلى :
أ- مجهور - Voiced وهو الذي يحرك هذين الوترين.
ب- مهموس - Voiceless وهو الذي لا يحركهما.
وهذا نفسه ما ذهب إليه سيبويه (ت : 180 هـ) في الكتاب ، وابن جني (ت : 392 هـ) في سر صناعة الإعراب كما سيأتي.
ولا أصل لما قيل إن العلماء العرب قد جهلوا شأن ذبذبة الوترين الصوتيين ، فسيبويه يشير إليهما بدلالة كلامه عليهما وإن لم يصرح بهما.
فقد أورد أبو سعيد السيرافي (ت : 368 هـ) في شرحه لكتاب سيبويه ، أنه قال :
«المهموس إذا أخفيته ثم كررته أمكنك ذلك ، وأما المجهور فلا يمكنك فيه. ثم كرر سيبويه التاء بلسانه وأخفى ، فقال : ألا ترى كيف يمكن ؟ وكرر الطاء والدال وهما من مخرج التاء فلم يمكن.
قال : وإنما الفرق بين المجهور والمهموس أنك لا تصل إلى تبين المجهور إلا أن تدخله الصوت الذي يخرج من الصدر. فالمجهورة كلها هكذا يخرج صوتهن من الصدر ويجري في الحلق ، أما المهموسة فتخرج أصواتها من مخارجها ... والدليل على ذلك أنك إذا أخفيت همست بهذه الحروف ، ولا تصل إلى ذلك في المجهور»(5).
وهذه الإفاضة من سيبويه تتضمن في جملتها خلاصة قيّمة للتفريق بين المهموس والمجهور في مجال إخفاء الصوت. وإخفاء الصوت إنما يتحقق في المهموسات فلا تتغير ، وهو لا يتحقق في المجهورات ، ويستعاض في تمييزها على ما يسميه بصوت الصدر. «ولعل هذا الصوت هو صدى الذبذبات التي تحدث في الوترين الصوتيين بالحنجرة» (6).
وتشبيه ابن جني لجهاز النطق بالناي في انفتاحه وانطباقه تارة ، وبوتر العود في تشكيله الأصداء المختلفة والأصوات المتنوعة «إلا أن الصوت الذي يؤديه الوتر غفلا غير محصور ... فالوتر في هذا التمثيل كالحلق ، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت من أقصى الحلق ، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة» (7).
يمكن أن يفيد الباحث منه إشارته للوترين الصوتيين في حالة الصوت المجهور الذي يحركهما عند الانفتاح ، وحالة الصوت المهموس الذي لا يحركهما عند الانطباق ، هذا في تشبيه جهاز النطق بالمزمار. وفي تشكيل مجموعة الأصداء المتفاوتة عند ضرب أو حصر آخر الوتر من قبل ضارب العود.
هذا وذاك مما يدلنا على معرفة علماء العربية بالوترين الصوتيين ولو على وجه الإجمال في الإدراك.
وثم تقسيم هائل للأصوات باعتبار مخارجها ، وقد امتاز بابتكاره الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت : 175 هـ) وهو في نظرنا من أدق مبتكراته ، لأنه انطلق مع الأصوات من مخارجها ، وحقق القول في مساحاتها ، ووضع كل صوت موضعه في تتبع فريد لم يستطع العلم الحديث أن يتخطاه بكل أجهزته المتخصصة والأهم من هذا أن الأدمغة المبدعة في أوروبا لم تستطع الخروج على مسميات الخليل الصوتية ، ولم تخالفه إلا فيما يتعلق بتقعيد بعض المصطلحات دون تغيير حقائقها بما يتناسب مع اللغة التي انتظمت عليها ، ومع ذلك فهي الأصل الأول لمصطلحات أقسام الأصوات التي سبق إليها الخليل في تطبيق التسميات منطلقة من مسمياتها التي تحدث تلك الأصوات.
يمكن القول بأن تقسيم الأصوات عند الخليل بالإضافة إلى مخارجها ، تشتمل على مخطط تفصيلي لعملية إخراج الأصوات وإحداثها ، في شتى تقلباتها المكانية بدءا من الرئتين في تدفق الهواء وانتهاء بالشفتين عند الميم ، تضاف إليها المميزات الأخرى والخصائص المتعلقة بالأصوات وفضائها ، وفي المستطاع تصنيف مناطق انطلاق الأصوات كما خططه الخليل على النحو الآتي :
1- الذلق : تخرج من ذلق اللسان ، وهو تحديد طرفي اللسان أو طرف غار الفم ، وهي : (ر. ل. ن).
2- الشفوية : تخرج من بين الشفتين خاصة (ف. ب. م).
3- الحلق : مبدؤها من الحلق (ع. ح. ه-. خ. غ).
4- أقصى الحلق : الهمزة وحدها ، ومخرجها من أقصى الحلق مهتوتة مضغوطة.
5- الجوف : مخرجها من الجوف هاوية في الهواء وهي : (الياء والواو والألف والهمزة).
6- حروف اللين : مخرجها من الرئتين (ي. و. ا).
7- اللهوية : مبدؤها من اللهاء (ق. ك).
8- الشجرية : مبدؤها من شجر الفم ، أي : مخرج الفم (ج. ش.
ض).
9- الأسلية : مبدؤها من أسلة اللسان ، وهي مستدق طرف اللسان (ص. س. ز).
10- النطعية : مبدؤها من نطع الغار الأعلى (ط. ت. د).
11- اللثوية : مبدؤها من اللثة (ظ. ذ. ث).
و يضيف إلى هذه الأقسام نوعين من الأصوات هما :
أ- الصحاح وهي خمسة وعشرون حرفا عدا الجوف.
ب- الهوائية وهي الياء والواو والألف والهمزة لأنها لا يتعلق بها
شيء (8). إن هذا النحو المستفيض لطبيعة تقسيم الأصوات ، وتبويب ذلك في مجالات متعددة ، تتلمس حقيقة الصوت مرة كما في الصوائت والصوامت ، وتنظر علاقة الصوت بوتري الصوت مرة كما في المجهور والمهموس ، وتراعي مخارج الأصوات بالنسبة لأجهزة النطق أو التصويب بعامة ، إن هو إلا أصالة صوتية لا تدانيها أصالة بالنسبة لبيئة انطلاق هذه المعلومات معتمدة على النظر والحس والتمحيص الشخصي ، دون الاستعانة بأي رعيل من الأجهزة أو المختبرات.
نتيجة هذا الجهد الشخصي لعلماء العربية ، وصفت لنا شخصية كل صوت باستقلالية تامة ، وذلك كل ما توصل إليه الأوروبيون بعد جهد وعناء ومثابرة جماعية لا فردية.
يقول إبراهيم أنيس «و لقد كان للقدماء من علماء العربية بحوث في الأصوات اللغوية شهد المحدثون الأوروبيون أنها جليلة القدر بالنسبة إلى عصورهم ، وقد أرادوا بها خدمة اللغة العربية والنطق العربي ، ولا سيما في الترتيل القرآني ، ولقرب هؤلاء العلماء من عصور النهضة العربية ، واتصالهم بفصحاء العرب كانوا مرهفي الحس ، دقيقي الملاحظة ، فوصفوا لنا الصوت العربي وصفا آثار دهشة المستشرقين وإعجابهم» (9).
(2) ظ : إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : 26.
(3) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1/ 19.
(4) ظ : عبد الصبور شاهين ، علم الأصوات لمالمبرج : الدراسة 122- 126.
(5) خليل إبراهيم العطية ، في البحث الصوتي عند العرب : 42 وما بعدها ، وانظر مصدره.
(6) إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : 123.
(7) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 9- 10.
(8) قارن في هذا عند الخليل ، العين : 51- 60.
(9) إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : 5.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|