المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

قالب صياغة التقرير الصحفي
8-1-2023
Bôcher Equation
11-6-2018
التنظيم القانوني لانتخاب رئيس الجمهورية في العراق
23/12/2022
أحمد بن الحسين يعرف بابن شقير
10-04-2015
The dialect continuum
7-3-2022
الأداء المؤسسي
6-6-2016


تفسير الآية (19-28) من سورة فاطر  
  
4828   07:30 مساءً   التاريخ: 22-9-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة فاطر /

قال تعالى : {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر : 19 - 28]

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وما يستوي الأعمى والبصير} أي لا يتساوى الأعمى عن طريق الحق والذي اهتدى إليه قط وقيل المشرك والمؤمن {ولا الظلمات} أي ظلمات الشرك والضلال {ولا النور} أي نور الإيمان والهداية وفي قوله {ولا النور} وما بعده من الزيادة لا قولان ( أحدهما ) أنها زائدة مؤكدة للنفي ( والثاني ) إنها نافية لاستواء كل واحد منهما لصاحبه على التفصيل {ولا الظل ولا الحرور} يعني الجنة والنار عن الكلبي وقيل يعني ظل الليل والسموم بالنهار {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} يعني المؤمنين والكافرين وقيل يعني العلماء والجهال وقال بعضهم أراد نفس الأعمى والبصير والظل والحرور والظلمات والنور على طريق ضرب المثل أي كما لا يستوي هذه الأشياء ولا يتماثل ولا يتشاكل فكذلك عبادة الله لا تشبه عبادة غيره ولا يستوي المؤمن والكافر والحق والباطل والعالم والجاهل .

{إن الله يسمع من يشاء} أي ينفع بالأسماع من يشاء أن يلطف له ويوفقه ولم يرد به نفي حقيقة السماع لأنهم كانوا يسمعون آيات الله {وما أنت بمسمع من في القبور} أي إنك لا تقدر على أن تنفع الكفار بإسماعك إياهم إذ لم يقبلوا كما لا تسمع من في القبور من الأموات {إن أنت إلا نذير} أي ما أنت إلا مخوف لهم بالله {إنا أرسلناك بالحق} أي بالدين الصحيح {بشيرا ونذيرا} أي مبشرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين {وإن من أمة} أي وما من أمة من الأمم الماضية {إلا خلا فيها نذير} أي مضى فيها مخوف يخوفهم وينذرهم فأنت مثلهم نذير لمن جحد بشير لمن وحد قال الجبائي وفي هذا دلالة على أنه لا أحد من المكلفين إلا وقد بعث إليه الرسول وإنه سبحانه أقام الحجة على جميع الأمم .

ثم قال تعالى تسلية لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) {وإن يكذبوك} يا محمد ولم يصدقوك {فقد كذب الذين من قبلهم} من الكفار أنبياء أرسلهم الله إليهم {جاءتهم رسلهم بالبينات} أي بالمعجزات الباهرات والحجج الواضحات {وبالزبر} أي وبالكتب {وبالكتاب المنير} أي الواضح البين وإنما كرر ذكر الكتاب وعطفه على الزبر لاختلاف الصفتين فإن الزبور أثبت في الكتاب من الكتاب لأنه يكون منقرا منقشا فيه كالنقر في الحجر {ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير} أي فلما كذبوا رسلهم ولم يعترفوا بنبوتهم أخذتهم بالعذاب وأهلكتهم ودمرت عليهم فكيف كان تعييري وإنكاري عليهم وإنزالي العقاب بهم .

ثم عاد الكلام إلى ذكر دلائل التوحيد فقال سبحانه {أ لم تر أن الله أنزل من السماء ماء} أي غيثا ومطرا {فأخرجنا} أخبر عن نفسه بنون الكبرياء والعظمة {به} أي بذلك الماء {ثمرات} جمع ثمرة وهي ما تجتنى من الشجر {مختلفا ألوانها} وطعومها وروائحها اقتصر على ذكر الألوان لأنها أظهر ولدلالة الكلام على الطعوم والروائح {ومن الجبال جدد} أي ومما خلقنا من الجبال جدد {بيض وحمر} أي طرق بيض وطرق حمر .

{مختلف ألوانها وغرابيب سود} أي ومن الجبال غرابيب سود على لون واحد لا خطط فيها قال الفراء وهذا على التقديم والتأخير تقديره وسود غرابيب لأنه يقال أسود غربيب وأسود حالك وأقول ينبغي أن يكون سود عطف بيان يبين غرابيب به والأجود أن يكون تأكيدا إذ الغرابيب لا تكون إلا سودا فيكون كقولك رأيت زيدا زيدا وهذا أولى من أن يحمل على التقديم والتأخير {ومن الناس} أيضا {والدواب} التي تدب على وجه الأرض {والأنعام} كالإبل والغنم والبقر خلق {مختلف ألوانه كذلك} أي كاختلاف الثمرات والجبال وتم الكلام .

ثم قال {إنما يخشى الله من عباده العلماء} أي ليس يخاف الله حق خوفه ولا يحذر معاصيه خوفا من نقمته إلا العلماء الذين يعرفونه حق معرفته وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم وعن ابن عباس قال يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني وفي الحديث : ((أعلمكم بالله أخوفكم لله)) قال مسروق : كفى بالمرء علما أن يخشى الله وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه وإنما خص سبحانه العلماء بالخشية لأن العالم أحذر لعقاب الله من الجاهل حيث يختص بمعرفة التوحيد والعدل ويصدق بالبعث والحساب والجنة والنار .

ومتى قيل : فقد نرى من العلماء من لا يخاف الله ويرتكب المعاصي ( فالجواب ) أنه لا بد من أن يخافه مع العلم به وإن كان يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللذة {إن الله} تعالى {عزيز} في انتقامه من أعدائه {غفور} لزلات أوليائه .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص240-242 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وما يَسْتَوِي الأَعْمى والْبَصِيرُ ولَا الظُّلُماتُ ولَا النُّورُ ولَا الظِّلُّ ولَا الْحَرُورُ وما يَسْتَوِي الأَحْياءُ ولَا الأَمْواتُ} . المراد بالأعمى من انحرف عن طريق الحق والهداية ، وضده البصير ، والظلمات كناية عن الجهل والضلال والنور كناية عن العلم والهدى ، والظل يومئ إلى النعيم والحرور إلى الجحيم ، أما الأحياء فهم أصحاب القلوب الحية الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وضدهم الأموات ، والمعنى ليس سواء عند اللَّه وفي الواقع من آمن وأصلح ومن كفر وأفسد ، بل إن الفرق بينهما تماما كالفرق بين العمى والبصر ، والنور والظلام ، والجحيم والنعيم ، والموت والحياة .

{إِنَّ اللَّهً يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} .

ان كلامه تعالى يؤثر ويعمل عمله في نفوس الذين يطلبون الحق لوجه الحق ، ويستمعون إليه رغبة في العمل به ، أما الذين لا يحركهم شيء إلا المصالح الخاصة ولا يعملون إلا بوحي منها فإنهم لا يستمعون إلى كلامه تعالى ، ولا هو ، جلت حكمته ، يلجئهم إلى الهداية وإلا بطل الثواب والعقاب . وتقدم مثله في الآية 42 من سورة يونس ج 4 ص 162 والآية 80 من سورة النمل .

{إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ونَذِيراً} . أرسل اللَّه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحجج الكافية الوافية داعيا إلى الحق ، وشاهدا على الخلق ، فبلَّغ رسالات ربه على أكمل وجه ، وكان رحمة للعالمين بعامة ، وللعرب بخاصة حيث نقلهم من الجاهلية الجهلاء إلى نور الإسلام وكرامته . وتقدم بنصبه الحرفي الآية 119 من سورة البقرة ج 1 ص 190 .

لكل أمة رسول :

في القرآن الكريم آيات تدل صراحة على أن اللَّه سبحانه أرسل لكل أمة رسولا ، منها هذه الآية : {وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ} ومنها : {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء - 41] ج 2 ص 327 ، ومنها : {ولَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل - 36] ج 4 ص 512 ، ومنها : {ولِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} - 47 يونس ج 4 ص 165 . بالإضافة إلى قوله تعالى : {فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر - 92] ، وقوله : {أَيَحْسَبُ الإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة - 36] ونحو ذلك .

وغير بعيد أن يكون المراد بالرسول والنذير والشهيد كل ما تقوم به الحجة ، وتقطع به المعذرة من نبي مرسل أو كتاب منزل أو مرشد مصلح أوحكم من أحكام العقل البديهية التي لا ينبغي ان يختلف فيها اثنان من ذوي العقول السليمة وفطرة اللَّه التي فطر عليها الناس ، كقبح الظلم والخيانة ، وحسن العدل والأمانة ، وما إلى ذاك . ولا نعرف أمة من الأمم عاشت فوضى وبلا نظام ، تدع كل واحد من أفرادها وما يشاء لا تحاسبه على قول أو فعل .

وتسأل : ألا يتنافى قوله تعالى : {وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ} مع قوله : {وما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ - 44] حيث أثبت في الآية الأولى النذير لكل قوم ، ونفاه في الثانية عن قوم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل بعثته ؟

الجواب : النذير في الآية الأولى يشمل كل نذير نبيا كان أم غير نبي ، أما النذير في الآية الثانية فالمراد به النبي بالخصوص ، وعليه فلا تضاد بين الآيتين لأن المعنى ان قوم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يأتهم نبي مرسل قبل البعثة ، ولكن أتاهم نذير من العقل والفطرة ، وهو كاف واف لالقاء الحجة عليهم بخاصة في عبادتهم الأحجار ومن أجل هذا كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) يجادلهم فيها بمنطق العقل ويقول لهم :

{أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً} [المائدة - 76] .

{وإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وبِالزُّبُرِ وبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ} . الزبر الكتب ، والمراد بها هنا الحكم والمواعظ ، والكتاب المنير التوراة التي نزلت على موسى ، والإنجيل الذي نزل على عيسى ، وغيرهما من الكتب المنزلة قبل بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين . وتقدم في الآية 184 من سورة آل عمران ج 2 ص 222 {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} . المراد بالنكير العذاب أي ان اللَّه سبحانه أنكر عليهم بالفعل لا بالقول . وتقدم في الآية 44 من سورة الحج ج 5 ص 337 والآية 45 من سورة سبأ .

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهً أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها} وطعمها وروائحها ، وليس من شك ان هذا الاختلاف يستند مباشرة إلى أسبابه الطبيعية ، ولكن هذه الأسباب تنتهي إلى خالق الطبيعة . وتقدم مثله في الآية 4 من سورة الرعد ج 4 ص 375 و276 فقرة (السيد الأفغاني والدهريون) .

{ومِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وغَرابِيبُ سُودٌ} . يقول ، عز من قائل : انه جعل في الجبال طرقا ، بعضها طرق بيض ، وبعضها طرق حمر ، وبعضها طرق سود ، وكل صنف من هذه الطرق الثلاث يختلف في لونه شدة وضعفا ، والعبرة في هذا الاختلاف هي الدلالة على قدرة اللَّه وإرادته تعالى تماما كدلالة اختلاف الثمار {ومِنَ النَّاسِ والدَّوَابِّ والأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ} .

وعطف الانعام على الدواب من باب عطف الخاص على العام لأن المراد بالدواب الحيوانات التي تدب على الأرض ، ومنها الانعام التي تطلق على الإبل والبقر والغنم والماعز ، والمعنى ان اختلاف ألوان الناس واختلاف ألوان الدواب يدلان على قدرة اللَّه تماما كما دل اختلاف الثمرات والطرق .

{إِنَّما يَخْشَى اللَّهً مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} . المراد بالعلماء هنا الذين آمنوا باللَّه عن علم لا عن تقليد ، وعرفوا عظمته بالأدلة والبراهين ، وما من شك ان العالم بقدرة من لا يقهره شيء ولا يفوته شيء - لا ينفك أبدا عن الخوف منه ، ومن ثم كان العلماء باللَّه أشد الناس خوفا من غضب اللَّه وسطوته ، وأكثرهم رجاء لفضله وعفوه . . ونحن من الذين يؤمنون بأنه لا إيمان حقا بلا تقوى ، ولا تقوى بلا وعي ، ومن أجل ذلك قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) : {فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على النجوم} واشتهر عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) : نوم العالم خير من عبادة الجاهل {إِنَّ اللَّهً عَزِيزٌ غَفُورٌ} . عزيز في انتقامه ممن طغى وبغى ، غفور لمن تاب وأناب .

_____________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص286-289 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وما يستوي الأعمى والبصير} الظاهر أنه عطف على قوله : {وإلى الله المصير} تعليل في صورة التمثيل لعدم مساواة هؤلاء المتزكين لأولئك المكذبين ، وقيل : عطف على قوله السابق : {وما يستوي البحران} .

قوله تعالى : {ولا الظلمات ولا النور} تكرار حروف النفي مرة بعد مرة في الآية وما يليها لتأكيد النفي .

قوله تعالى : {ولا الظل ولا الحرور} الحرور شدة حر الشمس على ما قيل وقيل : هو السموم وقيل : السموم يهب نهارا والحرور يهب ليلا ونهارا .

قوله تعالى : {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} إلى آخر الآية عطف على قوله : {وما يستوي الأعمى والبصير} وإنما كرر قوله : {ما يستوي} ولم يعطف {الأحياء ولا الأموات} على قوله : الأعمى والبصير} كرابعته لطول الفصل فأعيد {ما يستوي} لئلا يغيب المعنى عن ذهن السامع فهو كقوله : {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } [التوبة : 7 ، 8] .

والجمل المتوالية المترتبة أعني قوله : {وما يستوي الأعمى والبصير - إلى قوله - وما يستوي الأحياء ولا الأموات} تمثيلات للمؤمن والكافر وتبعات أعمالهما .

وقوله : {إن الله يسمع من يشاء} وهو المؤمن كان ميتا فأحياه الله فأسمعه لما في نفسه من الاستعداد لذلك قال تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} [الأنعام : 122] ، وأما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنما هو وسيلة والهدى هدى الله .

وقوله : {وما أنت بمسمع من في القبور} أي الأموات والمراد بهم الكفار المطبوع على قلوبهم .

قوله تعالى : {إن أنت إلا نذير} قصر إضافي أي ليس لك إلا إنذارهم وأما هداية من اهتدى منهم وإضلال من ضل ولم يهتد جزاء له بسيىء عمله فإنما ذلك لله سبحانه .

ولم يذكر البشير مع النذير مع كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) متلبسا بالوصفين معا لأن المقام مقام الإنذار فالمناسب هو التعرض لوصف الإنذار مع أنه مذكور في الآية التالية .

قوله تعالى : {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} المفاد على ما يقتضيه السياق إنا أرسلناك بالتبشير والإنذار وليس ببدع مستغرب فما من أمة من الأمم إلا وقد خلا ومضى فيها نذير فذلك من سنن الله الجارية في خلقه .

وظاهر السياق أن المراد بالنذير الرسول المبعوث من عند الله وفسر بعضهم النذير بمطلق من يقوم بالعظة والإنذار من نبي أو عالم غير نبي وهو خلاف ظاهر الآية .

نعم ليس من الواجب أن يكون نذير كل أمة من أفرادها فقد قال تعالى : {خلا فيها} ولم يقل : {خلا منها} .

قوله تعالى : {وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير} البينات هي الآيات المعجزة التي تشهد على حقية الرسل ، والزبر جمع زبور ولعل المراد بها بقرينة مقابلتها للكتاب الصحائف والكتب التي فيها ذكر الله تعالى من غير أن تتضمن الأحكام والشرائع ، والكتاب المنير الكتاب المنزل من السماء المتضمن للشرائع ككتاب نوح وإبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى (عليه السلام) ، ومعنى الآية ظاهر .

قوله تعالى : {ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير} الأخذ كناية عن التعذيب ، والنكير الإنكار ، والباقي ظاهر .

كلام في معنى عموم الإنذار

قد تقدم في أبحاث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح (عليه السلام) في الجزء العاشر من الكتاب ما يدل من طريق العقل على عموم النبوة ويؤيده الكتاب .

فلا تخلوأمة من الأمم الإنسانية عن ظهور ما للدعوة الحقة النبوية فيها وأما كون نبي كل أمة من نفس تلك الأمة فلا دليل عليه ، وقد عرفت أن قوله تعالى : {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} الآية مفاده ذلك .

وأما فعلية الإنذار - بحيث يبلغ كل فرد فرد من الأمة مضافا إلى أصل الاقتضاء - واطراد الدعوة في كل واحد واحد فحكومة العلل والأسباب المتزاحمة في هذه النشأة المادية لا توافقه كما لا توافق سائر المقتضيات العامة التي قدرها الصنع كما أن في بنية كل مولود إنساني أن يعمر عمرا طبيعيا والحوادث تحول بين أكثر الأفراد وبين ذلك ، وكل مولود إنساني مجهز بجهاز التناسل للاستيلاد والإيلاد وكثير من الأفراد يموت قبل بلوغه فلا يبلغ ذلك إلى غير ذلك من النظائر .

فالنبوة والإنذار عام لكل أمة ولا يستلزم استلزاما ضروريا أن تبلغ الدعوة كل شخص من أشخاصها بل من الجائز أن تبلغ بلا واسطة أو معها بعض الأمة وتتخلف عن بعض لحيلولة علل وأسباب مزاحمة بينه وبين البلوغ فمن توجهت منهم إليه الدعوة وبلغته تمت عليه الحجة ومن توجهت إليه ولم تبلغه لم تتم عليه الحجة وكان من المستضعفين وكان أمره إلى الله قال تعالى : {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء : 98] .

 

وقوله تعالى : {أَ لَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَتٍ مخْتَلِفاً أَلْوَنهَا ومِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ بِيضٌ وحُمْرٌ مخْتَلِفٌ أَلْوَنهَا وغَرَابِيب سودٌ (27) ومِنَ النّاسِ والدّوَاب والأَنْعَمِ مخْتَلِفٌ أَلْوَنُهُ كَذَلِك إِنّمَا يخْشى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}

 

رجوع إلى ذكر آيات أخر من آيات التوحيد وفيها انتقال إلى حديث الكتاب وأنه حق نازل من عند الله تعالى وقد انجر الكلام في الفصل السابق من الآيات إلى ذكر النبوة والكتاب حيث قال : {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} وقال : {جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير} فكان من الحري أن يتعرض لصفة الكتاب وما تستتبعه من الآثار .

قوله تعالى : {أ لم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها} إلخ .

حجة أخرى على التوحيد وهو أن الله سبحانه ينزل الماء من السماء بالأمطار وهو أقوى العوامل المعينة لخروج الثمرات ، ولوكان خروجها عن مقتضى طباع هذا العامل وهو واحد لكان جميعها ذا لون واحد فاختلاف الألوان يدل على وقوع التدبير الإلهي .

والقول بأن اختلافها منوط باختلاف العوامل المؤثرة فيها ومنها اختلاف العناصر الموجودة فيها نوعا وقدرا وخصوصية التأليف .

مدفوع بأن الكلام منقول حينئذ إلى اختلاف نفس العناصر وهي منتهية إلى المادة المشتركة التي لا اختلاف فيها فاختلاف العناصر المكونة منها يدل على عامل آخر وراء المادة يدبر أمرها ويسوقها إلى غايات مختلفة .

والظاهر أن المراد باختلاف ألوان الثمرات اختلاف نفس ألوانها ويلزمه اختلافات أخر من حيث الطعم والرائحة والخواص ، وقيل المراد باختلاف الألوان اختلاف الأنواع فكثيرا ما يطلق اللون في الفواكه والأطعمة على النوع كما يقال : قدم فلان ألوانا من الطعام والفاكهة فهومن الكناية ، وقوله بعد : {ومن الجبال جدد بيض وحمر} لا يخلو من تأييد للوجه الأول .

وفي قوله : {فأخرجنا به} إلخ .

التفات من الغيبة إلى التكلم .

قيل : إن ذلك لكمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبىء عن كمال القدرة والحكمة .

ونظير الوجه يجري في قوله السابق : {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} وأما ما في الآية السابقة من قوله : {ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير} فلعل الوجه فيه أن أمرهم إلى الله لا يتخلل بينه وبينهم أحد حتى يشفع لهم أو ينصرهم فينجوا من العذاب .

وقوله : {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود} الجدد بالضم فالفتح جمع جدة بضم الجيم وهي الطريقة والجادة ، والبيض والحمر جمع أبيض وأحمر ، والظاهر أن قوله : {مختلف ألوانها} صفة لجدد و{ألوانها} فاعل {مختلف} ولو كانت الجملة مبتدأ وخبرا لقيل : مختلفة ألوانها كما قيل ، والغرابيب جمع غربيب وهو الأسود الشديد السواد ومنه الغراب و{سود} بدل أو عطف بيان لغرابيب .

والمعنى : أ لم تر أن من الجبال طرائق بيض وحمر وسود مختلف ألوانها ، والمراد إما الطرق المسلوكة في الجبال ولها ألوان مختلفة ، وإما نفس الجبال التي هي خطوط مختلفة ممدودة على وجه الأرض بيض وحمر وسود مختلف ألوانها .

قوله تعالى : {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك} أي ومن الناس والدواب التي تدب في الأرض والأنعام كالإبل والغنم والبقر بعض مختلف ألوانه بالبياض والحمرة والسواد كاختلاف الثمرات والجبال في ألوانها .

وقيل : قوله : {كذلك} خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير الأمر كذلك فهو تقرير إجمالي للتفصيل المتقدم من اختلاف الثمرات والجبال والناس والدواب والأنعام .

وقيل : {كذلك} متعلق بقوله : {يخشى} في قوله : {إنما يخشى الله من عباده العلماء} والإشارة إلى ما تقدم من الاعتبار بالثمرات والجبال وغيرهما والمعنى إنما يخشى الله كذلك الاعتبار بالآيات من عباده العلماء ، وهو بعيد لفظا ومعنى .

قوله تعالى : {إنما يخشى الله من عباده العلماء} استئناف يوضح أن الاعتبار بهذه الآيات إنما يؤثر أثره ويورث الإيمان بالله حقيقة والخشية منه بتمام معنى الكلمة في العلماء دون الجهال ، وقد مر أن الإنذار إنما ينجح فيهم حيث قال : {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة} فهذه الآية كالموضحة لمعنى تلك تبين أن الخشية حق الخشية إنما توجد في العلماء .

والمراد بالعلماء العلماء بالله وهم الذين يعرفون الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله معرفة تامة تطمئن بها قلوبهم وتزيل وصمة الشك والقلق عن نفوسهم وتظهر آثارها في أعمالهم فيصدق فعلهم قولهم ، والمراد بالخشية حينئذ حق الخشية ويتبعها خشوع في باطنهم وخضوع في ظاهرهم .

هذا ما يستدعيه السياق في معنى الآية .

وقوله : {إن الله عزيز غفور} يفيد معنى التعليل فلعزته تعالى وكونه قاهرا غير مقهور وغالبا غير مغلوب من كل جهة يخشاه العارفون ، ولكونه غفورا كثير المغفرة للآثام والخطيئات يؤمنون به ويتقربون إليه ويشتاقون إلى لقائه .

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص29-35 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

وقوله تعالى : {وَمَا يَسْتَوِى الاْعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلاَ الظُّلُماَتُ وَلاَ النُّورُ (20) وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِى الاْحْيَاءُ وَلاَ الاْمْوَتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِع مَّن فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ}

 

وما تستوي الظلمات ولا النّور :

تذكر الآيات مورد البحث ـ بما يتناسب مع البحوث التي مرّت حول الإيمان والكفر في الآيات السابقة ـ أربعة أمثلة جميلة للمؤمن والكافر ، توضّح بأجلى شكل آثار الإيمان والكفر .

في المثال الأوّل : شبّه «الكافر والمؤمن» بـ «الأعمى والبصير» حيث تقول الآية الكريمة : {وما يستوي الأعمى والبصير} .

الإيمان نور وإشراق ، يعطي البصيرة والمعرفة للإنسان في النظرة إلى العالم ، وفي الإعتقاد ، والعمل وفي كلّ الحياة ، أمّا الكفر فظلمة كالحة ، فلا إعتقاد صحيح ونظرة سليمة عن العالم ، ولا عمل صالح .

تشير الآية (257) من سورة البقرة إلى هذا الموضوع فتقول : {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة : 257] .

وبما أنّ العين المبصرة وحدها لا تكفي لتحقّق الرؤية ، فيجب توفّر النور والإضاءة أيضاً لكي يستطيع الإنسان ـ الإبصار بمساعدة هذين العاملين ـ تضيف الآية التالية : {ولا الظلمات ولا النور} .

لأنّ الظلام منشأ الضلال ، الظلام سبب السكون والركود ، الظلام مسبّب لكلّ أنواع المخاطر ، أمّا النور والضياء فهو منشأ الحياة والمعيشة والحركة والرشد والنمو والتكامل ، فلوزال النور لتوقّفت كلّ حركة وتلاشت جميع الطاقات في العالم ، ولعمّ الموت العالم المادّي ـ بأسره ، وكذلك نور الإيمان في عالم المعنى ، فهو سبب الرشد والتكامل والحياة والحركة .

ثمّ تضيف الآية {ولا الظلّ ولا الحرور} فالمؤمن يستظلّ في ظلّ إيمانه بهدوء وأمن وأمان ، أمّا الكافر فلكفره يحترق بالعذاب والألم .

يقول «الراغب» في مفرداته : الحرور : (على وزن قبول) الريح الحارّة . وإعتبرها بعضهم «ريح السموم» وبعضهم قال بأنّها «شدّة حرارة الشمس» .

ويقول «الزمخشري» في الكشّاف : «السموم يكون بالنهار ، والحرور بالليل والنهار ، وقيل بالليل خاصّة» (2) ، على أيّة حال ، فأين الحرور من الظلّ البارد المنعش الذي يبعث الإرتياح في روح وجسم الإنسان .

ثمّ يقول تعالى في آخر تشبيه : {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} . المؤمنون حيويون ، سعاة متحرّكون ، لهم رشد ونمو ، لهم فروع وأوراق وورود وثمر ، أمّا الكافر فمثل الخشبة اليابسة ، لا فيها طراوة ولا ورق ولا ورد ولا ظلّ لها ، ولا تصلح إلاّ حطباً للنار .

في الآية (122) من سورة الأنعام نقرأ : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام : 122] .

وفي ختام الآية يضيف تعالى : {إنّ الله يُسمع من يشاء} لكي يسمع دعوة الحقّ ويلبّي نداء التوحيد ودعوة الأنبياء {وما أنت بمسمع من في القبور} .

فمهما بلغ صراخك ، ومهما كان حديثك قريباً من القلب ، ومهما كان بيانك معبّراً ، فإنّ الموتى لا يسعهم إدراك شيء من ذلك ، ومن فقد الروح الإنسانية نتيجة الإصرار على المعاصي ، وغرق في التعصّب والعناد والظلم والفساد ، فبديهي أنّ ليس لديه الإستعداد لقبول دعوتك .

وعليه فلا تقلق من عدم إيمانهم ، ولا تجزع ، فليس عليك من وظيفة إلاّ الإبلاغ والإنذار {إن أنت إلاّ نذير} .

 

وقوله تعالى : {إِنَّآ أَرْسَلْنَكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّة إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكَتَبِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}

 

لا عجب من عدم إيمان :

توصّلنا في الآيات السابقة إلى أنّ هناك أفراداً كالأموات والُعميان لا تترك مواعظ الأنبياء في قلوبهم أدنى أثر ، وعلى ذلك فإنّ الآيات مورد البحث تقصد مواساة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الخصوص وتخفيف آلامه لكي لا يغتمّ كثيراً .

أوّلا تقول الآية الكريمة : {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً وإنّ من اُمّة إلاّ خلا فيها نذير} . فيكفيك من أداء وظيفتك أن لا تقصّر فيها ، أوصل نداءك إلى مسامعهم ، بشّرهم بثواب الله ، وأنذرهم عقابه ، سواء استجابوا أولم يستجيبوا .

الملفت للنظر أنّه تعالى قال في آخر آية من الآيات السابقة مخاطباً الرّسول الأكرم {إن أنت إلاّ نذير} ، ولكنّه في الآية الاُولى من هذه الآيات يقول : {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً} إشارة إلى أنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقوم بهذا العمل من عند نفسه ، وإنّما هو مأمور من قبل الله تعالى .

وإذا كانت الآية السابقة قد ركّزت على الإنذار فقط ، فلأنّ الحديث كان حول الجاهلين المعاندين الذين هم كالأموات المقبورين الذين لا يتقبّلون أي حديث ، أمّا هذه الآية فإنّها توضّح بشكل كامل ، وظيفة الأنبياء الثنائية الهدف «البشارة» و«الإنذار» ، مؤكّدة في آخرها من جديد على «الإنذار» لأنّ الإنذار هو القسم الأساس من دعوة الأنبياء في قبال المشركين والظلمة .

«خلا» : من (الخلاء) وهو المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما ، والخُلُو يستعمل في الزمان والمكان ، ولأنّ الزمان في مرور ، قيل عن الأزمنة الماضية «الأزمنة الخالية» لأنّه لا أثر منها ، وقد خلت الدنيا منها .

وعليه فإنّ جملة {وإنّ من اُمّة إلاّ خلا فيها نذير} بمعنى أنّ كلّ اُمّة من الاُمم السالفة كان لها نذير .

والجدير بالملاحظة ، طبقاً للآية أعلاه ، أنّ كلّ الاُمم كان فيها نذير إلهي ، أي كان فيها نبي ، مع أنّ البعض تلقّى ذلك بمعنى أوسع ، بحيث يشمل العلماء والحكماء الذين ينذرون الناس أيضاً ، ولكن هذا المعنى خلاف ظاهر الآية .

على كلّ حال ، فليس معنى هذا الكلام أن يُبعث في كلّ مدينة أو منطقة رسول ، بل يكفي أن تبلّغ دعوة الرسل وكلامهم أسماع المجتمعات المختلفة ، إذ أنّ القرآن يقول : {خلا فيها نذير} ولم يقل «خلا منها نذير» .

وعليه فلا منافاة بين هذه الآية التي تقصد وصول دعوة الأنبياء إلى الاُمم ، مع الآية (44) من سورة سبأ والتي تقول : { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ : 44] والتي يقصد منها كون المنذر منهم .

ويضيف تعالى في الآية التالية : {وإن يكذّبوك} فلا عجب من ذلك ، ولا تحزن بسبب ذلك ، لأنّه {فقد كذّب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبيّنات وبالزبر وبالكتاب المنير} .

فلست وحدك الذي أصبحت موضع تكذيب هؤلاء القوم الجاهلين بما عندك من معجزات وكتاب سماوي ، فقد واجه الرسل السابقون هذه المشكلة أيضاً ، لذا فلا تغتمّ وواصل سيرك بحزم ، واعلم أنّ من كتبت له الهداية فسوف يهتدي .

أمّا ما هو الفرق بين (البيّنات ـ والزبر ـ والكتاب المنير) ؟ المفسّرين أظهروا وجهات نظر مختلفة ، أوضحها تفسيران :

1 ـ «البيّنات» بمعنى الدلائل الواضحة والمعجزات التي تثبت حقّانية النبي ، أمّا «الزبر» فجمع «زبور» بمعنى الكتب التي كتبت بإحكام (مثل الكتابة على الحجر وأمثالها) وهي كناية عن إستحكام مطالبها (3) . وإشارة إلى الكتب النازلة قبل موسى (عليه السلام) . في حين أنّ «الكتاب المنير» إشارة إلى كتاب موسى (عليه السلام) والكتب السماوية الاُخرى التي نزلت بعده ، (لأنّه وردت الإشارة في القرآن المجيد في سورة المائدة ـ الآيات 44 و46 إلى التوراة والإنجيل على أنّهما (هدى ونور) وفي نفس السورة ـ الآية 15 عبّر عن القرآن الكريم بالنور أيضاً) .

2 ـ المقصود بـ «الزبر» ذلك القسم من كتب الأنبياء التي تحتوي على العبرة والموعظة والنصيحة والمناجاة (كزبور داود) ، وأمّا «الكتاب المنير» فتلك المجموعة من الكتب السماوية التي تحتوي على الأحكام والقوانين والتشريعات الإجتماعية والفردية المختلفة مثل التوراة والإنجيل والقرآن . ويبدو أنّ هذا التّفسير أنسب .

تشير الآية الأخيرة من هذه الآيات إلى العقاب الأليم لتلك المجموعة فتقول : {ثمّ أخذت الذين كفروا} (4) فهم لم يكونوا بمنأى عن العقاب الإلهي ، وإن استطاعوا أن يستمروا بتكذيبهم إلى حين .

فبعض عاقبناهم بالطوفان ، وبعض بالريح العاصفة المدمّرة ، وآخرون بالصيحة والصاعقة والزلزلة .

أخيراً لتأكيد وبيان شدّة وقسوة العقوبة عليهم يقول : (فكيف كان نكير) ذلك تماماً مثلما يقوم شخص بإنجاز عمل مهمّ ثمّ يسأل الحاضرين : كيف كان عملي؟ على أيّة حال فإنّ هذه الآيات تواسي وتطمئن من جانب كلّ سالكي طريق الله والقادة والزعماء المخلصين منهم بخاصّة ، من كلّ اُمّة وفي أي عصر وزمان ، لكي لا ييأسوا ولا يفقدوا الأمل عند سماعهم إستنكار المخالفين ، ولكي يعلموا أنّ الدعوات الإلهية واجهت دائماً معارضة شديدة من قبل المتعصّبين الجاحدين الظلمة ، وفي نفس الوقت وقف المحبّون العاشقون المتولّهون إلى جنب دعاة الحقّ وفدوهم بأنفسهم أيضاً .

ومن جانب آخر فهي تهديد للمعاندين الجاحدين ، لكي يعلموا أنّهم لن يستطيعوا إدامة أعمالهم التخريبية القبيحة إلى الأبد ، فعاجلا أو آجلا ستحيط بهم العقوبة الإلهية .

 

وقوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر : 27 - 28]

 

العجائب المختلفة للخلقة :

مرّة اُخرى تعود هذه الآيات إلى مسألة التوحيد ، وتفتح صفحة جديدة من كتاب التكوين أمام ذوي البصائر من الناس ، لكي ترد بعنف على المشركين المعاندين ومنكري التوحيد المتعصّبين .

لفتت هذه الصفحة المشرقة من كتاب الخلق العظيم إلى تنوّع الجمادات والمظاهر المختلفة والجميلة للحياة في عالم النبات والحيوان والإنسان ، وكيف جعل الله سبحانه من الماء العديم اللون الآلاف من الكائنات الملوّنة ، وكيف خلق من عناصر معيّنة ومحدودة موجودات متنوّعة أحدها أجمل من الآخر .

فهذا النقاش الحاذق أبدع بقلم واحد وحبر واحد أنواع الرسوم والأشكال التي تجذب الناظرين وتحيّرهم وتدهشهم .

أوّلا تقول الآية الكريمة : {ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها} .

شروع هذه الجملة بالإستفهام التقريري ، وبتحريك حسّ التساؤل لدى البشر ، إشارةً إلى أنّ هذا الموضوع جلي إلى درجة أنّ أي شخص إذا نظر أبصر ، نعم ، يبصر هذه الفواكه والزهور الجميلة والأوراق والبراعم المختلفة بأشكال مختلفة تتولّد من ماء وتراب واحد .

«ألوان» : قد يكون المراد «الألوان الظاهرية للفواكه» والتي تتفاوت حتّى في نوع الفاكهة الواحد كالتفّاح الذي يتلوّن بألوان متنوعة ناهيك عن الفواكه المختلفة . وقد يكون كناية عن التفاوت في المذاق والتركيب والخواص المتنوّعة لها ، إلى حدّ أنّه حتّى في النوع الواحد من الفاكهة توجد أصناف متفاوتة ، كما في العنب مثلا حيث أنّه أكثر من 50 نوعاً ، والتمر أكثر من سبعين نوعاً .

والملفت للنظر هو إستخدام صيغة الغائب في الحديث عنه عزّوجلّ ، ثمّ الإنتقال إلى صيغة المتكلّم ، وهذا النوع من التعابير ، غير منحصر في هذه الآية فقط ، بل يلاحظ في مواضع اُخرى من القرآن المجيد أيضاً ، وكأنّ الجملة الاُولى تعطي للمخاطب إدراكاً ومعرفة جديدة ، وتستحضره بهذا الإدراك والمعرفة بين يدي الباري عزّوجلّ ، ثمّ عنده حضوره يلقى عليه الحديث مباشرةً .

ثمّ تُشير الآية إلى تنوّع أشكال الجبال والطرق الملوّنة التي تمرّ من خلالها وتؤدّي إلى تشخيصها وتفريقها الواحدة عن الاُخرى . فتقول : {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود} (5) .

هذا التفاوت اللوني يضفي على الجبال جمالا خاصّاً من جهة ، ومن جهة اُخرى ، يكون سبباً لتشخيص الطرق وعدم الضياع فيما بين طرقها المليئة بالإلتواءات والإنحدارات ، وأخيراً فهو دليل على أنّ الله على كلّ شيء قدير .

«جدد» جمع «جدّة» ـ على وزن غدّة ـ بمعنى الجادّة والطريق .

«بيض» جمع «أبيض» كما أنّ «حمر» جمع «أحمر» وهو إشارة إلى الألوان .

«غرابيب» جمع «غربيب» ـ على وزن كبريت ـ وهو المشبّه للغراب في السواد ، كقولك أسود كحلك الغراب . وعليه فإنّ ذكر كلمة «سود» بعدها والتي هي أيضاً جمع «أسود» تأكيد على شدّة وحلك السواد في بعض الطرق الجبلية (6) .

وإحتمل أيضاً أن يكون التّفسير : ألم تر أنّ الجبال نفسها مثل طرائق بيضاً وحمراً وسوداً مختلفاً ألوانها خطّت على سطح الأرض ، وخاصّة إذا نظر إليها الشخص من فاصلة بعيدة ، فانّها تُرى على شكل خطوط مختلفة ممدودة على وجه الأرض بيض وحمر وسود مختلف ألوانها (7) .

على كلّ حال فإنّ تشكيل الجبال بألوان مختلفة من جهة ، وتلوين الطرق الجبلية بألوان متفاوتة ، من جهة اُخرى ، دليل آخر على عظمة وقدرة وحكمة الله سبحانه وتعالى والتي تتجلّى وتتزيّن كلّ آن بشكل جديد .

وفي الآية التالية تطرح مسألة تنوّع الألوان في البشر والأحياء الاُخرى ، فيقول تعالى : {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه} .

أجل ، فالبشر مع كونهم جميعاً لأب واُمّ واحدين ، إلاّ أنّهم عناصر وألوان متفاوتة تماماً ، فالبعض أبيض البشرة كالوفر ، والبعض الآخر أسود كالحبر ، وحتّى في العنصر الواحد فإنّ التفاوت في اللون شديد أيضاً ، بل إنّ التوأمين الذين يطويان المراحل الجنينية معاً ، واللذين يحتضن أحدهما الآخر منذ البدء ، إذا دقّقنا النظر نجدهما ليسا من لون واحد ، مع أنّهما من نفس الأبوين ، وتمّ إنعقاد نطفتيهما في وقت واحد ، وتغذّيا من غذاء واحد .

ناهيك عن التفاوت والإختلاف الكامل في بواطنهم عدّ أشكالهم الظاهرية ، وفي خلقهم ورغباتهم وخصوصيات شخصياتهم وإستعداداتهم وذوقهم ، بحيث يتكوّن بذلك كيان مستقل منسجم بكلّ إحتياجاته الخاصّة .

في عالم الكائنات الحيّة أيضاً يوجد آلاف الآلاف من أنواع الحشرات ، الطيور ، الزواحف ، الحيوانات البحرية ، الوحوش الصحراوية ، بكلّ خصائصها النوعية وعجائب خلقتها . كدلالة على قدرة وعظمة وعلم خالقها .

حينما نضع قدمنا في حديقة كبيرة من حدائق الحيوان فسوف نصاب بالذهول والحيرة والدهشة بحيث أنّنا ـ بلا وعي منّا ـ نتوجّه بالشكر والثناء لله المبدع لكلّ هذا الفن الخلاّب على صفحة الوجود . مع أنّنا لا نرى أمامنا في تلك الحديقة إلاّ جزءً من آلاف الأجزاء من الموجودات الحيّة في العالم .

وبعد عرض تلك الأدلّة التوحيدية يقول تعالى في الختام جامعاً : نعم إنّ الأمر كذلك (كذلك) (8) .

ولأنّ إمكانية الإنتفاع من آيات الخلق العظيمة هذه تتوفّر أكثر عند العباد العقلاء والمفكّرين يقول تعالى في آخر الآية : {إنّما يخشى الله من عباده العلماء} .

نعم فالعلماء من بين جميع العباد ، هم الذين نالوا المقام الرفيع من الخشية «وهي الخوف من المسؤولية متوافق مع إدراك لعظمة الله سبحانه» ، حالة (الخشية) هذه تولّدت نتيجة سبر أغوار الآيات الآفاقية والأنفسية ، والتعرّف على حقيقة علم وقدرة الله وغاية الخلق .

الراغب في مفرداته يقول : «الخشية خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يُخشى منه ، ولذلك خصّ العلماء بها» .

قلنا تكراراً بأنّ الخوف من الله بمعنى الخوف من المسؤولية التي يواجهها الإنسان ، الخوف من أن يقصّر في أداء رسالته ووظيفته ، ناهيك عن أنّ إدراك جسامة تلك المسؤولية يؤدّي أيضاً إلى الخشية ، لأنّ الله المطلق قد عهد بها إلى الإنسان المحدود الضعيف ، (تأمّل بدقّة) !!

كذلك يستفاد من هذه الجملة ضمناً بأنّ العلماء الحقيقيين هم اُولئك الذين يستشعرون المسؤولية الثقيلة حيال وظائفهم ، وبتعبير آخر : أهل عمل لا كلام ، إذ أنّ العلم بدون عمل دليل على عدم الخشية ، ومن لا يستشعر الخشية لا تشمله الآية أعلاه .

هذه الحقيقة وردت في حديث عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)حيث يقول : «وما العلم بالله والعمل إلاّ إلفان مؤتلفان فمن عرف الله خافه ، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإنّ أرباب العلم وأتباعهم (هم) الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : (إنّما يخشى الله من عباده العلماء)» (9) .

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية «يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم» (10) .

وفي حديث آخر جاء «أعلمكم بالله أخوفكم لله» .

ملخّص القول أنّ العلماء ـ بالمنطق القرآني ـ ليسوا اُولئك الذين تحوّلت أدمغتهم إلى صناديق للآراء والأفكار المختلفة من هنا وهناك ومليئة بالقوانين والمعادلات العلميّة للعالم وتلهج بها ألسنتهم ، أو الذين سكنوا المدارس والجامعات والمكاتب ، بل إنّ العلماء هم أصحاب النظر الذين أضاء نور العلم والمعرفة كلّ وجودهم بنور الله والإيمان والتقوى ، والذين هم أشدّ الناس إرتباطاً بتكاليفهم مع ما يستشعرونه من عظمة المسؤولية إزاءها .

نقرأ في سورة القصص أيضاً أنّه حينما اغترّ «قارون» وإستشعر الرضى عن نفسه وادّعى لها مقام العلم ، قام يعرض ثروته أمام الناس ، وتمنّى عبّاد الدنيا الذين أسرتهم تلك المظاهر البرّاقة أن تكون لهم مثل تلك الثروة والإمكانية الدنيوية ، ولكن علماء بني إسرائيل قالوا لهم : إنّ ثواب الله خيرٌ وأبقى لمن آمن وعمل صالحاً ، ولا يفوز بذلك إلاّ الصابرون المستقيمون : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ } [القصص : 80] .

وفي ختام الآية يقول تعالى ، كدليل موجز على ما مرّ : {إنّ الله عزيز غفور} .

«عزّته» وقدرته اللامتناهية منبع للخوف والخشية عند العلماء ، و(غفرانه) ، سبب في الرجاء والأمل عندهم ، وبذا فإنّ هذين الإسمين المقدّسين يحفظان عباد الله بين الخوف والرجاء ، ونعلم بأنّه لا يمكن إدامة الحركة باتّجاه التكامل بدون الإتّصاف بهاتين الصفتين بشكل متكافيء .

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص50-63 .

2 ـ الكشّاف ، الجزء 3 ، ص608 .

3 ـ يقول الراغب في مفرداته : زبرت الكتاب كتبته كتابة عظيمة ، وكلّ كتاب غليظ يقال له زبور .

4 ـ (أخذت) من مادّة (أخذ) بمعنى حيازة الشيء وتحصيله ، لكنّها هنا كناية عن المجازاة ، لأنّ الأخذ مقدّمة للعقاب .

5 ـ قال البعض بأنّ هذه الجملة الإستئنافية «من الجبال» خبر مقدّم و«جدد» مبتدأ مؤخّر ، وذهب آخرون : إنّ تقدير الجملة هكذا «ألم تر أنّ من الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها» .

6 ـ إستناداً إلى ما صرّحت به بعض كتب اللغة كلسان العرب فإنّ (سود) في الآية أعلاه هي بدل عن «غرابيب» لأنّه في حالة الألوان لا يقدّم التأكيد ، لاحظ أنّ (غرابيب) أكثر إشباعاً للتأكيد من ناحية السواد ، لذا قيل إنّ الأصل كان «سودٌ غرابيب» .

7 ـ تفسير الميزان ، مجلّد 17 ، صفحة 42 .

8 ـ حول ما هو إعراب «كذلك» اُعطيت إحتمالات عديدة ، بعضهم قالوا بأنّها جملة مستقلّة تقديرها (الأمر كذلك) ونحن إنتخبنا في تفسيرنا هذا المعنى لكونه الأنسب ، ولكن البعض ربطوها بالجملة السابقة فقالوا : إنّ المعنى هو كما أنّ الثمرات وجدد الجبال مختلف ألوانها كذلك الناس والدواب والأنعام ، وقد احتمل أيضاً أن تكون الجملة مرتبطة بما بعدها والمعنى : كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية .

9 ـ روضة الكافي ، طبقاً لنقل نور الثقلين ، مجلّد 4 ، صفحة 359 .

10 ـ مجمع البيان ، تفسير الآيات مورد البحث .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .