المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

الغزل
23-03-2015
فلاش غير مباشر Bounce flash
19-12-2021
إشكالات الشفاعة
24-09-2014
أماكن سياحية في جزيرة بينانج
14-6-2018
احتلال مصر
15-3-2016
Foster,s Theorems
17-3-2022


تفسير الأية (92-99) من سورة الكهف  
  
5918   01:35 صباحاً   التاريخ: 31-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الكاف / سورة الكهف /

 

قال تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا  } [الكهف: 92 - 99]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا } معناه: ثم أتبع مسلكا بالغا مما يبلغه قطرا من أقطار الأرض وهذا يقوي قول من قال إن الأرض كروية الشكل لأنه لم يأخذ في الطريق الذي كان قد عاد فيه وإنما أخذ في طريق آخر .

{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} ثم أخبر سبحانه عن حال ذي القرنين بعد منصرفه عن المشرق أنه سلك طريقا إلى أن بلغ بين السدين ووصل إلى ما بينهما وهما الجبلان اللذان جعل الردم بينهما وهو الحاجز بين يأجوج ومأجوج ومن وراءهم عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل أراد بالسدين الموضع الذي فيه السدان اليوم لأنه لو كان هناك سد لم يكن لطلبهم السد معنى والسد الموضع المسدود لا المنفتح { وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} أي: خصوا بلغة كادوا لا يعرفون غيرها قال ابن عباس : كادوا لا يفقهون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم وإنما قال { لا يكادون } لأنهم فهموا بعض الأشياء عنهم وإن كان بعد شدة ولذلك حكى الله عنهم أنهم { قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ } ويجوز أن يكون الله سبحانه فهم ذا القرنين لسانهم كما فهم سليمان (عليه السلام) ) منطق الطير أوقالوا له بترجمان أن يأجوج ومأجوج مفسدون في أرضهم وفسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم ودوابهم وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه عن الكلبي وقيل أرادوا أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم وورد في الخبر عن حذيفة قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن يأجوج ومأجوج فقال يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز قلت يا رسول الله وما الأرز قال شجر بالشام طوال وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم خيل ولا حديد وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية.

 قال وهب ومقاتل أنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك وقال السدي الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذوالقرنين فضرب السد فبقيت خارجة وقال قتادة إن ذا القرنين بنى السد على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك وقال كعب هم نادرة في ولد بني آدم وذلك أن آدم (عليه السلام) احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم وهذا بعيد وقوله { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أوخراجا معناه: فهل نجعل لك بعضا من أموالنا { عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} أي: حائطا وقيل: في الفرق بين الخرج والخراج أن الخراج اسم لما يخرج من الأرض والخرج اسم لما يخرج من المال وقيل الخراج الغلة والخرج الأجرة وقيل الخراج ما يؤخذ عن الأرض والخرج ما يؤخذ عن الرقاب قاله أبوعمرووقيل الخراج ما يؤخذ في كل سنة والخرج ما يؤخذ دفعة عن تغلب.

 { قال } ذوالقرنين { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي: أعطاني ربي من المال ومكني فيه من الاتساع في الدنيا خير مما عرضتموه علي من الأجر { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} أي: برجال فيكون معناه بقوة الأبدان وقيل بعمل تعملونه معي عن الزجاج وقيل ب آلة العمل وذلك زبر الحديد والصفر { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} أي: سدا وحاجزا قال ابن عباس : الردم أشد الحجاب وقيل هو السد المتراكب بعضه على بعض { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } أي: أعطوني قطع الحديد أوجيئوا بقطع الحديد على القراءة الأخرى وفي الكلام حذف وهو أنهم أتوه بما طلبه منهم من زبر الحديد ليعمل الردم في وجوه يأجوج ومأجوج فبناه { حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} أي: سوى بين جانبي الجبل بما جعل بينهما من الزبر قال الأزهري : يقال لجانبي الجبل صدفان لتصادفهما أي تحاذيهما وتلاقيهما.

 وقيل هما جبلان كل واحد منهما منعدل عن الآخر كأنه قد صدف عنه وقوله { قَالَ انْفُخُوا } معناه: قال ذوالقرنين انفخوا النار على الزبر أمرهم أن يؤتى بمنافخ الحدادين فينفخوا في نار الحديد التي أوقدت فيه { حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} أي: حتى إذا جعل الحديد كالنار في منظره من الحمي واللهب فصار قطعة واحدة لزم بعضها بعضا { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي: أعطوني نحاسا مذابا أوصفرا مذابا أوحديدا مذابا أصبه على السدين الجبلين حتى ينسد الثقب الذي فيه ويصير جدارا مصمتا فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس الذائب عن ابن عباس ومجاهد والضحاك قال قتادة : فهو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء.

 { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} معناه: فلما تم لم يستطع يأجوج ومأجوج أن يعلوه ويصعدوه يقال ظهرت السطح إذا علوته { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي: ولم يستطيعوا أن ينقبوا أسفله لكثافته وصلابته ونفي بذلك كل عيب يكون في السد وقيل أن هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط وقيل أنه وراء دربند وخزران من ناحية أرمينية وأذربيجان وقيل أن مقدار ارتفاع السد مائتا ذراع وعرض الحائط نحومن خمسين ذراعا { قال } ذوالقرنين { هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أي: هذا السد نعمة من الله لعباده أنعم بها عليهم في دفع شر يأجوج ومأجوج عنهم { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} يعني إذا جاء وقت أشراط الساعة ووقت خروجهم الذي قدره الله تعالى { جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أي: جعل السد أرضا مستويا مع الأرض مدكوكا أوذا دك وإنما يكون ذلك بعد قتل عيسى بن مريم الدجال عن ابن مسعود.

 وجاء في الحديث أنهم يدأبون في حفرة نهارهم حتى إذا أمسوا وكادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا ونفتحه ولا يستثنون فيعودون من الغد وقد استوى كما كان حتى إذا جاء وعد الله قالوا غدا نفتح ونخرج إن شاء الله فيعودون إليه وهوكهيئته حين تركوه بالأمس فيخرقونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ويتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع وفيها كهيئة الدماء فيقولون قد قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم(2) فيدخل في آذانهم فيهلكون بها فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : والذي نفس محمد بيده أن دواب الأرض لتسمن وتسكر من لحومهم سكرا وفي تفسير الكلبي أن الخضر واليسع يجتمعان كل ليلة على ذلك السد يحجبان يأجوج ومأجوج عن الخروج { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} أي: وكان ما وعد الله بأن يفعله لا بد من كونه فإنه حق إذ لا يجوز أن يخلف وعده .

ثم أخبر سبحانه عن حال تلك الأمم فقال { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي: وتركنا يأجوج ومأجوج يوم انقضاء أمر السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم ويكون حالهم كحال الماء الذي يتموج باضطراب أمواجه وقيل إنه أراد سائر الخلق من الجن والإنس أي وتركناهم يوم خروج يأجوج ومأجوج يختلطون بعضهم ببعض لأن ذلك علم للساعة ثم ذكر سبحانه نفخ الصور فقال { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} لأن خروج يأجوج ومأجوج من أشراط الساعة واختلف في الصور فقيل هو قرن ينفخ فيه عن ابن عباس وابن عمر وقيل: هو جمع صورة فإن الله سبحانه يصور الخلق في القبور كما صورهم في أرحام الأمهات ثم ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ وهم في أرحام أمهاتهم عن الحسن وأبي عبيدة وقيل إنه ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات فالنفخة الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق التي يصعق من في السماوات والأرض بها فيموتون والثالثة نفخة القيام لرب العالمين فيحشر الناس بها من قبورهم.

 { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} أي: حشرنا الخلق يوم القيامة كلهم في صعيد واحد.

________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص382-391.

2- النغف : دود يسقط من أنوف الإبل والغنم .وقيل :دود أبيض يكون في النوى إذا انقع.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } . رجع ذوالقرنين إلى بلاد ثالثة تقع شرقي البحر الأسود ، يسكنها الصقالبة - كما قيل - وإليها أشار سبحانه بقوله : { حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } . المراد بالسدين هنا جبلين ، وكان القوم الذين وجدهم ذوالقرنين هناك لا يفهمون لغته ، ولا لغة من معه ، ولا هو ومن معه يفهمون لغة القوم ، ولكنه فهم مطالبهم بالإشارة ، أوبواسطة مترجم بدليل قوله تعالى : { قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وبَيْنَهُمْ سَدًّا } . قال الشيخ المراغي في تفسيره : « يأجوج هم التتر ، ومأجوج المغول ، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وتمتد بلادهم من التبت والصين إلى البحر المتجمد ، ومنهم جنكيزخان وهلاكو» . ثم نقل المراغي عن مجلة المقتطف لسنة 1888 ان سد ذي القرنين يقع وراء جيحون في عمالة بلخ ، واسمه الآن باب الحديد ، وهو بمقربة من مدينة ترمذ ، وان العالم الألماني « سيلد برجر » ذكره في رحلته التي كانت في أوائل القرن الخامس عشر ، وأيضا ذكره المؤرخ الاسباني « كلافيجو» في رحلته سنة 1403 .

ومهما يكن فقد طلب القوم من ذي القرنين أن يبني لهم سدا يمنع عنهم يأجوج ومأجوج ، فقد كانوا يغزون أرضهم ، ويسومونهم سوء العذاب قتلا وسبيا ونهبا ، واشترطوا على أنفسهم ان يجعلوا لذي القرنين جعلا في أموالهم إذا هو بنى السد { قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي } وأعطاني من السلطان والمال { خير } مما آتاكم اللَّه ، فأنتم إلى مالكم أحوج ، فأنفقوه في مصالحكم { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ رَدْماً } : المراد بالقوة هنا العمال وأدوات البناء ، وبالردم السد والحاجز { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } أي قطعا منه { حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ } . الصدفان جانبا الجبلين لأنهما يتصادفان أي يلتقيان ، وفي الكلام حذف ، وتقديره فأتوه بالحديد ، فوضع بعضه فوق بعض حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ، ثم آتوه بالوقود ، فأشعل فيه النار ، ووضع المنافخ و{ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً } أي نفخوا فصار السد كالنار اشتعالا وتوهجا ، وعندها { قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } والقطر هو الصلب المذاب ، فأتوه به فصبه على الحديد المحمي ، فالتصق بعضه ببعض ، وصار جبلا من حديد .

{ فَمَا اسْطاعُوا } الضمير ليأجوج ومأجوج { أَنْ يَظْهَرُوهُ } أن يصعدوا من فوقه لارتفاعه وملاسته { ومَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً } لصلابته وكثافته { قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي } . هذا إشارة إلى السد ، وفي قال ضمير يعود إلى ذي القرنين ، وقد حمد اللَّه سبحانه على هذه الرحمة والنعمة التي أتمها على يده . . وهكذا المؤمن المخلص يتواضع للَّه ، ويشكره كلما تتابعت نعم اللَّه عليه .

وبناء هذا السد أصدق مثال على أنه قد كان في تاريخ الانسانية تعاون وتعاطف بين الدول الغنية الكبرى ، والدول الضعيفة « النامية » ، بين الشعب الذي يملك أسباب التطور ، والشعب الذي لا يملكها .

وقوة الولايات المتحدة تشبه إلى حد بعيد قوة ذي القرنين من حيث إن كلا منهما لا تضارعها قوة في عصرها ، ولكن الفرق بعيد جدا من حيث النتائج ، فإن ذا القرنين كان بكل ما يملك من قوة ملكا لخير البشرية واسعادها ، أما قوة الولايات المتحدة فهي لحماية الشر والصهيونية ، وللسيطرة على المقدرات والأسواق والأفكار لمصلحة الاستعمار والرجعية بشتى صورها وأشكالها ، والشواهد على ذلك لا يبلغها الإحصاء ، فمن مناصرة الصهاينة ضد العرب إلى تغذية العنصرية في بلادها وفي روديسيا ، ومن الانقلابات العسكرية في إفريقيا وغيرها إلى ضرب القوى التحررية في الكونغووفي كل مكان ، أما فيتنام فقد حشدت لتدميرها الجيوش ، وعبأت كل ما لديها ، ولكن صمود الشعب الفيتنامي لقّن الولايات المتحدة درسا في الهوان والذل لا تنساه مدى الحياة . . وكل ما حققته الولايات المتحدة من النجاح فهو جزئي مؤقت يذهب مع نضال الشعوب الذي يزداد يوما بعد يوم .

{ فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ } . ضمير جعله للسد ، ودكاء أي مستويا مع الأرض ، والمعنى أنه متى دنا الوقت الذي يخرج فيه يأجوج ومأجوج من وراء السد هيأ اللَّه أسباب هدمه وزواله { وكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا } لا ريب فيه ، قال الشيخ المراغي : « وقد جاء وعده تعالى بخروج جنكيز خان وسلائله فعاثوا في الأرض فسادا » . وفي تفسير الرازي ان وعد اللَّه هنا يوم القيامة ، وفي تفسير الطبرسي ان هذا الوعد يأتي بعد قتل الدجّال ، أما نحن فنميل إلى قول المراغي لأنه أقرب إلى قوله تعالى :

{وتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} . فانّا نفهم منه ان يأجوج ومأجوج ينتشرون في الأرض بعد خراب السد ، ويفسدون على الناس حياتهم ، قال تعالى :

{ حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ » - 96 الأنبياء }.

هذا ، إلى أنه لوكان المراد بمجيء وعده تعالى يوم القيامة أوبعد الدجال لكان السد موجودا الآن كما هو. . ومن الواضح انه لو كان لبان ، بخاصة وقد جعل العلم الكرة الأرضية وسكانها أشبه بالأسرة الواحدة يضمها بيت واحد { ونُفِخَ }فِي التفسير

{ الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً } . وهذا اليوم هو خاتمة المطاف للأولين والآخرين .

وفي تفسير الطبري ان رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) سئل عن الصور ؟ . فقال : هو قرن ينفخ فيه . وبعد ، فإن الذي قلناه عن يأجوج ومأجوج ، أونقلناه عن الغير إنما هو على التقريب ، لا على التحقيق ، لأنّا لم نجد مصدرا يركن إليه ، ومن أجل هذا نكتفي بما دل عليه ظاهر القرآن الكريم ، ونترك التفاصيل إلى غيرنا.

_____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 159-162.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } إلى آخر الآية.

السد الجبل وكل حاجز يسد طريق العبور وكأن المراد بهما الجبلان، وقوله:{ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا} أي قريبا منهما، وقوله:{ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} كناية عن بساطتهم وسذاجة فهمهم، وربما قيل: كناية عن غرابة لغتهم وبعدها عن اللغات المعروفة عندهم، ولا يخلو عن بعد.

قوله تعالى:{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ} إلخ الظاهر أن القائلين هم القوم الذين وجدهم من دون الجبلين، ويأجوج ومأجوج جيلان من الناس كانوا يأتونهم من وراء الجبلين فيغيرون عليهم ويعمونهم قتلا وسببا ونهبا والدليل عليه السياق بما فيه من ضمائر أولي العقل وعمل السد بين الجبلين وغير ذلك.

وقوله:{ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} الخرج ما يخرج من المال ليصرف في شيء من الحوائج عرضوا عليه أن يعطوه مالا على أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا يمنع من تجاوزهم وتعديهم عليهم.

قوله تعالى:{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} أصل{مكني} مكنني ثم أدغمت إحدى النونين في الأخرى، والردم السد وقيل السد القوي، وعلى هذا فالتعبير بالردم في الجواب وقد سألوه سدا إجابة ووعد بما هو فوق ما استدعوه وأملوه.

وقوله:{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} استغناء من ذي القرنين عن خرجهم الذي عرضوه عليه على أن يجعل لهم سدا يقول: ما مكنني فيه وأقرني عليه ربي من السعة والقدرة خير من المال الذي تعدونني به فلا حاجة لي إليه.

وقوله:{ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} إلخ القوة ما يتقوى به على الشيء والجملة تفريع على ما يتحصل من عرضهم وهو طلبهم منه أن يجعل لهم سدا، ومحصل المعنى أما الخرج فلا حاجة لي إليه، وأما السد فإن أردتموه فأعينوني بما أتقوى به على بنائه كالرجال وما يستعمل في بنائه - وقد ذكر منها زبر الحديد والقطر والنفخ بالمنافخ - أجعل لكم سدا قويا.

وبهذا المعنى يظهر أن مرادهم بما عرضوا عليه من الخرج الأجر على عمل السد.

قوله تعالى:{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} إلى آخر الآية، الزبر بالضم فالفتح جمع زبرة كغرف وغرفة وهي القطعة، وساوى بمعنى سوى على ما قيل وقرىء{سوى} والصدفين تثنية الصدف وهو أحد جانبي الجبل ذكر بعضهم أنه لا يقال إلا إذا كان هناك جبل آخر يوازيه بجانبه فهو من الأسماء المتضائفة كالزوج والضعف وغيرهما والقطر النحاس أوالصفر المذاب وإفراغه صبه على الثقب والخلل والفرج.

وقوله:{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} أي أعطوني إياها لأستعملها في السد وهي من القوة التي استعانهم فيها، ولعله خصها بالذكر ولم يذكر الحجارة وغيرها من لوازم البناء لأنها الركن في استحكام بناء السد فجملة{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} بدل البعض من الكل من جملة{فأعينوني بقوة} أوالكلام بتقدير قال، وهو كثير في القرآن.

وقوله:{ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا} في الكلام إيجاز بالحذف والتقدير فأعانوه بقوة وآتوه ما طلبه منهم فبنى لهم السد ورفعه حتى إذا سوى بين الصدفين قال: انفخوا.

وقوله:{قال انفخوا} الظاهر أنه من الإعراض عن متعلق الفعل للدلالة على نفس الفعل والمراد نصب المنافخ على السد لإحماء ما وضع فيه من الحديد وإفراغ القطر على خلله وفرجه.

وقوله:{ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} إلخ في الكلام حذف وإيجاز، والتقدير فنفخ حتى إذا جعله أي المنفوخ فيه أوالحديد نارا أي كالنار في هيئته وحرارته فهو من الاستعارة.

وقوله:{ قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي آتوني قطرا أفرغه وأصبه عليه ليسد بذلك خلله ويصير السد به مصمتا لا ينفذ فيه نافذ.

قوله تعالى:{ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} اسطاع واستطاع واحد، والظهور العلو والاستعلاء، والنقب الثقب، قال الراغب في المفردات،: النقب في الحائط والجلد كالثقب في الخشب انتهى وضمائر الجمع ليأجوج ومأجوج.

وفي الكلام حذف وإيجاز، والتقدير فبنى السد فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه لارتفاعه وما استطاعوا أن ينقبوه لاستحكامه.

قوله تعالى:{ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} الدكاء الدك وهو أشد الدق مصدر بمعنى اسم المفعول، وقيل: المراد الناقة الدكاء وهي التي لا سنام لها وهو على هذا من الاستعارة والمراد به خراب السد كما قالوا.

وقوله:{ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أي قال ذوالقرنين - بعد ما بنى السد - هذا أي السد رحمة من ربي أي نعمة ووقاية يدفع به شر يأجوج ومأجوج عن أمم من الناس.

وقوله:{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} في الكلام حذف وإيجاز والتقدير وتبقى هذه الرحمة إلى مجيء وعد ربي فإذا جاء وعد ربي جعله مدكوكا وسوى به الأرض.

والمراد بالوعد إما وعد منه تعالى خاص بالسد أنه سيندك عند اقتراب الساعة فيكون هذا ملحمة أخبر بها ذوالقرنين، وإما وعده تعالى العام بقيام الساعة الذي يدك الجبال ويخرب الدنيا، وقد أكد القول بجملة{وكان وعد ربي حقا}.

قوله تعالى:{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} إلخ ظاهر السياق أن ضمير الجمع للناس ويؤيده رجوع ضمير{فجمعناهم} إلى الناس قطعا لأن حكم الجمع عام.

وفي قوله:{ بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} استعارة، والمراد أنهم يضطربون يومئذ من شدة الهول اضطراب البحر باندفاع بعضه إلى بعض فيرتفع من بينهم النظم ويحكم فيهم الهرج والمرج ويعرض عنهم ربهم فلا يشملهم برحمته، ولا يصلح شأنهم بعنايته.

فالآية بمنزلة التفصيل للإجمال الذي في قول ذي القرنين:{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} ونظيره قوله تعالى في موضع آخر:{ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}: الأنبياء: 97.

وهي على أي حال من الملاحم.

وقد بان مما مر أن الترك في الآية بمعناه المتبادر منه وهو خلاف الأخذ ولا موجب لما ذكره بعضهم: أن الترك بمعنى الجعل وهو من الأضداد انتهى.

والآية من كلام الله سبحانه وليست من تمام كلام ذي القرنين والدليل عليه تغيير السياق من الغيبة إلى التكلم مع الغير الذي هو سياق كلامه السابق{إنا مكنا له}{قلنا يا ذا القرنين}، ولو كان من تمام كلام ذي القرنين لقيل: وترك بعضهم على حذاء قوله:{جعله دكاء}.

وقوله:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} إلخ هي النفخة الثانية التي فيها الإحياء بدليل قوله{ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا}.

___________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص293-296.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

كيف تمّ بناء سد ذي القرنين؟

الآيات أعلاه تشير إِلى سفرة أُخرى مِن أسفار ذي القرنين حيثُ تقول:{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا }.

أي بعد هذه الحادثة استفاد مِن الوسائل المهمّة التي كانت تحت تصرفه ومضى في سفره حتى وصل إِلى موضع بين جبلين:{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}.

والآية إِشارة إِلى أنَّهُ وَصَل إِلى مَنطقة جبلية، وهناك وَجدَ أُناساً(غير المجموعتين اللتين عثر عليهما في الشرق والغرب) كانوا على مستوى دان مِن المدنية، لأنّ الكلام أحد أوضح علائم التمدُّن لدى البشر.

البعض احتمل أنَّ جملة{ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} لا تعني أنّهم لم يكونوا يعرفون اللغات، بل كانوا لا يفهمون محتوى الكلام، أي كانوا مُتخلفين فكرياً.

أمّا عن مكان الجبل والجوانب التأريخية والجغرافية لهذه الحادثة، وسنذكر في نهاية البحث التّفسيري، حديثاً مفصلا عن ذلك.

في هذه الأثناء اغتنم هؤلاء القوم مجيء ذي القرنين، لأنّهم كانوا في عذاب شديد مِن قبل أعدائهم يأجوج ومأجوج، لذا فقد طلبوا العون منهُ قائلين:{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}.

قد يكون كلامهم هذا تمَّ عن طريق تبادل العلامات والإِشارات، لأنّهم لا يفهمون لغة ذي القرنين، أو أنّهم تحدثوا معهُ بعبارات ناقصة لا يمكن الإِعتداد بها.

ويحتمل أن يكون التفاهيم بينهم تمَّ عن طريق المترجمين، أو بأُسلوب الإِلهام الإِلهي، مثل تحدّث بعض الطيور مع سليمان(عليه السلام).

في كل الأحوال، يمكن أن نستفيد مِن الآية الشريفة أنَّ تلك المجموعة مِن الناس كانت ذات وضع جيِّد مِن حيث الإِمكانات الإِقتصادية، إِلاَّ أنّهم كانوا ضعفاء في المجال الصناعي والفكري والتخطيطي، لذا فقد تقبلوا بتكاليف بناء هذا السد المهم، بشرط أن يتكفل ذو القرنين ببنائه وهندسته.

وفيما يخص يأجوج ومأجوج سنتحدث عنهم في نهاية هذا البحث إِن شاء الله.

أمّا ذو القرنين فقد أجابهم:{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}، وأنّي لا أحتاج

إِلى مساعدتكم المالية وإِنّما:{ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}.

كلمة «ردم» على وزن «طرد» وهي في الأصل تعني ملء الشق بالأحجار، إِلاّ أنّها فيما بعد أخذت معنىً واسعاً بحيث شملَ كل سد، بل وشمل حتى ترقيع الملابس.

يعتقد بعض المفسّرين أنَّ كلمة «ردم» تقال للسد القوي(2)، ووفقاً لهذا التّفسير فإِنَّ ذا القرنين قد وعدهم بأكثر ممّا كانوا ينتظرونه.

كما أنّه يجب الإِنتباه إِلى أنَّ «سد» على وزن «قد»، و«سُدّ» على وزن «قفل» هما بمعنى واحد، وهو الحائل الذي يفصل بين شيئين، إِلاَّ أنَّ البعض ـ كما يقول الراغب ـ وضع فرقاً بين الإِثنين، فالأوّل هو مِن صناعة الإِنسان، والثّاني هو الحائل الطبيعي.

ثمّ أمر ذو القرنين فقال:{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}.

«زُبر» جمع «زُبرة» على وزن (غُرفة)، وتعني القطع الكبيرة والضخيمة مِن الحديد.

وعندما تهيأت قطع الحديد أعطى أمراً بوضع بعضها فوق البعض الآخر حتى غطّي بين الجبلين بشكل كامل:{ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}.

«صدف» تعني هنا حافة الجبل، ويتّضح مِن هذا التعبير أنَّ هناك شقاً بين حافتي الجبل حيث كانَ يأجوج ومأجوج يدخلان منه، وقد صمم ذو القرنين ملأ هذا الشق.

الأمر الثّالث لذي القرنين هو طلبه مِنهم أن يجلبوا الحطب وما شابههُ، ووضعهُ على جانبي هذا السد، وأشعل النار فيه ثمّ أمرهم بالنفخ فيه حتى احمرَّ الحديد مِن شدة النّار:{ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا}.

لقد كان يهدف ذو القرنين مِن ذلك ربط قطع الحديد بعضها ببعض ليصنع منها سداً من قطعة واحدة، وعن طريق ذلك، قام ذو القرنين بنفس عمل «اللحام» الذي يُقام به اليوم في ربط أجزاء الحديد بعضها ببعض.

أخيراً أصدر لهم الأمر الأخير فقال: اجلبوا لي النحاس المذاب حتى أضعه فوق هذا السد:{ قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}.

وبهذا الشكل قام بتغطية هذا السد الحديدي بطبقة النحاس حتى لا ينفذ فيه الهواء ويحفظ مِن التآكل.

بعض المفسّرين قالوا: إِنَّ علوم اليوم أثبتت أنَّهُ عند إضافة مقدار مِن النحاس إِلى الحديد فإِنَّ ذلك سيزيد مِن مقدار مقاومته، ولأنَّ «ذا القرنين» كان عالماً بهذه الحقيقة فقد أقدم على تنفيذه.

إِنَّ المشهور في معنى «قطر» هو ما قلناه (أي النحاس المذاب)، إِلاَّ أنّ بعض المفسّرين فسَّر ذلك بـ «الخارصين المذاب» وهو خلاف المتعارف عليه.

وأخيراً، أصبح هذا السد بقدر مِن القوّة والإِحكام بحيث:{ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}.(3)

لقد كان عمل ذي القرنين عظيماً ومهماً، وكانَ لهُ وفقاً لمنطق المستكبرين ونهجهم أن يتباهى بهِ أو يمنّ به، إِلاَّ أنَّهُ قال بأدب كامل:{قال هذا رحمة مِن ربّي}لأنَّ أخلاقهُ كانت أخلاقاً إِلهية.

إِنَّهُ أراد أن يقول: إِذا كنت أملك العلم والمعرفة وأستطيع بواسطتهما أن أخطو خطوات مهمّة، فإِنَّ كل ذلك إِنما كانَ مِن قبل الخالق جلَّ وعلا، وإِذا كُنت أملك قابلية الكلام والحديث المؤثِّر فذلك أيضاً مِن الخالق جلَّ وعلا.

وإِذا كانت مثل هذه الوسائل والأفكار في اختياري فإِنَّ ذلك مِن بركة الله ورحمته الخالق الواسعة.

أراد ذو القرنين أن يقول: إِنّني لا أملك شيئاً مِن عندي كي أفتخر به، ولم أعمل عملا مهماً كي أَمُنّ على عباد الله.

ثمّ استطرد قائلا: لا تظنوا أنَّ هذا السد سيكون أبدياً وخالداً:{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ}.

{ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}.

لقد أشار ذو القرنين في كلامه هذا إِلى قضية فناء الدنيا وتحطِّم هيكل نظام الوجود فيها عند البعث.

لكن بعض المفسّرين اعتبر الوعد الإِلهي إشارة إِلى التقدم العلمي للبشر والذي بواسطته لا يبقى معنىً لسد غير قابل للإِختراق والعبور، فالطائرات وما شابهها تستطيع أن تعبر جميع هذه الموانع. ولكن هذا التّفسير بعيد حسب الظاهر.

لقد تناولت الآية السابقة سد يأجوج ومأجوج وانهدامه عند البعث، وهذه الآيات تستمر في قضايا القيامة، فتقول أوّلا: إِنّنا سنترك في ذلك اليوم ـ الذي ينتهي فيه العالم ـ بعضهم يموج ببعض:{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}.

إِنَّ استخدام كلمة «يموج» إِمّا بسبب الكثرة الكاثرة للناس في تلك الواقعة، وشبيه لهُ ما نقوله مِن أنَّ الناس في القضية الفلانية يموجون، كناية عن كثرتهم، أو بسبب الإِضطراب الخوف الذي يصيب الناس في ذلك اليوم، وكأنّما أجسادهم تهتز كأمواج الماء.

طبعاً لا يوجد تناقض بين المعنيين، ويمكن أن يشمل تعبير الآية كلا الحالتين.

بعد ذلك تضيف الآيات:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} وبلا شك فإِنَّ كافة الناس سيجمعون في تلك الساحة ولن يستثنى مِنهم أحد، وتعبير{ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} إِشارة إِلى هذه الحقيقة.

مِن مجموع الآيات نستفيد أنَّ ثمّة تحولان عظيمان سيحصلان عند نهاية هذا العالم وبداية العالم الجديد:

الأوّل: فناء الموجودات والناس بشكل آني.

والثّاني: إِحياء الموتى بشكل آني أيضاً.

ولا نعلم مقدار الفاصل بين الحدثين، ولكنَّ القرآن يُعبِّر عن هذين التحوّلين بعنوان{نفخ الصور}، وسنشرح ما يعينه ذلك في نهاية الآية (68) مِن سورة الزمر إِن شاء الله.

وهناك رواية ينقلها «أصبغ بن نباتة» عن الإِمام الصادق(عليه السلام)، يبيّن فيها(عليه السلام) أنَّ المقصود مِن قوله تعالى:{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} هو يوم القيامة(4).

وقد يتصّور البعض أنّ هناك تعارضاً بين الرّواية وبين ما ذكرناه أعلاه في تفسير الآية، حيث قلنا: إِنّها تعني مرحلة فناء الدنيا، كما يظهر مِن الآيات التي تسبقها والتي تليها. لكن هذا التعارض سيزول إِذا التفتنا إِلى ملاحظة وهي أنَّهُ يتمّ استخدام يوم القيامة ـ في بعض الأحيان ـ بمعناه الواسع الذي يشتمل على المقدمات )أي مقدمات القيامة) ونحن نعرف: أنّ الفناء السريع للدنيا هو أحد المقدمات.

_______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج6،ص576-592.

2- «الآلوسي» في «روح المعاني»، والفيض الكاشاني في تفسير «الصافي»، والفخر الرازي في «التّفسير الكبير».

3- {اسطاعوا} كان في الاصل (أستطاعوا) وحذف حرف التاء من باب الاستفعال.

4- تفسير العياشي، نقلا عن الميزان في تفسير الآية.

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .