المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

إيلينيوم = برومثيوم 147 ilinium = promethium 147
1-4-2020
إشكاليات اقتصاد المعرفة وتحدياته- عدم القدرة على ضبط المنتجات
13-6-2022
Sodium azide :Toxicity Hazard
13-3-2019
قراءة (الصراط)
2023-06-05
ما هو الرحيق؟
11-3-2021
Chronic Effects and Prevention
30-11-2021


انتقال الحقوق الناشئة من العقد من المورث إلى الوارث  
  
8249   10:04 صباحاً   التاريخ: 28-8-2020
المؤلف : عبد الرزاق السنهوري
الكتاب أو المصدر : مصادر الحق في الفقه الاسلامي
الجزء والصفحة : ص42-54
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون المدني /

إذا أبرم المورث عقدة نشأت له حقوق منه، فإن هذه الحقوق تنتقل بذواتها إلى الوارث بعد موت المورث. فإذا باع شخص عينة مملوكة له بثمن مؤجل، ونشأ من عقد البيع حق للبائع، في هذا الثمن، ومات البائع قبل أن يحل الأجل أو بعد أن حل ولكن قبل أن يقبض الثمن، فإن هذا الحق الناشئ من عقد البيع ينتقل بذاته . مؤجلا أو حل أجله . إلى الوارث. وإذا فرض أن البائع كان قد أخذ بالثمن رهنا، فإن حق الرهن المترتب على عقد الرهن ينتقل هو أيضا مع حق الثمن من المورث إلى الوارث. كذلك إذا اشترى المورث عينة وأصبح له حق بموجب عقد البيع في قبضها، ومات قبل القبض ، فإن الحق في قبض العين ينتقل من المورث إلى الوارث، ويستطيع الوارث أن يطالب البائع بتسليم العين، بل يستطيع أيضا أن يحبس الثمن الذي هو دين في التركة حتى يتم التسليم ومن الحقوق التي يكسبها المورث بالعقد فتنتقل منه إلى الوارث حقوق الارتفاق وحق التعلي وحق قبول الوصية.

لحقوق الارتفاق، كحق الشرب وحق المجرى وحق المسيل وحق المرور، تتعلق بأعيان مالية وهي الأرض التي تقررت عليها هذه الحقوق فتغلب فيها معنى المالية، فتنتقل إلى الوارث مع العين صاحبة الارتفاق أي العين المرتفعة. فإذا مات شخص عن أرض لها حق شرب أو مجرى أو مسيل أو مرور على أرض أخرى، انتقلت الأرض المرتفقة بما لها من حقوق ارتفاق إلى الوارث. بل إن الفقه الإسلامي، خلافا للفقه الغربي، يتصور جواز انفصال حقوق الارتفاق عن العقار المرتفق، كما إذا باع صاحب العقار المرتفق عقاره دون أن ينص على دخول حقوق الارتفاق في البيع، فيملك المشتري العقار مجردا من حقوق الارتفاق وتبقى هذه الحقوق للبائع مستقلة عن العقار . وحتى في هذه الحالة تنتقل من المورث إلى الوارث، ففي الفرض الذي قدمناه تنتقل حقوق الارتفاق التي بقيت للبائع منه إلى وارثه .

وحق التعلي هو حق قيام بناء حجر، فالعلو له حق التعلي على السفل. وهو في حكم المال، فينتقل بالميراث تبعا للماء المستعلى  أو مستقلا عنه . فإذا مات صاحب العلو وعلوه قائم على السفل، انتقل العلو بما يتبعه من حق التعلي إلى الوارث. وإذا مات صاحب العلو بعد أن انهدم علوه ولم يبق له إلا حق التعلي مستقلا، انتقل هذا الحق إلى الوارث فيكون له حق البناء على السفل. وإذا كان لا يجوز بيع حق التعلي مستقلا عند الحنفية، فإنه مع ذلك يجري التوارث فيه مستقلا عندهم. أما عند المالكية والحنابلة فيجوز بيع حق التعلي مستقلا، بل يجوز بيعه مستقلا قبل بناء السفل، فيباع الهواء فوق ما سيبني من البناء إذا وصف كل من البناء الأسفل والبناء الأعلى وصفة نافية للجهالة، ومن باب أولى يجري التوارث فيه.

وحق قبول الوصية ينتقل من الموصى له، إذا مات قبل قبول الوصية، إلى وارثه، وهذا بإجماع المذاهب الأربعة على خلاف بينها فيما ينتقل. أما عند الحنفية فالذي ينتقل إلى الوارث هو الشيء الموصى به ذاته ، لأن الوصية عندهم تتم بالإيجاب مع اليأس من أن يردها الموصى له. فإذا مات الموصى له قبل أن يقبل أو برد، فقد تحقق اليأس من الرد، واعتبر الموصى به ملكا للموصی له ودخل في تركنه، فينتقل مع سائر حقوق التركية إلى الوارث. وأما عند المالكية والشافعية والحنابلة فالذي ينتقل لورثة الموصى له هو حق قبول الوصية ، إذ الوصية عندهم لا تتم إلا بقبولها من الموصي له بعد موت الموصي، فإذا مات الموصى له قبل أن يقبل الوصية انتقل حق القبول إلى ورثته ، ومن ثم نرى حق قبول الوصية ، في هذه المذاهب الثلاثة، قد تغلبت فيه الناحية المالية  لأنه تعلق بعين مالية في العين الموصى بها (1).

الاستثناءات: ما لا ينتقل من الحقوق إلى الوارث:

وإذا كان الأصل في الفقه الإسلامي، كما في الفقه الغربي، أن حقوق التركة ننتقل إلى الوارث ، فهناك استثناءات ترد على هذا الأصل، ترجع، كما في الفقه الغربي أيضا، إلى طبيعة الحق.

فما كان من الحقوق ليس حقا مالية، وما كان حقا مالية ولكنه متصل بشخص المورث، وما اتصل بمشيئة المورث لا بماله، كل هذا لا ينتقل إلى الوارث، لأن طبيعة الحق تستعصي على هذا الانتقال، ونابي الإبقاء الحق مع صاحبه الأصلي وزواله بموته، فنستعرض أمثلة من هذه الأنواع الثلاثة من الحقوق .

 الحقوق غير المالية:

لا تنتقل حقوق المورث غير المالية إلى الوارث بداهة، فحق الحضانة ، وحق الولاية على النفس، وحق الولاية على المال، كل هذه ليست بحقوق مالية فلا ننتقل إلى الوارث. هذا إلى أن هذه الحقوق لم يكسبها المورث بالعقد ليبحث هل ينصرف أثر العقد إلى الوارث، بل أكسبها إياه الشرع. وما يكسبه المورث من هذه الحقوق غير المالية بالإرادة، كما لو كان وصي الأب أو وصى الجد، لا ينتقل أيضا إلى الوارث.

كذلك حق المطالبة بحد القذف . ويذكرنا هذا الحق وإن كان غير مالي بحق التعويض المالي عن الضرر الأدبي الذي مر بنا في الفقه الغربي . لا يجري فيه الإرث ولا ينتقل إلى ورثة المقذوف، لأن الإرث إنما يجري فيما يترك من مال . وهذا ما ذهبت إليه الحنفية ، وذهب أحمد بن حنبل في أشهر الروايتين إلى أنه يسقط بموت المقذوف إذا مات قبل أن يطالب به ، فإن طالب به ثم توفي لم يسقط ، وثبت لعصبته لا لورثته حتى استيفائه، وذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية أخرى إلى أنه لا يسقط بالموت، لأن المعرة تلحق المقذوف وأقاربه، ولكنهم اختلفوا فيمن يكون له حق المطالبة بإقامة الحد بعد موت المقذوف، فذهب الشافعي إلى أنه يثبت للورثة على حسب ترتيبهم في الميراث، ولكن يثبت لكل وارث على التمام وإن لم يستقل بكل التركة، فإذا عفا أحدهم عن حقه فلمن يأتي بعده من الورثة أن يطالب به ويستوفيه كله، وقبل في مذهب الشافعي إنه يثبت للورثة بقدر نصيبهم في الميراث، فإذا عفا أحدهم سقط من الحد بقدر ما يخصه، وذهب مالك إلى أن حق المطالبة بإقامة الحد يثبت لكل قريب نام به سبب الإرث وإن لم يرث فعلا لما لحقه من العار ، فيثبت للأبعد مع وجود الأقرب كابن الابن مع وجود الابن، وثبوته لهؤلاء إنما هو ثبوت ابتداء لا بطريق الوراثة من المقذوف. ويتبين مما قدمناه أن الغالب في الفقه الإسلامي أن حق المطالبة بحد القذف لا ينتقل إلى الوارث بطريق الميراث ، فهو إما لا ينتقل أصلا كما في المذهب الحنفي، أو يثبت ابتداء لعصبة المقذوف وأقاربه باعتبارهم مجني عليهم قد لحقهم عار شخصي من القذف لا باعتبارهم ورثة انتقل إليهم هذا الحق من المورث. ولا يوجد إلا قول مرجوح في مذهب الشافعي هو الذي يجعل الحق ينتقل إلى الورثة بالميراث، وبقدر نصيبهم فيه، فإذا عفا أحدهم سقط من الحد بقدر ما يخصه.

الحقوق المالية المتصلة بشخص المورث:

وما كان من الحقوق مالية ولكنه متصل بشخص المورث لا ينتقل إلى الوارث، فدين النفقة ، سواء كان الدائن زوجة أو قريبا، لا ينتقل إلى الوارث بعد موت الدائن، وذلك ما لم بأذن القاضي اللدائن بالاستدانة ويستدن فعلا، وحق الانتفاع لا يثبت لشخص إلا مدة معينة لا تجاوز مدة حياته ، فلا ينتقل إلى وارث المنتفع بعد الموت. وحق رجوع الواهب في الهبة حين يجوز الرجوع حق متصل بشخص الواهب، فلا ينتقل منه إلى وارثه، بل يسقط بموته .

ولا ينتقل بالموت إلى الوارث حق المالك في إجازة نصرف الفضولي، ويرجع ذلك غالبا إلى أن الإجازة تستند من جهة، وتكون إنشاء من جهة أخرى، فوجب أن يكون المالك موجودة وقت صدور التصرف مراعاة لحق الاستناد ، ووقت الإجازة مراعاة لحق الإنشاء فإذا مات بين الوقتين لم تعد الإجازة ممكنة، فلا يتصور انتقالها إلى الوارث (انظر في تعليل آخر يستند إلى قاعدة معروفة في الفقه الإسلامي تقضي بأن الملك البات إذا طرأ على الملك الموقوف أبطله، مقال الأستاذ علي الخفيف في تأثير الموت في حقوق الإنسان والتزاماته (31،32 )

وحق الأجل في الدين حق متصل بشخص المدين في الفقه الإسلامي، فقد نظر الدائن فيه إلى شخص المدين لأمانته أو لملاءمته أو للشفقة عليه أو للرغبة في إسداء الجميل إليه، وهذه كلها اعتبارات شخصية لا تورث. فإذا مات المدين قبل أن يحل أجل دينه، لم ينتفع الوارث بالأجل، بل بحل الدين بموت المدين . أما إذا مات الدائن قبل حلول الأجل بقي الأجل على حاله ولم بحل الدين ووجب على ورثة الدائن أن يتربصوا حتى ينتهي الأجل ليطالبوا بحق مورثهم، وهناك اعتبارات أخرى غير ما قدمناه ، تذكر في الفقه الإسلامي، لتبرير حلول الدين بموت المدين. من ذلك ما جاء في "الأم" للشافعي: "وإذا مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل، فهي إلى أجلها لا تحل بمونه ، ولو كانت الديون على الميت إلى أجل، فلم أعلم خالفة حفظت عنه ، ممن لقيت في أنها حالة يتحاص فيها الغرماء، فإن فضل ، كان لأهل الميراث والوصايا إن كانت له. قال ويشبه أن يكون من حجة من قال هذا القول، مع تتابعهم عليه ، أن يقولوا: لما كان غرماء الميت أحق بماله في حياته ، كانوا أحق بماله بعد وفاته من ورثته , فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما ندعها في الحياة، كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته، ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه، ولعل من حجتهم أن يقولوا إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم  ؟ قال : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه دينها.

وهذا بخلاف الفقه الغربي، فإن الأجل في الدين منصل بالدين ذاته لا بشخص المدين، بل هو وصف في الدين، فإذا مات الدائن أو المدين لم بحل الدين إذا كان الأجل لم ينقض، ولم

يخل الفقه الإسلامي من أقوال تذهب إلى ما ذهب إليه الفقه الغربي من عدم حلول الدين المؤجل بموت المدين ، فمالك يشترط لسقوط الأجل بالموت شرطين، أحدهما ألا يكون الدائن قد تسبب في موت المدين، فإن استعجل موته قبل أوانه عوقب بحرمانه من سقوط الأجل فيبقى الدين مؤجلا على ما كان. والشرط الثاني ألا يكون المدين قد اتفق مع الدائن على عدم سقوط الأجل بموت المدين، فإن اشترط المدين بقاء الدين مؤجلا بعد موته إلى أن بنفضي الأجل، صح هذا الشرط ولم يسفط الأجل بموت المدين(2). وفي المذهب الحنبلي روايتان، إحداهما أن الديون المؤجلة لا تحل بالموت إذا وثقها الورثة، والرواية الأخرى أنها تحل بالموت .. جاء في المغني (4/485-487)، وإن مات وعليه ديون مؤجلة، فهل تحل بالموت؟ فيه روايتان . إحداهما لا تحل إذا وثق الورثة؛ وهو قول ابن سيرين وعبد الله بن الحسن وإسحاق وأبي عبيد، وقال طاووس وأبو بكر بن محمد والزهري وسعيد بن إبراهيم الدين إلى أجله، وحكي ذلك عن الحسن، والرواية الأخرى أنه بحل بالموت، وبه قال الشعبي والنخعي وسوار ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. لأنه لا يخلو إما أن يبقى في ذمة الميت، أو الورثة ، أو يتعلق بالمال . لا يجوز بقاؤه في ذمة الميت، لخرابها وتعذر مطالبته بها. ولا في ذمة الورثة ، لأنهم لا يلتزموها، ولا رضي صاحب الدين بذممهم وهي مختلفة متباينة. ولا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله، لأنه ضرر بالميت وصاحب الدين ولا نفع للورثة فيه. أما الميت فلأن النبي (ص) قال : " الميت مرتهن بدينه حتى يقضي عنه"  وأما صاحبه فيتأخر حقه، وقد تتلف العين فيسقط حقه, وأما الورثة فإنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا ينصرفون فيها، وإن حصلت لهم منفعة فلا يسقط حق الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم، ولنا.. أن الموت ما جعل مبطلا للحقوق، وإنما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : "من ترك حقا أو مالا فلورثته" ، فعلى هذا يبقى الدين في ذمة الميت كما كان. ويتعلق بعين ماله كتعلق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه ، فإن أحب الورثة أداء الدين والتزامه للغريم وينصرفون في المال، لم يكن لهم ذلك إلا أن يرضي الغريم أو يوثقوا الحق بضمين مليء أو رهن يثق به لوفاء حقه، فإنهم قد لا يكونون أملياء ولم يرض بهم الغريم، فيؤدي إلى فوات الحق، وذكر القاضي أن الحق ينتقل إلى ذمم الورثة بموت مورثهم، من غير أن يشترط التزامهم له، ولا ينبغي أن يلزم الإنسان دين لم يلتزمه ولم يتعاط سببه ، ولو لزمهم ذلك الموت مورثهم للزمهم وإن لم يخلف وفاء .. وإن مات مفلس وله غرماء بعض ديونهم مؤجل وبعضها حال، وقلنا المؤجل بحل بالموت، تساووا في التركة فاقتسموها على قدر ديونهم، وإن قلنا لا يحل بالموت، نظرنا، فإن وثق الورثة صاحب المؤجل احتص أصحاب الحال بالتركة، وإن امتنع الورثة من التوثيق حل دينه وشارك أصحاب الحال لئلا يفضي إلى إسقاط دين بالكلمة"

 الحقوق المالية التي تتصل بمشيئة المورث لا بماله:

وهناك حقوق مالية تتصل بمشيئة المورث لا بماله، وهذه أيضا لا تنتقل إلى الورثة، لأن المشيئة لا تورث. نذكر من ذلك الخيارات وحق الأخذ بالشفعة .

وأهم الخيارات هي خبار الشرط وخبار الرؤية وخبار التعيين وخيار العيب وخبار فوات الوصف، ويذهب الحنفية إلى أن هذه الخيارات لا تورث، إذ هي متصلة بشخص صاحب الخيار ، وليست إلا اتجاهه لإرادته ومظهرا من مظاهر مشيئته ، وليس للإرادة أو المشيئة بقاء بعد الموت ، فتنتهي به ولا تنتقل إلى الوارث. إلا أن كلا من خيار التعيين وخيار العيب وخبار فوات الوصف يثبت للوارث بعد موت المورث ابتداء ، لا بطريق الوراثة والخلافة، لأن هذه الخيارات إنما تثبت العلل تحققت في العين ذاتها، فخيار التعيين يثبت نتيجة لاختلاط المال، وكل من خيار العيب وخيار فوات الوصف يثبت لضياع بعض المال أو نقصه، وهذه العلل تبقى قائمة حتى بعد انتقال العين إلى الوارث فيثبت الخيار للوارث ابتداء لقيام العلة، لا لأن الخبار انتقل إليه من وارثه . ويذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن كلا من خيار التعيين وخبار العيب وخيار الوصف ينتقل بالميراث، لأنها حقوق مالية تنتقل إلى الوارث كسائر الحقوق، وإذا كان انتقال العين نفسها إلى الوارث بطريق الإرث والخلافة فكذلك يكون انتقال الخيار المتعلق بها . وكذلك الحكم في خيار الشرط عند الشافعي ومالك إذ هو حق مالي يقوم الوارث فيه مقام مورثه، خلافا لأحمد فقد ذهب إلى أنه لا يورث إلا إذا اختار من له الخيار قبل موته، أما إذا لم يختر قبل الموت فلا يورث الخيار.

أما حق الشفعة فيذهب الحنفية إلى أنه لا يورث كما لا يورث خبار الشرط، لأن كلا منهما مشينة والمشيئة لا تورث . وهذه رواية عن أحمد، وفي رواية أخرى عنه حق الشفعة يورث إذا كان الشفيع لم يمت إلا بعد أن طلب الأخذ بالشفعة وذهب مالك والشافعي إلى أن حق الشفعة بورث ، لأنه حق متعلق بالمال ومفض إلى تملكه. وأما ما تقوله الحنفية من أنه إرادة ومشيئة، فالإرادة تتعلق هنا بشيء له وجود سابق، إذ الشفيع لا يستطيع المطالبة بأخذ أي عقار بالشفعة، بل يأخذ عقارة معينة بالذات لأنه أولى به من مشتريه ، فإذا مات الشفيع قبل أن يطلب لم تتغير حال العقار المبيع، فيكون الوارث أحق به من مشتريه لقيام الوارث مقام المورث. جاء في "البدائع" وهو من كتب الفقه الحنفي: «وأما الضروري (فيما يبطل به حق الشفعة) فنحو أن يموت الشفيع بعد الطلبين قبل الأخذ بالشفعة، فتبطل شفعته. وهذا عندنا، وعند الشافعي رحمه الله لا تبطل لوارثه حق الأخذ، ولقب المسألة أن خيار الشفعة هل يورث ؟ عندنا لا يورث، وعنده يورث. والكلام فيه من الجانبين على نحو الكلام في خيار الشرط  ( 5/22) . وجاء في " بداية المجتهد" وهو من كتب الفقه المالكي: فمن ذلك اختلافهم في ميراث حق الشفعة، فذهب الكوفيون إلى أنه لا يورث كما أنه لا يباع، وذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الأموال" (2/218)  وجاء في"  المهذب " ، وهو من كتب الفقه الشافعي: وإن مات الشفيع قبل العفو والأخذ، انتقل حقه من الشفعة إلى ورثته، لأنه قبض ما استحفه بعقد البيع فانتقل إلى الورثة كقبض المشتري في البيع، ولأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فورث كالرد بالعيب (3) " (1/383)  وجاء في "المغني" ، وهو من كتب الفقه الحنبلي: «والشفعة لا تورث، إلا أن يكون الميت طالب بها. وجملة ذلك: أن الشفيع إذا مات قبل الأخذ بها، لم يخل من حالين، أحدهما أن يموت قبل الطلب بها، فتسقط ولا تنتقل إلى الورثة، وقال أحمد الموت يبطل به ثلاثة أشياء: الشفعة، والحد إذا مات المقذوف، والخيار إذا مات الذي اشترط الخبار لم يكن للورثة، هذه الثلاثة الأشياء إنما هي بالطلب، فإذا لم يطلب فليس تجب، إلا أن يشهد أني على حقي من كذا وكذا وأني قد طلبته , فإن مات بعده، كان لوارثه الطلب به، وروى سقوطه بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي، وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال مالك والشافعي والعنبري بورث، قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك لأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فيورث كخبار الرد بالعيب، ولنا أنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث كالرجوع في الهبة، ولأنه نوع خبار جعل للتمليك أشبه خبار القبول. فأما خبار الرد بالعيب، فإنه لاستدراك جزء فات من المبيع, الحال الثاني إذا طالب بالشفعة ثم مات، فإن حق الشفعة ينتقل إلى الورثة قولا واحدة، ذكره أبو الخطاب وقد ذكرنا نص أحمد عليه، لأن الحق يتقرر بالطلب، ولذلك لا يسقط بتأخير الأخذ بعده، وقبله يسقط وقال القاضي بصير الشقص ملكا للشفيع بنفس المطالبة، وقد ذكرنا أن الصحيح غير هذا ، فإنه لو كان ملكا للشفيع لم يصح العفو عن الشفعة بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ بها. فإذا ثبت هذا، فإن الحق ينتقل إلى جميع الورثة على حسب مواريثهم، لأنه حق مالي موروث.. فإن ترك بعض الورثة حقه توافر الحق على سائر الورثة، ولم يكن لهم أن يأخذوا إلا الكل أو يترکوا كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن شفعنه، لأنا لو جوزنا أخذ بعض المبيع تبعضت الصفقة على المشتري وهذا ضرر في حقه، (5 طبعة ثالثة (346- 347) .

وإذا كنا قد تبسطنا في الكلام في انتقال حق الشفعة وبيان اختلاف المذاهب فيه، فذلك لأن هذه المسالة الهامة لا تزال محلا للخلاف أمام القضاء المصري، ومرجع القضاء في ذلك هو الفقه الإسلامي إذ هو مصدر حق الشفعة، وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني المصري الجديد  يشتمل على نص في هذا الصدد يحسم الخلاف، ويقضي بأن حق الشفعة ينتقل بالميراث، إذ كانت الفقرة الثانية من المادة 1382 من هذا المشروع تنص على ما يأتي: «الحق في الشفعة لا ينتقل بالحوالة، وإنما ينتقل بالميراث، وهو حق لا يتجزأ في استعمالها. وقد عدل هذا النص في لجنة المراجعة، فأصبح يفضي بأن «الحق في الشفعة لا ينتقل بالتحويل ولا بالميراث». ثم أعيدت مناقشة هذا النص في لجنة مجلس الشيوخ، واستقر الرأي بعد مناقشة طويلة على حذفه أصلا، وترك الحكم فيما إذا كان حق الشفعة ينتقل بالميراث أو لا ينتقل لاجتهاد القضاء، وعلى هذا النحو صدر التقنين المدني المصري الجديد خالية من النص الذي كان يراد به حسم خلاف محتدم في القضاء المصري. فقد كان بعض المحاكم، في عهد التقنين السابق، يقضي بانتقال حق الشفعة بالميراث، وبعض آخر يقضي بعدم انتقاله. ثم رفع الأمر إلى محكمة الاستئناف في دوائرها المجتمعة ، ففضت في 3 مايو سنة 1930 بأن حق الشفعة لا ينتقل بالميراث ولكن عندما أنشئت محكمة النقض، رفع إليها الأمر، فقضت في 8 يونيه سنة ۱۹۳۹ بعكس ما قضت به الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف وبأن حق الشفعة ينتقل بالميراث. وقد جاء في أسباب حكمها ما يأتي: او حيث إن الأصل في القوانين الوضعية أن من ترك مالا فلورثته.. ولهذا خلت القوانين الوضعية من النص فيها على ما ينتقل للورثة من الخيارات المختلفة، لأن الأصل فيها جميعا الانتقال للورثة ، إلا ما كان خاضا بذات صاحب الخبار فيسقط بالموت. وكما خلا القانون المصري من حكم خيار العيب وخبار الشرط وخيار التعيين وخيار الاسترداد الوراثي و خيار المدين دفع ثمن الدين المبيع لمشتريه، كذلك خلا قانون الشفعة من النص على حكم خيار الشفيع أينتقل للورثة أو لا ينتقل، فالقول الفصل فيها جميعا أنها تنتقل قانونا إلى ورثة صاحب الخيار، لأنها حقوق مالية يجري فيها التوارث مجرى الأصل . وحيث إن الأصل كذلك في الشريعة الإسلامية . على مذهب جمهور الفقهاء . هو أن تورث الحقوق والأموال إلا ما قام دليل على مفارقة الحق في هذا المعنى للمال. أما الحنفية منهم، فالأصل عندهم أن يورث المال دون الحقوق، لأن الذي ثبت عن الشارع هو قوله : من ترك مالا فلورثتها. إلا ما قام دليله من إلحاق الحقوق بالأموال. فموضع الخلاف بين الأئمة هل الأصل هو أن نورث الحقوق كالأموال أم لا، فأبو حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أن الوارث يكون له ما كان للمورث من الخيارات في خيار العبب وخيار فوات الوصف المرغوب فيه وخبار التعيين وخيارات أخرى، لا على اعتبار أن الذي ينتقل للورثة حق من الحقوق، بل على اعتبار أن المنتقل إليهم عين التصقت بها حقوق. ففي خيار العيب وخيار فوات الوصف السبب الحامل على الخيار قائم بالعين بعد موت المورث كما كان قائمة قبله. أما خيار الشفعة، فليس متعلقة بالعين المشفوع فيها ولاصقة بها، بل هو راجع لمحض إرادة الشفيع فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فهو لا ينتقل إلى الوارث لأنه ليس مال ولا في معنى المال. أما جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، فأصلهم أن الحقوق والاختصاصات والخيارات تورث كما تورث الأموال إلا ما كان صفة خاصة بذي الخيار كخيار الأب في رد هبته، فلا يورث لأنه خيار راجع إلى صفة في الأب لا توجد في غيره وهي الأبوة . فسبب اختلافهم إذن في خيار  ، على ما يقوله الإمام ابن رشد، أنه من انقدح له في شيء منها  أنه صفة للعقد ورثه، ومن انقدح له أنه صفة خاصة لذي الخيار لم يورثه . وحيث إن مذهب جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة في انتقال الخيارات انتقال الأموال والحقوق إلى الورثة هو الذي يلائم مذهب القانون المصري فيما جرى به من توريث الأموال والحقوق المتعلقة بالأموال والحقوق المجردة والمنافع والخيارات والمزاعم والدعاوي وآجال الديون. فمن مات وعلبه دين مؤجل، فلا بحل أجل الدين بموته لأنه حق استفادة المدين حال حياته، فينتقل بعد موته إلى ورثته ميراثا عنه . والمنافع المملكة لشخص إذا مات قبل استيفائها: يخلفه ورثته فيما بقي منها، ولهذا لا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر أو المؤجر في أثناء المدة ومن أعطبت له أرض ليحييها بالزراعة أو العمارة فحجرها ولم يباشر فيها عمل الإحياء وكان ذلك قبل مضي ثلاث سنين حل وارثه محله في اختصاصه بها وأولويته بإحيائها. وإذا مات الدائن المرتهن انتقلت العين المرهونة إلى يد وارثه ، وانتقل معها حق حبسها حتى يستوفي الدين، وهذا كله صحيح في مذهب القانون وجمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة، وغير صحيح في مذهب أبي حنيفة ، والخلاصة أن حكم القانون في خيار الشفعة هو انتقاله إلى الورثة ، كرأي جمهور أولئك الفقهاء والأئمة، وحيث إنه ينتج من ذلك أن محكمة الاستئناف ، إذ قضت بسقوط حق الشفيع بمونه قبل القضاء معتمدة في ذلك على مذهب أبي حنيفة وعلى خلو القانون من نص صريح يخالف المعتمد في هذا المذهب، تكون قد خالفت حكم القانون المدني فيما استنبطته هذه المحكمة من فقهه كما سبق الذكر. (نقض مدني 8يونيه سنة 1939 مجموعة عمر2 رقم 189-575  . انظر نقض مدنى 31 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 80) ولا شك في أنه ما دام أن النص الذي كان مشروع التقنين المدني الجديد يشتمل عليه لحسم الخلاف قد حذف، وترك الأمر لاجتهاد القضاء، ولم ير المشرع أن يضيف إلى سلسلة القيود التي أحاط بها الشفعة تخففا من أثرها في تقييد حرية التعامل فيدا جديدا بالنص صراحة على أن حق الشفعة لا ينتقل بالميراث ، فلا مناص من الرجوع إلى أحكام القضاء في هذه المسألة. ويبدو أن محكمة النقض في حكمها المتقدم الذكر، وفيما استند إليه هذا الحكم من أسباب وجيهة، قد حسمت الخلاف، إذ قضت بأن حق الشفعة هو حق مالي ينتقل بالميراث كسائر الحقوق المالية(4)

بعض النصوص الفقهية الهامة فيما ينتقل من الحقوق إلى الورثة وما لا ينتقل:

ونقل هنا بعضا من النصوص الفقهية التي تتناول تعيين ما ينتقل من الحقوق إلى الورثة وما لا ينتفل. جاء في " الفروق"  للقرافي (3/275-279) وهو من كتب الفقه المالكي: اعلم أنه يروي عن رسول الله أنه قال من مات عن حق فلورثته، وهذا اللفظ ليس على عمومه، بل من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث ومنها ما لا ينتقل. فمن حق الإنسان أن بلاعن عند سبب اللعان، وأن يفيء بعد الإيلاء، وأن يعود بعد الظهار، وأن يختار من نسوة إذا أسلم عليهن وهن أكثر من أربع، وأن يختار إحدى الأختين إذا أسلم عليهما، وإذا جعل المتبايعان له الخيار، فمن حقه أن يملك إمضاء البيع عليهما وفسخه . ومن حقه ما فوض إليه من الولايات والمناصب، كالقصاص والإمامة والخطابة وغيرها، وكالأمانة والوكالة . فجميع هذه الحقوق لا ينتقل للوارث منها شيء، وإن كانت ثابتة للمورث. بل الضابط لما ينتقل إليه ما كان متعلقة بالمال، أو بدفع ضرره عن الوارث في عرضه بتخفيف ألمه، وما كان متعلقة بنفس المورث وعقله وشهواته لا ينتقل للوارث والسر في الفرق أن الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلق به تبعة، ولا يرثون عقله ولا شهوته ولا نفسه فلا يرثون ما يتعلق بذلك، وما لا يورث لا يرثون ما يتعلق به فاللعان برجع إلى أمر يعتقده لا يشاركه فيه غيره غالبا والاعتقادات ليست من باب المال، والفينة شهوته، والعود إرادته، واختيار الأختين والنسوة أربه وميله، وقضاؤه على المتابعين وعقله وفكرته ورأيه، ومناصبه وولاياته واجتهاداته وأفعاله الدينية فهو دينه، ولا ينتقل شيء من ذلك للوارث، لأنه لم يرث مستنده وأصله، وانتقل للوارث خيار الشرط في البيعات، وقاله الشافعي رحمه الله تعالى، وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل لا ينتقل إليه، وينتقل للوارث خيار الشفعة عندنا، وخيار التعيين إذا اشترى موروثه عبدة من عبدين على أن يختار، وخيار الوصية إذا مات الموصى له بعد موت الموصي، وخيار الإقالة والقبول إذا أوجب البيع لزید فلوارثه القبول والرد، وقال ابن المواز إذا قال من جاءني بعشرة فعلامي له فمتى جاء أحد بذلك إلى شهرين لزمه، وخيار الهبة وفيه خلاف. ومنع أبو حنيفة خيار الشفعة .، وسلم خيار الرد بالعيب وخيار تعدد الصفقة وحق القصاص وحق الرهن وحبس المبيع وخيار ما وجد من أموال المسلمين في الغنيمة فمات ربه قبل أن يختار أخذه بعد القسمة، ووافقناه نحن على خيار الهبة في الأب للابن بالاعتصار وخبار العتق واللعان والكتابة والطلاق بأن يقول طلقت امرأتي متى شئت فيموت المقول له. وسلم الشافعي جميع ما سلمناه ، وسلم خيار الإقالة والقبول. ومدارك المسألة على أن الخيار عندنا صفة للعقد فينتقل مع العقد، فإن آثار العقد انتقلت للوارث. وعند أبي حنيفة صفة للعاقد لأنها مشيئته واختياره، فتبطل بموته. كما تبطل سائر صفاته ، ولأن الرجل في الثمن لا يورث فكذلك في الخيار، ولأن البائع رضي بخيار واحد وأنتم تثبتونه الجماعة لم يرض بهم وهم الورثة فوجب ألا يتعدى الخيار من اشترط له كما لا يتعدى الأجل من اشترط له، والجواب عن الأول أن اختياره صفته، ولكن صفة متعلقة بالمال فينتقل، كاختياره الأكل والشرب وأنواع الانتفاع في المال فإن جميع ذلك ينتقل تبعا للمال. وعن الثاني أن الأجل معناه تأخير المطالبة، والوارث لا مطالبة عليه ... وعن الثالث أنه ينتفض بخبار التعيين وبشرط الخيار للأجنبي وقد أثبتوه للوارث، وبما إذا جنى فإنه ينتقل إلى الولي ما لم يرض به البائع. فهذا تلخيص مدرك الخلاف. ويعضدنا في موطن الخلاف قوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك ازواجكم ) (النساء: 12)، وهو عام في الحقوق فبتناول صورة النزاع، ولم يخرج عن حقوق الأموال إلا صورتان فيما علمت : حد القذف، وقصاص الأطراف والجرح والمنافع في الأعضاء فإن هاتين الصورتين تنتقلان للورثة وهما ليستا بمال، لأجل شفاه غليل الوارث بما دخل على عرضه من قذف مورثه والجناية عليه . وأما قصاص النفس فإنه لا يورث ، فإنه لم يثبت للمجني

عليه قبل موته وإنما ثبت للوارث ابتداء، لأن استحقاقه فرع زهوق النفس فلا يقع إلا للوارث بعد موت الموروث... فهذا تلخيص هذا الفرق، بيان سره ومداركه والخلاف فيه ".

وجاء في " القواعد " لابن رجب (315 - 318)  وهو من كتب الفقه الحنبلي: " فيما يقوم فيه الورثة مقام موروثهم من الحقوق، وهو نوعان : حق له وحق عليه، فأما النوع الأول، فما كان من حقوقه بجب بموته ، كالدية والقصاص في النفس، فلا ريب في أن لهم استبقاءه، وسواء قلنا إنه ثابت لهم ابتداء أو منتقل لهم عن موروثهم، ولا يؤثر مطالبة المقتول بذلك شيئة على المعروف من المذهب. ومال الشيخ تقي الدين إلى أن مطالبته بالقصاص توجب تحتمه، فلا يتمكنون بعدها من العفو، وما كان واجبة له في حياته إن كان قد طالب به او هو في يده، ثبت لهم إرثه . فمنه الشفعة إذا طالب بها، نص عليها أحمد في أكثر الروايات، وتوقف في رواية ابن القاسم وقال هو موضع نظر ، ومنه حد القذف، ونص عليه أيضأ، ويستوفيه الوارث لنفسه بحكم الإرث عند القاضي، وقال ابن عقيل فيما قرأته بخطه إنما يستوفي للميت بمطالبته منه ولا ينتقل، وكذا الشفعة فيه فإن ملك الوارث وإن كان طارئة على البيع إلا أنه مبني على ملك مورثه، ومنه خيار الشرط، ونص عليه أحمد أيضا.. ومنه خيار الرجوع في الهبة إذا طالب به، ذكره القاضي في خلافه .. وأما إن لم يكن يطالب به فهو ضربان.

أحدهما: حقوق المتملكات والحقوق التي ليست بمالية كالقصاص وحد القذف، ففيه قولان في المذهب أشهرهما أنه لا يورث. ويندرج في ذلك صور، منها الشفعة فلا تورث مطالبته على المذهب، وله مأخذان أشار إليهما أحمد. أحدهما أنه حق له فلا يثبت بدون مطالبته به .. .

والثاني: أن حقه فيها سقط بتركه وإعراضه لا سيما على قولنا إنها على الفور .. ومنها حق الفسخ بخيار الشرط، فلا يورث بغير مطالبة .. ومنها الفسخ الثابت بالرجوع في الهبة ، فلا يثبت بدون المطالبة أيضا.. وعن أحمد في الهبة المخصص بها بعض الولد إذا مات الواهب قبل التعديل والرجوع هل للورثة الرجوع أم لا؟ روابتان، ومأخذهما أن رجوع الوالد في هذه الهبة هل هو من باب الرجوع في الهبة الثابتة للوالد دون غيره فلا يقوم غيره فيه مقامه ، أو هو ثابت الاستدراك الظلم والجور، وعلى هذا هل هو مأمور به لحق نفسه حيث ظلم واعندي فأمر بالتعديل، فإذا لم يفعله سقط، أو هر مأمور به لحق بقية الأولاد المظلومين فيثبت لهم الرد إذا تعذر الرد من جهته؟ ومنها حد القذف، فلا بورث بدون المطالبة أيضا.. ومنها خبار قبول الوصية المنصوص عن أحمد أن الوصية تبطل بموت الموصى له قبل وصولها إليه.. وقال الخرقي يثبت الخيار بين القبول والرد لورثة الموصى له، لأن الوصية لزمت بموت الموصي فهي كالمملوكة ....

الضرب الثاني: حقوق أملاك ثابتة متعلقة بالأملاك الموروثة ، فينتقل إلى الورثة بانتقال الأموال المتعلقة بها بدون المطالبة ، بخلاف الضرب الأول فإن الحقوق فيه من حقوق المالكين لا من حقوق الأملاك .. ومن صور ذلك الرهن، فإذا مات وله دين برهن انتقل برهنه إلى الورثة . ومنها الكفيل وهو كالرهن .. ومنها الأجل، فلا بحل الدين المؤجل إذا أوثقه الورثة برهن أو كفيل

في أشهر الروايتين. ومنها الرد بالعيب، وقد تردد القاضي في خلافه هل هو ثابت للورثة ابتداء أو بطريق الإرث، والمشهور أنه إرث لأن الرد إنما يثبت لمن كان العقد له. والخيار الثابت لفوات الصفة المشروطة في العقد مثله .. وذكر القاضي في كتاب التخريج، أن من باع سلعة إلى أجل، ثم مات المشتري فاشتراها البائع من مورثه بأقل من الثمن لم يجز، لأن الوارث يملكها على حكم ملك الميت، بدليل أنه يرد على بائعها بالعيب، فصار الشراء منه كالشراء من المورث. وهذا غريب، وهو يشبه الوجه الذي حكاه ابن عقيل في بناء الوارث على حول المورث في الزكاة . النوع الثاني الحقوق التي هي على الموروث ..."

 انتقال الحق إلى الوارث وموقف الفقه الإسلامي من انتقال الحقوق والديون:

أن الأصل في الفقه الإسلامي أن الحق ينتقل إلى الوارث إلا إذا استعصت طبيعة الحق على هذا الانتقال، وهذا هو أيضا الفقه الغربي.

وإذا كان الفقه الإسلامي سلم انتقال الحق إلى الوارث، فذلك بفضل فكرة خلافة الوارث للمورث. فكرة الخلافة هذه تقضي بأن الوارث يقوم مقام المورث ويخلفه ، فيجب إذن أن يخلفه جملة واحدة في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات، فينتقل إلى الوارث هذا المجموع من الحقوق. بل لعل الأدق أن يقال إن الوارث هو الذي ينتقل ليحل محل مورثه في مجموع حقوقه، فيقوم مقامه في هذه الحقوق ويخلفه عليها (5) . ومثل الوارث الموصي له بجزء من مجموع الحقوق، فإن نظرية الخلافة تتسع له كما اتسعت للوارث ، إذ أن كليهما يخلف الميت في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات، ولم يمد الفقه الإسلامي نظرية الخلافة هذه إلى مجموع الديون، فلا يخلف الوارث المورث في مجموع ديونه . بل تبقى هذه الديون في التركة.

وهذا بخلاف انتقال حق معين بالذات بعقد مثلا من الدائن إلى غيره، أو انتقال دين معين بالذات من المدين إلى غيره، فإن نظرية الخلافة لا تتسع لهاتين الصورتين إذ هي لا تقوم إلا في مجموع من المال، بل هي لا تقوم إلا في مجموع من الحقوق لا في مجموع من الديون كما قدمنا. فالجائز في الفقه الإسلامي هو أن ينتقل الحق بطريق الميراث، لأنه ينتقل ضمن عناصر مجموع الحقوق ، وغير الجائز أن ينتقل حق معين بالذات، بطريق العقد مثلا، من الدائن الأصلي إلى مدين جديد. وكذلك لا يجوز أن ينتقل دين معين بالذات بطريق العقد من المدين الأصلي إلى مدين جديد، بل لا يجوز أن ينتقل مجموع الديون بطريق الميراث إلى الوارث.

إذا صح ذلك، فكيف صحت حوالة الدين في مذاهب الفقه الإسلامي المختلفة وصحت حوالة الحق في مذهب مالك؟.

يفاجأ الباحث حقا، إذا أخذ بظاهر العبارات أن يجد المذاهب الأخرى في الفقه الإسلامي غير مذهب مالك لا تجيز حوالة الحق وتجيز حوالة الدين، مع أن حوالة الحق تسبق عادة في تطور النظم القانونية حوالة الدين، بل إن هناك قوانين كالقانون الفرنسي عرفت حوالة الحق ولا تعرف حتى اليوم حوالة الدين! ويفاجا الباحث أيضا أن يرى الفقه الإسلامي يجيز حوالة الدين بالعقد ولا يجيزها بالميراث، مع أن انتقال الدين بالميراث يسبق عادة انتقاله بالعقد، بل إن القانون الروماني في أعلى مراحل تقدمه لم يجز انتقال الدين بالعقد بالرغم من أنه أجاز انتقاله بالميراث.

على أن البحث الدقيق في نصوص الفقه الإسلامي بزيل هذا العجب، ويبعد عن الفقه الإسلامي شبهة هذا الشذوذ. فليس صحيحا أن الفقه الإسلامي عرف حوالة الدين ولم يعرف حوالة الحق، وإلا كان هذا بدعة في تطور القانون. ومن غير الطبيعي أن يعرف نظام قانوني حوالة الدين قبل أن يعرف حوالة الحق، كما أنه من غير الطبيعي أن يسلم نظام قانوني بانتقال الدين بين الأحياء وهو لم يعترف بانتقاله بسبب الموت. لقد كان الفقه الإسلامي في تطوره طبيعيا كسائر النظم القانونية : لم يعرف حوالة الدين، لا بسبب الموت إذ الذين لا ينتقل إلى الورثة بل يبقى في التركة حتى تقوم بسداده كما سنرى، ولا بين الأحياء إلا في صورة من صور الكفالة أو التجديد. وعرف حوالة الحق بسبب الموت إذ حقوق المورث تنتقل إلى الوارث كما رأينا، وبين الأحياء بقيود معينة وفي مذهب واحد هو المذهب المالكي أما ما يسمى في الفقه الإسلامي بحوالة الدين، فهو في الفقه الحنفي غيره في فقه المذاهب الثلاثة الأخرى ، وهو في المذاهب الأربعة جميعا ليس أحواله، دين بالمعنى المفهوم في الفقه الغربي(6) .

_____________

1- انظر في انتقال حقوق الارتفاق وحق التعلي وحق قبول الوصية، بحثا للأستاذ علي الخفيف في تأثير الموت في حقوق الإنسان والتزاماته، نشر في مجلة القانون والاقتصادي، السنة العاشرة، في العددين الخامس والسادس

2- انظر مقال الأستاذ علي الخفيف في تأثير الموت في حقوق الإنسان والتزاماته (۲۳)، وانظر أيضا الاستاذ محمد أبو زهرة في الحكام التركات والمواريث، (38 ، 39)

3- ويرد الزيلعي من فقهاء الحنفية على مذهب الشافعي بما يأتي: " وقال الشافعي لا تبطل بموت الشفيع أيضا،   لأن هذا حقي معتبر في الشرع كالقصاص و حق الرد بالعيب ، ولنا أنه مجرد حق وهو حق التملك، وأنه مجرد رأي ، وهو صفته فلا يورث عنه، بخلاف القصاص، لأن من عليه القصاص صار كالمملوك لمن له القصاص، ولهذا جاز أخذ العوض عنه، وملك العين يفي بعد الموت فأمكن إرثه . بخلاف الشفعة، لأنها مجرد حق إذ هي مجرد الرأي والمشيئة، ولهذا لا يجوز الاعتياض عنها ، وكذا لا يمكن إرثها، ولان الشفيع يزول ملكه بالموت عن داره التي يشفع بها، ويثبت الملك فيها للوارث بعد البيع، وقيام ملك الشفيع في التي يشفع بها من وقت البيع، إلى الأخذ بالشفعة شرط ولم يوجد في حق المبيت وقت الأخذ ولا في حق الوارث وفك البيع فبطلت لأنها لا تستحق بالملك الحادث بعد البيع ولا بالملك الزائل وقت الأخذ. وإنما لا تبطل بموت المشتري لأن المستحق باق ولم يتغير سبب حقه، وإنما حصل الانتقال إلى الورثة في الدار المتفرعة وذلك حقه ، كما إذا انتقل إلى غيره بسبب آخر فينقضه ويأخذها بالشفعة، كما ينقض سائر تصرفاته حتى المسجد والمقبرة والوقف، وكذا لو باعها القاضي بعد موته أو باعها وصيه كان له نقضه، (الزيلعي، 5/257- 258).

4- انظر أيضا أن الحقوق المستمدة من الإجارة لا تنتقل لا إلى ورثة المزجر ولا إلى ورثة المستأجر في المذهب الحنفي، وننتقل إلى الورثة في المذاهب الأخرى إلى الدكتور صبحي محمصاني في " النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية"، (2/339) .

5- ويقتضي ذلك أن يكون ملك الوارث هو نفس ملك المورث لم يتغير، ويؤيد هذا النظر ما يرد في بعض المواطن من أقوال الفقهاء، ونعيد هنا ما سبق أن نقلناه عن القواعد لابن رجب اذكر القاضي في كتابه" التخريج " ، أن من باع سلعة إلى اجل، ثم مات المشتري فاشتراها البائع من مورثه بأقل من الثمن، لم يجز، لأن الوارث بملكها على حكم ملك الميت ، بدليل أنه يردها على بائعها بالغيب ، فصار الشراء منه كالشراء من المورث وهذا غريب، وهو يشبه الوجه الذي حكاه ابن عقيل في بناء الوارث على حول المورث في الزكاة  " "القواعد " لابن رجب 318 ويؤيد ذلك أيضا ما ذهب إليه الحنفية من أن حق المستعلی مستقلا عن البناء المستعلي ينتقل بالميراث ولا ينتقل بالبيع. وذلك أن انتقاله بالميراث لا يكون باعتباره حقة معينة بالذات ، بل باعتباره عنصرا داخلا في مجموع المال الذي خلف عليه الورث المورث. أما انتقاله بالبيع فلا يجوز، لأن البيع لا ينقل إلا حقة معينة بالذات، ولا يكون حق التعلي حقة معينة بالذات إلا إذا كان تابعة للبناء المستعلي .

6- ذلك أن حوالة الدين في الفقه الحنفي، عند زفر، حيث لا ينتقل الدين ولا المطالبة من ذمة المدين إلى ذمة المحال علبه ، بل تضم ذمة المحال عليه إلى ذمة المدين في المطالبة ، لا تعدو أن تكون كفالة محضة، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف، حيث تنتقل المطالبة والدين من ذمة المدين إلى ذمة المحال عليه ، فإن الدين الأصلي ينقضي، ومما يقطع في انقضائه انقضاء التأمينات التي كانت تكفله، ويحل محل الدين الأصلي دين جديد في ذمة المحال علبه ، وتكون حوالة الدين إذن ليست إلا تجديدا بتغيير المدين، فإذا نوى الدين عند المحال عليه فسخ التجديد وعاد الدين إلى ذمة المدين الأصلي. وعند محمد، حيث لا ينتقل الدين إلى ذمة المحال عليه وإنما تنتفل المطالبة وحدها، وحيث لا تنقضي التأمينات بل تبقى على حالها ، فإن حوالة الدين أقرب إلى أن تكون كفالة محورة، ووجه التحوير فيها أن الدائن يرجع على الكفيل «المحال عليه» أولا، فإن ترى الدين عند الكفيل رجع على الدين الأصلي، أما في الكفالة العادية فالدائن بالخيار إن شاء طالب المدين الأصلي أولا وإن شاء طالب الكفيل لأن المطالبة بقيت عند المدين وإنما ضمت فيها إلى ذمته ذمة الكفيل .

 

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .