المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تفسير الآية (160-175) من سورة الشعراء  
  
5228   06:54 مساءً   التاريخ: 24-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الشين / سورة الشعراء /

قال تعالى : {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء : 160 - 175] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ثم أخبر سبحانه عن قوم لوط فقال {كذبت قوم لوط المرسلين} وقد فسرناه إلى قوله {أ تأتون الذكران من العالمين} أي تصيبون الذكور من جملة الخلائق {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} أي وتتركون ما خلقه الله لكم من الأزواج والنساء والزوجة هي التي وقع عليه العقد بالنكاح الصحيح يقال لها زوجة وزوج قال سبحانه أسكن أنت وزوجك الجنة {بل أنتم قوم عادون} أي ظالمون معتدون الحلال إلى الحرام والطاعة إلى المعصية {قالوا لئن لم تنته يا لوط} وترجع عما تقوله ولم تمتنع عن دعوتنا وتقبيح أفعالنا {لتكونن من المخرجين} عن بلدنا {قال} لوط لهم عند ذلك {إني لعملكم من القالين} أي من المبغضين الكارهين .

ثم دعا ربه فقال {رب نجني وأهلي مما يعملون} أي من عاقبة ما يعملونه وهو العذاب النازل بهم وأجاب الله سبحانه دعاءه قال {فنجيناه وأهله أجمعين} يعني من العذاب الذي وقع بهم ويجوز أن يكون أراد نجيناه وأهله من نفس عملهم وتكون النجاة من العذاب النازل بهم تبعا لذلك والأول أوضح ويدل عليه قوله {إلا عجوزا في الغابرين} وأراد بالعجوز امرأته لأنها كانت تدل أهل الفساد على أضيافه فكانت من الباقين في العذاب وهلكت فيما بعده مع من خرج من القرية بما أمطره الله من الحجارة {ثم دمرنا الآخرين} أهلكناهم بالخسف وقيل بالائتفاك وهو الانقلاب ثم أمطر على من كان غائبا منهم عن القرية الحجارة من السماء وهو قوله {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين} أي بئس واشتد مطر الكافرين مطرهم وما بعده مفسر قبل .

______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص347-348 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تقدمت قصة لوط في سورة الأعراف الآية 80 - 84 ج 3 ص 352 - 354 وفي سورة هود الآية 77 - 80 ج 4 ص 252 - 254 .

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ} أخوهم في المعاشرة والسكنى ، لا في الدين ولا في النسب ، حيث جاء وعمه إبراهيم الخليل (عليه السلام) من بابل إلى مصر ثم إلى فلسطين حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، وأقام لوط في وادي الأردن ، وإبراهيم في المرتفعات التي في الشمال {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهً وأَطِيعُونِ وما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ} . بدأ لوط بما بدأ به نوح وهود وصالح (عليه السلام) ، لأن رسالة الجميع واحدة . . اقرأ في هذه السورة الآيات التي تحدثت عن كل واحد منهم .

{أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ} . أترتكبون هذا الفعل الشنيع بالذكور من أولاد آدم {وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ} . انكم بهذا تخالفون حكم الفطرة ، وقانون الطبيعة ، والغرض المقصود من خلق الذكر والأنثى . . ولذا تأبى عملكم الحيوانات والوحوش وتنفر منه . . ولكن مجلس العموم البريطاني شرع اللواط ، وأعطى الدليل بذلك على أن بريطانيا أخس من الحيوانات في أخلاقها وقيمها . .

وغير بعيد أن يكون هذا نتيجة لتاريخها الاستعماري الطويل البغيض ، فإن للطغيان والعدوان أسوأ العواقب والآثار {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ} تجاوزتم كل حد في أهوائكم وسفاهتكم ، وعصيانكم وتمردكم .

{قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} . تقدم في الآية 116 من هذه السورة {قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ} وفي معناه : {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء - 216] {رَبِّ نَجِّنِي وأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْناهُ وأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ وأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} .

تقدم مثله في الآية 83 وما بعدها من سورة الأعراف ج 3 ص 353 والآية 60 من سورة الحجر ج 4 ص 482 .

_______________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 513-514 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تشير الآيات إلى قصة لوط النبي (عليه السلام) وهو بعد صالح (عليه السلام) .

قوله تعالى : {كذبت قوم لوط المرسلين} - إلى قوله - {رب العالمين} ، تقدم تفسيره .

قوله تعالى : {أ تأتون الذكران من العالمين} الاستفهام للإنكار والتوبيخ والذكران جمع ذكر مقابل الأنثى وإتيانهم كناية عن اللواط وقد كان شاع فيما بينهم ، والعالمين جمع عالم وهو الجماعة من الناس .

وقوله : {من العالمين} يمكن أن يكون متصلا بضمير الفاعل في {تأتون} والمراد أ تأتون أنتم من بين العالمين هذا العمل الشنيع؟ فيكون في معنى قوله في موضع آخر : {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } [الأعراف : 80] .

ويمكن أن يكون متصلا بقوله : {الذكران} والمعنى على هذا أ تنكحون من بين العالمين - على كثرتهم واشتمالهم على النساء - الرجال فقط؟ .

قوله تعالى : {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} إلخ {تذرون} بمعنى تتركون ولا ماضي له من مادته .

والمتأمل في خلق الإنسان وانقسام أفراده إلى صنفي الذكر والأنثى وما جهز به كل من الصنفين من الأعضاء والأدوات وما يختص به من الخلقة لا يرتاب في أن غرض الصنع والإيجاد من هذا التصوير المختلف وإلقاء غريزة الشهوة في القبيلين وتفريق أمرهما بالفعل والانفعال أن يجمع بينهما بالنكاح ليتوسل بذلك إلى التناسل الحافظ لبقاء النوع حتى حين .

فالرجل من الإنسان بما هو رجل مخلوق للمرأة منه لا لرجل مثله والمرأة من الإنسان بما هي امرأة مخلوقة للرجل منه لا لامرأة مثلها وما يختص به الرجل في خلقته للمرأة وما تختص به المرأة في خلقتها للرجل وهذه هي الزوجية الطبيعية التي عقدها الصنع والإيجاد بين الرجل والمرأة من الإنسان فجعلهما زوجين .

ثم الأغراض والغايات الاجتماعية أو الدينية سنت بين الناس سنة النكاح الاجتماعي الاعتباري الذي فيه نوع من الاختصاص بين الزوجين وقسم من التحديد للزوجية الطبيعية المذكورة فالفطرة الإنسانية والخلقة الخاصة تهديه إلى ازدواج الرجال بالنساء دون الرجال وازدواج النساء بالرجال دون النساء ، وأن الازدواج مبني على أصل التوالد والتناسل دون الاشتراك في مطلق الحياة .

ومن هنا يظهر أن الأقرب أن يكون المراد بقوله : {ما خلق لكم ربكم} العضو المباح للرجال من النساء بالازدواج واللام للملك الطبيعي ، وأن من في قوله : {من أزواجكم} للتبعيض والزوجية هي الزوجية الطبيعية وإن أمكن أن يراد بها الزوجية الاجتماعية الاعتبارية بوجه .

وأما تجويز بعضهم أن يراد بلفظة {ما} النساء ويكون قوله : {من أزواجكم} بيانا له فبعيد .

وقوله : {بل أنتم قوم عادون} أي متجاوزون خارجون عن الحد الذي خطته لكم الفطرة والخلقة فهو في معنى قوله : {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ } [العنكبوت : 29] .

وقد ظهر من جميع ما مر أن كلامه (عليه السلام) مبني على حجة برهانية أشير إليها .

قوله تعالى : {قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين} أي المبعدين المنفيين من قريتنا كما نقل عنهم في موضع آخر : {أخرجوا آل لوط من قريتكم} .

قوله تعالى : {قال إني لعملكم من القالين} المراد بعملهم - على ما يعطيه السياق - إتيان الذكران وترك الإناث .

والقالي المبغض ، ومقابلة تهديدهم بالنفي بمثل هذا الكلام من غير تعرض للجواب عن تهديدهم يفيد من المعنى أني لا أخاف الخروج من قريتكم ولا أكترث به بل مبغض لعملكم راغب في النجاة من وباله النازل بكم لا محالة ، ولذا أتبعه بقوله : {رب نجني وأهلي مما يعملون} .

قوله تعالى : {رب نجني وأهلي مما يعملون} أي من أصل عملهم الذي يأتون به بمرأى ومسمع منه فهو منزجر منه أومن وبال عملهم والعذاب الذي سيتبعه لا محالة .

وإنما لم يذكر إلا نفسه وأهله إذ لم يكن آمن به من أهل القرية أحد ، قال تعالى في ذلك : { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الذاريات : 36] .

قوله تعالى : {فنجيناه وأهله أجمعين - إلى قوله - الآخرين} الغابر كما قيل الباقي بعد ذهاب من كان معه ، والتدمير الإهلاك ، والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {وأمطرنا عليهم مطرا} إلخ ، وهو السجيل كما قال تعالى : {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ } [الحجر : 74] .

قوله تعالى : {إن في ذلك لآية - إلى قوله - العزيز الرحيم} تقدم تفسيره .

_________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص247-249 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

السفلة المعتدون :

سادس نبيّ ـ ورد جانبٌ من حياته وحياة قومه المنحرفين في هذه السورة ـ هو «لوط»(عليه السلام) ، ومع أنَّه كان يعيش في عصر إبراهيم الخليل ، إلاّ أنّ قصته لم تأت بعد قصّة إبراهيم(عليه السلام) ، لأن القرآن لم يكن كتاباً تاريخياً ليبيّن الحوادث بترتيب وقوعها . . . بل يلفت النظر إلى جوانبه التربوية البناءة ، والتي تقتضي تناسباً آخر . . . وقصّة لوط وما جرى لقومه تنسجم في حياة الأنبياء الآخرين الذين ورد ذكرهم في ما بعد . . .

يقول القرآن أوّلا في هذا الصدد : {كذبت قوم لوط المرسلين} .

ورود «المرسلين» بصيغة الجمع ، إمّا لأنّ دعوة الأنبياء (عليهم السلام) واحدة ، فتكذيب الواحد منهم تكذيب للجميع ، أو أن قوم لوط لم يؤمنوا بأيّ نبي قبل لوط واقعاً وحقيقة . . .

ثمّ يشير القرآن الكريم إلى دعوة لوط التي تنسجم مع دعوة الأنبياء الآخرين الماضين ، فيقول : {إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون} .

ولحن كلماته وقلبه المتحرق لهم ، العميق في تودّه إليهم ، يدل على أنّه بمثابة «الأخ» لهم .

ثمّ أضاف لوط قائلا : {إنّي لكم رسول أمين} فلم تعرفوا عنّي خيانة حتى الآن . . . وسأرعى الأمانة في إيصال رسالة الله إليكم أبداً . . . {فاتقوا الله وأطيعون} فأنا زعيمكم إلى السعادة والنجاة .

ولا تتصوروا أنّ هذه الدعوة وسيلة اتخذها للحياة والعيش ، وأنّ وراءها هدفاً مادّياً ، كلاّ : {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على رب العالمين} .

ثمّ يتناول بالنقد أعمالهم القبيحة ، وقسماً من انحرافاتهم الأخلاقية . . . وحيث أنّ أهم نقطة في انحرافاتهم . . . هي مسألة الإِنحراف الجنسي ، لذلك فإنّه ركّز عليها وقال : {أتأتون الذكران من العالمين} . فتختارون الذكور من بين الناس لاشباع شهواتكم !!

أي ، إنّكم على الرغم ممّا خلق الله لكم من الجنس المخالف «النساء» حيث تستطيعون أن تعيشوا معهن بالزواج المشروع عيشاً طاهراً هادئاً ، إلاّ أنّكم تركتم نعمة الله هذه وراءكم ، ولوّثتم أنفسكم بمثل هذا العمل القبيح المخزي . . .

كما ويحتمل في تفسير هذه الآية أن «من العالمين» جاء قيداً لقوم لوط أنفسهم ، أي إنّكم من دون العالمين وحدكم المنحرفون بهذا الإنحراف والمبتلون به . . . كما أن هذا الإحتمال ينسجم مع بعض التواريخ إذ يقال أن أوّل أمّة ارتكبت الإِنحراف الجنسي «اللواط» بشكل واسع هي قوم لوط ، (2) إلاّ أن التّفسير الأوّل مع الآية التالية ـ أكثر إنسجاماً .

ثمّ أضاف قائلا : {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون} .

فالحاجة والغريزة الطبيعية ، سواءً كانت روحية أم جسمية لم تجرّكم إلى هذا العمل الإنحرافي الشنيع ابداً ، وإنّما جرّكم الطغيان والتجاوز ، فتلوثتم وخزيتم به . . .

إن ما تقومون به يشبه من يترك الثمر الطيب والنافع والسالم ، ويمضي نحو الغذاء المسموم الملوّث المميت . . . فهذا الفعل ليس حاجة طبيعية . . . بل هو التجاوز والطغيان !

 

وقوله تعالى : {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء : 167 - 175] .

 

عاقبة قوم لوط :

إن قوم لوط الغارقين بالغرور والمتمادية بهم رياح الشهوة ، بدلا من أن يذعنوا لنصائح هذا القائد الإلهي ، فتدخل مواعظه في قلوبهم ويخلصوا من تلك الأمواج الرهيبة ، فإنهم نهضوا لمواجهتهِ و{قالوا لئن لم تنتهِ يا لوط لتكونن من المخرجين} . . .

إن كلامك يُبلبل أفكارنا ، ويسلب اطمئناننا وهدوءنا ، فنحن غير مستعدين حتى للإصغاء إلى كلامك . . . وإذا واصلت هذا الاُسلوب ولم تنته منه ، فإنّ أقل ما تجزى به هو الإبعاد والإخراج من هذه الأرض . . .

ونقرأ في مكان آخر من القرآن أن قوم لوط سعوا لتنفيذ تهديدهم ، وأمروا بإخراج لوط وأهله ، فقالوا : {أخرجوهم من قريتكم إنّهم اُناس يتطهّرون} .

إن فعل هؤلاء الضالّين ـ بلغ بهم أن يعدوا التقوى والتطهر بينهم أكبر عيب ، وأن يفخروا بالرجس وعدم الطهارة ، وهذه هي العاقبة المشؤومة للمجتمع المسرع نحو الفساد !

ويستفاد من عبارة {لتكونن من المخرجين} أنّ هذه الجماعة الفاسدة كانوا قد أخرجوا اُناساً طاهرين من حيّهم فهدّدوا لوطاً بهذا الأمر أيضاً ، وهو أنه إذا لم تنته فستنال ما ناله سواك من الإبعاد والإخراج . . .

وقد صُرّح في بعض التفاسير أنّهم كانوا يُخرجون المتطهرين من القرية بأسوأ الحال (3) . . .

إلاّ أنّ لوطاً لم يكترث بتهديدهم ، وواصل نصحه لهم و (قال إنّي لعملكم من القالين) .

إنّه يريد أن يقول : سأواصل انتقادي إيّاكم . . . فافعلوا ما شئتم . . . فأنا لا أترك مواجهة هذه الأعمال القبيحة بالإعتراض والنقد! . . .

والتعبير بـ «من القالين» يدلُّ أيضاً على أن جماعة كانوا مثل النّبي لوط يرفضون هذه الأعمال ويعترضون عليها . . . رغم أن المنحرفين أخرجوهم من قريتهم آخر الأمر .

كلمة «القالِين» جمع «قال» من مادة (قَلَى) أو(قَلِيَ) «على وزنيْ حَلَقَ وشَرِكَ» ومعناها العداوة الشديدة التي تترك أثرها في قلب الإنسان ، وهذا التعبير يكشف عن شدّة تنفّر لوط من أعمالهم . . .

والذي يسترعي النظر أن لوطاً يقول : إنّي لعملكم من القالين . أي إنّني لا أعاديكم بأشخاصكم ، بل أعادي أعمالكم المخزية ، فلو ابتعدتم عن هذا العمل الشنيع فأنا محبّ لكم وغير قال لكم .

وأخيراً لم تؤثر مواعظ لوط ونصائحه في قومه ، فبدّل الفساد مجتمعهم كلّه إلى مستنقع عفن . . . وتمّت الحجة عليهم بمقدار كاف ، وبلغت رسالة لوط مرحلتها النهائية . . . فعليه أن يغادر هذه المنطقة العفنة ، وأن ينجّي من معه ممن استجاب دعوته ، لينزل عذاب الله على القوم الفاسقين فيهلكهم ، فسأل لوط ربّه أن يخلّصه من قومه ، فقال : {رب نجني وأهلي ممّا كانوا يعملون} .

وبالرغم من أنّ بعضهم احتمل أن يكون المراد من الأهل من الآية جميع من آمن به . . . إلاّ أن الآية (36) من سورة الذاريات تقول : {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات : 36] .

ولكن كما أشرنا من قبل ـ فإن بعض التعابير الواردة في الآيات محل البحث ، تشير إلى أن جماعة من المؤمنين به كانوا قد أُبعدوا وأُخرجوا من القرية . . .

ويستفاد ممّا قيل ـ ضمناً ـ أن دعاء لوط لأهله لم يكن بسبب العلاقة العاطفية والإرتباط النسبي القرابتي ، بل لإيمانهم به . . .

فاستجاب الله دعاؤه كما تقول الآية التالية : {فنجّيناه وأهله أجمعين إلاّ عجوزاً في الغابرين} . (4)

وهذه العجوز لم تكن سوى زوج النّبي لوط التي كانت منسجمة مع أفكار قومه الضالين وعقيدتهم ، ولم تؤمن بلوط أبداً ، ولذلك ابتليت بما أُبتلي به قومه من العذاب والهلاك .

وقد بيّنا تفصيل هذا الموضوع في ذيل الآيات «81 ـ 83 من سورة هود» .

أجَلْ ، لقد نجّى الله لوطاً والمؤمنين القلّة معه ، فأمر أن يخرج بهم ليلا من تلك المدينة ـ أو القرية ـ فترك قومه الغارقين بالفسق والفجور على حالهم ، فنزل عذاب الله في الغداة ، فتزلزلت بهم الأرض وانهارت عليهم الأبنية والقصور الجميلة حتى اصبح عاليها سافلها وهلكوا جميعاً في ديارهم ، وقد عبّر القرآن عن كان ذلك بعبارة موجزة بليغة ، فقال : {ثمّ دمرنا الآخرين} ولم يكف ذلك بل {وأمطرنا عليهم مطراً} وأيّ مطر! إنّه وابل من احجار نزل على تلك الخرائب ليمحو أثرها من الانظار . {فساء مطر المنذرين} ! . . .

والأمطار عادة تمنح الحياة ، إلاّ أن هذا المطر كان موحشاً مهلكاً مخرّباً . . .

ويستفاد من الآية (82) من سورة هود أن قرى قوم لوط ومدنهم قُلب عاليها سافلها أوّلا ، ثمّ أمطرت بالحجر النضيد المتراكم ، ولعله كان إمطارهم بالحجارة لمحوا آثارهم ، فلم يبق منها غير تل كبير من الأحجار والتراب بدل تلك المدن العامرة . . .

تُرى هل كانت هذه الأحجار قد حملت من الصحارى على أثر اعصار عظيم وسقطت على رؤوسهم؟ أوهي أحجار نزلت من السماء بأمر من الله عليهم ؟!

أو كما يقول بعض المفسّرين كان هناك بركان أو جبل نار قد خمد لفترة ، ثمّ انفجر بأمر الله فأمطرهم بالحجارة ، ليس ذلك معلوماً على نحو الدقّة! إلاّ أن من المسلّم به أنّ هذه الأحجار ـ أو هذا المطر المهلك ـ لم يترك للحياة في تلك الأرض من أثر !

«وتفصيل هذا الموضوع ذكرناه في ذيل الآيات 81 ـ 83 من سورة هود ، كما ذكرناه في الجزء الثامن مع «لطائف» مختلفة فلا بأس بمراجعتها» . . .

ومرّة أُخرى نواجه في نهاية هذه القصّة الجملتين اللتين تكررتا في القصص المشابهة لها في هذه السورة ، في شأن خمسة أنبياء كرام آخرين ، إذ يقول القرآن : {إنّ في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين} .

وأيّة آية أجلى من هذه الآية التي تعرفكم على هذه المسائل المهمّة والبناءة ، دون أن تحتاجوا إلى تجربة شخصية! أجل إن تاريخ الماضين عبرة وآية للآتين ، وليس تجربة ، لأنّ التجربة ينبغي على الإِنسان أن يتحمل فيها خسائر ليحصل على نتائجها . . . إلاّ أننّا هنا نحصل على النتائج من خسائر الآخرين ! .

{وإن ربّك لهو العزيز الرحيم} .

وأية رحمة أعظم من أنّه لا يعاقب أقواماً فاسقين كقوم لوط فوراً ، بل يمهلهم إمهالا كافياً لعلهم يهتدون ، ويجددوا نظرهم في أعمالهم ! . . .

وأية رحمة أعظم من أن لا يخلط عقابه «الأخضر باليابس» بل لوكان في ألفِ ألفِ (5) أُسرة غير صالحة أسرة واحدة صالحة ، فإنه ينجيها منها وينزل العذاب على اُولئك !

وأية عزّة أعظم من أن ترى بطرفة عين واحدة ديار الفاسقين قد دُمرت تدميراً ولم يبق منها أي أثر !

فالأرض التي كانت مهاداً لأمنهم أمرت بإقبارهم ، والمطر الذي تحيا به الأرض والناس يكون مميتاً لهم !

_____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص348-355 .

2 ـ في شأن انحراف هؤلاء القوم ، يذكر التأريخ قصة يمكن مراجعتها في تفسير الآية (81) من سورة هود . . .

3 ـ تفسير روح المعاني ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ، ذيل الآيات محل البحث .

4 ـ «الغابر» من مادة (الغبور) ومعناه الباقي ، ومتى ما تحركتْ جماعة وبقي شخص في المكان فإنّه يدعى (غابراً) ولهذا السبب سمي التراب الباقي غباراً . . . والغبرة : الباقي من اللبن في ثدي الحيوان .

5 ـ ذكرنا آنفاً أن مصطلح ألف ألف هو التعبير العربي الصحيح وأن كلمة مليون ليست عربيّة بل هي غربية فتأمل .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .