المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

Phrases
5-8-2022
Equipment required for low pressure liquid chromatography
18-4-2016
أجهزة تلامس الجرار مع الأرض
23-2-2018
Continuous Function
17-7-2021
كاشفات تستخدم مبدأ تشتت النيوترونات السريعة
16-12-2021
أعمال حتشبسوت إقامة معبدها الجنازي المعروف باسم الدير البحري.
2024-04-01


تفسير الاية (9-12) من سورة الأسراء  
  
7289   06:46 مساءً   التاريخ: 16-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } [الإسراء: 9 - 12]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} معناه إن هذا القرآن يهدي إلى الديانة والملة والطريقة التي هي أشد استقامة يقال: هذه الطريق وللطريق وإلى الطريق وقيل: معناه يرشد إلى الكلمة التي هي أعدل الكلمات وأصوبها وهي كلمة التوحيد وقيل: يهدي إلى الحال التي هي أعدل الحالات وهي توحيد الله والإيمان به وبرسله والعمل بطاعته عن الزجاج { ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم } أي: بأن لهم { أجرا كبيرا } أي: ثوابا عظيما على طاعاتهم { و} يبشرهم أيضا بـ { أَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} أي: بالنشأة الآخرة { أعتدنا لهم } أي: هيأنا لهم { عذابا أليما } وهو عذاب النار. وإنما سمي العذاب أجرا لأنه يستحق في مقابلة عمل كالأجرة التي تجب في مقابلة عمل يعود نفعه إلى المستأجر والثواب يستحق على الله تعالى وإن كان نفعه يعود إلى العامل لأنه سبحانه أوجب ذلك على نفسه في مقابلة عمل العبد فضلا منه وكرما.

 { وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ } قيل في معناه أقوال أحدها : أن الإنسان ربما يدعوفي حال الزجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يجب أن يستجاب له فيه كما يدعولنفسه بالخير فلوأجاب الله دعاءه لأهلكه لكنه لا يجيب بفضله ورحمته عن ابن عباس والحسن وقتادة والآخر : أن معناه إن الإنسان قد يطلب الشر لاستعجاله المنفعة وثالثها : أن معناه ويدعوفي طلب المحظور كدعائه في طلب المباح.

 { وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } يعجل بالدعاء في الشر عجلته بالدعاء في الخير عن مجاهد. وقيل: يريد ضجراً لا صبراً له على ضراء ولا على سراء عن ابن عباس وروي عنه أيضا إنه أراد به آدم (عليه السلام) لما انتهت النفخة إلى سرته أراد أن ينهض فلم يقدر فشبه الله سبحانه ابن آدم بأبيه في الاستعجال وطلب الشيء قبل وقته { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ } أي: دلالتين يدلان على وحدانية خالقهما لما في كل واحد منهما من الفوائد من الكسب بالنهار والاستراحة بالليل والزيادة في أجزاء أحدهما بالنقصان من أجزاء الآخر ولأن كل واحد منهما ينقضي لمجيء الآخر وذلك يدل على حدوثهما إذ القديم لا يجوز عليه الانقضاء وعلى أن لهما محدثا قادرا عالما وقد علمنا ضرورة أن أحدا من البشر لم يحدثهما لعجز البشر عن ذلك فدل على أنه من صنع القديم القادر لذاته العالم لذاته الذي ليس كمثله شيء ولا يتعذر عليه شيء وقيل: إن الآيتين هنا الشمس والقمر.

 { فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ } وهي القمر أي: طمسنا نورها بما جعلنا فيها من السواد عن ابن عباس { وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ } يعني الشمس { مبصرة } أي: نيرة مضيئة للأبصار يبصر أهل النهار النهار بها وقيل: إن معناه جعلنا آية الليل ممحوة والمراد جعلنا الليل مظلما لا يبصر فيه كما لا يبصر ما يمحى من الكتاب، وجعلنا آية النهار مبصرة أي: جعلنا النهار مضيئا، يبصر فيه، وتدرك الأشياء فيه وعلى هذا فتكون آية الليل هي الليل نفسه وآية النهار هي النهار نفسه كما يقال نفس الشيء وعين الشيء وهذا من عجيب البلاغة وقيل: إن آية الليل ظلمته وآية النهار ضوءه فالمراد محونا ظلمة الليل بضوء النهار ومحونا ضوء النهار بظلمة الليل إلا أنه ذكر أحدهما وحذف الآخر لدلالة المذكور على المحذوف.

 ثم بين سبحانه الغرض في ذلك وقال: { لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } أي: لتسكنوا بالليل وتطلبوا الرزق بأنواع التصرف في النهار إلا أنه حذف لتسكنوا بالليل لما ذكره في مواضع أخر { وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } أي: لتعلموا بالليل والنهار عدد السنين والشهور وآجال الديون وغير ذلك من المواقيت ولتعلموا حسنات أعماركم وآجالكم ولولا الليل والنهار لما علم شيء من ذلك { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} أي: ميزناه تمييزا ظاهرا بينا لا يلتبس وبيناه تبيانا شافيا لا يخفى .

_________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص225-227.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ويُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }  . للتي هي أقوم أي للملة أوالطريقة التي هي أقوم ، ومعنى يهدي يرشد ويوجب ، وكلمة أقوم تعني الأصلح والأنفع ، وهي بتعميمها تشمل الأصلح في كل شيء ، وفي كل زمان ومكان ، ولكل انسان من غير استثناء .

وهذه الآية دعوى صريحة وواضحة يسجلها القرآن ، ويؤمن بها كل مسلم . .

وملخصها ان الإسلام هوخير الأديان كلها ، أما الدليل على صحة هذه الدعوى وصدقها فهو القرآن بعقيدته وشريعته وسائر تعاليمه بالإضافة إلى سيرة صاحب الرسالة محمد بن عبد اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) الذي ملأ الأرض علما وإيمانا وبرا وعدلا بعد ما ملئت جهلا وكفرا وفسادا ، وقد أثبت العلماء هذه الحقيقة ، ووضعوا لذلك مئات الاسفار في تفسير كلام اللَّه ، وحديث رسول اللَّه وسيرته ، وفي العقيدة والشريعة والأخلاق الاسلامية ، وفيما حققه الإسلام في شتى الميادين ، وذكرنا طرفا من ذلك في المجلدات السابقة من هذا التفسير . وفيما يلي نشير إلى بعض المبادئ على سبيل المثال :

الإسلام دين الفطرة :

1 - ان كل أصل من عقيدة الإسلام ، وكل فرع من شريعته ، وكل حكم من أحكامه - يرتكز على الفطرة النقية الصافية : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » - 30 الروم . فهذه الآية تقرر بصراحة ووضوح ان الإسلام يستجيب لمطالب الفطرة الانسانية ، ويبسط ذراعيه لكل جديد مفيد ، سواء أجاء من الشرق أوالغرب . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « الحكمة ضالة المؤمن ، فخذ الحكمة ولومن أهل النفاق » وقال : انظروا إلى القول ، لا إلى من قال ، وفي هذا المعنى كثير من الأحاديث .

ايمان الإسلام بالعلم :

2 - يؤمن الإسلام بالعلم ، وبتركيز الحياة عليه في شتى مظاهرها ، قال تعالى :

« ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » - 36 الإسراء » : « قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » - 111 البقرة : « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » - 43 النحل . وقال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) : « مداد العلماء يوزن يوم القيامة بدم الشهداء » . وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : « العلم دين يدان به » . ومعنى الايمان بالعلم الايمان بالتطور ، وبالعمل من أجل حياة أفضل وأكمل .

اطلاق العقل :

3 - الإسلام يدعو العقل إلى التأمل والتفكر والملاحظة لهذه الطبيعة باحثا ومنقبا عن أسرارها وفوائدها ومنافعها ، وعن علاقتها بالخالق وبالإنسان ، ويدعو إلى تركيز الدين والعلم والفلسفة على هذه المشاهدة والمعرفة الحسية التي سار عليها المسلمون من قبل ، والتي انتقلت منهم إلى الأوروبيين ، فكانت أساس العلم التجريبي عندهم :

« أَولَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأَرْضِ وما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ » - 185 الأعراف .

حرية الفكر :

4 - لقد أطلق الإسلام الحرية في القول والتفكير إلى حد سمح اللَّه فيه لعبيده الملائكة أن يراجعوه ويقولوا له : « أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ - 30 البقرة . وأيضا سمح لإبراهيم ( عليه السلام ) أن يجادله في قوم لوط ، كما في الآية 74 من سورة هود ، بل سمح لإبليس أن يحتج لديه ويقول : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » - 11 الأعراف .

الشمول والعموم :

5 - كل تعاليم الإسلام تقوم على الشمول والعموم لا تختص بفرد ولا فئة ولا بعنصر : « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ » . . كلكم من آدم ، وآدم من تراب .

الجهاد :

6 - فرض الإسلام الجهاد بالنفس والمال ضد الظلم والفساد على كل قادر، قال تعالى : « انْفِرُوا خِفافاً وثِقالاً وجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » - 41 التوبة . ويقول الإمام علي ( عليه السلام ) : « واللَّه لولا ما أخذ اللَّه على العلماء من الميثاق ألا يقاروا على كظة ظالم ، ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه عندي أهون من عفطة عنز » ( 2 ) . قال الأستاذ محمد سعاد جلال في مجلة « الكاتب » المصرية عدد 63 معلقا على هذا القول ما نصه بالحرف :

« ومراد الإمام انه لولا عهد اللَّه على العلماء أن لا يقبلوا بين الناس التفاوت الفاحش في أكل لقمة العيش بحيث يتخم بعضهم ليجوع البعض الآخر لما جاهد في الإبقاء على حقه الثابت في الخلافة التي هي أداة لتحقيق العدل المانع من التفاوت المذكور ، فما كان جهاده لأجل شهوة الحكم ، ومنفعة نفسه ، وإنما كان من أجل تنفيذ حكم العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة بين المسلمين بحيث لا يبقى فيهم مترف متخم ، ولا كادح سغب » .

المال للَّه :

7 - كل ما في الكون هو ملك للَّه ، والإنسان وكيل على ما في يده ، وعليه أن لا يتصرف إلا بإذن الأصيل وأمره : « لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ وما بَيْنَهُما وما تَحْتَ الثَّرى » - 6 طه : « وأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ - 7 الحديد . أنظر تفسير الآية 180 من سورة آل عمران ج 2 ص 217 .

الإسلام مع الحياة :

8 - الإسلام يستهدف أن يعيش الإنسان في اتزان وتناسق كامل مع نظام الكون ومتطلبات الحياة : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » - 24 الأنفال. أنظر ج 3 ص 465 . وصدر كتاب جديد بقلم « ويلفريد سميث » جاء فيه « إن المسلمين قادرون بحسب دينهم على التكيف الحضاري مع متطلبات العلم الحديث ، والأسهام في خلق مجتمع يسوده التقدم الاجتماعي والعدل والكرامة » .

{ وأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً } . لا فرق بين من كفر باللَّه ، ومن كفر باليوم الآخر ، لأن الكفر بإعادة الخلق بعد فنائه معناه ان اللَّه عاجز عن ذلك ، وهذا عين الكفر باللَّه . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : عجبت لمن شك في اللَّه ، وهويرى خلقه ، وعجبت لمن أنكر النشأة الآخرة ، وهويرى النشأة الأولى .

{ ويَدْعُ الإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ } . في هذه الحياة حزن وفرح ، ولذة وألم ، ولا شيء منهما بدائم ، ومن هنا قيل : الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك . ولكن بعض الناس إذا تألموا من شيء انهارت أعصابهم ، وظنوا انهم في مشكلة لا تحل ، فيدعون بالشر على أنفسهم ، كما يدعون لها بالخير . . وهذا ضرب من الجهل والحمق ، ولوصبروا قليلا لذهبت آلامهم مع الأيام { وكانَ الإِنْسانُ عَجُولاً } في دعائه بالشر على نفسه من غير صبر وترو. . وتجدر الإشارة إلى أن المراد بالإنسان بعض أفراده . وفي نهج البلاغة : « لا تستعجلوا ما هو كائن مرصد ، ولا تستبطئوا ما يجيء به الغد ، فكم من مستعجل بما أدركه ودّ أنه لم يدركه » .

{ وجَعَلْنَا اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتَيْنِ } دالتين على وجود اللَّه ، لأن تناسقهما وتعاقبهما وفقا لقوانين ثابتة ، ونظام دائم ، من ألوف السنين لا يختلف سنة عن سنة ، كل ذلك وما إليه دليل قاطع على وجود مدبر حكيم ، ومهندس عليم .

وتجدر الإشارة إلى أن اللَّه سبحانه يدعوالعلماء وأهل الفكر إلى الايمان به عن طريق التدبر والتفكر في خلق السماوات والأرض ، وما فيهما من نظام ودقة واحكام ، كتعاقب الليل والنهار وغيره من المظاهر الكونية ، أما البسطاء السذج فيدعوهم إلى الايمان عن طريق التذكير بنعمته وإفضاله عليهم ، كقوله تعالى : « فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ » - قريش . نقول هذا مع علمنا بأنه لا مانع من الجمع .

{ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ } . إضافة الآية إلى الليل بيانية ، مثل نفس الشيء ، والمسجد الجامع أي الآية التي هي الليل ، والمسجد الذي هو الجامع .

وتسأل : الظاهر من كلمة المحو هو الذهاب والإزالة من الأساس ، مع العلم بأن الليل موجود بالحس والعيان ؟ .

الجواب : المراد بالمحوهنا عدم الأثر من حيث العمل ، لأن الناس تسكن فيه ولا تعمل على عكس النهار . قال تعالى : « وجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً » - 96 الأنعام .

وقال : « وجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً » - 11 النبأ .

{ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً } نيرة تكشف كل شيء للأبصار { لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ } . . الليل للسكون والراحة ، والنهار للعمل وطلب الرزق بكد اليمين وعرق الجبين ، لا بالغش والاحتيال ، ولا بالخيانة والعمالة لتبتغوا فضلا من ربكم ، لا من السفارات ومكاتب الاستخبارات . . وفضل اللَّه مبذول لكل طالب وراغب ، وهو خير وأبقى ، وأطهر وأزكى . . اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك .

{ ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسابَ } . تكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 36 من التوبة ، فقرة الأشهر القمرية هي الأشهر الطبيعية ج 4 ص 39 { وكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً } . فأبان لنا سبحانه الحلال والحرام ، وأقام علينا الحجة بالدلائل والمواعظ ، والسعيد من نزع عن شهوته ، وقمع هوى نفسه .

______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 22-27.

2-  ألا يقاروا أن لا يوافقوا والكظة هي الشبع لحد التخمة . والسغب شدة الجوع . وعفطة عنز بعض حشائشها أوما تنثره من أنفها .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

كان القبيل السابق من الآيات يذكر كيفية جريان السنة الإلهية في هداية الإنسان إلى سبيل الحق ودين التوحيد ثم إسعاد من استجاب الدعوة الحقة في الدنيا والآخرة وعقاب من كفر بالحق وفسق عن الأمر في دنياه وعقباه، وكان ذكر نزول التوراة وما جرى بعد ذلك على بني إسرائيل كالمثال الذي يورد في الكلام لتطبيق الحكم الكلي على أفراده ومصاديقه، وهذا القبيل من الآيات يذكر جريان السنة المذكورة في هذه الأمة كما جرت في أمة موسى، وقد استنتج من الآيات لزوم التجنب عن الشرك ووجوب التزام طريق التوحيد حيث قيل:{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}.

قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أي للملة التي هي أقوم كما قال تعالى:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}: الأنعام: 161.

والأقوم أفعل تفضيل والأصل في الباب القيام ضد القعود الذي هوأحد أحوال الإنسان وأوضاعه، وهوأعدل حالاته يتسلط به على ما يريده من العمل بخلاف القعود والاستلقاء والانبطاح ونحوها ثم كني به عن حسن تصديه للأمور إذا قوي عليها من غير عجز وعي وأحسن إدارتها للغاية يقال: قام بأمر كذا إذا تولاه وقام على أمر كذا أي راقبه وحفظه وراعى حاله بما يناسبه.

وقد وصف الله سبحانه هذه الملة الحنيفية بالقيام كما قال:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}: الروم: 30، وقال:{فأقم وجهك للدين القيم}: الروم: 43.

وذلك لكون هذا الدين مهيمنا على ما فيه خير دنياهم وآخرتهم قيما على إصلاح حالهم في معاشهم، ومعادهم وليس إلا لكونه موافقا لما تقتضيه الفطرة الإنسانية والخلقة التي سواه الله سبحانه عليها وجهزه بحسبها بما يهديه إلى غايته التي أريدت له، وسعادته التي هيئت لأجله.

وعلى هذا فوصف هذه الملة في قوله:{للتي هي أقوم} بأنها أقوم إن كان بقياسها إلى سائر الملل إنما هو من جهة أن كلا من تلك الملل سنة حيوية اتخذها ناس لينتفعوا بها في شيء من أمور حياتهم لكنها إن كان تنفعهم في بعضها فهي تضرهم في بعض آخر وإن كانت تحرز لهم شطرا مما فيه هواهم فهي تفوت عليهم شطرا عظيما مما فيه خيرهم، وإنما ذلك الإسلام يقوم على حياتهم وبجميع ما يهمهم في الدنيا والآخرة من غير أن يفوته فائت فالملة الحنيفية أقوم من غيرها على حياة الإنسان.

وإن كان بالقياس إلى سائر الشرائع الإلهية السابقة كشريعة نوح وموسى وعيسى (عليهما السلام) كما هو ظاهر جعلها مما يهدي إليها القرآن قبال ما تقدم من ذكر التوراة وجعلها هدى لبني إسرائيل فإنما هو من جهة أن هذه الملة الحنيفية أكمل من الملل السابقة التي تتضمنها كتب الأنبياء السابقين فهي تشتمل من المعارف الإلهية على آخر ما تتحمله البنية الإنسانية ومن الشرائع على ما لا يشذ منه شاذ من أعمال الإنسان الفردية والاجتماعية، وقد قال تعالى:{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}: المائدة - 48 فما يهدي إليه القرآن أقوم مما يهدي إليه غيره من الكتب.

قوله تعالى:{وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الصالحات صفة محذوف موصوفها اختصارا والتقدير وعملوا الأعمال الصالحات.

وفي الآية جعل حق للمؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات على الله سبحانه كما يؤيده تسمية ذلك أجرا، ويؤيده أيضا قوله في موضع آخر:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [فصلت: 8] ولا محذور في أن يكون لهم على الله حق إذا كان الله سبحانه هو الجاعل له، ونظيره قوله:{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}: يونس: 103.

والعناية في الآية ببيان الوعد المنجز كما أن الآية التالية تعني ببيان الوعيد المنجز وهوالعذاب لمن يكفر بالآخرة، وأما من آمن ولم يعمل الصالحات فليس ممن له على الله أجر منجز وحق ثابت بل أمره مراعى بتوبة أوشفاعة حتى يلحق بذلك على معشر الصالحين من المؤمنين قال تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}: التوبة - 102 وقال:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}: التوبة: 106.

نعم لهم ثبات على الحق بإيمانهم كما قال تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ }: يونس: 2 وقال:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}: إبراهيم - 27.

قوله تعالى:{وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} الإعتاد الإعداد والتهيئة من العتاد بالفتح وهو على ما ذكره الراغب ادخار الشيء قبل الحاجة إليه كالإعداد.

وظاهر السياق أنه عطف على قوله في الآية السابقة:{أن لهم} إلخ فيكون التقدير ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن الذين لا يؤمنون{إلخ} وكون ذلك بشارة للمؤمنين من حيث إنه انتقام إلهي من أعدائهم في الدين.

وإنما خص بالذكر من أوصاف هؤلاء عدم إيمانهم بالآخرة مع جواز أن يكفروا بغيرها كالتوحيد والنبوة لأن الكلام مسوق لبيان الأثر الذي يعقبه الدين القيم، ولا موقع للدين ولا فائدة له مع إنكار المعاد وإن اعترف بوحدانية الرب تعالى وغيرها من المعارف، ولذلك عد سبحانه نسيان يوم الحساب أصلا لكل ضلال في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}: ص - 26.

قوله تعالى:{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} المراد بالدعاء على ما يستفاد من السياق مطلق الطلب سواء كان بلفظ الدعاء كقوله: اللهم ارزقني مالا وولدا وغير ذلك أومن غير دعاء لفظي بل بطلب وسعي فإن ذلك كله دعاء وسؤال من الله سواء اعتقد به الإنسان وتنبه له أم لا إذ لا معطي ولا مانع في الحقيقة إلا الله سبحانه، قال تعالى:{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: الرحمن: 29 وقال:{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}: إبراهيم: 34 فالدعاء مطلق الطلب والباء في قوله:{بالشر} و{بالخير} للصلة والمراد أن الإنسان يدعوالشر ويسأله دعاء كدعائه الخير وسؤاله وطلبه.

وعلى هذا فالمراد بكون الإنسان عجولا أنه لا يأخذ بالأناة إذا أراد شيئا حتى يتروى ويتفكر في جهات صلاحه وفساده حتى يتبين له وجه الخير فيما يريده من الأمر فيطلبه ويسعى إليه بل يستعجل في طلبه بمجرد ما ذكره وتعلق به هواه فربما كان شرا فتضرر به وربما كان خيرا فانتفع به.

والآية وما يتلوها من الآيات في سياق التوبيخ واللوم متفرعة على ما تقدم من حديث المن الإلهي بالهداية إلى التي هي أقوم كأنه قيل: إنا أنزلنا كتابا يهدي إلى ملة هي أقوم تسوق الآخذين بها إلى السعادة والجنة وتؤديهم إلى أجر كبير، وترشدهم إلى الخير كله لكن جنس الإنسان عجول لا يفرق لعجلته بين الخير والشر بل يطلب كل ما لاح له ويسأل كل ما بدا له فتعلق به هواه من غير تمييز بين الخير والشر والحق والباطل فيرد الشر كما يرد الخير ويهجم على الباطل كما يهجم على الحق.

وليس ينبغي له أن يستعجل ويطلب كل ما يهواه ويشتهيه ولا يحق له أن يرتكب كل ما له استطاعة ارتكابه ويقترف كل ما أقدره الله عليه ومكنه منه مستندا إلى أنه من التيسير الإلهي ولوشاء لمنعه فهذان الليل والنهار وآيتان إلهيتان وليستا على نمط واحد بل آية الليل ممحوة تسكن فيها الحركات وتهدأ فيها العيون، وآية النهار مبصرة تنتبه فيها القوى ويبتغي فيها الناس من فضل ربهم ويعلمون بها عدد السنين والحساب.

كذلك أعمال الشر والخير جميعا كائنة في الوجود بإذن الله مقدورة للإنسان بإقداره سبحانه لكن ذلك لا يكون دليلا على جواز ارتكاب الإنسان الشر والخير جميعا وأن يستعجل فيطلب كل ما بدا له فيرد الشر كما يرد الخير ويقترف المعصية كما يقترف الطاعة بل يجب عليه أن يأخذ عمل الشر ممحوا فلا يقترفه وعمل الخير مبصرا فيأتي به ويبتغي بذلك فضل ربه من سعادة الآخرة والرزق الكريم فإن عمل الإنسان هو طائره الذي يدله على سعادته وشقائه، وهو لازم له غير مفارقة فما عمله من خير أوشر فهو لا يفارقه إلى غيره ولا يستدل به سواه.

هذا ما يعطيه السياق من معنى الآية ويتبين به: أولا: أن الآية وما يتلوها من الآيات مسوقة لغرض التوبيخ واللوم، وهو وجه اتصالها وما بعدها بما تقدمها من قوله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الآية كما أشرنا إليه آنفا فهو سبحانه يلوم الإنسان أنه لما به من قريحة الاستعجال لا يقدر نعمة الهداية الإلهية حق قدرها ولا يفرق بين الملة التي هي أقوم وبين غيرها فيدعوبالشر دعاءه بالخير ويقصد الشقاء كما يقصد السعادة.

وثانيا: أن المراد بالإنسان هو الجنس دون أفراد معينة منه كالكفار والمشركين كما قيل، وبالدعاء مطلق الطلب لا الدعاء المصطلح كما قيل، وبالخير والشر ما فيه سعادة حياته أوشقاؤه بحسب الحقيقة دون مطلق ما يضر وينفع كدعاء الإنسان على من رضي عنه بالنجاح والفلاح وعلى من غضب عليه بالخيبة والخسران وغير ذلك.

وبالعجلة حب الإنسان أن يسرع ما يهواه إلى التحقق دون اللج والتمادي على طلب العذاب والمكروه.

وللمفسرين اختلاف عجيب في مفردات الآية، وكلمات مضطربة في بيان وجه اتصال الآية وكذا الآيات التالية بما قبلها تركنا إيرادها والغور فيها لعدم جدوى في التعرض لها من أرادها فليراجع كتبهم.

قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } إلى آخر الآية، قال في المجمع، مبصرة أي مضيئة منيرة نيرة قال أبوعمرو: أراد يبصر بها كما يقال: ليل نائم وسر كاتم، وقال الكسائي: العرب تقول: أبصر النهار إذا أضاء. انتهى موضع الحاجة.

الليل والنهار هما النور والظلمة المتعاقبان على الأرض من جهة مواجهة الشمس بالطلوع وزوالها بالغروب وهما كسائر ما في الكون من أعيان الأشياء وأحوالها آيتان لله سبحانه تدلان بذاتهما على توحده بالربوبية.

ومن هنا يظهر أن المراد بجعلهما آيتين هو خلقهما كذلك لا خلقهما وليستا آيتين ثم جعلهما آيتين وإلباسهما لباس الدلالة فالأشياء كلها آيات له تعالى من جهة أصل وجودها وكينونتها الدالة على مكونها لا لوصف طار يطرء عليها.

ومن هنا يظهر أيضا أن المراد بآية الليل كآية النهار نفس الليل كنفس النهار - على أن تكون الإضافة بيانية لا لامية - والمراد بمحو الليل إظلامه وإخفاؤه عن الأبصار على خلاف النهار.

فما ذكره بعضهم أن المراد بآية الليل القمر ومحوها ما يرى في وجهه من الكلف كما أن المراد بآية النهار الشمس وجعلها مبصرة خلوقرصها عن المحو والسواد.

ليس بسديد فإن الكلام في الآيتين لا آيتي الآيتين.

على أن ما فرع على ذلك من قوله:{لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } إلخ متفرع على ضوء النهار وظلمة الليل لا على ما يرى من الكلف في وجه القمر وخلو قرص الشمس من ذلك.

ونظيره في السقوط قول بعضهم: إن المراد بآية الليل ظلمته وبآية النهار ضوءه والمراد بمحوآية الليل إمحاء ظلمته بضوء النهار ونظيره إمحاء ضوء النهار بظلمة الليل وإنما اكتفى بذكر أحدهما لدلالته على الآخر.

ولا يخفى عليك وجه سقوطه بتذكر ما أشرنا إليه سابقا فإن الغرض بيان وجود الفرق بين الآيتين مع كونهما مشتركتين في الآئية والدلالة، وما ذكره من المعنى يبطل الفرق.

وقوله:{لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } متفرع على قوله:{وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } أي جعلناها مضيئة لتطلبوا فيه رزقا من ربكم فإن الرزق فضله وعطاؤه تعالى.

وذكر بعضهم أن التقدير: لتسكنوا بالليل ولتبتغوا فضلا من ربكم بالنهار إلا أنه حذف {لتسكنوا بالليل} لما ذكره في مواضع أخر وفيه أن التقدير ينافي كون الكلام مسوقا لبيان ترتب الآثار على إحدى الآيتين دون الأخرى مع كونهما معا آيتين.

وقوله:{وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} أي لتعلموا بمحو الليل وإبصار النهار عدد السنين بجعل عدد من الأيام واحدا يعقد عليه، وتعلموا بذلك حساب الأوقات والآجال، وظاهر السياق أن علم السنين والحساب متفرع على جعل النهار مبصرا نظير تفرع ما تقدمه من ابتغاء الرزق على ذلك وذلك أنا إنما نتنبه للأعدام والفقدانات من ناحية الوجودات لا بالعكس والظلمة فقدان النور ولولا النور لم ننتقل لا إلى نور ولا إلى ظلمة، ونحن وإن كنا نستمد في الحساب بالليل والنهار معا ونميز كلا منهما بالآخر ظاهرا لكن ما هو الوجودي منهما أعني النهار هو الذي يتعلق به إحساسنا أولا ثم نتنبه لما هو العدمي منها أعني الليل بنوع من القياس، وكذلك الحال في كل وجودي وعدمي مقيس إليه.

وذكر الرازي في تفسيره أن الأولى أن يكون المراد بمحو آية الليل على القول بأنها القمر هو ما يعرض القمر من اختلاف النور من المحاق إلى المحاق بالزيادة والنقيصة ليلة فليلة لما فيه من الآثار العظيمة في البحار والصحاري وأمزجة الناس.

ولازم ذلك - كما أشار إليه - أن يكون قوله:{لتبتغوا فضلا من ربكم} وقوله:{وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} متفرعين على محوآية الليل وجعل آية النهار مبصرة جميعا، والمعنى أنا جعلنا ذلك كذلك لتبتغوا بإضاءة الشمس واختلاف نور القمر أرزاقكم، ولتعلموا بذلك أيضا السنين والحساب فإن الشمس هي التي تميز النهار من الليل والقمر باختلاف تشكلاته يرسم الشهور القمرية والشهور ترسم السنين فاللام في الجملتين أعني{لتبتغوا} و{لتعلموا} متعلق بالفعلين{محونا} و{وجعلنا} جميعا.

وفيه أن الآية في سياق لا يلائمه جعل ما ذكر فيها من الغرض غرضا مترتبا على الآيتين معا أعني الآية الممحوة والآية المثبتة فقد عرفت أن الآيات في سياق التوبيخ واللوم، والآية أعني قوله:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} كالجواب عما قدر أن الإنسان يحتج به في دعائه بالشر كدعائه بالخير.

وملخصه: أن الإنسان لمكان عجلته لا يعتني بما أنزله الله من كتاب وهداه إليه من الملة التي هي أقوم بل يقتحم الشر ويطلبه كما يطلب الخير من غير أن يتروى في عمله ويتأمل وجه الصلاح والفساد فيه بل يقتحمه بمجرد ما تعلق به هواه ويسرته قدرته، وهو يعتمد في ذلك على حريته الطبيعية في العمل كأنه يحتج فيه بأن الله أقدره على ذلك ولم يمنع عنه كما نقله الله من قول المشركين:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا}: النحل - 35.

فأجيب عنه بعد ما أورد في سياق التوبيخ واللوم بأن مجرد تعلق القدرة وصحة الفعل لا يستلزم جواز العمل ولا أن إقداره على الخير والشر معا يدل على جواز اقتحام الشر كالخير فالليل والنهار آيتان من آيات الله يعيش فيهما الإنسان لكن الله سبحانه محى آية الليل وقدر فيها السكون والخمود، وجعل آية النهار مبصرة مدركة يطلب فيها الرزق ويعلم بها عدد السنين والحساب.

فكما أن كون الليل والنهار مشتركين في الآئية لا يوجب اشتراكهما في الحركات والتقلبات بل هي للنهار خاصة كذلك اشتراك أعمال الخير والشر في أنها جميعا تتحقق بإذن الله سبحانه وهي مما أقدر الله الإنسان عليه سواء لا يستلزم جواز ارتكابه لهما وإتيانه بهما على حد سواء بل جواز الإتيان والارتكاب من خواص عمل الخير دون عمل الشر فليس للإنسان أن يسلك كل ما بدا له من سبيل ولا أن يأتي بكل ما اشتهاه وتعلق به هواه معتمدا في ذلك على ما أعطي من الحرية الطبيعية والأقدار الإلهي.

ومما تقدم يظهر فساد ما ذكره بعضهم أن الآية مسوقة للاحتجاج على التوحيد فإن الليل والنهار وما يعرضهما من الاختلاف وما يترتب على ذلك من البركات من أوضح آيات التوحيد.

وفيه أن دلالتهما على التوحيد لا توجب أن يكون الغرض إفادته والاحتجاج بهما على ذلك في أي سياق وقعا.

وقوله في ذيل الآية:{ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} إشارة إلى تمييز الأشياء وأن الخلقة لا تتضمن إبهامها ولا إجمالها.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص37-44.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أقصر الطرق للهداية والسعادة:

الآيات السابقة تحدثَّت عن بني إِسرائيل وكتابهم السماوي «التوراة» وكيف تخلفوا عن برنامج الهداية الإِلهية ليلقوا بعض جزائهم في هذه الحياة الدنيا، والباقي مدخرٌ ليوم القيامة.

وفي هذا المقطع مِن الآيات، إِنتقل الحديث إِلى القرآن الكريم، الكتاب السماوي للمسلمين، وآخر حلقة في الكتب السماوية، فقال تعالى أوّلاً: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.

«أقوم» صيغة تفضيل مُشتقة من «قيام» حيث يكون الإِنسان فيها على أحسن حالاته حينما يريد أن يشرع بعمل ما، لذلك فإِنَّ «القيام» كناية عن أفضل الصيغ التي يُنجز فيها الإِنسان الأعمال التي يُباشرها، أو يستعد لِمَباشرتها.

«الإِستقامة» مُشتقّة أيضاً مِن مادة «قيِّم» وهي بمعنى الإِعتدال والإِستواء والثبات.

وبما أنّ «أقوم» هي «أفعل تفضيل» بمعنى الأكثر ثباتاً واستقامةً واعتدالا، فإِنَّ معنى الآية أعلاه، هو أنَّ القرآن الكريم يمثل أقصر وأفضل طرق الإِستقامة والثبات والهداية وبهذا فإنّ الطريق القويم.

من وجهة نظر العقائد والأفكار، يتمثل بالعقائد الواضحة، القابلة للهضم والإِدراك والفهم، والتي تكون أساساً للعمل; وتعبئة الطاقات الإِنسانية باتجاه الإِعمار والبناء. العقيدة الأقوم هي العقيدة الخالية مِن الخرافات والأوهام، وَهي التي تُوائم بين الإِنسان وعالم الوجود والطبيعة مِن حوله.

العقيدة الأقوم مِن هذه الزاوية، هي التي توافق بين الإِعتقاد والعمل، والظاهر والباطن، الفكر والمنهج، وتدفع الإِنسان والجميع نحو اللّه.

أمّا الأقوم مِن وجهة نظر القوانين الإِجتماعية والإِقتصادية والعسكرية والسياسية، التي تسود المجتمع; فهي تلك التي تربّي في المجتمع الإِنساني الجوانب المادية والمعنوية وتدفع الجميع نحو التكامل والإِتساق.

والأقوم مِن وجهة النظر العبادية والأخلاقية، هو كل ما يجعل الإِنسان في المركز الوسط بين الإِفراط والتفريط، ويجعلهُ في موقع الإِعتدال بين الإِسراف والبخل، بين الإِستضعاف والإِستكبار.

وأخيراً فإِنَّ المنهج الأقوم بالنسبة للنظم والسلطات الحاكمة، هو كل ما يدفعها إِلى إِقامة العدل، والدعوة إِلى إِشاعة الإِنصاف، ومواجهة الظلم والظالمين.

نعم، إِنَّ القرآن هو الطريق الأقوم في كل تلك المستويات الآنفة الذكر، وهو الأسلوب الأقوم في كل جوانب الحياة والوجود، وعلى كافة القضايا والصُعد.

ولكنّا هنا نقف مع نقطة حساسة، وهي إِذا كانَ القرآن هو الأقوم; أي «أفعل تفضيل» فمعنى ذلك تفوقه في ميزات العدل وصفات الهداية والإِستقامة ليس على سائر المذاهب والعقائد الوضعية وحسب، وإِنّما على سائر الأديان والشرائع السابقة عليه أيضاً.

وإِزاء المفهوم الذي تطرحهُ هذه النقطة نرى أنفسنا بحاجة إِلى إِثارة الحديث على النحو الآتي.

أوّلاً: إِذ كانت أطراف المقايسة هي الأديان السماوية الأخرى، فلا شك أنَّ كل دين وشريعة منها كانت أفضل وأقوم لوقتها وزمانها، ولكن وفق قانون التكامل الذي وِصلت البشرية بُمقتضاه إِلى أقصى حالات رشدها وتكاملها، في زمن الرسالة الإِسلامية الخاتمة والنّبوة الخاتمة، فإِنَّ القرآن الكريم يعبِّر تبعاً لذلك عن أرقى وأقوم مضامين الهداية والإِستقامة الإِعتدال.

ثانياً: أمّا إِذا كانَ طرف المقايسة هو المذاهب والعقائد الوضعية، فمن الطبيعي جدّاً أن يكون القرآن كتاب السماء الواصل إِلينا مِن اللّه ذي العلم المطلق، هو الأقوم والأظهر عليها، لأنَّ العقائد الوضعية مهما بلغت مزاياها فهي نتاج الفهم المحدود للبشر.

ثالثاً: أشرنا في غير مكان إِلى أن «أفعل تفضيل» لا يدلُّ دائماً على أنَّ الموضوع لابدّ وأن يكون طرفاً للمقايسة، كما في قوله تعالى: { أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}(يونس ،35).

وعلى هامش هذه النقطة ينبغي أنْ لا يفوتنا أن تعبير «أقوم» في الآية الآنفة يشير الى أنَّ الإِسلام هو آخر أديان السماء، وأنَّ النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) هو آخر الأنبياء.

وكيفية ذلك، هو أنَّ أقوم بوصفها أفعل تفضيل، تمثل أعلى درجات التفضيل، ولأنَّ الآية لا تذكر الطرف الآخر في المقايسة والذي يكون القرآن أقوم بالنسبة إِليه; وطالما أنَّ حذف المتعلق يدل على العموم كما يقول الأصوليون، فينتج أنَّ الإِسلام آخر الأديان، وأنَّ محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الرسل، لأنَّهُ ليسَ بعد صيغة تفضيل «أقوم» من درجة في التفضيل.

بعد ذلك تشير الآيات إِلى موقف الناس في مقابل الكتاب الأقوم، هذا الموقف الذي ينقسم فيه الناس إِلى فئتين، فالأُولى يكون حالها كما يقول تعالى: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}.

أمّا الفئة الثّانية فيكون مصيرها تبعاً لموقفها كما يقول تعالى: {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

وإِذا كان استخدم «بشارة» واضح هُنا بالنسبة للمؤمنين، فهو بالنسبة لغيرهم مِن غير المؤمنين يقع على معنى السخرية والإِستهزاء، أو أنَّهُ بشارة للمؤمنين أيضاً تخبرهم عن حال غير المؤمنين(2).

ضمناً الآية تشير باختصار بليغ إِلى جزاء المؤمنين وثوابهم فتقول: {أنّ لهم أجراً كبيراً} أمّا غير المؤمنين فإِنّ لهم بنفس صورة الإِيجاز القرآني البليغ {عذاباً أليماً} وهذا الإِختصار البليغ يطوي في كلا مجالَيْه صوراً تفصيلية مِن الثواب والعقاب.

أمّا لماذا اقتصرت الآية في غير المؤمنين على صفة عدم إِيمانهم بالآخرة دون غيرها مِن الصفات والأعمال. في الواقع يمكن أن يكون ذلك بسبب أنَّ الإِيمان بالآخرة هو صمام أمان يضبط الإِنسان عن ارتكاب المعاصي والذنوب. ثمّ إِنَّ إِنكار القيامة يعتبر إِنكاراً لوجود اللّه تعالى، وإِلاّ كيف يستقيم للإِنسان أن يؤمن باللّه العادل الحكيم ولا يؤمن بوجود آخرة يُحاسب فيها الإِنسان على أعماله وينال حسابه العادل!؟

ثمّ إِنّ حديث الآية هو عن العقاب والثواب وهو يتناسب مع الحديث عن الإِيمان باليوم الآخر.

الآية التي بعدها تنساق في نفس اتجاه البحث وتشير إِلى احدى العلل المهمّة لعدم الإِيمان وتقول بأنّ عجلة الإِنسان وتسرعه وعدم اطلاعه على الأُمور وإِحاطته بها تسوقه إِلى أن يساوي في جهده بين دعائه بالخير وطلبه، وبين دعائه بالشر وطلبه له!

تقول الآية: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ}.

لماذا؟: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا }.

إِنَّ كلمة «دعا» هُنا تنطوي على معنى واسع يشمل كل طلب ورغبة للإِنسان، سواء أعلن عنها بلسانه وكلامه، أو سعى إِليها بعمله وجهده وسلوكه.

إِنَّ استعجال الإِنسان واندفاعه في سبيل تحصيل المنافع لِنفسه، تقوده إِلى النظرة السطحية للأُمور بحيثُ أنَّهُ لا يحيط الأشياء بالدراسة الشاملة المعمّقة ممّا يفوّت عليه تشخيص خيره الحقيقي ومنفعته الواقعية، وهكذا بنتيجة تعجّله واندفاعه المُضطرب يَضيع عليه وجه الحقيقة، ويتغيَّر مضمونها بنظره، فيقود نفسه باتجاه الشر والأعمال السيئة الضارّة.

وهكذا ينتهي الإِنسان ـ نتيجة سوء تشخيصه واضطراب مقياسه في رؤية الخير والحقيقة ـ إِلى أن يطلب من اللّه الشر، تماماً كما يطلب مِنُه الخير، وأن يسعى وراء الأعمال السيئة، كسعيه وراء الأعمال الحسنة. وهذا الإِضطراب  وفقدان الموازين هي أسوأ بلاء يصاب به الإِنسان ويحول بينهُ وبين السعادة الحقيقية.

ما أكثر الناس الذين يضعون أنفسهم ـ بسبب من عجلتهم واندفاعاتهم المضطربة ـ على حافة الخطر ومشارف الضلال، وهم يظنون أنّهم يسيرون نحو الأمن والإستقرار والهداية. إِنَّ مثل هؤلاء كمن هو غارق بالسوء والقبائح وهو يفتخر بما هو فيه!!

إِنّ نتيجة العجلة والتسرُّع والإِندفاع الأهوج لن تكون أحسن مِن هذه العاقبة.

مِن هنا يتّضح ـ كما أشرنا سابقاً ـ أنَّ معنى «دعا» لا يقتصر لا على الرغبات التي يظهرها الإِنسان على لسانه، ولا على تلك الرغبات التي يسعى لتحقيقها بسلوكه وبما يبذل لها مِن جهد; وإِنّما المعنى يشمل محصلة الإِثنين معاً. وأمّا ما ذهب إِليه بعض المفسّرين من حصر المعنى في أحدهما فليس ثمّة دليل عليه.

أمّا ما يظهر من بعض الرّوايات مِن اقتصار المعنى على الدعاء اللفظي، فإِنَّ ذلك مِن قبيل بيان المصداق لا كل المفهوم من قبيل الرّواية التي يقول فيها الإِمام الصادق(عليه السلام): «وأعرف طريق نجاتك وهلاكك، كي لا تدعو اللّه بشيء عسى فيه هلاكك، وأنت تظن أنّ فيه نجاتك(3)، قال اللّه تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}.

مِن هنا يتبيّن أنّ أفضل طريق لوصول الإِنسان إِلى الخير والسعادة، هو أن يكون الفرد في كل خطوة وموقف على غاية قصوى من الدقّة والحيطة والحذر، وأن يتجنب الإِندفاع والعجلة والتسرُّع، ويدرس الموقف مِن جميع جوانبه، ويجانب الأحكام المتعجِّلة الممزوجة بالهوى والعاطفة، وأن يستعين باللّه العزيز ويستمده القوة والعون.

الآية التي بعدها تتحدث عن تعاقب الليل والنهار ومنافع هذا التعاقب، لتجعل مِن هذا الشاهد مثالا على معرفة اللّه والتمعُّن بآياته، والمثال أيضاً يُفيد معنى التأمُّل والهدوء ويدعو إِلى محاذرة التعجُّل والتسرُّع.

الآية تقول أوّلاً: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} ثمّ: { فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً }. وَلنا في ذلك هدفان: الأوّل: {لتبتغوا فضلا مِن ربّكم} حيثُ تنطلقون نهاراً في الكسب والعمل والمعاش مستثمرين العطايا الإِلهية، وتنعمون ليلا بالراحة والهدوء والإِستقرار. والهدف الثّاني فهو: { وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} لكي لا تبقى شبهة لأحد {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}.

بين المفسّرين كلام كثير حول المقصود مِن «آية الليل» و«آية النهار» وفيما إِذا كانَ ذلك كناية عن نفس الليل و النهار، أم أنَّ المقصود مِن «آية الليل» القمر، ومن «آية النهار» الشمس(3).

ولكن التدقيق في الآية يكشف عن رجاحة التّفسير الأوّل، خصوصاً وأنَّ المقصود مِن قوله تعالى: {وَجعلنا الليل والنهار آيتين} هو أنّ كل واحد مِنهما علامة على إِثبات وجود اللّه، أمّا محو آية الليل فهو تمزيق ظلمة الليل وحجب الظلمة فيه بواسطة نور النهار، الذي يكشف ما كان مستوراً بظلمة الليل.

وإِذا كانت آيات أُخرى في القرآن

[آية (5) مِن سورة يونس] تفيد أنّ الغاية من خلق الشمس والقمر هو تنظيم الحساب إِلى سنين وأشهر، فليس ثمّة تنافي بين الآيتين، إِذ مِن الممكن أن تنتظم حياة الإِنسان وحسابهُ على أساس الليل والنهار، وعلى أساس الشمس والقمر مِن دون أي تناف بين الإِثنين.

في نهج البلاغة نقرأ للإِمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، قوله: «وجعل شمسها آية مُبصره لنهارها، وقمرها آية ممحوه مِن ليلها، وأجراهما في مَناقل مجراهما، وقدّر سيرهما في مدارج درجهما، ليميز بين الليل والنهار بهما، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما»(4).

إِنّ كلام الإِمام هنا لا يُنافي التّفسير الأوّل، لأنَّ حساب السنين يمكن أن يكون على أساس الأيّام والليالي، كما يمكن أن يتم ذلك على أساس الشمس والقمر.

_______________

1- تفسير الامثل، ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص237-242.

2ـ في نهاية الآية (138) مِن سورة النساء قلنا: إِنَّ «بشارة» مُشتقّة أصلا مِن «البشرة» بمعنى الوجه. والملاحظ أنَّ صحيفة الوجه وبشرته كالمرآة تعكس كل خبر إِذا كان ساراً أو سيئاً بشكل إِيحاءات معينة وحمل بعضهم { وأن الذين لايؤمنون...} على{اجراً كبيراً}.

3- تفسير نور الثقلين،ج3،ص141.

4 ـ في الحالة الأُولى تكون الإِضافة «إِضافية بيانية» أما في الثّالثة فتكون الإِضافة «إِضافة إِختصاصية».

5 ـ نهج البلاغة، خطبة الأشباح، رقم (91).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .