أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-8-2020
4093
التاريخ: 5-8-2020
5159
التاريخ: 15-8-2020
3753
التاريخ: 13-8-2020
5992
|
قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُو خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } [النحل: 125 - 128]
أمر سبحانه نبيه بالدعاء إلى الحق فقال { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} أي: ادع إلى دينه لأنه الطريق إلى مرضاته { بالحكمة } أي: بالقرآن وسمي القرآن حكمة لأنه يتضمن الأمر بالحسن والنهي عن القبيح وأصل الحكمة المنع ومنه حكمة اللجام وإنما قيل لها حكمة لأنها بمنزلة المانع من الفساد وما لا ينبغي أن يختار وقيل: أن الحكمة هي المعرفة بمراتب الأفعال في الحسن والقبح والصلاح والفساد لأن بمعرفة ذلك يقع المنع من الفساد والاستعمال للصدق والصواب في الأفعال والأقوال.
{ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } معناه: الوعظ الحسن وهو الصرف عن القبيح على وجه الترغيب في تركه والتزهيد في فعله وفي ذلك تليين القلوب بما يوجب الخشوع وقيل أن الحكمة هي النبوة والموعظة الحسنة مواعظ القرآن عن ابن عباس { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: ناظرهم بالقرآن وبأحسن ما عندك من الحجج وتقديره بالكلمة التي هي أحسن والمعنى اقتل المشركين واصرفهم عما هم عليه من الشرك بالرفق والسكينة ولين الجانب في النصيحة ليكونوا أقرب إلى الإجابة فإن الجدل هوقتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج وقيل هو أن يجادلهم على قدر ما يحتملونه كما جاء في الحديث أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم.
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي: عن دينه { وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي: القابلين للهدى وهو يأمرك في الفريقين بما فيه الصلاح { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} معناه وإن أردتم معاقبة غيركم على وجه المجازاة والمكافاة فعاقبوا بقدر ما عوقبتم به ولا تزيدوا عليه وقالوا إن المشركين لما مثلوا بقتلى أحد وبحمزة بن عبد المطلب فشقوا بطنه وأخذت هند بنت عتبة كبده فجعلت تلوكه وجدعوا أنفه وأذنه وقطعوا مذاكيره قال المسلمون لئن أمكنا الله منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات فنزلت الآية عن الشعبي وقتادة وعطا بن يسار.
وقيل: إن الآية عامة في كل ظلم كغضب أو نحوه فإنما يجازى بمثل ما عمل عن مجاهد وابن سيرين وإبراهيم وقال الحسن نزلت الآية قبل أن يؤمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بقتال المشركين على العموم وأمر بقتال من قاتله ونظيره قوله { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } { ولئن صبرتم } أي: تركتم المكافاة والقصاص وجرعتم مرارته { لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} معناه: الصبر خير وأنفع للصابرين لما فيه من جزيل الثواب { واصبر } يا محمد فيما تبلغه من الرسالة وفيما تلقاه من الأذى وقيل معناه اصبر على ما يجب الصبر عليه وعما يجب الصبر عنه { وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } أي: وليس صبرك إلا بتوفيق الله وإقداره وتيسيره وترغيبه فيه { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي: ولا تحزن على المشركين في إعراضهم عنك فإنه يكون الظفر والنصرة لك عليهم ولا عتب عليك في إعراضهم فقد بلغت ما أمرت به وقضيت ما عليك وقيل معناه ولا تحزن على قتلي أحد فإن الله تعالى قد نقلهم إلى ثوابه وكرامته { وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} أي :ولا يكن صدرك في ضيق من مكرهم بك وبأصحابك فإن الله سبحانه يرد كيدهم في نحورهم ويحفظكم من شرورهم { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} الشرك والفواحش والكبائر بالنصرة والحفظ والكلاءة { و} مع { وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} قال الحسن اتقوا ما حرم عليهم وأحسنوا فيما فرض عليهم .
________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص210-212.
{ ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وترشدنا هذه الآية إلى ما يلي :
1 - ان الدعوة يجب أن تكون للحق خالصة من كل شائبة ، فأي إنسان يدعوإلى غير الحق فدعوته فساد وضلال ، وأعظم الناس جرما من اتخذ من الدعوة إلى اللَّه والحق وسيلة لتدعيم جاهه وكيانه كما يفعل طلاب الزعامة والرئاسة من رجال الدين والدنيا .
2 - أن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومن الواضح ان قوام الحكمة العلم والعقل ، فبالعقل يميز الداعي بين الحق والباطل ، والخير والشر ، وبالشر يعرف أحوال المخاطبين والطريقة التي ينبغي أن يخاطبهم بها من اللين والشدة ، أما الموعظة الحسنة فمنها ، بل من أحسنها ، أن يخاطب المرشد المخطئ بأسلوب يشعر منه تلقائيا انه مخطئ ، ومن الحمق أن يفاجئه بالتأنيب والتوبيخ ، وقديما قيل :
التلويح أبلغ من التصريح . وبكلمة ان الموعظة الحسنة هي التي تحقق الغرض المطلوب كما قال تعالى : « ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - 33 فصلت » .
3 - الجدل بالتي هي أحسن ، وذلك بأن يكون الغرض منه اظهار الحق ، وإقناع المنكر ، لا مجرد إفحامه والتغلب عليه .
{ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } . بعد ان أمر اللَّه نبيه الأكرم ان يبلَّغ بالحكمة ، ويجادل بالأحسن قال له : هذا ما عليك ، أما هداية الناس فأنت غير مسؤول عنها . . وفي هذا النص إيماء إلى أن الحماس في الدعوة لا يحسن في كل الأمور وعلى كل حال ، قال تعالى : « وقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ - 28 الكهف » .
{ وإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ } . هذا مثل قوله تعالى : « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ - 194 البقرة » . وقال جماعة من المفسرين : ان هذه الآية مدنية أدرجت في سورة مكية ، وان السبب لنزولها ان المشركين مثّلوا بقتلى المسلمين في وقعة أحد ، وبالخصوص حمزة بن عبد المطلب ، فإنهم شقّوا بطنه ، وأخذت هند أم معاوية كبده فلاكته ، وجدعوا أنفه وصلموا أذنيه وقطعوا مذاكيره ، فقال المسلمون : لئن أمكننا اللَّه من المشركين لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت الآية .
{ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوخَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } . بعد أن أشار سبحانه إلى أن القصاص لا يجوز إلا بالمثل قال : الأفضل العفووكظم الغيظ ومثله قوله تعالى : « ولَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ - 41 الشورى » .
{ واصْبِرْ وما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } . أي بعونه تعالى وتوفيقه ، والخطاب لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) والمراد به العموم . وتكلمنا عن الصبر عند تفسير الآية 155 من سورة البقرة ج 1 ص 243 .
{ ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } . ما من أحد يدعوإلى الخير الا ويلاقي الأذى والعنت من أهل الشر دينيا كان أوزمنيا ، وقد أوصى سبحانه كل من دعا ويدعوالى سبيله أن لايحزن لتكذيب من كذب واعرض من أعرض عن دعوته، لأن العاقبة لمن أتقى{ ان الله مع الذين أنقوا} محارمه خوفاً منه { والذين هم محسنون} بجهاد الباطل واهله، وبالعفو عن الناس فيما يعود الى الحق الخاص دون العام.
_________________
1- التفسير الكاشف، ج 4، محمد جواد مغنية، ص 564-566.
قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} إلى آخر الآية لا شك في أنه يستفاد من الآية أن هذه الثلاثة الحكمة والموعظة والمجادلة من طرق التكليم والمفاوضة فقد أمر بالدعوة بأحد هذه الأمور فهي من أنحاء الدعوة وطرقها وإن كان الجدال لا يعد دعوة بمعناها الأخص.
وقد فسرت الحكمة - كما في المفردات - بإصابة الحق بالعلم والعقل، والموعظة كما عن الخليل - بأنه التذكير بالخير فيما يرق له القلب، والجدال - كما في المفردات - بالمفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة.
والتأمل في هذه المعاني يعطي أن المراد بالحكمة - والله أعلم - الحجة التي تنتج الحق الذي لا مرية فيه ولا وهن ولا إبهام والموعظة هو البيان الذي تلين به النفس ويرق له القلب، لما فيه من صلاح حال السامع من الغبر والعبر وجميل الثناء ومحمود الأثر ونحو ذلك.
والجدال هو الحجة التي تستعمل لفتل الخصم عما يصر عليه وينازع فيه من غير أن يريد به ظهور الحق بالمؤاخذة عليه من طريق ما يتسلمه هو والناس أو يتسلمه هو وحده في قوله أوحجته.
فينطبق ما ذكره تعالى من الحكمة والموعظة والجدال بالترتيب على ما اصطلحوا عليه في فن الميزان بالبرهان والخطابة والجدل.
غير أنه سبحانه قيد الموعظة بالحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ففيه دلالة على أن من الموعظة ما ليست بحسنة ومن الجدال ما هو أحسن وما ليس بأحسن ولا حسن والله تعالى يأمر من الموعظة بالموعظة الحسنة ومن الجدال بأحسنه.
ولعل ما في ذيل الآية من التعليل بقوله:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} يوضح وجه التقييد، فمعناه أنه سبحانه أعلم بحال أهل الضلال في دينه الحق، وهو أعلم بحال المهتدين فيه فهو يعلم أن الذي ينفع في هذا السبيل هو الحكمة والموعظة الحسنة والجدال الأحسن لا غير.
والاعتبار الصحيح يؤيد ذلك فإن سبيله تعالى هو الاعتقاد الحق والعمل الحق ومن المعلوم أن الدعوة إليه بالموعظة مثلا ممن لا يتعظ بما يعظ به دعوة عملا إلى خلاف ما يدعوإليه القول، والدعوة إليه بالمجادلة مثلا بالمسلمات الكاذبة التي يتسلمها الخصم لإظهار الحق إحياء لحق بإحياء باطل وإن شئت فقل إحياء حق بإماتة حق إلا أن يكون الجدال على سبيل المناقضة.
ومن هنا يظهر أن حسن الموعظة إنما هو من حيث حسن أثره في الحق الذي يراد به بأن يكون الواعظ نفسه متعظا بما يعظ ويستعمل فيها من الخلق الحسن ما يزيد في وقوعها من قلب السامع موقع القبول فيرق له القلب ويقشعر به الجلد ويعيه السمع ويخشع له البصر.
ويتحرز المجادل مما يزيد في تهييج الخصم على الرد والعناد وسوقه إلى المكابرة واللجاج، واستعمال المقدمات الكاذبة وإن تسلمها الخصم إلا في المناقضة ويحترز سوء التعبير والإزراء بالخصم وبما يقدسه من الاعتقاد والسب والشتم وأي جهالة أخرى فإن في ذلك إحياء للحق بإحياء الباطل أي إماتة الحق كما عرفت.
والجدال أحوج إلى كمال الحسن من الموعظة ولذلك أجاز سبحانه من الموعظة حسنتها ولم يجز من المجادلة إلا التي هي أحسن.
ثم إن في قوله:{بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أخذا بالترتيب من حيث الأفراد فالحكمة مأذون فيها بجميع أفرادها، والموعظة منقسمة إلى حسنة وغير حسنة والمأذون فيها منهما هي الموعظة الحسنة، والمجادلة منقسمة إلى حسنة وغير حسنة ثم الحسنة إلى التي هي أحسن وغيرها والمأذون فيها منها التي هي أحسن، والآية ساكتة عن توزيع هذه الطرق بحسب المدعوين بالدعوة فالملاك في استعمالها من حيث المورد حسن الأثر وحصول المطلوب وهو ظهور الحق.
فمن الجائز أن يستعمل في مورد جميع الطرق الثلاث وفي آخر طريقان أوطريق واحد حسب ما تستدعيه الحال ويناسب المقام.
ومنه يظهر أن قول بعضهم إن ظاهر الآية أن يجمع (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته بين الطرق الثلاث ليس في محله إذ لا دليل على لزوم الجمع بينها بالنسبة إلى كل مدعووأما بالنسبة إلى جميع المدعوين فهوحاصل.
وكذا ما ذكره بعضهم أن الطرق الثلاث المذكورة في الآية مترتبة حسب ترتب أفهام الناس في استعدادها لقبول الحق فمن الناس الخواص وهم أصحاب النفوس المشرقة القوية الاستعداد لإدراك الحقائق العقلية وشديدة الانجذاب إلى المبادىء العالية وكثيرة الألفة بالعلم واليقين فهؤلاء يدعون بالحكمة وهي البرهان.
ومنهم عوام وهم أصحاب نفوس كدرة واستعداد ضعيف مع شدة ألفتهم بالمحسوسات وقوة تعلقهم بالرسوم والعادات قاصرة عن تلقي البراهين من غير أن يكونوا معاندين للحق وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة.
ومنهم أصحاب العناد واللجاج الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ويكابرون ليطفئوا نور الله بأفواههم رسخت في نفوسهم الآراء الباطلة، وغلب عليهم تقليد أسلافهم في مذاهبهم الخرافية لا ينفعهم المواعظ والعبر، ولا يهديهم سائق البراهين وهؤلاء هم الذين أمر بمجادلتهم بالتي هي أحسن.
وفيه أنه لا يخلو من دقة لكن لا ينتج اختصاص كل طريق بما يناسبه من مرتبة الفهم فربما انتفع الخواص بالموعظة والمجادلة وربما انتفعت العوام وهم ألفاء العادات والرسوم بالمجادلة بالتي هي أحسن، ولا دلالة في لفظ الآية على ما ذكر من التخصيص.
وكذا ما ذكره بعضهم أن المجادلة بالتي هي أحسن ليست من الدعوة في شيء بل الغرض منها شيء آخر مغاير لها وهو الإلزام والإفحام.
قال: ولذلك لم يعطف الجدال في الآية على ما تقدمه بل غير السياق وقيل:{وجادلهم بالتي هي أحسن}. وفيه غفلة عن حقيقة القياس الجدلي فالإفحام وإن كان غاية للقياس الجدلي لكنه ليس غاية دائمية فكثيرا ما يتألف قياس من مقدمات مقبولة أومسلمة وخاصة في الأمور العملية والعلوم غير اليقينية كالفقه والأصول والأخلاق والفنون الأدبية ولا يراد به الإلزام والإفحام.
على أن في الإلزام والإفحام دعوة كما أن في الموعظة دعوة وإن اختلفت صورتها باختلاف الطرق نعم تغيير السياق لما في الجدال من معنى المنازعة والمغالبة.
قوله تعالى:{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } قال في المفردات، العقوبة والعقاب والمعاقبة تختص بالعذاب، انتهى.
والأصل في معناه العقب وهو مؤخر الرجل وعقيب الشيء وعاقبة الأمر ما يليه من ورائه أوآخره، والتعقيب الإتيان بشيء عقيب شيء ومعاقبتك غيرك أن تأتي بما يسوءه عقيب إتيانه بما يسوءك فينطبق على المجازاة والمكافأة بالعذاب.
فقوله:{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } الخطاب فيه للمسلمين - على ما يفيده السياق - ولازمه أن يكون المراد بالمعاقبة مجازاة المشركين والكفار، وبقوله:{عوقبتم به} عقاب الكفار إياهم ومجازاتهم لهم بما آمنوا بالله ورفضوا آلهتهم.
والمعنى: وإن أردتم مجازاة الكفار وعذابهم فجازوهم على ما فعلوا بكم بمثل ما عذبوكم به مجازاة لكم على إيمانكم وجهادكم في الله.
وقوله:{ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } أي صبرتم على مر ما عوقبتم به ولم تعاقبوا ولم تكافئوا لهوخير لكم بما أنكم صابرون لما فيه من إيثار رضا الله وثوابه فيما أصابكم من المحنة والمصيبة على رضا أنفسكم بالتشفي بالانتقام فيكون العمل خالصا لوجهه الكريم، ولما في الصفح والعفو من إعمال الفتوة ولها آثارها الجميلة.
قوله تعالى:{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } إلى آخر الآية أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر وبشرى له أن الله قواه على الصبر على مر ما يلقاه في سبيله فإنه تعالى يذكر أن صبره إنما هو بحول وقوة من ربه ثم يأمره بالصبر ولازم الأمر قدرة المأمور على المأمور به ففي قوله:{وما صبرك إلا بالله} إشارة إلى أن الله قواك على ما أمرك به.
وقوله:{ولا تحزن عليهم} أي على الكافرين، لكفرهم وقد تقدم تفسير هذا المعنى سابقا في السورة وغيرها.
وقوله:{ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} الظاهر أن المراد النهي عن التحرج من مكرهم في الحال أوعلى سبيل الاستمرار دون مجرد الاستقبال.
قوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} أي إن التقوى والإحسان كل منهما سبب مستقل في موهبة النصرة الإلهية وإبطال مكر أعداء الدين ودفع كيدهم فالآية تعليل لقوله:{ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} ووعد بالنصر.
وهذه الآيات الثلاث أشبه مضمونا بالآيات المدنية منها بالمكية وقد وردت روايات من طرق الفريقين أنها نزلت في منصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أحد وسيأتي في البحث الروائي وإن كان من الممكن توجيه اتصالها بما قبلها بوجه كما تصدى له بعضهم.
ومما يجب أن يتنبه له أن الآية التي قبل الثلاثة أجمع لغرض السورة من هذه الثلاث، وأن لآيات السورة مع الإغماض عن قوله:{والذين هاجروا} الآية، وقوله:{من كفر بالله من بعد إيمانه} إلى تمام بضع آيات، وقوله:{وإن عاقبتم} إلى آخر السورة، سياقا واحدا متصلا.
_______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص303-307.
عشرة قواعد أخلاقية .. سلاحٌ داعية الحق:
حملت آيات السورة بين طياتها أحاديث كثيرة ومتنوعة، فقد تناولت المشركين واليهود وأصناف المخالفين بشكل عام، تارة بلهجة لينة وأُخرى بأُسلوب تقريع شدة، وخصوصاً الآيات السابقة لما لها من عمق وشدة أكثر ممّا سبقها من الآيات المباركات.
أمّا الآيات أعلاه والتي تمثل خاتمة بحوث وأحاديث سورة النحل، فتبيّن أهم الأوامر الأخلاقية الأساسية التي ينبغي التحصن بها عند مواجهة المخالفين على أساس منطقي، كما وتبيّن كيفية العقاب والعفو وأُسلوب الصمود أمام مؤامرتهم وما شابه ذلك.
ويمكن تسمية ذلك بالأصول التكتيكية ومنهج المواجهة في الإِسلام ضد المخالفين، كما وينبغي العمل به كقانون كلي شامل لكل زمان ومكان.
ويتلخص هذا البرنامج الرّباني بعشرة أُصول، تم ترتيبها وفقاً لتسلسل الآيات مورد البحث:
1 ـ { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ }:
«الحكمة»: بمعنى العلم والمنطق والإِستدلال، وهي في الأصل بمعنى (المنع) وقد أُطلقت على العلم والمنطق والإِستدلال لقدرتها على منع الإِنسان من الفساد والإِنحراف...
فأوّل خطوة على طريق الدعوة إِلى الحقّ هي التمكن من الإِستدلال وفق المنطق السليم، أو النفوذ إِلى داخل فكر الناس ومحاولة تحريك وإِيقاظ عقولهم، كخطوة أُولى في هذا الطريق.
2 ـ { وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }:
وهى الخطوة الثّانية في طريق الدعوة إِلى اللّه، بالإِستفادة من عملية تحريك الوجدان الإِنساني، وذلك لما للموعظة الحسنة من أثر دقيق وفاعل على عاطفة الإِنسان وأحاسيسه، وتوجيه مختلف طبقات الناس نحو الحقّ.
وفي الحقيقة فإِنّ «الحكمة» تستثمر البُعد العقلي للإِنسان، و«الموعظة الحسنة» تتعامل مع البُعد العاطفي له(2).
إِنّ تقييد «الموعظة» بقيد «الحسنة» لعلّه إِشارة إِلى أنّ النصيحة والموعظة إِنّما تؤدي فعلها على الطرف المقابل إذا خليت من أيّةِ خشونة أو استعلاء وتحقير التي تثير فيه حسّ العناد واللجاجة وما شابه ذلك.
فكم من موعظة أعطت عكس ما كان يُؤَمَّل بها بسبب أُسلوب طرحها الذي يُشْعِر الطرف المقابل بالحقارة والإِهانة كأن تكون الموعظة امام الآخرين ومقرونة بالتحقير، أو يستشمّ منها رائحة الاستعلاء في الواعظ، فتأخذ الطرف المقابل العزة بالإِثم ولا يتجاوب مع تلك الموعظة.
وهكذا يترتب الأثر الإِيجابي العميق للموعظة إِذا كانت «حسنة».
3 ـ { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
الخطوة الثّالثة تختص بتخلية أذهان الطرف المخالف من الشبهات العالقة فيه والأفكار المغلوطة ليكون مستعداً لتلقي الحق عند المناظرة.
وبديهي أنْ تكون المجادلة والمناظرة ذات جدوى إِذا كانت {بالتي هي أحسن} ، أيْ أنْ يحكمها الحق والعدل والصحة والأمانةوالصدق، وتكون خالية من أيّةِ إِهانة أو تحقير أو تكبر أو مغالطة، وبعبارة شاملة: أنْ تحافظ على كل الأبعاد الأِنسانية السليمة عند المناظرة.
وفي ذيل الآية الأُولى، يقول القرآن: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
فالآية تشير إِلى أنّ وظيفتكم هي الدعوة إِلى طريق الحق بالطرق الثلاثة المتقدمة، أمّا مسألة مَنْ الذي سيهتدي ومَنْ سيبقى على ضلاله، فعلم ذلك عند اللّه وحده سبحانه.
وثمة إِحتمال آخر في مقصود هذه الجملة وهو بيان دليل للتوجيهات الثلاث المتقدمة، أيْ: إِنّما أمر سبحانه بهذه الأوامر الثلاثة لأنّه يعلم الكيفية التي تؤثر بالضالين لأجل توجيههم وهدايتهم.
4 ـ إِنصب الحديث في الأصول الثلاثة حول البحث المنطقي والأُسلوب العاطفي والمناقشة المعقولة مع المخالفين، وإِذا حصلت المواجهة معهم ولم يتقبلوا الحق وراحوا يعتدون، فهنا يأتي الأصل الرابع: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ }.
5 ـ { وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}:
وتقول الرّوايات: إِنّ الآية نزلت في معركة (أُحد) عندما شاهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) شهادة عمّه حمزّة بن عبدالمطلب المؤلمة (حيث لم يكتف العدو بقتله بل شقّ صدره بوحشية وقساوة فظيعة وأُخرج كبده أو قلبه وقطع أُذنه وأنفه) وتأذى النّبي لذلك كثيراً وقال: «اللّهم لك الحمد وإِليك وأنت المستعان على ما أرى» ثمّ قال: «لئن ظفرت لأمثلّن ولأمثلّن ولأمثلّن» وعلى رواية أُخرى أنّه قال: «لأمثلّن بسبعين منهم» فنزلت الآية: {وإِنْ عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): «أصبر أصبر»(3).
ربّما كانت تلك اللحظة من أشد لحظات حياة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنّه تمالك زمام أُمور نفسه واختار الطريق الثّاني، طريق العفو والصبر.
ويحكي لنا التأريخ ما قام به الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حين فتح مكّة، فما أنْ وطأت أقدام المسلمين المنتصرة أرض مكّة حتى أصدر نبى الرحمة(صلى الله عليه وآله وسلم) العفو العام عن اُولئك الجفاة، فوفى بوعده الذي قطعه على نفسه في معركة أُحُد(4).
وحري بالإِنسان إِذا أراد أنْ ينظر إِلى أعلى نموذج حي في العواطف الإِنسانية، أنْ يضع قصتي أُحد وفتح مكّة نصب عينيه ليقارن ويربط بينهما.
ولعل التأريخ لا يشهد لأيّة أمّة منتصرة عوملت بمثل ما عامل به النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون مشركي مكّة عند انتصارهم عليهم، على الرغم من أن المسلمين كانوا من ابناء تلك البيئة التي نفذ شعور الإِنتقام والحقد فيها ليتوغل ويركد في أعماق المجتمع، بل وكانت الأحقاد تتوارث جيلا بعد جيل الى حدّ كان عدم الإِنتقام يُعدّ عيباً كبيراً لا يمكن ستره!
ومن ثمار عفو وسماحة الإِسلام أنْ اهتزت تلك الأُمة الجاهلة العنيدة من أعماقها واستيقظت من نوم غفلتها، وراح أفرادها كما يقول عنهم القرآن الكريم: {يدخلون في دين اللّه أفواجاً}.
6 ـ { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ }:
والصبر إِنّما يكون مؤثراً وفاعلا إذا قصد به رضوانه تعالى ولا يلحظ فيه أيّ شيء دون ذلك.
وهل يتمكن أيّ إِنسان من الصبر على الكوارث المقطعة للقلب من غير هدف معنوي وبدون قوة إِلهية ويتحمل الالآم دون فقدان الإِتزان!؟ .. نعم، ففي سبيل رضوان اللّه كل شيء يهون وما التوفيق إِلاّ منه عزَّوجلّ.
7 ـ وإِذا لم ينفع الصبر في التبليغ والدعوة إِلى اللّه، ولا العفو والتسامح، فلا ينبغي أنْ يحل اليأس في قلب المؤمن أو يجزع، بل عليه الإِستمرار في التبليغ بسعة صدر وهدوء أعصاب أكثر، ولهذا يقول القرآن الكريم في الأصل السابع: {ولا تحزن عليهم}.
لأنّ الحزن والتأسف على عدم إِيمان المعاندين يترك أحد أثرين على الإِنسان، فإِمّا أنْ يصيبه اليأس الدائم، أو يدفعه إِلى الجزع والغضب وضعف التحمل، فالنهي عن الحزن عليهم يحمل في واقعه نهياً للأمرين معاً، فينبغي للعاملين في طريق الدعوة إِلى اللّه .. عدم الجزع وعدم اليأس.
8 ـ { وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ }.
فمهما كانت دسائس العدو العنيد واسعة ودقيقة وخطرة فلا ينبغي لك ترك الميدان، لظنك أنْ قد وقعت في زواية ضيقة وحصار محكم، بل لابدّ من التوكل على اللّه، وسوف تفشل كل الدسائس وتبطل مفعولها بقوة الإِيمان والثبات والمثابرة والعقل والحكمة.
وآخر آية من سورة النحل تعرض الأمرين التاسع والعاشر، حيث تقول:
9 ـ { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}:
التقوى في جميع أبعادها وبمفهومها الواسع، ومنها: التقوى في مواجهة المخالفين بمراعاة أُصول الأخلاق الإِسلامية عند المواجهة، فمع الأسير لابدّ من مراعاة أصول المعاملة الإِسلامية، ومع المنحرف ينبغي مراعاة الإِنصاف والأدب والتورع عن الكذب والإِتهام، وفي ميدان القتال لابدّ من التعامل على ضوء التعليمات العسكرية وفق الموازين والضوابط الإِسلامية، فمثلا: ينبغي عدم الهجوم على العزل من الأعداء، عدم التعرض للأطفال والنساء والعجزة، ولا التعرض للمواشي والمزارع لأجل إِتلافها، ولا يقطع الماء على العدو ... وخلاصة القول: تجب مراعاة أُصول العدل مع العدو والصديق {وطبيعي أن تخرج بعض الموارد عن هذا الحكم إِستثناءاً وليس قاعدة).
10 ـ { وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
أكّد القرآن الكريم في كثير من آياته البيّنات بأن يقابل المؤمن إِساءة الجاهل بالإِحسان، عسى أنْ يخجل الطرف المقابل أو يستحي من موقفه المتشنج، وبهذه السلوكية الرائعة قد ينتقل ذلك الجاهل من (ألدّ الخصام) إِلى أحسن الأصدقاء {ولي حميم}!
وإِذا عمل بالإِحسان في محله المناسب، فإِنّه أفضل أُسلوب للمواجهة، والتأريخ الإِسلامي يرفدنا بعيّنات رائعة في هذا المجال .. ومنها: موقف معاملة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع مشركي مكّة بعد الفتح، معاملة النّبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) لـ (وحشي) قاتل حمزّة، معاملته(صلى الله عليه وآله وسلم) لأسرى معركة بدر الكبرى، معاملته(صلى الله عليه وآله وسلم) مع مَنْ كان يؤذيه بمختلف السبل من يهود زمانه .. ونجد شبيه معاملة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع الآخرين قد تجسدت عملياً في حياة علي(عليه السلام) وسائر الأئمّة(عليهم السلام)، وكل ذلك يكشف لنا بوضوح أهمية الإِحسان في حياة الإنسان من وجهة نظر الإِسلام.
ومن دقيق العبارة في هذا المجال ما نجده في نهج البلاغة ضمن الخطبة المعروفة بخطبة همّام(5)، ذلك الرجل الزاهد العابد الذي طلب من أمير المؤمنين(عليه السلام)أنْ يصف له المتقين، حيث اكتفى أمير المؤمنين(عليه السلام) بذكر الآية المباركة من مجموع القرآن وقال: {إِتق اللّه وأحسن إِنّ اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
ولكنّ السائل العاشق للحقِّ لم يروَ عطشه بهذا البيان المختصر، ممّا اضطر الإِمام(عليه السلام) أنْ يعرض له بياناً أكثر تفصيلا حتى استخرجت من فمه الشريف أكمل خطبة في وصف المتقين، حوت على أكثر من مائة صفة لهم، إِلاّ أنّ جوابه المختصر يبيّن أنّ الآية المباركة مختصر جامع لكل صفات المتقين.
وبنظرة تأمليّة ممعنة إِلى الأصول العشرة المذكورة، تتبيّن لنا جميع الخطوط الأصليّة والفرعية لأُسلوب مواجهة المخالفين، وأنّ هذه الأُصول إِنّما احتوت كل الأُسس المنطقية والعاطفية والنفسية والتكتيكية، وكل ما يؤدي للنفوذ إِلى أعماق نفوس المخالفين للتأثير الايجابي فيها.
ومع ذلك ... فالإِكتفاء بالمنطق والإِستدلال في مواجهة الأعداء وفي كل الظروف لا يقول به الإِسلام ولا يقرّه، بل كثيراً ما تدعو الضرورة لدخول الميدان عملياً في مواجهة الأعداء حتى يلزم الأمر في بعض الأحيان المقابلة بالمثل والتوسل بالقوّة في قبال ا ستعمال القوة من قبل الأعداء، وبالتدابير المبيتة في قبال ما يبيتون أُمور، ولكنْ أُصول العدل والتقوى والأخلاق والإِسلامية يجب أنْ تراعى في جميع الحالات.
______________
1- تفسير الامثل،مكارم الشيرازي،ج7نص202-207.
2 ـ قال بعض المفسّرين في الفرق ما بين الحكمة، والموعظة الحسنة، المجادلة بالتي هي أحسن: أنّ الحكمة إِشارة إِلى الأدلة القطعية ..الموعظة الحسنة إِشارة إِلى الأدلة الظنية .. والمجادلة بالتي هي أحسن إِشارة إِلى الأدلة التي تهدف إِلى إِفحام المخالفين من خلال إِلزامهم بما به يقبلون. (إِلاّ أنّ ما أوردناه أعلاه يبدو أكثر مناسبة للمقصود).
3 ـ تفسير العياشي، وتفسير الدر المنثور في تفسير الآية (على ما ذكره تفسير الميزان).
4 ـ يلاحظ في بعض الرّوايات إِنّ القول بالمثلة بأكثر من واحد عند الظفر كان من بعض المسلمين (راجع تفسير التبيان، ج 6، ص 440).
5 ـ نهج البلاغة، خطبة 193.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|