المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

تنوع معاجز الأنبياء
23-09-2014
بروست، السير دافيد
17-10-2015
أهداف السياسة النقدية
1-2-2018
نقد وتوجيه لمظاهر النزوع الروحي عند الشباب
11-4-2017
معدلات انتاج البيض والعوامل المؤثرة عليها
2024-05-06
Losanitsch,s Triangle
7-1-2021


تفسير الآية (99-102) من سورة يوسف  
  
4277   05:47 مساءً   التاريخ: 12-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يوسف /

 

قال تعالى: { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْومِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوالْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 99 - 102]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ} هاهنا حذف تقديره فلما خرج يعقوب وأهله من أرضهم وأتوا مصر دخلوا على يوسف وفي حديث ابن محبوب بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) أن يعقوب قال لولده تحملوا إلى يوسف من يومكم هذا بأهلكم أجمعين فساروا إليه ويعقوب معهم وخالة يوسف أم يامين فحثوا السير فرحا وسرورا تسعة أيام إلى مصر فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه وقبله وبكى ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ثم دخل منزله واكتحل وادهن ولبس ثياب العز والملك فلما رأوه سجدوا جميعا إعظاما له وشكرا لله عند ذلك ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ولا يكتحل ولا يتطيب حتى جمع الله بينه وبين أبيه وإخوته.

 وقيل: أن يوسف بعث مع البشير مائتي راحلة مع ما يحتاج إليه في السفر وسألهم أن يأتوه بأهلهم أجمعين فلما دنا يعقوب من مصر تلقاه يوسف في الجند وأهل مصر فقال يعقوب: يا يهوذا هذا فرعون مصر قال لا هذا ابنك ثم تلاقيا قال الكلبي على يوم من مصر فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال السلام عليك يا مذهب الأحزان وفي كتاب النبوة بالإسناد عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما أقبل يعقوب إلى مصر خرج يوسف ليستقبله فلما رآه يوسف هم بأن يترجل له ثم نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل فلما سلم على يعقوب نزل عليه جبرائيل فقال له يا يوسف إن الله جل جلاله يقول منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح ما أنت فيه ابسط يدك فبسطها فخرج من بين أصابعه نور فقال ما هذا يا جبرائيل قال هذا أنه لا يخرج من صلبك نبي أبدا عقوبة بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه.

 وقوله { آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} أي ضمهما إليه وأنزلهما عنده وقال أكثر المفسرين أنه يعني بأبويه أباه وخالته فسمي الخالة أما كما سمي العم أبا في قوله { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } وذلك أن أمه كانت قد ماتت في نفاسها بابن يامين فتزوجها أبوه وقيل يريد أباه وأمه وكانا حيين عن ابن إسحاق والجبائي وقيل: أن راحيل أمه نشرت من قبرها حتى سجدت له تحقيقا للرؤيا عن الحسن { وقال } لهم قبل دخولهم مصر { ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} والاستثناء يعود إلى الأمن وإنما قال آمنين لأنهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجوازهم قال وهب: أنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنسانا وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وخمس مائة وبضع وسبعون رجلا.

 { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} أي: رفعهما على سرير ملكه إعظاما لهما والعرش السرير الرفيع عن ابن عباس والحسن وقتادة { وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} أي: انحطوا على وجوههم وكانت تحية الناس بعضهم لبعض يومئذ السجود والانحناء والتكفير عن قتادة ولم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم فأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام وهي تحية أهل الجنة عجلها لهم قال أعشى بن ثعلبة :

فلما أتانا بعيد الكرى                         سجدنا له ورفعنا العمارا (2)

وكان من سنة التعظيم يومئذ أن يسجد للمعظم عن الزجاج وقيل: كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعل الأعاجم عن الكلبي وقيل: إن السجود كان لله تعالى شكرا له كما يفعله الصالحون عند تجدد النعم والهاء في قوله { له } عائدة إلى الله تعالى أي سجدوا لله تعالى على هذه النعمة وتوجهوا في السجود إليه كما يقال صلى للقبلة ويراد به استقبالها عن ابن عباس وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) .

قال علي بن إبراهيم: وحدثني محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى مسائل فعرضها على أبي الحسن علي بن محمد (عليهماالسلام): فكان إحداها أن قال: أخبرني أ سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء فأجاب أبوالحسن (عليه السلام) أما سجود يعقوب وولده فإنه لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك منهم طاعة الله وتحية ليوسف كما أن السجود من الملائكة لآدم كان منهم طاعة لله وتحية لآدم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله تعالى لاجتماع شملهم أ لم تر أنه يقول في شكره في ذلك الوقت { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ } الآية الخبر بتمامه.

 { وقال } يوسف { يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} أي: هذا تفسير رؤياي وتصديق رؤياي التي رأيتها { مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} أي: صدقا في اليقظة وقيل كان بين الرؤيا وتأويلها ثمانون سنة عن الحسن وقيل سبعون سنة عن عبد الله بن شوذب وقيل أربعون سنة عن سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد وقيل اثنتان وعشرون سنة عن الكلبي وقيل ثماني عشرة سنة عن ابن إسحاق قال ابن إسحاق وولد ليوسف من امرأة العزيز أفرايم وميشا ورحمة امرأة أيوب وكان بين يوسف وبين موسى أربعمائة سنة.

 { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} أي: وقد أحسن ربي إلى حيث أخرجني من السجن وأنعم علي به { وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} أي: من البادية فإنهم كانوا يسكنون البادية ويرعون أغنامهم فيها فكانت مواشيهم قد هلكت في تلك السنين بالقحط فأغناهم الله تعالى بمصيرهم إلى يوسف وإنما بدأ (عليه السلام) بالسجن في تعداد نعم الله دون إخراجه من الجب كرما لئلا يبدأ بصنيع إخوته به وقيل لأن نعم الله تعالى في إخراجه من السجن كانت أكثر ولأن السجن طالت مدته وكثرت محنته { مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} أي من بعد أن أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي وحرش بيني وبينهم وقال ابن عباس معناه دخل بيننا بالحسد { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} أي: لطيف في تدبير عباده يدبر أمرهم على ما يشاء ويسهل لهم العسير وبلطفه حصلت هذه النعم علينا من الاجتماع وغيره قال الأزهري اللطيف من أسماء الله سبحانه معناه الرفيق بعباده يقال لطف فلان بفلان لطفا إذا رفق وقال غيره اللطيف الذي يوصل إليك إربك في رفق وقيل اللطيف العالم بدقائق الأمور { إنه هو العليم } بجميع الأشياء { الحكيم } في كل التدابير وفي كتاب النبوة بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال يعقوب ليوسف: يا بني حدثني كيف صنع بك إخوتك قال يا أبة دعني فقال أقسمت عليك ألا أخبرتني فقال له: أخذوني وأقعدوني على رأس الجب ثم قالوا لي: انزع قميصك فقلت لهم إني أسألكم بوجه أبي يعقوب أن لا تنزعوا قميصي ولا تبدوا عورتي فرفع فلان السكين علي وقال: انزل فصاح يعقوب فسقط مغشيا عليه ثم أفاق فقال له: يا بني كيف صنعوا بك فقال: يوسف إني أسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلا أعفيتني قال: فتركه.

 وروي أيضا أن يوسف قال ليعقوب (عليهماالسلام): يا أبة لا تسألني عن صنيع إخوتي بي وسل عن صنع الله بي قال أبوحمزة: بلغنا أن يعقوب عاش مائة وسبعا وأربعين سنة ودخل مصر على يوسف وهو ابن مائة وثلاثين سنة  وكان عند يوسف بمصر سبع عشرة سنة وقال ابن إسحاق: أقام يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة ثم توفي ودفن بالشام وقال سعيد بن جبير: نقل يعقوب إلى بيت المقدس في تابوت من ساج  ووافق ذلك يوم مات عيصوفدفنا في قبر واحد فمن ثم ينقل اليهود موتاهم إلى بيت المقدس وولد يعقوب وعيصوفي بطن واحد ودفنا في قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعا وأربعين سنة ثم رجع يوسف إلى مصر بعد أن دفن أباه في بيت المقدس عن وصية منه إليه وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة وكان أول رسول في بني إسرائيل ثم مات وأوصى أن يدفن عند قبور آبائه.

 وقيل: دفن بمصر ثم أخرج موسى عظامه فحمله حتى دفنه عند أبيه وقيل أفضت النبوة بعده إلى روبيل ثم إلى يهوذا وفي كتاب النبوة بالإسناد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر قال: عاش حولين قلت فمن كان الحجة لله في الأرض يعقوب أم يوسف قال: كان يعقوب الحجة وكان الملك ليوسف فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس فكان يوسف بعد يعقوب الحجة قلت وكان يوسف رسولا نبيا قال: نعم أ ما تسمع قوله عز وجل { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} وبالإسناد عن أبي خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل يوسف السجن وهوابن اثنتي عشرة سنة ومكث فيها ثماني عشرة سنة وبقي بعد خروجه ثمانين سنة فذلك مائة سنة وعشر سنين قالوا: ولما جمع الله سبحانه ليوسف شمله وأقر له عينه وأتم له رؤياه  ووسع عليه في ملك الدنيا  ونعيمها علم أن ذلك لا يبقى له  ولا يدوم فطلب من الله سبحانه نعيما لا يفنى وتاقت نفسه إلى الجنة فتمنى الموت ودعا به ولم يتمن ذلك نبي قبله ولا بعده تمنى أحد فقال: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ } أي: أعطيتني ملك النبوة وملك مصر { وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي: تأويل الرؤيا { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: خالق السماوات والأرض ومنشئهما لا على مثال سبق { أَنْتَ وَلِيِّي} أي: ناصري ومدبري وحافظي { في الدنيا والآخرة } تتولى فيهما إصلاح معاشي ومعادي { توفني مسلما } قال ابن عباس: ما تمنى نبي تعجيل الممات إلا يوسف لما انتظمت أسباب مملكته اشتاق إلى ربه وقيل معناه: ثبتني على الإيمان إلى وقت الممات وأمتني مسلما.

 { وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} أي: بأهل الجنة من الأنبياء والأولياء والصديقين وقيل: لما جمع الله سبحانه بينه وبين أبويه وإخوته أحب أن يجتمع مع آبائه في الجنة فدعا بذا الدعاء والمعنى ألحقني بهم في ثوابهم ودرجاتهم قيل: فتوفاه الله تعالى بمصر وهو نبي فدفن في النيل في صندوق من رخام وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه كل يحب أن يدفن في محلته لما كانوا يرجون من بركته فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمر الماء عليه ثم يصل إلى جميع مصر فيكون كلهم فيه شركاء وفي بركته شرعا سواء فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى (عليه السلام) حين خرج من مصر.

 ثم عاد سبحانه بعد تمام القصة إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال { ذلك } أي: الذي قصصت عليك من قصة يوسف يا محمد { من أنباء الغيب } أي: من جملة أخبار الغيب { نوحيه إليك } على ألسنة الملائكة لتخبر به قومك ويكون دلالة على إثبات نبوتك ومعجزة دالة على صدقك { وما كنت لديهم } أي: وما كنت يا محمد عند أولاد يعقوب { إذ أجمعوا أمرهم } إذ عزموا على إلقائه في البئر واجتمعت آراؤهم عليه { وهم يمكرون } أي: يحتالون في أمر يوسف حتى ألقوه في الجب عن الجبائي وقيل: يمكرون بيوسف عن ابن عباس والحسن وقتادة .

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص456-460.

2- العمار : كل شيء على الراس من عمامة ، أوقلنسوة ، أوتاج ، أوغير ذلك . يعني: وضعناه من رؤوسنا، أعظاماً له .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } . حزن يعقوب وأرسل الدمع مدرارا على فراق يوسف ، وهويعلم أن البكاء لا يجديه شيئا ، ولكنه كان يخفف به من لوعة البعد ، وحرقة الفراق ، وامتد حزنه أمدا طويلا لأن يوسف أقام سنوات في بيت الذي اشتراه بثمن بخس ، وسنوات في السجن ، وسنوات يدبر شؤون البلاد المصرية ، منها سبع رخاء قبل ان يلتقي مع أهله ، حيث كان اللقاء في سني الجدب ، وكان كلما طال الزمن ازداد حزن يعقوب كما يومئ قول من قال له : « تاللَّه انك لفي ضلالك القديم » .

وإذا عرفنا مبلغ الحزن في نفس يعقوب من ألم الفراق عرفنا مبلغ فرحته وسعادته بلقاء يوسف ، لأن الفرحة بالشفاء من الأسقام تأتي على قدر ما تركته هذه من الأوجاع والآلام ، أوتزيد أضعافا .

وقال جماعة من المفسرين : المراد بأبويه أبوه وخالته ، لأن أمه ماتت من قبل . . وابعد البعض في قوله : ان أمه ماتت ، ثم نشرت من قبرها لترى عظمة ولدها وتسجد له . . ولا طائل من هذا التحقيق وأمثاله الا تكثير الكلام .

وتسأل : ان صدر الآية لا يتفق مع عجزها ، لأن الصدر يقول : لما دخلوا على يوسف ضم أبويه إليه ، ومعلوم ان يوسف كان في مصر ، والعجز يقول :

بعد ان دخلوا عليه ، وهو في مصر قال لهم : ادخلوا مصر - كما هو الظاهر من سياق الآية - ومعنى هذا انهم بعد ان دخلوا مصر قال لهم ادخلوا مصر ؟ .

وقيل في الجواب : ان يوسف أقام لأهله سرادقات بالقرب من الحدود ، وفيها دخلوا عليه ، وضم أبويه إليه ، ولما استأنفوا السير من السرادقات متجهين إلى مصر قال لهم : ادخلوا مصر . . وهذا الجواب يحمّل لفظ الآية أكثر مما يتحمل ، وغير بعيد أن يكون مراده من ادخلوا مصر أقيموا فيها آمنين ، كما حدث ذلك بالفعل ، حيث أقطعهم الملك أرضا خصبة في مصر ، وظلت سلالة يعقوب فيها أمدا طويلا . . فقد جاء في مجمع البيان : « وانما قال لهم : آمنين .

لأنهم كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر ، ولا يدخلونها إلا بجوازهم - أي بجواز السفر كما هو المتبع في هذا العصر - قال وهب : ان آل يعقوب دخلوا مصر وهم 73 إنسانا ، وخرجوا مع موسى الذي هو من نسل يعقوب ، وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا » . . وأيضا في مجمع البيان ان بين يوسف وموسى 400 سنة .

{ ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } أجلسهما على السرير الذي كان يجلس عليه ، وهويدير شؤون المملكة تعظيما لهما { وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً } . ضمير خروا عائد إلى أبوي يوسف وإخوته ، وضمير له إلى يوسف ، والمراد بالسجود هنا الانحناء تعظيما وتكريما ، وكان الانحناء تحية الناس للمعظم في ذاك العصر ، كما في بعض التفاسير . وقيل : ان ضمير له عائد إلى اللَّه ، وان السجود كان شكرا له تعالى على هذه النعمة الكبرى . . وهذا القول يخالف ظاهر السياق ، ولا يتفق مع قول يوسف في الآية 4 : « رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ » ، أي له لا لغيره .

{ وقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا } . يشير إلى قوله في أول السورة : « يا أبت اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين » . وسبق الشرح والتفصيل . وفي تفسير الرازي :

« اختلفوا في مقدار المدة بين وقت اللقاء وبين الرؤيا ، فقيل : 80 سنة .

وقبل 70 . وقيل : 40 وهو قول الأكثر . . وكان عمره 120 سنة » . ونحن لا نعلم يقينا كم كان عمره حين ألقي في الجب ، ولا المدة التي أقامها في بيت الذي اشتراه ، ولا أمد سجنه وحكمه ، لأننا لم نهتد إلى أصل يصح الاعتماد عليه ، وأقوال المفسرين والرواة متضاربة . . ولكن الأكثر على أنه عاش 120 سنة .

{ وقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْو} . ان اللَّه سبحانه يبتلي الإنسان بالرخاء كما يبتليه بالشدة : « قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ - 40 النمل » . وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : « لم تعظم نعمة اللَّه على أحد إلا ازداد حق اللَّه عليه عظما » . وقد ابتلي يوسف بالضراء فصبر وبالسراء فشكر ، وها هويحدث بنعمة اللَّه عليه ، ويعدد إحسانه إليه . . أخرجني من السجن ، وسما بي إلى الحكم ، وجاء بأهلي من البادية ، حيث كانوا يرعون الإبل والأغنام ، حتى هذه أهلكها الجدب والقحط ، وأصبحوا على الأرض البيضاء لا يملكون شيئا ، ويقولون للعزيز : تصدق علينا ان اللَّه يحب المتصدقين ، فأغناهم اللَّه بيوسف وكفاهم شر الفقر والعوز .

ولم يذكر إخراجه من الجب مراعاة لشعور إخوته ، وأيضا نسب ما كان منهم إلى الشيطان وقال : { مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وبَيْنَ إِخْوَتِي } ولم ينسبه إليهم لنفس السبب { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ } يلطف بالطيبين ، ويبلغ بهم إلى ما يشاؤه لهم من العز والكرامة { إِنَّهُ هُو الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } . والفرق بين حكمة اللَّه وعلمه ان جميع أفعاله وأحكامه تأتي على وفق الحكمة : « ربنا ما خلقت هذا باطلا » . اما علمه فلا ينفك عن المعلوم ، فمتى علم بأن في هذا الشيء حكمة وجد فورا ، وبكلمة ان علمه هوقوله للشيء كن فيكون .

{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ والأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } . فاطر السماوات والأرض أي خالقهما على غير مثال سابق لهما ، وذكر السماوات بصيغة الجمع ، والأرض بصيغة المفرد لأن الإنسان يرى بعينيه سماوات كثيرة ، ولا يرى الا أرضا واحدة . أنت وليّي أي تتولى جميع أموري في الدارين . . بعد أن حدث يوسف بنعم اللَّه عليه توجه إليه تعالى شاكرا ما بسط له من الملك ، وما خصه به من النبوة ، متوكلا عليه في جميع شؤونه ، ومتوسلا إليه ان يميته على طاعته ومرضاته ، وان يلحقه بصالح من مضى من آبائه ، ويجعله من صالح من بقي من أبنائهم .

{ ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ } . بعد أن ذكر سبحانه قصة يوسف توجه إلى رسوله الأكرم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بهذه الآية ، والغرض منها إلقاء الحجة على من أنكر نبوته ، وملخصها ان ما قصصناه من أمر يوسف بهذا التفصيل لم يشاهده محمد بنفسه ، ولا قرأه في كتاب ، ولا سمعه من إنسان ، وانما هو وحي من اللَّه دال على صدقه ونبوته { وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وهُمْ يَمْكُرُونَ } .

ضميرا اجمعوا وهم يعود إلى أخوة يوسف ، والخطاب موجه إلى محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وكل الناس يعرفون ان محمدا لم يكن حاضرا حين أجمعوا على إلقاء يوسف في غيابة الجب : وحين مكروا بأبيه وقالوا أكله الذئب . . وأيضا كل الناس يعرفون ان محمدا ما قرأ كتابا ولا تتلمذ على أستاذ . . فلم يبق - إذن - من طريق إلى معرفته بهذا الغيب الا وحي السماء . . ونظير هذه الآية قوله تعالى : « تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ ولا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ - 49 هود » .

هل سورة يوسف قصة غرام ؟

قد يظن من النظرة الأولى ان سورة يوسف أشبه بقصة بطلتها امرأة تحكمت فيها أنوثة حيوانية عشقت فتى وسيما لم تر رجلا مثله بين الرجال لحسنه وجماله ، وان هذا الفتى عزف عنها متحصنا بتقوى اللَّه والخوف من حسابه وعقابه ، تماما كقصة سلَّامة المغنية مع عبد الرحمن القس ( 2 ) .

وفي الناس من قال : كان الأولى ان لا تذكر هذه السورة في كتاب اللَّه العزيز ، وقال بعض المؤمنين : ان للَّه حكمة غامضة في هذه السورة لا نعرفها ، وأحسن هؤلاء في تحفظهم كما أساء الميمونية من الخوارج ، حيث أنكروا سورة يوسف لأنها قصة غرام في زعمهم ، وخرجوا بذلك عن جميع المذاهب الاسلامية .

والحقيقة التي انتهينا إليها ، ونحن نفسر هذه السورة الكريمة ان من قرأها بامعان وتدبر ، وأدرك أسرارها وأهدافها يؤمن ايمانا قاطعا بأنها تقدم أوضح الأمثلة من الحس والتجربة على أن القيم الروحية كثيرا ما يكون الالتزام بها وسيلة للنجاح في هذه الحياة على رغم الأوضاع الفاسدة ، وان من قرأها قراءة سريعة يقول ما قاله الميمونية : انها قصة غرام ، أوما قاله بعض المؤمنين : « للَّه حكمة فيها لا نعرفها » . أجل ، لا يعرفها الا من تدبر كلمات اللَّه وآياته . . ونعرض فيما يلي طرفا من الحقائق التي اشتملت عليها هذه السورة والتي تفرض نفسها وصدقها على كل من يتوخى الحقيقة ويبحث عنها :

1 - ان الصراع بين الحق والباطل قائم ودائم في هذه الحياة لا صلح بينهما ولا هوادة . . والنتيجة الطبيعية لذلك ان من يسلك طريق الباطل يقاومه المحقون ، ولكن بالعدل والصدق ، لا بالكذب والغش والخديعة ، لأنهم يرفضون أي سلاح لا يقره الحق والعدل . . ومن يسلك طريق الحق يحاربه المبطلون ، ولكن بالافتراء والدس وأنواع الكيد والمكر ، لأن من يصر على الباطل لا يملك الا التزييف والتزوير ، ومن هنا كان الحق غالي الثمن ، كثير التكاليف على من يتبعه ويستمسك به .

وقد ضرب اللَّه مثلا على هذه الحقيقة بيوسف ، راودته امرأة العزيز عن نفسه ، فأبى واستعصم بتقوى اللَّه ، فهددته بالسجن ان لم يفعل ، فأصر ولم يفعل ، وقال : ربّ السجن أحب إليّ ، فسجن ودفع الثمن غاليا من نفسه ، لأن الدين أثمن وأغلى . . ولكن الذين يصارعون الحق يلقون السلاح في النهاية ، ويستسلمون للمحقين رغم أنوفهم ، تماما كما حدث لأخوة يوسف وامرأة العزيز .

2 - ان قوله تعالى : « لَولا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ » يعطينا ضابطا عاما ، ومقياسا صحيحا للتمييز بين المؤمن وغير المؤمن . . فمن استجاب لهذا البرهان ساعة الابتلاء والامتحان ، كما استجاب له يوسف الصديق ، فهومن الذين استقر الايمان واليقين في قلوبهم حقا وصدقا ، ومن اندفع وراء رغبته وشهوته ، وتجاهل برهان ربه وأمره بطاعته فما هو من الدين والايمان في شيء .

3 - ان الأخيار يقاسون ، ولا شك ، الكثير من الرزايا والخطوب إذا ألقى بهم الدهر في بيئة ظالمة في نظامها ، فاسدة في أوضاعها . . ولكن إذا تعقدت المشاكل ، واستعصى الحل على الجميع اضطروا والتجأوا إلى الاكفاء متضرعين ، كما التجأ ملك مصر إلى يوسف ، وهو في سجنه ليقي البلاد من شر السنين العجاف . .

ان الأوضاع الفاسدة ترفع من شأن الأشرار الفاسدين ، وتحط من شأن الطيبين ، ولكن الشدائد تظهر كلا على حقيقته ، وتضعه في موضعه .

4 - ان ترويض النفس على الاحتمال في سبيل الحق يأتي بأحسن النتائج وأفضلها : فلقد صبر يوسف الصديق على البئر والسجن ، والبيع كالعبيد ، والتهمة بالخيانة ، فكانت النتيجة ان أصبح السيد المطاع ، يقول له الملك : انك اليوم لدينا مكين أمين ، ويقف إخوته بين يديه منكسرين مسترحمين : تصدق علينا ان اللَّه يحب المتصدقين ، وفي النهاية يخرون له ساجدين . .

هذا عرض سريع لبعض العظات والعبر في هذه السورة الكريمة ، ومن أحب التفصيل فليقرأها كاملة مع التفسير .

____________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 357-362.

2- اقرأها في « العقد الفريد » ج 7 .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} في الكلام حذف والتقدير فخرج يعقوب وآله من أرضهم وساروا إلى مصر ولما دخلوا{إلخ}.

وقوله:{آوى إليه أبويه} فسروه بضمهما إليه، وقوله:{وقال ادخلوا مصر إلخ.

ظاهر في أن يوسف خرج من مصر لاستقبالهما وضمهما إليه هناك ثم عرض لهما دخول مصر إكراما وتأدبا وقد أبدع (عليه السلام) في قوله:{إن شاء الله آمنين} حيث أعطاهم الأمن وأصدر لهم حكمه على سنة الملوك وقيد ذلك بمشية الله سبحانه للدلالة على أن المشية الإنسانية لا تؤثر أثرها كسائر الأسباب إلا إذا وافقت المشية الإلهية على ما هو مقتضى التوحيد الخالص، وظاهر هذا السياق أنه لم يكن لهم الدخول والاستقرار في مصر إلا بجواز من ناحية الملك، ولذا أعطاهم الأمن في مبتدإ الأمر.

وقد ذكر سبحانه{أبويه} والمفسرون مختلفون في أنهما كانا والديه أباه وأمه حقيقة أوأنهما يعقوب وزوجه خالة يوسف بالبناء على أن أمه ماتت وهو صغير، ولا يوجد في كلامه تعالى ما يؤيد أحد المحتملين غير أن الظاهر من الأبوين هما الحقيقيان.

ومعنى الآية{فلما دخلوا} أي أبواه وإخوته وأهلهم{على يوسف} وذلك في خارج مصر{آوى} وضم{إليه أبويه وقال} لهم مؤمنا لهم{ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}.

قوله تعالى:{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} إلى آخر الآية، العرش هو السرير العالي ويكثر استعماله فيما يجلس عليه الملك ويختص به، والخرور السقوط على الأرض والبدوالبادية فإن يعقوب كان يسكن البادية.

وقوله:{ورفع أبويه على العرش} أي رفع يوسف أبويه على عرش الملك الذي كان يجلس عليه ومقتضى الاعتبار وظاهر السياق أنهما رفعا على العرش بأمر من يوسف تصداه خدمه لا هو بنفسه كما يشعر به قوله:{وخروا له سجدا} فإن الظاهر أن السجدة إنما وقعت لأول ما طلع عليهم يوسف فكأنهم دخلوا البيت واطمأن بهم المجلس ثم دخل عليهم يوسف فغشيهم النور الإلهي المتلألىء من جماله البديع فلم يملكوا أنفسهم دون أن خروا له سجدا.

وقوله:{وخروا له سجدا} الضمير ليوسف كما يعطيه السياق فهوالمسجود له، وقول بعضهم: إن الضمير لله سبحانه نظرا إلى عدم جواز السجود لغير الله لا دليل عليه من جهة اللفظ، وقد وقع نظيره في القرآن الكريم في قصة آدم والملائكة قال تعالى:{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ:} طه: 116.

والدليل على أنها لم تكن منهم سجدة عبادة ليوسف أن بين هؤلاء الساجدين يعقوب (عليه السلام) وهو ممن نص القرآن الكريم على كونه مخلصا - بالفتح - لله لا يشرك به شيئا، ويوسف (عليه السلام) – وهو المسجود له - منهم بنص القرآن وهو القائل لصاحبيه في السجن: ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ولم يردعهم.

فليس إلا أنهم إنما أخذوا يوسف آية لله فاتخذوه قبلة في سجدتهم وعبدوا الله بها لا غير كالكعبة التي تؤخذ قبلة فيصلي إليها فيعبد بها الله دون الكعبة، ومن المعلوم أن الآية من حيث إنها آية لا نفسية لها أصلا فليس المعبود عندها إلا الله سبحانه وتعالى، وقد تكرر الكلام في هذا المعنى فيما تقدم من أجزاء الكتاب.

ومن هنا يظهر أن ما ذكروه في توجيه الآية كقول بعضهم: إن تحية الناس يومئذ كانت هي السجدة كما أنها في الإسلام السلام، وقول بعضهم: إن سنة العظيم كانت إذ ذاك السجدة ولم ينه عنها لغير الله بعد كما في الإسلام، وقول بعضهم: كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعله الأعاجم كل ذلك غير وجيه.

قوله تعالى:{ قَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا} إلى آخر الآية لما شاهد (عليه السلام) سجدة أبويه وإخوته الأحد عشر ذكر الرؤيا التي رأى فيها أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين وأخبر بها أباه وهو صغير فأولها له، فأشار إلى سجودهم له  وقال:{ قَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا - أي الرؤيا - ربي حقا}.

ثم أثنى على ربه شاكرا له فقال:{ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} فذكر إحسان ربه به في إخراجه من السجن وهو ضراء وبلاء دفعه الله عنه بتبديله سراء ونعمة من حيث لا يحتسب حيث جعله  وسيلة لنيله العزة  والملك.

ولم يذكر إخراجه من الجب قبل ذلك لحضور إخوته عنده وكان لا يريد أن يذكر ما يسوؤهم ذكره كرما وفتوة بل أشار إلى ذلك بأحسن لفظ يمكن أن يشار به إليه من غير أن يتضمن طعنا فيهم وشنآنا فقال:{ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} والنزغ هو الدخول في أمر لإفساده.

والمراد: وقد أحسن بي من بعد أن أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي فكان من الأمر ما كان فأدى ذلك إلى فراق بيني وبينكم فساقني ربي إلى مصر فأقرني في أرغد عيش وأرفع عزة وملك ثم قرب بيننا بنقلكم من البادية إلي في دار المدنية والحضارة.

يعني أنه كانت نوائب نزلت بي إثر إفساد الشيطان بيني وبين إخوتي ومما أخصه بالذكر من بينها فراق بيني وبينكم ثم رزية السجن فأحسن بي ربي ودفعها عني واحدة بعد أخرى ولم يكن من المحن والحوادث العادية بل رزايا صماء وعقودا لا تنحل لكن ربي نفذ فيها بلطفه ونفوذ قدرته فبدلها أسباب حياة ونعمة بعد ما كانت أسباب هلاك  وشقاء  ولهذه الثلاثة الأخيرة عقب قوله:{وقد أحسن بي} إلخ بقوله:{إن ربي لطيف لما يشاء}.

فقوله:{إن ربي لطيف لما يشاء} تعليل لإخراجه من السجن ومجيئهم من البدو، ويشير به إلى ما خصه الله به من العناية والمنة وإن البلايا التي أحاطت به لم تكن لتنحل عقدتها أولتنحرف عن مجراها لكن الله لطيف لما يشاء نفذ فيها فجعل عوامل الشدة عوامل رخاء وراحة وأسباب الذلة والرقية وسائل عزة وملك.

واللطيف من أسمائه تعالى يدل على حضوره وإحاطته تعالى بما لا سبيل إلى الحضور فيه والإحاطة به من باطن الأشياء وهو من فروع إحاطته تعالى بنفوذ القدرة والعلم قال تعالى:{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}: الملك: 14 والأصل في معناه الصغر والدقة والنفوذ يقال: لطف الشيء بالضم يلطف لطافة إذا صغر ودق حتى نفذ في المجاري والثقب الصغار، ويكنى به عن الإرفاق والملاءمة والاسم اللطف.

وقوله:{هو العليم الحكيم} تعليل لجميع ما تقدم من قوله:{يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا} إلخ، وقد علل (عليه السلام) الكلام وختمه بهذين الاسمين محاذاة لأبيه حيث تكلم في رؤياه وقال:{وكذلك يجتبيك ربك - إلى أن قال - إن ربك عليم حكيم} وليس يبعد أن يفيد اللام في قوله:{العليم الحكيم} معنى العهد فيفيد تصديقه لقول أبيه (عليه السلام) والمعنى: وهو ذاك العليم الحكيم الذي وصفته لي يوم أولت رؤياي.

قوله تعالى:{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} إلى آخر الآية لما أثنى (عليه السلام) على ربه  وعد ما دفع عنه من الشدائد والنوائب أراد أن يذكر ما خصه به من النعم المثبتة وقد هاجت به المحبة الإلهية وانقطع بها عن غيره تعالى فترك خطاب أبيه وانصرف عنه وعن غيره ملتفتا إلى ربه وخاطب ربه عز اسمه فقال:{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}.

وقوله:{فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة} إضراب وترق في الثناء، ورجوع منه (عليه السلام) إلى ذكر أصل الولاية الإلهية بعد ما ذكر بعض مظاهرها الجلية كإخراجه من السجن والمجيء بأهله من البدووإيتائه من الملك وتعليمه من تأويل الأحاديث فإن الله سبحانه رب فيما دق وجل معا، ولي في الدنيا والآخرة جميعا.

وولايته تعالى أعني كونه قائما كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله منشأها إيجاده تعالى إياها جميعا وإظهاره لها من كتم العدم فهو فاطر السماوات والأرض ولذا يتوجه إليه تعالى قلوب أوليائه والمخلصين من عباده من طريق هذا الاسم الذي يفيد وجوده تعالى لذاته وإيجاده لغيره قال تعالى:{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: إبراهيم: 10.

ولذا بدأ به يوسف (عليه السلام) – وهو من المخلصين - في ذكر ولايته فقال:{فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة} أي إني تحت ولايتك التامة من غير أن يكون لي صنع في نفسي واستقلال في ذاتي وصفاتي وأفعالي أوأملك لنفسي شيئا من نفع أوضر أوموت أوحياة أو نشور.

وقوله:{توفني مسلما وألحقني بالصالحين} لما استغرق (عليه السلام) في مقام الذلة قبال رب العزة  وشهد بولايته له في الدنيا والآخرة سأله سؤال المملوك المولى عليه أن يجعله كما يستدعيه ولايته عليه في الدنيا والآخرة وهو الإسلام ما دام حيا في الدنيا والدخول في زمرة الصالحين في الآخرة فإن كمال العبد المملوك أن يسلم لربه ما يريده منه ما دام حيا ولا يظهر منه ما يكرهه ولا يرتضيه فيما يرجع إليه من الأعمال الاختيارية وأن يكون صالحا لقرب مولاه لائقا لمواهبه السامية فيما لا يرجع إلى العبد واختياره، وهو سؤاله (عليه السلام) الإسلام في الدنيا والدخول في زمرة الصالحين في الآخرة وهو الذي منحه الله سبحانه لجده إبراهيم (عليه السلام):{ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}: البقرة: 131.

وهذا الإسلام الذي سأله (عليه السلام) أقصى درجات الإسلام وأعلى مراتبه، وهو التسليم المحض لله سبحانه، وهو أن لا يرى العبد لنفسه ولا لآثار نفسه شيئا من الاستقلال حتى لا يشغله شيء من نفسه ولا صفاتها ولا أعمالها من ربه، وإذا نسب إليه تعالى كان إخلاصه عبده لنفسه.

ومما تقدم يظهر أن قوله:{توفني مسلما} سؤال منه لبقاء الإخلاص واستمرار الإسلام ما دام حيا وبعبارة أخرى أن يعيش مسلما حتى يتوفاه الله فهوكناية عن أن يثبته الله على الإسلام حتى يموت، وليس يراد به أن يموت في حال الإسلام ولولم يكن قبل ذلك مسلما، ولا سؤالا للموت وهو مسلم حتى يكون المعنى أني مسلم فتوفني.

ويتبين بذلك فساد ما روي عن عدة من قدماء المفسرين أن قوله:{توفني مسلما} دعاء منه يسأل به الموت من الله سبحانه حتى قال بعضهم: لم يسأل أحد من الأنبياء الموت من الله ولا تمناه إلا يوسف (عليه السلام).

قوله تعالى:{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} الإشارة إلى نبإ يوسف (عليه السلام)، والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضمير الجمع لإخوة يوسف والإجماع العزم والإرادة.

وقوله:{وما كنت لديهم} إلخ، حال من ضمير الخطاب من{إليك} وقوله:{نوحيه إليك وما كنت} إلى آخر الآية بيان لقوله:{ذلك من أنباء الغيب} والمعنى أن نبأ يوسف من أنباء الغيب فإنا نوحيه إليك والحال أنك ما كنت عند إخوة يوسف إذ عزموا على أمرهم وهم يمكرون في أمر يوسف.

______________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج11،ص202-206.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

عاقبة أمر يوسف وأبيه وإخوته:

مع وصول القافلة التي تحمل أعظم بشارة من مصر إلى كنعان، وعودة البصر إلى يعقوب، إرتفعت أهازيج في كنعان. فالبيت الذي لم يخلع أهله عنهم ثياب الحزن والأسى لسنين عديدة، أصبح غارقاً في السرور والحبور، فلم يكتموا رضاهم عن هذه النعم الإلهيّة أبداً.

والآن ينبغي على أهل هذا البيت ـ وفقاً لوصيّة يوسف ـ أن يتحرّكوا ويتّجهوا نحو مصر، وتهيّأت مقدّمات السفر من جميع النواحي، وركب يعقوب راحلته وشفتاهُ رطبتان بذكر الله وتمجيده، وقد منحه عشق يوسف قوّةً وعزماً إلى درجة وكأنّه عاد شاباً من جديد.

وهذا السفر على خلاف الأسفار السابقة ـ التي كانت مقرونة لدى إخوة يوسف بالقلق والحزن ـ كان خالياً من أيّة شائبة من شوائب الهمّ والغمّ. وحتّى لو كان السفر بنفسه متعباً، فهذا التعب لم يكن شيئاً ذا بال قِبالَ ما يهدفون إليه في مسيرهم هذا.

كانوا يطوون الليالي والأيّام ببطء، لأنّ الشوق كان يحيل كلّ دقيقة إلى يوم أو سنة، ولكن إنتهى كلّ شيء ولاحت معالم مصر وأبنيتها من بعيد بمزارعها الخُضر وأشجارها الباسقة السامقة وعماراتها الجميلة.

إلاّ أنّ القرآن الكريم ـ كعادته دائماً ـ حذف هذه المقدّمات التي يمكن أن تدرك بأدنى تفكّر وتأمّل، فقال في هذا الشأن:{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ}.

وكلمة «آوى» ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ تعني في الأصل إنضمام شيء إلى شيء آخر، وضمّ يوسف أبويه إليه كناية عن إحتضانهما ومعانقتهما.

وأخيراً تحقّقت أحلى سويعات الحياة ليعقوب، وفي هذا اللقاء والوصال الذي تمّ بين يعقوب ويوسف بعد سنين من الفراق، مرّت على يعقوب ويوسف لحظات لا يعلم الا الله عواطفها في تلك اللحظات الحلوة، وأيّة دموع إنسكبت من عينيهما من الفرح.

وعندها التفت يوسف إلى إخوته وأبويه و{ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} لأنّ مصر أصبحت تحت حكم يوسف في أمن وأمان واطمئنان.

ويُستشفّ من هذه الجملة أنّ يوسف كان قد خرج إلى خارج بوّابة المدينة لإستقبال والديه وإخوته، ولعلّ التعبير بـ(دَخلوا على يوسف) يحتمل أن يكون يوسف قد أمر أن تنصب الخيام هناك «خارج المدينة» وأن تُهيأ مقدّمات الإستقبال لأبويه وإخوته.

فلمّا دخلوا القصر أكرمهم يوسف (عليه السلام}{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}.

وكانت هذه العظمة من النعمة الإلهيّة واللطف والموهبة التي منّ الله بها على يوسف قد أدهشت إخوة يوسف وأبويه فذهلوا جميعاً{وخرّوا له سُجّداً}.

وعندها إلتفت يوسف إلى أبيه{ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}.

ألم يكن أنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين؟!

فانظر ياأبت كما كنت تتوقّع من عاقبة أمري{قد جعلها ربّي حقّاً} ..{ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}.

الطريف هنا أنّ يوسف تكلّم هنا عن سجنه في مصر من بين جميع مشاكله ولم يتكلّم على الجبّ مراعاةً لإخوته.

ثمّ أضاف يوسف قائلا:{ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}.

ومرّة أُخرى يظهر هنا يوسف مثلا آخر من سعة صدره وعظمته، ودون أن يقول: من هو المقصّر، وإنّما يقول بصورة مجملة أنّ الشيطان تدخّل فنزغ بيني وبين إخوتي، فهو لا يريد أن يتشكّى من أخطاء إخوته السالفة.

والتعبير عن أرض كنعان بالبدو تعبير طريف وكاشف عن مدى الإختلاف بين تمدّن مصر وتخلّف كنعان «حضاريّاً».

وأخير يقول يوسف: إنّ جميع هذه المواهب هي من قِبَل الله، ولِمَ لا تكون كذلك فـ{إنّ ربّي لطيف لما يشاء}.

فيتولّى اُمور عباده بالتيسير والتدبير .. وهو يعلم من هو المحتاج ومن هو الجدير بالإستجابة{ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

ثمّ يلتفت يوسف نحو مالك الملك الحقيقي وولي النعمة الدائمة فيقول شاكراً راجياً:{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}.

وهذا العلم البسيط بحسب الظاهر «تأويل الأحاديث» كم كان له من أثر عظيم في تغيير حياتي وحياة جماعة آخرين من عبادك، وما أعظم بركة العلم!

فأنت ياربّ:{فاطر السّماوات والأرض}.

ولذلك فقد خضعت وإستسلمت قبال قدرتك جميع الأشياء.

ربّاه:{ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}.

أي إنّني لا أطلب دوام الملك وبقاء الحكم والحياة الماديّة منك ياربّ، لأنّ هذه الأُمور جميعها فانية وليس فيها سوى البريق الجذّاب. بل أطلب منك ياربّ أن تكون عاقبة أمري على خير، وأن أقضي حياتي وأموت مؤمناً في سبيلك مسلِّماً لإرادتك، وأن أكون في صفوف الصالحين. فهذه الأُمور هي المهمّة لديّ فحسب.

الأدعياء مشركون غالباً!

بعد ما إنتهت قصّة يوسف (عليه السلام) بكلّ دروسها التربوية ونتائجها الغزيرة والقيّمة والخالية من جزاف القول والخرافات التاريخيّة .. إنتقل الكلام إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث يقول القرآن الكريم:{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}.

إنّ هذه المعلومات الدقيقة لا يعلمها إلاّ الله، أو واحدٌ من الذين كانوا حاضرين هناك، وبما أنّك لم تكن حاضراً لديهم فالوحي الإلهي فقط هو الذي جاءك بهذه الأخبار.

ومن هنا يتّضح أنّ قصّة يوسف بما أنّها وردت في التوراة فأهل الحجاز عندهم معلومات تقريبيّة عنها، ولكن كلّ هذه الحوادث لم تطرح بهذه الدقّة في جزئياتها أبداً، وحتّى في المحافل الخاصّة السابقة لم تكن تُعرف بدون إضافة وخرافة.

________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي ،ج6،ص365-372.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .