المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



تفسير الآية (58-62) من سورة يوسف  
  
4892   12:14 صباحاً   التاريخ: 8-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يوسف /

 

قال تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [يوسف: 58 - 62]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أخبر سبحانه أنه لما تمكن يوسف بمصر وأصاب الناس ما أصابهم من القحط وقصدوا مصر نزل ب آل يعقوب ما نزل بالناس فجمع يعقوب بنيه وقال لهم بلغني أنه يباع الطعام بمصر وأن صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه فإنه سيحسن إليكم إن شاء الله فتجهزوا وساروا حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فذلك قوله { وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي جاءوا ليمتاروا من مصر كما أمتار غيرهم ودخلوا عليه وهم عشرة وأمسك ابن يامين أخا يوسف لأمه فعرفهم يوسف وأنكروه .

قال ابن عباس: وكان بين أن قذفوه في الجب وبين أن دخلوا عليه أربعين سنة فلذلك أنكروه ولأنهم رأوه ملكا جالسا على السرير عليه ثياب الملوك ولم يكن يخطر ببالهم أنه يصير إلى تلك الحالة وكان يوسف ينتظر قدومهم عليه فكان أثبت لهم فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية قال لهم: من أنتم وما أمركم فإني أنكر شأنكم وفي تفسير علي بن إبراهيم فلما جهزهم وأعطاهم وأحسن إليهم في الكيل قال لهم: من أنتم قالوا: نحن قوم من أرض الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال: لعلكم عيون جئتم تنظرون عورة بلادي فقالوا: لا والله ما نحن بجواسيس وإنما نحن إخوة بنوأب واحد وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ولوتعلم بأبينا لكرمنا عليك فإنه نبي الله وابن أنبيائه وإنه لمحزون قال: وما الذي أحزنه فلعل حزنه إنما كان من قبل سفهكم وجهلكم قالوا: يا أيها الملك لسنا بسفهاء ولا جهال ولا أتاه الحزن من قبلنا ولكنه كان له ابن كان أصغرنا سنا وأنه خرج يوما معنا إلى الصيد فأكله الذئب فلم يزل بعده حزينا كئيبا باكيا فقال لهم يوسف: كلكم من أب وأم قالوا :أبونا واحد وأمهاتنا شتى قال: فما حمل أباكم على أن سرحكم كلكم ألا حبس واحدا منكم يستأنس به قالوا: قد فعل حبس منا واحدا وهو أصغرنا سنا لأنه أخو الذي هلك من أمه فأبونا يتسلى به قال: فمن يعلم أن الذي تقولونه حق قالوا: يا أيها الملك إنا ببلاد لا يعرفنا أحد فقال يوسف: فائتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين وأنا أرضى بذلك قالوا: إن أبانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه قال: فدعوا عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وقيل: أن يوسف اختار شمعون لأنه كان أحسنهم رأيا فيه فخلفوه عنده فذلك قوله { وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} يعني حمل لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم .

{ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} يعني: ابن يامين { أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} أي: لا أبخس الناس شيئا وأتم لهم كيلهم { وأنا خير المنزلين } أي: المضيفين مأخوذ من النزل وهو الطعام وقيل: خير المنزلين للأمور منازلها فتدخل فيه الضيافة وغيرها مأخوذ من المنزل وهو الدار { فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} أي: ليس لكم عندي طعام أكيله عليكم والمراد بالكيل المكيل { ولا تقربون } أي ولا تقربوا داري وبلادي خلط (عليه السلام) الوعد بالوعيد { قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي: نطلبه ونسأله أن يرسله معنا قال ابن عباس: معناه نستخدعه عنه حتى يخرجه معنا { وإنا لفاعلون } ما أمرتنا به قال: وكان يوسف أمر ترجمانا يعرف العبرانية أن يكلمهم وكان لا يكلمهم بنفسه ليشبه عليه فإنهم لوعرفوه ربما كانوا يهيمون في الأرض حياء من أبيهم فيتركون خدمته وكان في معرفتهم إياه مفسدة .

{ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} أي: قال يوسف لعبيدة وغلمانه الذين يكيلون الطعام عن قتادة وغيره وقيل: لأعوانه: اجعلوا ثمن طعامهم وما كانوا جاءوا به في أوعيتهم وقيل: كانت بضاعتهم النعال والأدم وقيل: كانت الورق عن قتادة { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ} أي: لعلهم يعرفون متاعهم إذا رجعوا إلى أهلهم { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} بعد ذلك لطلب الميرة مرة أخرى وإنما فعل ذلك ليعرفوا أن يوسف إنما فعل ذلك إكراما لهم ليرجعوا إليه وقيل: أنه خاف أن لا يكون عندهم من الورق ما يرجعون به مرة أخرى عن الكلبي وقيل: أنه رأى لؤما أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه فرده عليهم من حيث لا يعلمون تفضلا وكرما وقيل: فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم وأمانتهم تحملهم على رد بضاعتهم إذا وجدوها في رحالهم ولا يعرفون أن الملك أمر بذلك فيرجعون ليردوا ذلك عليه ومتى قيل: كيف لم يعرفهم يوسف نفسه مع علمه بشدة حزن أبيه وقلقه واحتراقه على ألم فراقه؟ فالجواب: أنه لم يؤذن له في التعريف استتماما للمحنة عليه وعلى يعقوب ولما علم الله تعالى من الحكمة والصلاح في تشديد البلية تعريضا للمنزلة السنية وقيل: إنما لم يعرفهم بنفسه لأنهم لوعرفوه ربما لم يرجعوا إليه ولم يحملوا أخاه إليه والأول هو الوجه الصحيح .

___________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص421-423.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } . امتد القحط إلى البلاد المجاورة لمصر ، ومنها فلسطين أرض كنعان ، حيث يقيم نبي اللَّه يعقوب ، وكان قد شاع ان عزيز مصر قد أعد للجوع عدته ، وانه يوزع الحنطة بالقسط بين الناس ، لا فرق عنده بين شعب وشعب ، وكان قد نزل ببيت يعقوب من العوز ما نزل بغيره ، فأمر بنيه أن يتجهزوا ، ويذهبوا إلى مصر يشترون الطعام ، فذهبوا ، وهم عشرة ، ولما وصلوا إلى مصر دخلوا على يوسف ، وهوفي مجلس الولاية ، لأنه كان يشرف على أمر الميرة بنفسه ، فعرفهم وما عرفوه .

{ ولَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ } . بعد أن أعد لهم كل ما جاؤوا من أجله ، وما يحتاجون إليه في سفرهم { قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ } . قال أهل التفاسير :

ان يوسف أكرم وفادة إخوته ، وأحسن ضيافتهم ، فاطمأنوا إليه ، وحدثوه عن حياتهم وعن أبيهم ، وان لهم أخا من أبيهم أصغر منهم ، وبعد هذا قال لهم يوسف : ائتوني بهذا الأخ الأصغر ، ولا شيء في الآية ولا في غيرها يدل على أنهم حدثوه عن أبيهم وأخيهم ، أما إكرامه لهم فتدل عليه قرينة الحال وقوله :

{ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } . فإذا جئتموني بأخيكم أوفي الكيل له أيضا ، وأكرمه كما أكرمتكم { فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي ولا تَقْرَبُونِ } .

المعنى واضح ، وبالمناسبة نشير إلى أن الفقهاء أجمعوا على أن لكل من البائع من والمشتري أن يشترط لنفسه ما يشاء على أن لا يحلل شرطه حراما ، ولا يحرم حلالا ، وشرط يوسف على إخوته من هذا النوع .

{ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وإِنَّا لَفاعِلُونَ } . انهم يعلمون بأن أباهم يضنّ بأخيهم ، ولا يأتمنهم عليه بعد فعلتهم بيوسف . . ولذا قالوا سنراود أي نجتهد ونتلطف لإقناع أبيه رغم صعوبة المطلب ومناله { وقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ } .

أمر يوسف خدمه أن يدسوا بضاعة إخوته التي اشتروا بها الطعام ، يدسوها في أمتعتهم من حيث لا يشعرون .

{ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . هذا تعليل لإرجاع الثمن إلى إخوته ، وان القصد منه ترغيبهم في العودة إليه ثانية ، فإنهم إذا فتحوا رحالهم ووجدوا فيها بضاعتهم ، بعثهم ذلك إلى الرجوع طمعا في جوده وكرمه . .

وغير بعيد ان من مقاصد يوسف أن يطمئن أبوه ، ولا يثقل عليه إرسال أخيه له .

___________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 333-334.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

فصل آخر مختار من قصة يوسف (عليه السلام) يذكر الله تعالى فيه مجيء إخوته إليه في خلال سني الجدب لاشتراء الطعام لبيت يعقوب، وكان ذلك مقدمة لضم يوسف (عليه السلام) أخاه من أمه – وهو المحسود المذكور في قوله تعالى حكاية عن الإخوةر{ ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة }- إليه ثم تعريفهم نفسه ونقل بيت يعقوب (عليه السلام) من البدوإلى مصر.

وإنما لم يعرفهم نفسه ابتداء لأنه أراد أن يلحق أخاه من أمه إلى نفسه ويرى إخوته من أبيه عند تعريفهم نفسه صنع الله بهما ومن الله عليهما أثر تقواهما وصبرهما على ما آذوهما عن الحسد والبغي ثم يشخصهم جميعا، والآيات الخمس تتضمن قصة دخولهم مصر واقتراحه أن يأتوا بأخيهم من أبيهم إليه إن عادوا إلى اشتراء الطعام والميرة وتقبلهم ذلك.

قوله تعالى:{ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} في الكلام حذف كثير وإنما ترك الاقتصاص له لعدم تعلق غرض هام به، وإنما الغرض بيان لحوق أخي يوسف من أمه به وإشراكه معه في النعمة والمن الإلهي ثم معرفتهم بيوسف ولحوق بيت يعقوب به فهو شطر مختار من قصته وما جرى عليه بعد عزة مصر.

والذي جاء إليه من إخوته هم العصبة ما خلا أخيه من أمه فإن يعقوب (عليه السلام) كان يأنس به ولا يخلي بينه  وبينهم بعد ما كان، من أمر يوسف ما كان والدليل على ذلك كله ما سيأتي من الآيات.

وكان بين دخولهم هذا على أخيهم يوسف وبين انتصابه على خزائن الأرض وتقلده عزة مصر بعد الخروج من السجن أكثر من سبع سنين فإنهم إنما جاءوا إليه في بعض السنين المجدبة وقد خلت السبع السنون المخصبة، ولم يروه منذ سلموه إلى السيارة يوم أخرج من الجب وهو صبي وقد مر عليه سنون في بيت العزيز ولبث بضع سنين في السجن وتولى أمر الخزائن منذ أكثر من سبع سنين، وهو اليوم في زي عزيز مصر لا يظن به أنه رجل عبري من غير القبط، وهذا كله صرفهم عن أن يظنوا به أنه أخوهم ويعرفوه لكنه عرفهم بكياسته أوبفراسة النبوة كما قال تعالى:{ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}.

قوله تعالى:{ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} قال الراغب في المفردات،: الجهاز ما يعد من متاع وغيره، والتجهيز حمل ذلك أوبعثه.  انتهى.

فالمعنى ولما حملهم ما أعد لهم من الجهاز والطعام الذي باعه منهم أمرهم بأن يأتوا إليه بأخ لهم من أبيهم وقال ائتوني{إلخ}.

وقوله:{ألا ترون إني أوفي الكيل - أي لا أبخس فيه ولا أظلمكم بالاتكاء على قدرتي وعزتي - وأنا خير المنزلين} أكرم النازلين بي وأحسن مثواهم، وهذا تحريض لهم أن يعودوا إليه ثانيا ويأتوا إليه بأخيهم من أبيهم كما أن قوله في الآية التالية:{ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ} تهديد لهم لئلا يعصوا أمره، وكما أن قولهم في الآية الآتية:{ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} تقبل منهم لذلك في الجملة وتطييب لنفس يوسف (عليه السلام).

ثم من المعلوم أن قوله (عليه السلام) أوان خروجهم:{ائتوني بأخ لكم من أبيكم} مع ما فيه من التأكيد والتحريض والتهديد ليس من شأنه أن يورد كلاما ابتدائيا من غير مقدمة وتوطئة تعمي عليهم وتصرفهم أن يتفطنوا أنه يوسف أويتوهموا فيه ما يريبهم في أمره.  وهو ظاهر.

وقد أورد المفسرون في القصة من مفاوضته لهم وتكليمه إياهم أمورا كثيرة لا دليل على شيء منها من كلامه تعالى في سياق القصة ولا أثر يطمأن إليه في أمثال المقام.

وكلامه تعالى خال عن التعرض لذلك، وإنما الذي يستفاد منه أنه سألهم عن خطبهم فأخبروه وهم عشرة أنهم إخوة وأن لهم أخا آخر بقي عند أبيهم لا يفارقه أبوه ولا يرضى أن يفارقه لسفر أوغيره فأحب العزيز أن يأتوا به إليه فيراه.

قوله تعالى:{ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ} الكيل بمعنى المكيل وهو الطعام، ولا تقربون أي لا تقربوني بدخول أرضي والحضور عندي للامتيار واشتراء الطعام.

ومعنى الآية ظاهر، وهو تهديد منه لهم لوخالفوا عن أمره كما تقدم.

قوله تعالى:{ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} المراودة كما تقدم هي الرجوع في أمر مرة بعد مرة بالإلحاح أوالاستخدام، ففي قولهم ليوسف (عليه السلام){سنراود عنه أباه} دليل على أنهم قصوا عليه قصته أن أباهم يضن به ولا يرضى بمفارقته له ويأبى أن يبتعد منه لسفر أوأي غيبة، وفي قولهم:{أباه} ولم يقولوا: أبانا تأييد لذلك.

وقولهم:{وإنا لفاعلون} أي فاعلون للإتيان به أوللمراودة لحمله معهم والإتيان به إليه، ومعنى الآية ظاهر، وفيه تقبل منهم لذلك في الجملة وتطييب لنفس يوسف (عليه السلام) كما تقدم.

قوله تعالى:{ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الفتيان جمع الفتى وهو الغلام، وقال الراغب: البضاعة قطعة وافرة من المال يقتنى للتجارة يقال: أبضع بضاعة وابتضعها، قال تعالى:{هذه بضاعتنا ردت إلينا} وقال تعالى:{ببضاعة مزجاة} والأصل في هذه الكلمة البضع - بفتح الباء – وهو جملة من اللحم يبضع أي يقطع - قال - وفلان بضعة مني أي جار مجرى بعض جسدي لقربه مني - قال - والبضع بالكسر المنقطع من العشرة، ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل: بل هو فوق الخمس ودون العشرة.

انتهى، والرحال جمع رحل وهو الوعاء والأثاث، والانقلاب الرجوع.

ومعنى الآية: وقال يوسف (عليه السلام) لغلمانه: اجعلوا مالهم وبضاعتهم التي قدموها ثمنا لما اشتروه من الطعام في أوعيتهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا ورجعوا إلى أهلهم - وفتحوا الأوعية - لعلهم يرجعون إلينا ويأتوا بأخيهم فإن ذلك يقع في قلوبهم ويطمعهم إلى الرجوع والتمتع من الإكرام والإحسان.

___________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج11،ص174-176.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

إقتراح جديد من يوسف لاُخوته:

وكما كان متوقّعاً، فقد تحسّنت الزراعة في مصر خلال سبع سنوات متتالية وذلك على أثر توالي الأمطار ووفرة ماء النيل وكثرته، ويوسف الذي كان مسؤولا عن الشؤون الإقتصادية في مصر ومشرفاً على خزائنها، أمر ببناء المخازن الكبيرة والصغيرة التي تستوعب الكميّات الكبيرة من المواد الغذائية  وتحفظها عن الفساد، وقد أجبر أبناء الشعب على أن يبيعوا للدولة الفائض عن حاجتهم من الإنتاج الزراعي، وهكذا امتلأت المخازن بالمنتوجات الزراعية والإستهلاكية ومرّت سبع سنوات من الرخاء والوفرة، وبدأ القحط والجفاف يُظهر وجهه الكريه، ومنعت السّماء قطرها، فلم تينع ثمرة، ولم تحمل نخلة.

وهكذا أصاب عامّة الشعب الضيق وقلّت منتوجاتهم الزراعية، لكنّهم كانوا على علم بخزائن الدولة وإمتلائها بالمواد الغذائية، وساعدهم يوسف حيث إستطاع ـ بخطّة محكمة ومنظّمة مع الأخذ بعين الإعتبار الحاجات المتزايدة، في السنين القادمة ـ أن يرفع الضيق عن الشعب بأن باع لهم المنتوجات الزراعية مراعياً في ذلك العدالة بينهم.

وهذا القحط والجفاف لم يكن مقتصراً على مصر وحدها، بل شمل البلدان المحطية بها أيضاً، ومنهم شعب فلسطين وأرض كنعان المتاخمة لمصر والواقعة على حدودها في الشمال الشرقي، وكانت عائلة يوسف تسكن هناك وقد تأثّرت بالجفاف. واشتدّ بهم الضيق، بحيث اضطرّ يعقوب أن يرسل جميع أولاده ـ ما عدا بنيامين الذي أبقاه عنده بعد غياب يوسف ـ إلى مصر، حيث سافروا مع قافلة كانت تسير إلى مصر ووصلوا إليها ـ كما قيل ـ بعد 18 يوماً.

وتذكر المصادر التاريخيّة أنّ الأجانب عند دخولهم إلى الأراضي المصرية كانوا ملزمين بتسجيل أسمائهم في قوائم معيّنة لكي تعرض على يوسف، ومن هنا فحينما عرض الموظفون تقريراً على يوسف عن القافلة الفلسطينية وطلبهم للحصول على المؤن والحبوب رأى يوسف أسماء اُخوته بينهم وعرفهم وأمر بإحضارهم إليه، دون أن يتعرّف أحد على حقيقتهم وأنّهم اُخوته ..

يقول القرآن الكريم: { وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} وكان طبيعيّاً أن لا يتعرّف إخوة يوسف عليه لأنّه في جانب كان قد مضى على فراقهم إيّاه منذ أن أودعوه الجبّ وخرج منه ودخل إلى مصر ما يقرب من أربعين سنة، ومن جهة أُخرى كان لا يخطر ببالهم أنّ أخوهم صار عزيزاً لمصر، وحتّى لو رأوا الشبه بين العزيز وبين أخيهم لحملوه على الصدفة.

إضافةً إلى هذا فإنّ ملابس يوسف تختلف عن السابق، ومن الصعب عليهم معرفة يوسف وهو في ملابس أهل مصر، كما أنّ إحتمال بقاء يوسف على قيد الحياة بعد هذه المدّة كان ضعيفاً عندهم، وعلى أيّة حال فإنّ إخوة يوسف قد اشتروا ما طلبوه من الحبوب ودفعوا ثمنه بالأموال أو الكُندر أو الأحذية أو بسائر ما جلبوه معهم من كنعان إلى مصر.

أمّا يوسف فإنّه قد رحّب بإخوته ولاطفهم وفتح باب الحديث معهم، قالوا: نحن عشرة إخوة من أولاد يعقوب، ويعقوب هو ابن إبراهيم الخليل نبي الله العظيم، وأبونا أيضاً من أنبياء الله العظام، وقد كبر سنّه وألمّ به حزن عميق ملك عليه وجوده.

فسألهم يوسف: لماذا هذا الغمّ  والحزن؟

قالوا: كان له ولد أصغر من جميع إخوته وكان يحبّه كثيراً، فخرج معنا يوماً للنزهة والتفرّج والصيد وغفلنا عنه فأكله الذئب، ومنذ ذلك اليوم وأبونا يبكي لفراقه.

نقل بعض المفسّرين أنّه كان من عادة يوسف أن لا يعطي ولا يبيع لكلّ شخص إلاّ حمل بعير واحد، وبما أنّ إخوته كانوا عشرة فقد باع لهم 10 أحمال من الحبوب، فقالوا: إنّ لنا أباً شيخاً كبيراً عاجزاً عن السفر وأخاً صغيراً يرعى شؤون الأب الكبير، فطلبوا من العزيز أن يدفع إليهم حصّتهما، فأمر يوسف أن يضاف إلى حصصهم حملان آخران، ثمّ توجّه إليهم مخاطباً إيّاهم وقال: إنّي أرى في وجوهكم النبل والرفعة كما إنّكم تتحلّون بأخلاق طيبة، وقد ذكرتم انّ أباكم يحبّ أخاكم الصغير كثيراً، فيتّضح أنّه يمتلك صفات ومواهب عالية وفذّة ولهذا أحبّ أن أراه إضافة إلى هذا، فإنّ الناس هنا قد أساؤوا الظنّ بكم واتّهموكم، لأنّكم من بلد أجنبي، فأتوا بأخيكم الصغير في سفركم القادم لتثبتوا صدقكم، وتدفعوا التّهمة عن أنفسكم.

وهنا يقول القرآن الكريم: إنّه حينما جهّزهم يوسف بجهازهم وأرادوا الرحيل عن مصر { وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} لكنّه ختم كلامه بتهديد مبطّن لهم، وهو إنّني سوف أمنع عنكم المؤن والحبوب إذا لم تأتوني بأخيكم { فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ}، وكان يوسف يحاول بشتّى الطرق، تارةً بالتهديد، وأُخرى بالتحبّب، أن يلتقي بأخيه بنيامين ويبقيه عنده. وظهر من سياق الآيات.

أمران: أنّ الحبوب كانت تباع وتشترى في مصر بالكيل لا بالوزن، واتّضح أيضاً أنّ يوسف كان يستقبل الضيوف ـ ومنهم اخوته ـ الذين كانوا يفدون إلى مصر بحفاوة بالغة ويستظيفهم بأحسن وجه.

وأجاب اخوة يوسف على طلب أخيهم: { قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} ويستفاد من قوله {إنّا لفاعلون} وإجابتهم الصريحة لعزيز مصر، أنّهم كانوا مطمئنين إلى قدرتهم على التأثير على أبيهم وأخذ الموافقة منه، وكيف لا يكونون مطمئنين بقدرتهم على ذلك وهم الذين استطاعوا بإصرارهم وإلحاحهم أن يفرّقوا بين يوسف وأبيه؟!

وأخيراً أمر يوسف رجاله بأن يضعوا الأموال التي اشتروا بها الحبوب في رحالهم ـ جلباً لعواطفهم ـ { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

____________________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي ،ج6،ص320-322.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .