أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-8-2016
608
التاريخ: 3-6-2020
867
التاريخ: 25-8-2016
625
التاريخ: 1-8-2016
657
|
الشبهة الحكميّة الغير المسبوقة بالقطع الراجعة إلى حقيقة التكليف قد مرّ أنّ الحكم فيها البراءة عقلا ونقلا، وكذلك الراجعة منها إلى المكلّف به المشوبة بالقطع بحقيقة التكليف مع إمكان الاحتياط قد مرّ أنّ الحكم فيها الاحتياط عقلا، وأمّا الشبهة الحكميّة الغير المسبوقة بالقطع الراجعة إلى المكلّف به المشوبة بالقطع بحقيقة التكليف مع عدم إمكان الاحتياط بواسطة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة فهي المقصود بالبحث هنا.
فنقول: دوران الأمر بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر خارج عن مقامنا؛ لإمكان الاحتياط فيه بإتيان الأوّل وترك الثاني، فهو من قبيل القسم الوسط، وأمّا الدوران بين وجوب شيء وحرمة هذا الشيء فقد يكون في الواقعة الواحدة الشخصيّة، وقد يكون في الوقائع المتعدّدة.
فالأوّل لا مثال له في الشبهة الكليّة، وإنّما يفرض في الموضوعيّة كالمرأة الشخصيّة المردّدة بين كونها محلوفا على وطئها في الزمان الذي لا يسع إلّا الوطي، وبين كونها محلوفا على ترك وطئها في شخص هذا الزمان المعيّن، وهذا القسم له صورتان:
الاولى: أن يكون كلّ من الفعل والترك توصليّا لا يعتبر فيه قصد القربة كالمثال المذكور، وفي هذه الصورة لا يمكن المخالفة القطعيّة، لعدم إمكان الخلوّ من الفعل والترك في الزمان الواحد، ولا الموافقة القطعيّة؛ لعدم إمكان الجمع بينهما في الزمان الواحد، والاحتماليّة منهما قهريّة لا ينفك.
والثانية: أن يكون كلّ من الفعل والترك أو واحد منهما تعبّديا يعتبر فيه قصد القربة، بأن يدور الأمر بين وجوب الفعل بقصد القربة ووجوب الترك كذلك، أو بين وجوب الفعل بهذا القصد ووجوب الترك مطلقا أو بالعكس، وفي هذه الصورة لا يمكن الموافقة القطعيّة لما ذكر، ولكنّ المخالفة القطعيّة ممكنة لحصولها بإتيان الفعل لا بقصد القربة أو الترك كذلك، وأمّا القسم الثاني وهو الدوران في الوقائع المتعدّدة فله الوقوع في الشبهة الكليّة كالصلاة الجمعة المردّدة بين الوجوب في تمام الجمعات وبين الحرمة في جميعها، وفي هذا القسم لا يمكن الموافقة القطعيّة، لعدم إمكان الجمع بين الفعل في تمام الوقائع والترك في جميعها، ولكنّ المخالفة القطعيّة ممكنة لحصولها بإتيان العمل في واقعة وتركه في اخرى، فلو صلّى الجمعة في الاسبوع الأوّل وتركها في الثاني حصل المخالفة القطعيّة؛ لأنّها إن كانت محرّمة حصل مخالفتها في الاسبوع الأوّل، وإن كانت واجبة حصل المخالفة في الاسبوع الثاني.
ففي صورة عدم إمكان الموافقة القطعيّة والمخالفة القطعيّة جميعا وهي صورة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في الشيء الواحد في الواقعة الواحدة الشخصيّة في التوصليّات يجب تحصيل الظنّ بأحد الطرفين معيّنا مع الإمكان؛ لأنّ العلم الإجمالي بالتكليف يقتضي أوّلا الامتثال القطعي، وبعد عدم إمكانه بشيء من الوجوه لا بنحو الاحتياط ولا بموافقة العلم أو العلمي ولا بالرجوع إلى الاصول يعيّن التنزّل منه إلى الامتثال الظنّي مع الإمكان.
فهذه مقدّمات الانسداد، غاية الأمر جريانها في العلم الشخصي في هذا المورد الشخصي، فيفيد حجّية مطلق الظنّ في هذا المورد الشخصي، وأمّا مع عدم إمكان تحصيل الظنّ فلا محيص من التخيير عقلا، هذا هو الكلام بحسب الأصل العقلي.
وأمّا بحسب الأصل الشرعي فلا مانع من التمسّك للإباحة بأدلّة حلّ الأشياء عند الشكّ من مثل قوله: «كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» و«كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» و«رفع ما لا يعلمون» فإنّها بإطلاقها شاملة للمقام؛ فإنّ العلم الإجمالي لا يوجب انتفاء موضوعها اللفظي، لأنّ الغاية فيها هو خصوص العلم التفصيلي لا الأعمّ منه ومن الإجمالي، وأمّا وجه عدم التمسّك بها في سائر موارد العلم الاجمالي فهو لزوم المخالفة القطعيّة، والمفروض عدم إمكانها في المقام.
نعم لو قلنا بلزوم الالتزام بالأحكام الواقعيّة بشخصها وعلى وجه التفصيل لزم المخالفة الالتزاميّة؛ فإنّ اللازم حينئذ الالتزام بشخص الوجوب أو بشخص الحرمة، وهو ينافي الالتزام بالإباحة، ولكن من المعلوم بطلان هذا القول، فإنّ الالتزام بشخص الوجوب واقعا أو شخص الحرمة كذلك مع فرض الشكّ في الحكم الواقعي ليس إلّا تشريعا محرّما.
وأمّا وجوب الالتزام بالأحكام الواقعيّة على ما هي عليه في الواقع وعلى وجه الإجمال فلا ينافي الالتزام بالإباحة في مرحلة الظاهر؛ فإنّ نفس كون الحكم الواقعي هو الوجوب أو الحرمة لا ينافي كون الحكم الظاهري المجعول في حال الشكّ هو الإباحة، فكيف يكون الالتزام بهما غير ممكن.
فتحصّل أنّ الإشكال من حيث لزوم المخالفة القطعيّة غير متوجّه، نعم يمكن منع أصل الإطلاق في تلك الأدلّة بأن يدّعى اختصاص مواردها بصورة تردّد الأمر بين الوجوب أو الحرمة وبين الإباحة، فلا يعمّ صورة تردّده بينهما مع عدم احتمال الثالث.
وأمّا صورة عدم إمكان الموافقة القطعيّة، مع إمكان المخالفة القطعيّة وهي صورة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في الشيء الواحد في الواقعة الواحدة الشخصيّة مع تعبّدية كلا الطرفين أو أحدهما، وصورة الدوران بينهما في الشيء الواحد في الوقائع المتعدّدة، فاللازم بحكم العقل ترك المخالفة القطعيّة، فيلزم في القسم الأوّل اختيار واحد من الفعل والترك مع قصد الرجاء لا بدونه مع تعبديّة كلا الطرفين، ويلزم هذا القصد في صورة اختيارهما فقط مع عدم لزومه في صورة اختيار الآخر مع تعبديّة أحد الطرفين.
ويلزم في القسم الثاني اختيار إتيان العمل في تمام الوقائع أو تركه في جميعها، ويلزم البقاء في الوقائع المتأخّرة على ما بنى عليه في الواقعة الاولى، وليس له العدول عنه إلى غيره، فيكون التخيير بدويّا.
ولكن قد يقال في القسم الثاني بعدم إمكان المخالفة القطعيّة كالموافقة القطعيّة بملاحظة أنّ القطع بالمخالفة لا يحصل إلّا بملاحظة كلّ واقعة منضمّة إلى الواقعة اللاحقة، وإلّا فلو لوحظت منفردة كانت واقعة واحدة شخصيّة لا يمكن فيها شيء من الموافقة القطعيّة والمخالفة القطعيّة.
ولا يخفى أنّ الواقعة اللاحقة عند ابتلاء المكلّف بالواقعة السابقة لا يكون محلّا لابتلاء المكلّف ولا يكون التكليف الموجود فيها منجّزا على المكلّف؛ لعدم حصول شرطه، فصلاة الجمعة في الاسبوع الثاني لا يكون المكلّف مأخوذا بها في الاسبوع الأوّل، فلا وجه لملاحظة التكليفين في حال واحد مع خروج أحدهما عن محلّ الابتلاء، وعلى هذا فيكون حكم العقل في كلّ واقعة هو التخيير في نفسها، فيكون التخيير استمراريّا.
قلت: بعد ما عرفت في بحث مقدّمة الواجب من أنّ الواجب المشروط المعلوم حصول شرطه في المستقبل يكون كالواجب المطلق بلا فرق، يتّضح لك دفع هذا، فإنّ صلاة الجمعة في الاسبوع الثاني مشروط بشرط شرعي معلوم الحصول في المستقبل وهو وجود الاسبوع الثاني، وبشروط عقليّة يكون بحكم المعلوم بواسطة الأصل العقلائي وهي وجود المكلّف وحياته وقدرته في الاسبوع الثاني، فيكون كالتكليف المطلق الموجود في الاسبوع الأوّل، فكما يجب على المكلّف مقدّمات وجوده يجب عليه أيضا مقدّمة العلم به.
فإن قلت: سلّمنا ذلك ولكن نقول: كما يحكم العقل بقبح المخالفة القطعيّة يحكم أيضا بلزوم الموافقة القطعيّة، فإذا اختار المكلّف الفعل في تمام الوقائع أو الترك في جميعها، فهو وإن لم يصدر منه المخالفة القطعيّة، لكن لم يحصل منه الموافقة القطعيّة أيضا، وهذا بخلاف ما إذا اختار الفعل في واقعة والترك في اخرى؛ فإنّه يحصل منه الموافقة القطعيّة أيضا كما هو واضح.
وبالجملة، فالتخيير الاستمراري وإن كان فيه محذور المخالفة القطعيّة، لكنّه سالم عن محذور ترك الموافقة القطعيّة، والتخيير البدوي وإن كان سالما عن محذور المخالفة القطعيّة، ولكن فيه محذور ترك الموافقة القطعيّة، فهما في نظر العقل على حدّ سواء، فلا وجه لترجيح الثاني على الأوّل.
قلت: حكم العقل بقبح المخالفة القطعيّة ليس بمثابة حكمه بقبح ترك الموافقة القطعيّة، فحكمه في الثانى يكون على وجه اللولائيّة، والترخيص الشرعي يكون رافعا لموضوعه، وحكمه في الأول يكون على وجه البتّ والقطع، ولهذا كثيرا ما دلّ الدليل على الترخيص في الموافقة القطعيّة ولم يكن منافيا لحكم العقل، ولكن لو كان دليل موهما للترخيص في المخالفة القطعيّة وجب تأويله والتزام التخصيص العقلي فيه، وعلى هذا فالتخيير البدوي مقدّم على الاستمراري؛ لأنّ محذور الثاني أشدّ عند العقل من محذور الأوّل.
فإن قلت: ما ذكرته من أنّه لو كان دليل موهما للترخيص في المخالفة القطعيّة وجب تأويله مناف للأخبار العلاجيّة الدالّة على التخيير في الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين عند فقد المرجّحات السنديّة، فإنّه وقع النزاع بين العلماء في كون هذا التخيير بدويّا، أو استمراريا، ومنشأ نزاعهم اختلاف الأنظار في ثبوت الإطلاق لهذه الأخبار وشمولها للوقائع المتأخّرة وعدم الإطلاق لها واختصاصها بالحيرة الأوّليّة، فالكلّ مطبقون على أنّه على تقدير ثبوت الإطلاق لتلك الأخبار كان القول بالتخيير الاستمراري بلا مانع، والحال أنّه لو كان لهذه الأخبار إطلاق كان من جملة الموارد الداخلة تحت هذا الإطلاق ما إذا دلّ أحد الخبرين على الوجوب والآخر على الحرمة.
كما لو دلّ أحدهما على وجوب صلاة الجمعة والآخر على حرمتها، والتخيير الاستمراري في هذا المورد مستلزم للمخالفة القطعيّة، فيعلم من ذلك أنّ الترخيص في المخالفة القطعيّة غير مناف لحكم العقل، وإلّا كان اللازم على القائلين بالتخيير البدوي ردّ القول الآخر بمنافاته لحكم العقل في هذا المورد ثمّ تتميم المرام بعدم القول بالفصل، فحيث لم يفعلوا ذلك علم عدم منافاة الترخيص المذكور لحكم العقل، وإذن فالتخيير الاستمراري والبدوي في مقامنا سيّان.
قلت: الترخيص في المخالفة القطعيّة للواقع مع إيجاب ما هو البدل عن الواقع غير قبيح، فإنّ المخالفة القطعيّة للواقع ببدله غير قبيحة؛ لرجوعها في الحقيقة إلى عدم المخالفة، وهذا هو الحال في الأخبار المذكورة على تقدير الإطلاق لها، فإنّ مفادها إيجاب التسليم والانقياد، فهي وإن كانت بإطلاقها شاملة للوقائع المتأخرة وبعمومها لما إذا كان أحد الخبرين دالّا على الوجوب والآخر على الحرمة، ولازم التخيير حينئذ هو الترخيص في المخالفة القطعيّة، إلّا أنّه لا بأس بها مع إيجاب التسليم المذكور، فإنّا نلتزم بأنّ عنوان التسليم القلبي يكون عند الشارع بدلا عن الواقع الذي خولف.
وبالجملة، ففي كلّ مورد ورد الترخيص في العمل المستلزم للمخالفة القطعيّة لكن مع إيجاب عمل آخر، نستكشف- بواسطة حكم العقل بامتناع الترخيص في المخالفة القطعيّة- عن جعل الشارع هذا العمل الآخر بدلا عن الواقع، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن في البين عمل آخر أوجبه الشرع كما في مقامنا؛ فإنّ الترخيص حينئذ ليس إلّا ترخيصا في المخالفة القطعيّة الصرفة، ولا شبهة في قبحه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|