أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-5-2020
5020
التاريخ: 5-6-2020
5371
التاريخ: 4-5-2020
3304
التاريخ: 4-5-2020
3438
|
قال تعالى :{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) قَالَ يَنُوحُ إِنَّهُ لَيْس مِنْ أَهْلِك إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صلِح فَلا تَسئَلْنِ مَا لَيْس لَك بِهِ عِلْمٌ إِنى أَعِظك أَن تَكُونَ مِنَ الْجَهِلِينَ(46) قَالَ رَب إِنى أَعُوذُ بِك أَنْ أَسئَلَك مَا لَيْس لى بِهِ عِلْمٌ وإِلا تَغْفِرْ لى وتَرْحَمْنى أَكن مِّنَ الْخَسِرِينَ(47) قِيلَ يَنُوحُ اهْبِط بِسلَم مِّنَّا وبَرَكَت عَلَيْك وعَلى أُمَم مِّمَّن مَّعَك وأُمَمٌ سنُمَتِّعُهُمْ ثمَّ يَمَسهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(48) تِلْك مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْك مَا كُنت تَعْلَمُهَا أَنت ولا قَوْمُك مِن قَبْلِ هَذَا فَاصبرْ إِنَّ الْعَقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49،45]
حكى سبحانه تمام قصة نوح (عليه السلام) فقال { ونادى نوح ربه } نداء تعظيم ودعاء{فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}معناه: يا مالكي وخالقي ورازقي وعدتني بتنجية أهلي وإن ابني من أهلي وإن وعدك الحق لا خلف فيه فنجه إن كان ممن وعدتني بنجاته {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} في قولك وفعلك {قال} الله سبحانه {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} وقد قيل في معناه أقوال:
أحدها أنه كان ابنه لصلبه والمعنى أنه ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم معك لأن الله سبحانه قد استثنى من أهله الذين وعده أن ينجيهم من أراد إهلاكهم بالغرق فقال إلا من سبق عليه القول عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وعكرمة واختاره الجبائي وثانيها أن المراد بقوله {ليس من أهلك} أنه ليس على دينك فكأن كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله عن جماعة من المفسرين وهذا كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): سلمان منا أهل البيت وإنما أراد على ديننا.
وروى علي بن مهزيار عن الحسن بن علي الوشاء عن الرضا (عليه السلام) قال :قال أبوعبد الله (عليه السلام) أن الله تعالى قال لنوح { إنه ليس من أهلك } لأنه كان مخالفا له وجعل من اتبعه من أهله ويؤيد هذا التأويل أن الله سبحانه قال على طريق التعليل { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} فبين أنه إنما خرج عن أحكام أهله لكفره وسوء عمله وروي عن عكرمة أنه قال كان ابنه ولكنه كان مخالفا له في العمل والنية فمن ثم قيل { إنه ليس من أهلك } وثالثها :أنه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنما ولد على فراشه فقال (عليه السلام) إنه ابني على ظاهر الأمر فأعلمه الله تعالى أن الأمر بخلاف الظاهر ونبهه على خيانة امرأته عن الحسن ومجاهد وهذا الوجه بعيد من حيث أن فيه منافاة القرآن لأنه تعالى قال ونادى نوح ابنه ولأن الأنبياء يجب أن ينزهوا عن مثل هذه الحال لأنها تعير وتشين وقد نزه الله أنبياءه عما دون ذلك توقيرا لهم وتعظيما عما ينفر من القبول منهم وروي عن ابن عباس أنه قال ما زنت امرأة نبي قط وكانت الخيانة من امرأة نوح أنها كانت تنسبه إلى الجنون والخيانة من امرأة لوط أنها كانت تدل على أضيافه ورابعها: أنه كان ابن امرأته وكان ربيبة ويعضده قراءة من قرأ ابنه بفتح الهاء وابنها والمعتمد المعول عليه في تأويل الآية القولان الأولان { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} قد ذكرنا الوجه في القراءتين واختار المرتضى ( رض ) في تأويله أن التقدير أن ابنك ذوعمل غير صالح واستشهد على ذلك بقول الخنساء :
ما أم سقب على بو تطيف به قد ساعدتها على التحنان أظئار(2)
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار(3)
أرادت فإنما هي ذات إقبال وإدبار قال ومن قال أن المعني إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير صالح فإن من امتنع من أن يقع على الأنبياء شيء من القبائح يدفع ذلك فإذا قيل له فلم قال { فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وكيف قال نوح { رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} قال لا يمتنع أن يكون نهي عن سؤال ما ليس لك به علم وإن لم يقع منه وإن يكون تعوذ من ذلك وإن لم يوقعه كما نهى الله سبحانه نبيه عن الشرك في قوله لئن أشركت ليحبطن عملك وإن لم يجز وقوع ذلك منه وإنما سأل نوح (عليه السلام) نجاة ابنه بشرط المصلحة لا على سبيل القطع فلما بين الله تعالى أن المصلحة في غير نجاته لم يكن ذلك خارجا عما تضمنه السؤال.
وقوله { إِنِّي أَعِظُكَ} أي: أحذرك والوعظ : الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح على وجه الترغيب والترهيب {أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} معناه:لا تكن منهم قال الجبائي يعني إني أعظك لئلا تكون من الجاهلين ولا شك أن وعظه سبحانه يصرف عن الجهل وينزه عن القبيح { قال} نوح عند ذلك { رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أي :أعتصم بك أن أسألك ما لا أعلم أنه صواب وأنك تفعله ومعنى العياذ بالله الاعتصام به طلبا للنجاة ومعناه هاهنا :الخضوع والتذلل لله سبحانه ليوفقه ولا يكله إلى نفسه وإنما حذف يا من قوله {رب} وأثبته في قوله {يا نوح} لأن ذلك نداء تعظيم وهذا نداء تنبيه فوجب أن يأتي بحرف التنبيه { وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } إنما قال ذلك على سبيل التخشع والاستكانة لله تعالى وإن لم يسبق منه ذنب ثم حكى الله سبحانه ما أمر به نوحا حين استقرت السفينة على الجبل بعد خراب الدنيا بالطوفان فقال {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ} أي: أنزل من الجبل أومن السفينة { بِسَلَامٍ مِنَّا} أي: بسلامة منا ونجاة وقيل: بتحية وتسليم منا عليك { وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ} أي: ونعم دائمة وخيرات نامية ثابتة حالا بعد حال عليك { وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} يعني الأمم الذين كانوا معه في السفينة من المؤمنين والأمة الجماعة الكثيرة المتفقة على ملة واحدة وقيل معناه وعلى أمم من ذرية من معك وقيل يعني بالأمم سائر الحيوان الذين كانوا معه لأن الله تعالى جعل فيها البركة .
{ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} معناه:أنه يكون من نسلهم أمم سنمتعهم في الدنيا بضروب من النعم فيكفرون ونهلكهم ثم يمسهم بعد الهلاك عذاب مؤلم وإنما ارتفع أمم لأنه استأنف الإخبار عنهم وروي عن الحسن أنه قال هلك المتمتعون في الدنيا لأن الجهل يغلب عليهم والغفلة فلا يتفكرون إلا في الدنيا وعمارتها وملاذها ثم أشار سبحانه إلى ما تقدم ذكره من أخبار قوم نوح فقال {تلك} أي: تلك الأنباء { مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} أي: من أخبار ما غاب عنك معرفته ولو قال ذلك كان جائزا لأن المصادر قد يكنى عنها بالتذكير كما يكنى بالتأنيث يقولون قدم فلان ففرحت بها أي بقدمته وفرحت به أي: بقدومه .
{ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} أي: أن هذه الأخبار التي أعلمناكها لم تكن تعلمها أنت ولا قومك من العرب يعرفونها من قبل إيحائنا إليك لأنهم لم يكونوا أهل كتاب وسير وقيل من قبل هذا القرآن وبيان القصص فيه { فاصبر} أي: فاصبر على القيام بأمر الله وعلى أذى قومك يا محمد كما صبر نوح على أذى قومه وهذا أحد الوجوه التي لأجلها كرر الله قصص الأنبياء (عليهم السلام) ليصبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على ما كان يقاسيه من أمور الكفار الجهال حالا بعد حال { إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} أي: إن العاقبة المحمودة وخاتمة الخير والنصرة للمتقين كما كانت لنوح (عليه السلام) .
________________
1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج5،ص285-287.
2- السقب :الذكر من ولد الناقة . والبو :أن ينحر ولد الناقة ، ويؤخذ جلده فيخشى ، ويدنى من أمه لتسلى به . التحنان:الحنين. والاظئار جمع ظئر : وهي التي تعطف على ولد غيرها.
3- يقول :إن هذه الناقة ترعى مادامت ناسية ولدها الذي ذبح ،قأذا تذكرته أخذتها رعدة واظطراب ، فصارت تقبل وتدبر . وشبهت نفسها بها .
{ونادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ} في الآية السابقة 40 أمر اللَّه نوحا أن يحمل أهله في السفينة إلا من ينهاه عن حمله منهم ، ولم ينه اللَّه نوحا عن حمل ابنه ، كما لم يأمره بحمله ، بل سكت عن ذلك لحكمة هناك . . فظن نوح ان اللَّه سبحانه قد كتب النجاة إلى جميع أهله ، سواء منهم الطائع والعاصي ، ومن أجل هذا نادى ربه مستنجزا وعده في ابنه بحسب ظنه ، لأنه من أهله .
وتسأل : ان نوحا نبي ، والنبي معصوم ، فكيف يجوز عليه أن يظن خلاف الواقع ؟ .
الجواب : ان الظن المخالف للواقع لا يضر بالعصمة إذا كان مجردا عن العمل ، ولم يترتب عليه أي أثر في الخارج ، لأنه يكون ، والحال هذه ، أشبه بالخيال يمر بالذهن ثم يزول ، كأن لم يكن . . وعلى فرض ان المعصوم أراد العمل بظنه المخالف للواقع فان اللَّه سبحانه يكشف له عنه ، ويعصمه عن الوقوع في الخطأ .
وأوضحنا ذلك عند تفسير الآية 105 من سورة النساء ج 2 ص 430 .
{ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ }أي ذو عمل غير صالح . . يقول اللَّه جلت عظمته لنوح جوابا له عن سؤاله في شأن ولده ، يقول له : لقد أمرتك أن تحمل أهلك في السفينة إلا من أنهاك عن حمله ، وما نهيتك عن حمل أحد منهم لحكمة اقتضت ذلك ، ولكن سبقت مشيئتي أن يكون ابنك من المغرقين ، لأنه ليس من أهلك بسبب عمله غير الصالح ، فإن أهل الأنبياء هم المتقون الصالحون ، وان بعد النسب ، وان أعداءهم العاصون ، وان قرب النسب . . ويؤكد إرادة هذا المعنى قوله تعالى في الآية 68 من سورة آل عمران :
{ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} ومنه أخذ الإمام علي قوله : { ان ولي محمد من أطاع اللَّه ، وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى اللَّه ، وان قربت قرابته } . وقال الشاعر :
كانت مودة سلمان لهم رحما * ولم تكن بين نوح وابنه رحم
{ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ}. ان الشيء الذي لم يكن يعلمه نوح ( عليه السلام ) هو ما كتب اللَّه لابنه من الغرق ، لأن اللَّه سبحانه قد طوى العلم بغرقه عن أبيه أول الأمر لمصلحة اقتضت ذلك ، ولما سأل نوح ربه عن ابنه قال له : لا تسألني عما طويت علمه عنك قبل الغرق ، ولا تطالبني بابنك اني أعظك أن تكون من الجاهلين ، أي ان طالبت به فأنت من الجاهلين { قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ }. أي لا أسألك عن ابني ولا أطالبك به بعد ان أعلمتني الحقيقة ، بل أرضى (2) بحكمك وقضائك { وإِلَّا تَغْفِرْ لِي وتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) . هذا مجرد خشوع من نوح للَّه تعالى ، وليس استغفارا من ذنب وقع ، كما هو شأن الأنبياء والصلحاء ، وتكلمنا عن ذلك في ج 2 ص 277 .
{ قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ }. لما انتهى الطوفان ، وأغرق اللَّه المشركين أمر اللَّه نوحا ان يهبط إلى الأرض هو ومن معه بسلام وبركات في المعايش والأرزاق ، ينتشرون هنا وهناك أمما مستقلا بعضها عن بعض ، ثم يتناسل منهم أمم آخرون كقوم عاد وثمود يمتعهم قليلا في الدنيا ، ثم يمسهم العذاب بكفرهم وعصيانهم .أسطورة حول العاشر من المحرم :
تقول الأسطورة : ان نوحا هبط بسفينته إلى الأرض يوم عاشوراء ، فصام شكرا للَّه ، وكان قد فرغ منه الزاد ، فجمع كفا من حمص ومثله من عدس ، ومثله من حنطة حتى صارت سبعة حبوب ، فطبخها نوح وأكلوا منها جميعا حتى شبعوا ، فشاعت هذه الأسطورة واتخذها الناس في بعض البلاد سنّة يوم عاشوراء .
{ تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ ولا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }. الخطاب في إليك وما بعده لمحمد ( صلى الله عليه واله ) . . بعد ان أنبأ اللَّه سبحانه رسوله الأكرم محمدا ( صلى الله عليه واله ) بقصة نوح قال له : ان هذه القصة هي وحي منا إليك ، وما كنت تعلمها من قبل أنت ولا قريش ، وعليك أن تصبر على ما تلاقيه من قومك في سبيل دعوتك ، كما صبر نوح على قومه ، وكما كانت العاقبة له ولمن آمن معه فستكون العاقبة لك وللمسلمين ، لأنها دائما تكون للصابرين المتقين .الطوفان ثابت عند الأمم :
وحكاية الطوفان لا تختص بكتب الأديان ، فقد جاء ذكر الطوفان في ألواح بابل وأشور ، وقد عثر الباحثون على لوح يشير إلى هذه القصة ، ويرجع تاريخه - 2100 سنة قبل الميلاد ، وأكد العارفون الذين لا تربطهم بالدين أية صلة ان قصة الطوفان تعرفها الأمم القديمة في الهند واليونان واليابان والصين والبرازيل والمكسيك وغيرها ، وإذا اختلفت قصة الطوفان عند الأمم في التفاصيل فإنها تتفق في الجوهر ، وان السبب هو عقاب البشر على كفرهم وظلمهم .
_____________________
1- تفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج4،235-237.
2- اضطربت أقوال كثير من المفسرين هنا حيث فهموا من الآية ان اللَّه يقول لنوح : لا تسألني ، ونوح يقول له : انا ما سألتك فكيف تقول لي : لا تسألني ؟ . ثم أخذوا يؤولون بالوهم والخيال ، ومما ذكرناه يتبين ان الآية واضحة لا تحتاج إلى التأويل
قوله تعالى:{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} دعاء نوح (عليه السلام) لابنه الذي تخلف عن ركوب السفينة وقد كان آخر عهده به يوم ركب السفينة فوجده في معزل فناداه وأمره بركوب السفينة فلم يأتمر ثم حال بينهما الموج فوجد نوح (عليه السلام) وهو يرى أنه مؤمن بالله من أهله وقد وعده الله بإنجاء أهله.
ولما به من الوجد والحزن رفع صوته بالدعاء كما يدل عليه قوله تعالى:{ونادى نوح ربه} ولم يقل: سأل أو قال أو دعا، ورفع الصوت بالاستغاثة من المضطر الذي اشتد به الضر وهاج به الوجد أمر طبعي.
والدعاء أعني نداء نوح (عليه السلام) ربه في ابنه وإن ذكر في القصة بعد ذكر إنجاز غرق القوم وظاهره كون النداء بعد تمام الأمر واستواء الفلك لكن مقتضى ظاهر الحال أن يكون النداء بعد حيلولة الموج بينهما وعلى هذا فذكره بعد ذكر انقضاء الطوفان إنما هو لمكان العناية ببيان جميع ما في القصة من الهيئة الهائلة في محل واحد لتكميل تمثيل الواقعة ثم الأخذ ببيان بعض جهاته الباقية.
وقد كان (عليه السلام) رسولا أحد الأنبياء أولي العزم عالما بالله عارفا بمقام ربه بصيرا بموقف نفسه في العبودية، والظرف ظهرت فيه آية الربوبية والقهر الإلهي أكمل ظهورها فأغرقت الدنيا وأهلها، ونودي من ساحة العظمة والكبرياء على الظالمين بالبعد، فأخذ نوح (عليه السلام) يدعو لابنه والظرف هذا الظرف لم يجترىء (عليه السلام) - على ما يقتضيه أدب النبوة - على أن يسأل ما يريده من نجاة ابنه بالتصريح، بل أورد القول كالمستفسر عن حقيقة الأمر، وابتدر بذكر ما وعده الله من نجاة أهله حين أمره أن يجمع الناجين معه في السفينة فقال له:{احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك}.
وكان أهله - غير امرأته - حتى ابنه هذا مؤمنين به ظاهرا ولو لم يكن ابنه هذا على ما كان يراه نوح (عليه السلام) مؤمنا لم يدعه البتة إلى ركوب السفينة فهو (عليه السلام) الداعي على الكافرين السائل هلاكهم بقوله:{رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} فقد كان يرى ابنه هذا مؤمنا ولم يكن مخالفته لأمر أبيه إذ أمره بركوب السفينة كفرا أو مؤديا إلى الكفر وإنما هي معصية دون الكفر.
ولذلك كله قال (عليه السلام):{رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق} فذكر وعد ربه وضم إليه أن ابنه من أهله - على ما في الكلام من دلالة{رب} على الاسترحام، ودلالة الإضافة في{ابني} على الحجة في قوله:{من أهلي} ودلالة التأكيد بإن ولام الجنس في قوله:{وإن وعدك الحق} على أداء حق الإيمان.
وكانت الجملتان:{إن ابني من أهلي}{وإن وعدك الحق} ينتجان بانضمام بعضهما إلى بعض الحكم بلزوم نجاة ابنه لكنه (عليه السلام) لم يأخذ بما ينتجه كلامه من الحكم أدبا في مقام العبودية فلا حكم إلا لله بل سلم الحكم الحق والقضاء الفصل إلى الله سبحانه فقال:{وأنت أحكم الحاكمين}.
فالمعنى: رب إن ابني من أهلي، وإن وعدك حق كل الحق، وإن ذلك يدل على أن لا تأخذه بعذاب القوم بالغرق ومع ذلك فالحكم الحق إليك فأنت أحكم الحاكمين كأنه (عليه السلام) يستوضح ما هو حقيقة الأمر ولم يذكر نجاة ابنه ولا زاد على هذا الذي حكاه الله عنه شيئا وسيوافيك بيان ذلك.
قوله تعالى:{قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم} إلخ.
بين سبحانه لنوح (عليه السلام) وجه الصواب فيما ذكره بقوله:{إن ابني من أهلي وإن وعدك} إلخ، وهو يستوجب به نجاة ابنه فقال تعالى:{إنه ليس من أهلك} فارتفع بذلك أثر حجته.
والمراد بكونه ليس من أهله - والله أعلم - أنه ليس من أهله الذين وعده الله بنجاتهم لأن المراد بالأهل في قوله:{وأهلك إلا من سبق عليه القول} الأهل الصالحون، وهو ليس بصالح وإن كان ابنه ومن أهله بمعنى الاختصاص، ولذلك علل قوله:{إنه ليس من أهلك} بقوله:{ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}.
فإن قلت: لازم ذلك أن يكون امرأته الكافرة من أهله لأنها إنما خرجت من الحكم بالاستثناء وهي داخلة موضوعا في قوله:{وأهلك} ويكون ابنه ليس من أهله وخارجا موضوعا لا بالاستثناء وهو بعيد.
قلت: المراد بالأهل في قوله:{وأهلك إلا من سبق عليه القول} هم الأهل بمعنى الاختصاص وبالمستثنى - من سبق عليه القول - غير الصالحين ومصداقه امرأته وابنه هذا، وأما الأهل الواقع في قوله هذا:{إنه ليس من أهلك} فهم الصالحون من المختصين به (عليه السلام) طبقا لما وقع في قوله:{رب إن ابني من أهلي} فإنه (عليه السلام) لا يريد بالأهل في قوله هذا غير الصالحين من أولي الاختصاص وإلا شمل امرأته وبطلت حجته فافهم ذلك.
فهذا هو الظاهر من معنى الآية، ويؤيده بعض ما ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مما سيأتي في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
وذكروا في تفسير الآية معان أخر:
منها: أن المراد أنه ليس على دينك فكأن كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله.
ونسب إلى جماعة من المفسرين.
وفيه أنه في نفسه معنى لا بأس به إلا أنه غير مستفاد من سياق الآية لأن الله سبحانه ينفي عنه الأهلية بالمعنى الذي كان يثبتها له به نوح (عليه السلام) ولم يكن نوح يريد بأهليته أنه مؤمن غير كافر بل إنما كان يريد أنه أهله بمعنى الاختصاص والصلاح وإن كان لازمه الإيمان.
اللهم إلا أن يرجع إلى المعنى المتقدم.
ومنها: أنه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنما ولد على فراشه فقال نوح (عليه السلام): إنه ابني على ظاهر الأمر فأعلمه الله أن الأمر على خلاف ذلك، ونبهه على خيانة امرأته. وينسب إلى الحسن ومجاهد.
وفيه: أنه على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياء (عليهم السلام)، والذوق المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم وينزه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل، أنه ليس مما يدل عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور فليس في القصة إلا قوله:{إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} وليس بظاهر فيما تجرءوا عليه وقوله في امرأة نوح:{ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا:} التحريم: - 10 وليس إلا ظاهرا في أنهما كانتا كافرتين تواليان أعداء زوجيهما وتسران إليهم بأسرارهما وتستنجدانهم عليهما.
ومنها: أنه كان ابن امرأته (عليه السلام) وكان ربيبه لا ابنه من صلبه.
وفيه أنه مما لا دليل عليه من جهة اللفظ.
على أنه لا يلائم قوله في تعليل أنه ليس من أهله:{إنه عمل غير صالح} ولو كان كذلك كان من حق الكلام أن يقال: إنه ابن المرأة.
على أن من المستبعد جدا أن لا يكون نوح (عليه السلام) عالما بأنه ربيبه وليس بابنه حتى يخاطب ربه بقوله:{إن ابني من أهلي} أويكون عالما بذلك ويتكلم بالمجاز ويحتج على ربه العليم الخبير بذلك فينبه أنه ليس ابنه وإنما هو ربيب.
وقوله:{إنه عمل غير صالح} ظاهر السياق أن الضمير لابن نوح (عليه السلام) فيكون هو العمل غير الصالح، وعده عملا غير صالح نوع من المبالغة نحو زيد عدل أي ذو عدل، وقولها: فإنما هي إقبال وإدبار، أي ذات إقبال وإدبار.
فالمعنى: إن ابنك هذا ذو عمل غير صالح فليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم.
ويؤيد هذا المعنى قراءة من قرأ:{إنه عمل غير صالح} بالفعل الماضي أي عمل عملا غير صالح.
وذكر بعضهم: أن الضمير راجع إلى سؤال نوح (عليه السلام) المفهوم من قوله:{رب إن ابني من أهلي} أي إن سؤالك نجاة ابنك عمل غير صالح لأنه سؤال لما ليس لك به علم ولا ينبغي لنبي أن يخاطب ربه بمثل ذلك وهو من أسخف التفسير فإنه معنى لا يلائم شيئا من الجملتين المكتنفتين به لا قوله:{إنه ليس من أهلك} ولا قوله:{ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } وهو ظاهر، ولو كان كذلك كان من حق الكلام أن يتقدم على قوله:{إنه ليس من أهلك} ويتصل بقول نوح (عليه السلام).
على أنك عرفت أن قول نوح (عليه السلام):{رب إن ابني من أهلي} إلخ، لا يتضمن سؤالا وإنما كان يسوقه - لو جرى في كلامه - إلى السؤال لكن العناية الإلهية حالت بينه وبين السؤال.
وقوله:{ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} كان قول نوح (عليه السلام):{رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق} في مظنة أن يسوقه إلى سؤال نجاة ابنه وهو لا يعلم أنه ليس من أهله فأخذته العناية الإلهية، وحال التسديد الغيبي بينه وبين السؤال فأدركه النهي بقوله:{ لَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} بتفريع النهي على ما تقدم أي فإذ ليس من أهلك لكونه عملا غير صالح وأنت لا سبيل لك إلى العلم بذلك فإياك أن تبادر إلى سؤال نجاته لأنه سؤال ما ليس لك به علم.
والنهي عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقق سؤال ذلك منه (عليه السلام) لا مستقلا ولا في ضمن قوله:{رب إن ابني من أهلي} لأن النهي عن الشيء لا يستلزم الارتكاب قبلا، وقد قال تعالى:{ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ:} الحجر: - 88 فنهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حب الدنيا والافتتان بزينتها وحاشاه عن ذلك.
وإنما يفتقر النهي في صحة تعلقه بفعل ما أن يكون فعلا اختياريا يمكن أن يبتلي به المكلف، وما نهي عنه الأنبياء (عليهم السلام) على هذه الصفة وإن كانوا ذوي عصمة إلهية وتسديد غيبي، فإن من العصمة والتسديد أن يراقبهم الله سبحانه في أعمالهم وكلما اقتربوا مما من شأنه أن يزل فيه الإنسان نبههم على وجه الصواب ويدعوهم إلى السداد والتزام طريق العبودية، قال تعالى:{ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا:} إسراء: - 75 فأنبأ تعالى أنه هو الذي ثبته ولم يدعه يقترب من الركون إليهم فضلا عن نفس الركون.
وقال تعالى { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا:} النساء: - 113.
ومن الدليل على أن النهي -{فلا تسئلن} إلخ - نهي عما لم يقع بعد قول نوح (عليه السلام) بعد استماع هذا النهي:{رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم} ولو كان سأل شيئا لقيل: أعوذ بك من سؤالي ذلك ليفيد المصدر المضاف إلى المعمول التحقق والارتكاب.
ومن الدليل أيضا على أنه (عليه السلام) لم يسأل ذلك تعقيب قوله:{فلا تسئلن ما ليس لك به علم} بقوله:{إني أعظك أن تكون من الجاهلين} فإن معناه: أني أنصح لك في القول أن لا تكون بسؤالك ذلك من الجاهلين، ولو كان نوح سأل ذلك لكان من الجاهلين لأنه سأل ما ليس له به علم.
فإن قلت: إنه تعالى قال:{أن تكون من الجاهلين} أي ممن استقرت فيه صفة الجهل، واستقرارها إنما يكون بالتكرار لا بالمرة والدفعة، وبذلك يعلم أنه سأل ما سأل وتحقق منه الجهل مرة وإنما وعظه الله تعالى بما وعظ لئلا يعود إلى مثله فيتكرر منه ذلك فيدخل في زمرة الجاهلين.
قلت: زنة الفاعل كجاهل لا تدل على الاستقرار والتكرر وإنما تفيده الصفة المشبهة كجهول على ما ذكروه، ويشهد لذلك قوله تعالى في قصة البقرة:{ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ:} البقرة: - 67، وقوله في قصة يوسف:{ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ:} يوسف: - 33 وقوله خطابا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ:} الأنعام: - 35.
وأيضا لو كان المراد من النهي عن السؤال أن لا يتكرر منه ذلك بعد ما وقع مرة لكان الأنسب أن يصرح بالنهي عن العود إلى مثله دون النهي عن أصله كما وقع في نظير المورد من قوله تعالى:{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ - إلى أن قال - يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أبداً:} النور: - 17.
قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} لما تبين لنوح (عليه السلام) أنه لو ساقه طبع الخطاب الذي خاطب به ربه إلى السؤال كان سائلا ما ليس له به علم وكان من الجاهلين وإن عناية الله حالت بينه وبين الهلكة، شكر ربه فاستعاذ بمغفرته ورحمته عن ذلك السؤال المخسر فقال:{رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم}.
والكلام في الاستعاذة مما لم يقع بعد من الأمور المهلكة والمعاصي الموبقة كالنهي عما لم يقع من الذنوب والآثام وقد تقدم الكلام فيه وقد أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاستعاذة من الشيطان وهو معصوم لا سبيل للشيطان إليه، قال تعالى:{قل أعوذ برب الناس - إلى أن قال - من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس:} الناس: - 5 وقال:{ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ:} المؤمنون: - 98 والوحي مصون عن مس الشياطين كما قال تعالى:{ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ:} الجن: - 28.
وقوله:{ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} كلام صورته صورة التوبة وحقيقته الشكر على ما أنعم الله عليه من التعليم والتأديب.
أما صورة توبته فإن في ذلك رجوعا إلى ربه تعالى بالاستعاذة ولازمها طلب مغفرة الله ورحمته أي ستره على الإنسان ما فيه زلته وهلاكته وشمول عنايته لحاله وقد تقدم في أواخر الجزء السادس من الكتاب بيان أن الذنب أعم من مخالفة الأمر التشريعي بل كل وبال وأثر سيىء الإنسان بوجه، وأن المغفرة أعم من الستر على المعصية المعروفة عند المتشرعة بل كل ستر إلهي يسعد الإنسان ويجمع شمله.
وأما حقيقة الشكر فإن العناية الإلهية التي حالت بينه وبين السؤال الذي كان يوجب دخوله في زمرة الجاهلين وعصمته ببيان وجه الصواب كانت سترا إلهيا على زلة في طريقه ورحمة ونعمة أنعم الله سبحانه بها عليه فقوله (عليه السلام):{ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أي إن لم تعذني من الزلات لخسرت، ثناء وشكر لصنعه الجميل.
قوله تعالى:{ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} إلخ، السلام هو السلامة أو التحية غير أن ذكر مس العذاب في آخر الآية يؤيد كون المراد به في صدرها السلامة من العذاب وكذا تبديل البركة في آخر الآية إلى التمتع يدل على أن المراد بالبركات ليس مطلق النعم وأمتعة الحياة بل النعم من حيث تسوق الإنسان إلى الخير والسعادة والعاقبة المحمودة.
فقوله:{قيل - ولم يذكر القائل وهو الله سبحانه للتعظيم - يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك} معناه - والله أعلم - يا نوح انزل مع سلامة من العذاب - الطوفان - ونعم ذوات بركات وخيرات نازلة منا عليك أو أنزل بتحية وبركات نازلة منا عليك.
وقوله:{وعلى أمم ممن معك} معطوف على قوله:{عليك} وتنكير أمم يدل على تبعيضهم لأن من الأمم من يذكره تعالى بعد في قوله:{وأمم سنمتعهم}.
والخطاب أعني قوله تعالى:{يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك} إلى آخر الآية بالنظر إلى ظرف صدوره وليس وقتئذ متنفس على وجه الأرض من إنسان أو حيوان وقد أغرقوا جميعا ولم يبق منهم إلا جماعة قليلة في السفينة وقد رست واستوت على الجودي، وقد قضي أن ينزلوا إلى الأرض فيعمروها ويعيشوا فيها إلى حين.
خطاب عام شامل للبشر من لدن خروجهم منها إلى يوم القيامة نظير ما صدر من الخطاب الإلهي يوم أهبط آدم (عليه السلام) من الجنة إلى الأرض وقد حكاه الله تعالى في موضع بقوله:{وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين - إلى أن قال - قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون:} البقرة: - 39 وفي موضع آخر بقوله:{ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ:} الأعراف: - 25.
وهذا الخطاب خطاب ثان مشابه لذاك الخطاب الأول موجه إلى نوح (عليه السلام) ومن معه من المؤمنين - وإليهم ينتهي نسل البشر اليوم - متعلق بهم وبمن يلحق بهم من ذراريهم إلى يوم القيامة، وهو يتضمن تقدير حياتهم الأرضية والإذن في نزولهم إليها واستقرارهم فيها وإيوائهم إياها.
وقد قسم الله هؤلاء المأذون لهم قسمين فعبر عن إذنه لطائفة منهم بالسلام والبركات وهم نوح (عليه السلام) وأمم ممن معه، ولطائفة أخرى بالتمتيع، وعقب التمتيع بمس العذاب لهم كما كلمتي السلام والبركات لا تخلوان من بشرى الخير والسعادة بالنسبة إلى من تعلقتا به.
فقد بان من ذلك أن الخطاب بالهبوط في هذه الآية مع ما يرتبط به من سلام وبركات وتمتيع موجه إلى عامة البشر من حين هبوط أصحاب السفينة إلى يوم القيامة، ووزانه وزان خطاب الهبوط الموجه إلى آدم وزوجته (عليه السلام)، وفي هذا الخطاب إذن في الحياة الأرضية ووعد لمن أطاع الله سبحانه ووعيد لمن عصاه كما أن في ذلك الخطاب ذلك طابق النعل بالنعل.
وظهر بذلك أن المراد بقوله:{وعلى أمم ممن معك} الأمم الصالحون من أصحاب السفينة ومن سيظهر من نسلهم من الصالحين، والظاهر على هذا أن يكون{من} في قوله{ممن معك} ابتدائية لا بيانية، والمعنى وعلى أمم يبتدي تكونهم ممن معك، وهم أصحاب السفينة والصالحون من نسلهم.
وظاهر هذا المعنى أن يكون أصحاب السفينة كلهم سعداء ناجين، والاعتبار يساعد ذلك فإنهم قد محصوا بالبلاء تمحيصا وآثروا ما عند الله من زلفى وقد صدق الله سبحانه إيمانهم مرتين في أثناء القصة حيث قال عز من قائل:{إلا من قد آمن:} آية - 36 من السورة، وقال:{ومن آمن وما آمن معه إلا قليل:} آية - 40 من السورة.
وقوله:{وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} كأنه مبتدأ لخبر محذوف والتقدير: وممن معك أمم أو وهناك أمم سنمتعهم إلخ، وقد أخرجهم الله سبحانه من زمرة المخاطبين بخطاب الإذن فلم يقل: ومتاع لأمم آخرين سيعذبون طردا لهم من موقف الكرامة، فأخبر أن هناك أمما آخرين سنمتعهم ثم نعذبهم وهم غير مأذون لهم في التصرف في أمتعة الحياة إذن كرامة وزلفى.
وفي الآية جهات من تعظيم القائل لا تخفى كالبناء للمفعول في{قيل} وتخصيص نوح (عليه السلام) بخطاب الهبوط والتكلم مع الغير في قوله:{منا في موضعين و{سنمتعهم} وغير ذلك.
وظهر أيضا: أن ما فسروا به قوله:{على أمم ممن معك} أن معناه: على أمم من ذرية من معك ليس على ما ينبغي مع ما فيه من خروج من معه من الخطاب وكذا قول من قال: يعني بالأمم سائر الحيوان الذين كانوا معه لأن الله جعل فيهم البركة.
وفساده أظهر.
قوله تعالى:{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} أي هذه القصص أو هذه القصة من أنباء الغيب نوحيها إليك.
وقوله:{ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا } أي كانت وهي على محوضة الصدق والصحة مجهولة لك ولقومك من قبل هذا، والذي عند أهل الكتاب منها محرف مقلوب عن وجه الصواب كما سيوافيك ما في التوراة الحاضرة من قصته (عليه السلام).
وقوله:{ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} أمر منتزع عن تفصيل القصة أي إذا علمت ما آل إليه أمر نوح (عليه السلام) وقومه من هلاك قومه ونجاته ونجاة من معه من المؤمنين وقد ورثهم الله الأرض على ما صبروا، ونصر نوحا على أعدائه على ما صبر فاصبر على الحق فإن العاقبة للمتقين، وهم الصابرون في جنب الله سبحانه.
_____________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج10،ص181-189.
حادثة ابن نوح المؤلمة:
قرأنا في الآيات المتقدمة أنّ ابن نوح لم يسمع نصيحة والده وموعظته، ولم يترك لجاجته وحماقته حتى النفس الأخير، فكانت نهايته الغرق في أمواج الطوفان.
وهذه الآيات ـ محل البحث ـ تتحدث عن قسم آخر من هذه القصّة، وهو أنّه حين رأى نوح إبنه تتقاذفه الأمواج ثارت فيه عاطفة الأبوّة وتذكر وعد الله في نجاة أهله فالتفت إِلى ساحة الله منادياً { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}.
وهذا الوعد هو ما أشارت إِليه الآية (40) من هذه السورة حيث يقول سبحانه: { قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}.
فكان أن تصوّر نوح أن قوله تعالى: {إلاّ من سبق عليه القول}خاص بزوجته المشركة التي لم تؤمن به دون ابنه كنعان، ولذلك خاطب نوح ربّ العزّة بهذا الكلام.
ولكنّه سمع الجواب مباشرة .. جواب يهزّ هزاً كما أنّه يكشف عن حقيقة كبيرة .. حقيقة أنّ الرّباط الديني أسمى من رباط النسب والقرابة .. { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}.
فهو فرد غير لائق، حيث لا أثر لرباط القرابة بعد أن قطع رباط الدين. { فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
فأحسّ نوح أنّ طلبه هذا من ساحة رحمة الله لم يكن صحيحاً، ولا ينبغي أن يتصور نجاة ولده ممّا وَعَد الله به في نجاة أهله، لذلك توجه إِلى الله معتذراً مستغفراً و{ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
هبوط نوح بسلام:
هاتان الآيتان هما نهاية الآيات التي تتحدث عمّا جاء في نوح وقصّته المليئة بالدروس والعبر في سورة هود ، وفيهما إشارة إلى هبوط نوح(عليه السلام) من سفينته وعودة الحياة والعيش الطبيعي على الأرض .
يقول القرآن في الآية الأُولى من هاتين الآيتين : { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}.
لا شك أنّ الطوفان كان قد دمر كل آثار الحياة .. فالأراضي العامرة والمراتع الخُضر والغابات النضرة كلّها أُبيدت ، فالحالة كانت تنذر بأزمة خانقة لنوح وأصحابه بالنسبة للمعاش والغذاء ، لكن الله سبحانه طمأن هذه الجماعة المؤمنة إزاء البركات الإلهية والسلامة وأن كل ذلك سيكون مهيّأً وموفّراً لهم فلا ينبغي الحزن على شيء ..
مضافاً إلى ذلك فقد يأتي الحزن والخوف من شيء آخر وهو الخوف على السلامة والصحة بسبب المستنقعات والمياه الآسنة الباقية من آثار الطوفان التي تهدد حياتهم بالخطر ، فالله سبحانه يطمئن نوحاً وأصحابه أيضاً أنّه لا خطر يهددهم ، وأن الذي أرسل الطوفان لهلاك الطغاة قادر على أن يوفر محيطاً سالماً مليئاً بالخيرات والبركات للمؤمنين كذلك .
هذه الجملة القصيرة تشعرنا وتفهمنا أن القرآن يهتم بالمسائل الدقيقة للغاية ، ويعكسها في عبارات مضغوطة شائقة وأخّاذة ! .
كلمة «أُمم» هي جمع «أمة» وهذا التعبير يدل على أن مع نوح طوائف من عباد الله وخلقه ، كما يدل هذا التعبير على أنّ الأفراد الذين هم مع نوح كل منهم سيكون سبباً لوجود قبيلة وأُمّة كبيرة ، أو أنّه فِعْلاً كان مع نوح أفراد من قبائل وأُمم متعددة فيشكل مجموعهم أُمماً أيضاً ..
ويرد هذا الإحتمال أيضاً ، وهو أن الأُمم التي كانت مع نوح تشمل مجموعة الحيوانات المتعددة ، لأنّ القرآن أطلق لفظ الأُمّة عليها أيضاً في مكان آخر من آياته ، فنحن نقرأ في سورة الأنعام الآية (38) { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}.
فيتّضح بهذا أنّ نوحاً وأصحابه هبطوا إلى الأرض بسلام ليجدوا بركات الله وليطمئنوا بالحياة الهانئة ، كذلك الحال بالنسبة إلى الحيوانات التي كانت معهم في السفينة وهبطت إلى الأرض ، فإنّ لطف الله شملها جميعاً كذلك.
ثمّ يضيف القرآن مخاطباً نوحاً أنّه ستعقب الأُمم التي معك أُمم من نسلها ، ولكن هذه الأُمم ستغتر وتغفل عن نعم الله فتنال جزاءها من الله {وأُمم سنمتعهم ثمّ يمسّهم منّا عذاب أليم}.
فعلى هذا ليس انتخاب الأصلح من الناس أو إصلاح الناس عن طريق الطوفان هو آخر الإنتخاب وآخر الإصلاح ، بل ستبلغ مرحلة جديدة من بني آدم أيضاً يصلون بها الذروة من الرُشد والتكامل ، ولكن الناس قد يسيئون الإستفادة من حرية الإرادة ويستخدمونها في طريق الشرّ والفساد ، فينالون جزاءهم في هذه الدنيا كما ينالون العذاب في الأُخرى.
الطريف في الآية أنّها تقول {سنمتعهم}ثمّ تتحدث عن العذاب مباشرة. وفي ذلك إِشارة إِلى أن الإِستمتاع ينبغي أن يكون مدعاة للشكر والثناء على نعم الله وطاعته، ولكن غالباً ما يزيد المتنعمين طغياناً وكفراً ويقطعون العلاقة بينهم وبين الله.
وينقل العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية أنّ بعض المفسّرين يقول في قوله: {نمتعهم} الخ: هلك المستمتعون في الدنيا لأنّ الجهل يغلب عليهم والغفلة فلا يتفكرون إلاّ في الدنيا وعمارتها وملذاتها.(2)
هذا الواقع يُرى جيداً في الدول المتنعمة والمتموّلة في هذا العالم، حيث يغوص أهلوها بالفساد فلا يفكرون في المستضعفين ـ فحسب ـ، بل نراهم يوماً بعد آخر يحاولون الكيد بهم وإِراقة دمائهم أكثر فأكثر، لذلك كثيراً ما يتفق أن ينزل الله عليهم الحروب والحوادث الأليمة التي تسلب النعم مؤقتاً لعلهم يفيقون من غفلتهم.
وفي آخر آية تختم بها قصّة نوح ـ في هذه السورة ـ إِشارة كلية عامّة إِلى ما حدث في عهد نوح فتقول: { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا).
فالخطاب هنا للنّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد عليه أن يصبر ويستقيم كما صبر واستقام نوح(عليه السلام) عندما واجه المشاكل، وهكذا تكون عاقبة الصبر النصر { فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.
الآية اللأخيرة تشير إِلى عدّة مسائل:
1 ـ إِنّ بيان قصص الأنبياء(عليهم السلام) ـ بالصورة الواقعية والخالية من أي نوع من أنواع التحريف الخرافة ـ ممكن عن طريق الوحي السماوي فحسب، وإلاّ فإِنّ كتب تاريخ الماضين مليئة بالأساطير والقصص الخياليّة التي بلغت درجة لا يمكن معها معرفة الحق من الباطل، وكلما عدنا إِلى الوراء أكثر وجدنا الخلط والتزييف أكثر.
فعلى هذا، يعتبر بيان حال الانبياء الماضين والاقوام السالفة بصورة سليمة وخالية من الخرافات والخزعبلات دليلا على حقانية القرآن والاسلام والنّبي الاكرم(صلى الله عليه وآله وسلم).
2 ـ يستفاد من هذه الآية ـ خلافاً لما يتصوره البعض ـ أنّ الأنبياء كانوا يعلمون الغيب عن طريق تعليم الله وبالمقدار الذي كان يريده الله لهم، لا أنّهم يعلمون الغيب من أنفسهم، وإِذا وجدنا في بعض الآيات ما ينفي العلم الغيبي عنهم، فهو إِشارة إِلى أنّ علمهم ليس ذاتياً، بل هو من الله.
3 ـ وهذه الآية توضح حقيقة أُخرى، وهي أنّ بيان قصص الأنبياء والأقوام الماضين في القرآن ليس درساً للمسلمين فحسب، بل هو إِضافة إِلى ذلك تسلية لخاطر النّبي وطمأنة لقلبه، لأنّه بشر أيضاً، وينبغي أن يتلقى الدروس من الأديان الالهية و يتهيأ لمواجهة الطاغوت في عصره، وأن لا يكترث بهموم المشاكل في طريقه.
أي كما واجه نوح المشاكل بصبر واستقامة لسنين طوال ليهدي قومه إِلى الإِيمان، فعليك يا نبي الإِسلام أن لا تدع الصبر والإِستقامة على كل حال!
والآن نودع قصّة نوح بكل ما تحمل من عبر وأعاجيب، ونتوجه إِلى نبي عظيم آخر وهو هود الذي سُمّيت هذه السورة باسمه.
_________________
1- تفسير الامثل ،ناصرمكارم الشيرازي ،ج6،ص85-92.
2- تفسير مجمع البيان ،ج5،ص168و287،ذيل الاية 48 من سورة هود.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|