أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
924
التاريخ: 1-8-2016
773
التاريخ: 1-8-2016
808
التاريخ: 23-8-2016
815
|
وتقريبه أنّا بعد القطع ببعثة النبي صلّى اللّه عليه وآله وقبل مراجعة الأدلّة قاطعون بالعلم الإجمالي بأنّا مكلّفون بواجبات ومحرّمات، وقضيّة هذا القطع والعلم الإجمالي بحكم العقل وجوب الإتيان بكلّ محتمل الوجوب، ووجوب الاجتناب عن كلّ محتمل الحرمة.
لا يقال: هذا العلم الإجمالي إنّما هو قبل مراجعة الأدلّة، وأمّا بعدها فينحلّ إلى القطع التفصيلي بما يشتمل عليه الأدلّة من التكاليف والشكّ البدوي في ما يكون خارجا عن مداليلها، والقاعدة في الشبهة البدويّة هي البراءة.
لأنّا نقول: لا يكون مفاد الأدلّة حصر التكليف في مداليل أنفسها، فإنّ مفاد «أقيموا الصلاة» مثلا وجوب الصلاة مع عدم التعرّض لغيرها، ومفاد «آتوا الزكاة» هو وجوب الزكاة بدون تعرّض لحال الغير وهكذا، وحينئذ فلا تنافي بين العلم الإجمالي ومفاد هذه الأدلّة، فيكون العمل بمقتضى كليهما واجبا.
فحينئذ يكون سبب تنجيز التكليف في بعض المحتملات اثنين، وهو ما قام على التكليف فيه دليل معتبر، فالتكليف منجّز فيه بسببين: الدليل والعلم الإجمالي وفي بعض آخر يكون واحدا وهو ما كان خارجا عن مدلول الأدلّة إمّا لإجمال الدليل أو لعدمه أو لتعارض الدليلين، فينحصر المنجّز فيه في العلم الإجمالي، فالمقام نظير ما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين ثمّ قام البيّنة على نجاسة واحد معيّن منهما، فإنّه ليس مفاد قول البيّنة حصر النجاسة في هذا الواحد ونفيها عن الإناء الآخر، بل من المحتمل نجاسة كليهما، فالواجب الاجتناب عن كليهما، غاية الأمر المنجّز في هذا الواحد شيئان: العلم والبيّنة، وفي الآخر هو العلم فقط.
نعم لو قطع بأنّ النجس في ما بينهما واحد لا أزيد يضمّ هذا القطع إلى البيّنة التي جعلها الشارع بمنزلة القطع، فيكون كما لو قطع بحصر النجس في الواحد وقطع بنجاسة هذا المعيّن، حيث يورث هذان القطعان القطع بطهارة الإناء الآخر، وأمّا إذا لم يكن قطع بالحصر ولا كان الحصر مفاد قول البيّنة فلا محيص عن اجتناب كليهما بمقتضى العلم في أحدهما، وبمقتضاه مع البيّنة في الآخر.
وليعلم أنّا وإن قلنا بالإجماع من الأخباريين على البراءة في الشبهة الوجوبيّة، لا يوجب ذلك إجمالا في هذا الدليل وإن كان يوجبه في الأدلّة النقليّة المتقدّمة، والفارق أنّ الدليل هناك كان لفظيّا، فالإجماع المذكور كان موجبا لتقييد المادّة أو التصرّف في الهيئة، وحيث لم يكن أحدهما متعيّنا تحقّق الإجمال، وأمّا هنا فالدليل لبيّ وهو حكم العقل بلزوم المراعاة والاحتياط في جميع أطراف العلم الإجمالي، والإجماع المذكور على فرضه لا يكون إلّا مؤمنا من قبل الشرع بالنسبة إلى أحد الأطراف وهو الشبهة الوجوبية، ووجود المؤمّن في أحد الأطراف لا يوجب سقوط هذا الدليل اللبّى عن الدلالة بالنسبة إلى الطرف الآخر الخالي عن المؤمّن الشرعي، فإنّ الحجّة وهو العلم فيه موجودة والمؤمّن مفقود.
وتقريب الاستدلال بالعلم الإجمالى أنّ لنا علما إجماليّا قبل مراجعة الأخبار بوجود تكاليف من الواجبات والمحرّمات من الشارع علينا، وإنّما قيّدنا بقولنا:
قبل مراجعة الأخبار، لئلّا يقول الخصم في الجواب: نمنع العلم الإجمالي قبل مراجعة الأخبار، لأنّ مدرك علمنا هو الأخبار، فدائرة العلم الإجمالى مقيّدة ومحدودة بخصوص ما بأيدينا من الأخبار، فما يكون خارجا عن الأخبار خارج عن أطراف العلم.
نظير ما لو تعلّق بالحرمة بخصوص السود من قطيع غنم، حيث إنّ البيض خارج عن أطراف العلم، وذلك لأنّ العلم الاجمالي حاصل قبل مراجعة الأخبار بالوجدان، بل أهل الأديان والملل الخارجة أيضا قاطعون بأنّ أهل الإسلام مكلّفون بتكاليف جاء بها نبيّهم من قبل اللّه تعالى، فالعلم الإجمالي ليس مقيّدا بخصوص ما في الكتب وما بأيدينا، فبمقتضى هذا العلم يجب الاحتياط في جميع المشتبهات.
ثمّ لا يقدح في هذا الدليل ثبوت الإجماع في الشبهة الوجوبيّة على البراءة وإن كان يقدح في الأدلّة اللفظيّة على تقدير وجوده فيها، حيث يوجب الإلجاء إلى أحد الأمرين من التقييد في المادّة أو التصرّف في الهيئة، وأمّا هنا فوجود الإجماع المذكور يصير مؤمّنا في أحد الأطراف وهو الشبهة الوجوبيّة، ومجرّد هذا لا يوجب أن يكون الطرف الآخر الخالي عن المؤمّن وهو الشبهة التحريميّة خارجا عن حكم العقل بوجوب الاحتياط.
لا يقال: سلّمنا حصول العلم قبل مراجعة الأخبار، ولكن يرتفع موضوعه بعد المراجعة، وذلك لأنّ لهذا العلم قدرا متيقّنا وهو عدد مخصوص، فإذا اطلعنا على هذا العدد من التكاليف في ضمن الأخبار ينحلّ علمنا الإجمالي إلى العلم التفصيلي بهذا القدر الذي اطلعنا عليه والشكّ البدوي في ما زاد عليه، فالزائد يصير مجرى للبراءة.
لأنّا نقول: لا شكّ في أنّ الأدلّة الشرعيّة لا يفيد القطع بكون مواردها حكما واقعيّا، بل هي مجرّد حجّة على مواردها، أ لا ترى أنّه لو علم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين ثمّ قام البيّنة على نجاسة هذا المعيّن منهما فهذه البيّنة لا تفيد القطع بأنّ هذا نجس واقعي، لاحتمال وجوده في الإناء الآخر، بل هي تكون حجّة على نجاسة هذا الإناء.
نعم لو كان هنا أحد أمرين انحلّ العلم، إمّا أن يكون العلم الإجمالي متعلّقا بنجاسة الواحد بشرط لا، وإمّا أن يكون مفاد البيّنة نجاسة هذا المعيّن لا غير، فإنّه على الأوّل يضمّ البيّنة إلى العلم ويصير المتحصّل بعد ذلك طهارة الإناء الآخر، وفي الثاني يحكم بطهارة الآخر بدليل حجيّة البيّنة، وأمّا لو لم يكن العلم متعلّقا بالواحد بشرط لا، ولا كان الحصر مفادا للبيّنة فلا تنافي بين قيام هذه الحجّة مع وجود العلم الإجمالي، غاية الأمر يكون العمل في مورد البيّنة واجبا على طبق حجّتين، إحداهما البيّنة والاخرى العلم.
والحاصل أنّه فرق بين العلم الوجداني التفصيلي في أحد الأطراف وبين قيام الطريق الشرعي في أحدها، سواء كان قبل العلم الإجمالي أم بعده، فإنّ العلم الوجداني مناف في العلم الإجمالي ويوجب انهدام بنيانه، فإنّ قوامه وهو الإجمال والترديد في المتعلّق يصير بعد العلم الوجداني زائلا، فلا يكون في النفس ترديد وإجمال بعده، بل ينقلب الإجمال إلى مفصّل ومشكوك، وهذا بخلاف الطريق، فإنّ العلم الإجمالي لا يحدث قدح في بيانه بقيام الطريق الشرعي أصلا؛ لأنّ الترديد والإجمال واحتمال أنّ هذا نجس، أو هذا مثلا، موجود معه في النفس، لما ذكرنا من عدم إفادة الطريق قطعا بالواقع وإنّما هو مجرّد حجّة شرعيّة، فالعلم الإجمالي بعد الأدلّة الشرعيّة باق موضوعا غير منحلّ.
نعم هذا كلام لا يتمشى بالنسبة إلى من قال من الأخباريين بأنّ مداليل الأخبار قطعيّة كما هو واضح.
والجواب عن هذا الاستدلال بأنّ دائرة العلم الإجمالي محدودة بخصوص ما بأيدينا من الأخبار قد علم دفعه من تقريب المستدلّ، فلا بدّ من التشبّث في الجواب بوجوه آخر، فنقول : يمكن الجواب بوجوه:
الأوّل:
إنّا سلّمنا أنّ الأخبار لا يفيد القطع ولا الانحصار، ولكن نقول: إنّ العلم الإجمالي ليس أثره إلّا حكم العقل بوجوب امتثال التكليف المعلوم إجمالا بمقدار المعلوم الإجمالي، فلو تعلّق العلم الإجمالي بوجود أربع أغنام موطوءة في قطيع فليس اقتضاء هذا العلم من المكلّف إلّا الاجتناب عن أربع أغنام موطوءة واقعيّة، وحينئذ فإذا قام الطريق الشرعي الثابت الحجيّة شرعا مثل البيّنة على موطوئيّة أربع معيّنة من هذا القطيع واجتنب المكلّف عن هذه الأربع بالخصوص فقد خرج عن عهدة التكليف المزبور وسقط حجّة المولى عنه، وذلك لأنّه قد تحقّق منه الاجتناب عن أربع أغنام موطوءة واقعيّة.
أمّا اجتنابه عن أربع أغنام فواضح، وأمّا كونها واقعيّة فلأنّه قضيّة إيجاب الشارع على المكلّف العمل بهذا الطريق بعنوان كونه طريقا إلى الواقع وأمره إيّاه بتصديق هذا الطريق وإلغاء احتمال الخلاف فيه، فإنّ معنى ذلك أنّ مؤدّى هذا الطريق يبنى الشارع على كونه واقعا وأوجب على المكلّف أيضا أن يبنى على كونه واقعا، ولا يخفى أنّه لا يلزم من هذا البيان التصويب، فإنّ هذا كلّه هو الكلام في مرحلة الامتثال مع محفوظيّة الواقعيات في محالّها وعدم تغيّرها عن حالها.
الوجه الثاني
أنّ العلم الإجمالي يصير منحلّا حقيقة بعد قيام الطرق الشرعيّة، وذلك لأنّه لو كان للمعلوم الإجمالي خصوصيّة وكانت هذه الخصوصيّة أجنبيّة عن الحكم الشرعي وكالحجر بالنسبة إليه، ثمّ حصل العلم التفصيلي الوجداني للمكلّف بذات المعلوم الإجمالي في أحد الأطراف بدون هذه الخصوصيّة بمعنى بقائه على الترديد بالنسبة إليها، فلا إشكال أنّه ينطبق المعلوم الإجمالي على هذا المعلوم التفصيلي قهرا.
مثاله: لو علم المكلّف بنجاسة خصوص إناء الزيد، وتردّد إناء الزيد عنده في إناءات عديدة، ثمّ حصل له العلم التفصيلي بنجاسة أحد هذه الإناءات معيّنا لا بعنوان أنّه إناء الزيد، فلا إشكال أنّ ما هو موضوع الحكم الشرعي أعني وجوب الاجتناب هو مجرّد الماء النجس، وأمّا القيد وهو كونه في إناء الزيد فلا دخل له في هذا الحكم أصلا، ولا إشكال أنّه بالنسبة إلى الماء النجس لا ترديد ولا إجمال في النفس.
نعم بالنسبة إلى القيد وهو إناء الزيد الترديد باق؛ إذ لا يعلم أنّه هذا الإناء أو هذا أو ذاك، لكنّه لا يرتبط بموضوع الحكم الشرعي ويكون كالحجر بالنسبة إليه.
ونظير هذا بعينه ما نحن فيه، فإنّ المكلّف لو علم بوجود النجس الواقعي مثلا في هذا الإناء أو في هذا، ثمّ قام البيّنة على وجوده تعبّدا في هذا المعيّن فلا إشكال في أنّ موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال والخروج عن العهدة إنّما هو أصل حكم اللّه، وأمّا خصوصيّة كونه مجعولا في الرتبة الاولى أو في الرتبة الثانية الذي هو عبارة اخرى عن كونه واقعيّا أم ظاهريا فهو أجنبيّ عن هذا الحكم، فإنّه لا فرق في حكم العقل بوجوب الامتثال بين كون الحكم من أحد هذين القسمين، فخصوصيّة الواقعيّة والظاهريّة غير مربوطة بمرحلة الامتثال أصلا، وإنّما المناط هو الجامع الذي يعبّر عنه في الفارسيّة ب «فرمان»، وفائدة هاتين الخصوصيتين لا يظهر في هذا المقام، بل في مقام الجواب عن إشكال ابن قبة المتقدّم تفصيله.
وحينئذ لا إشكال في أنّه بالنسبة إلى ما يكون المكلّف مبتلى به من نفس الحكم الإلهي لا ترديد ولا إجمال في النفس بعد قيام الطريق الشرعي، بل ينقلبان إلى مفصّل وهو مورد الطريق، ومشكوك وهو غيره، نعم بالنسبة إلى الخصوصيّة التي نسبته إلى ابتلاء المكلّف وحكم عقله يكون كنسبة الحجر إليه وهو خصوص الواقعي يكون الترديد والإجمال باقيين في النفس؛ لعدم العلم بوجود المجعول في الرتبة الاولى في هذا أو في هذا أو في ذاك.
فهذان وجهان يقال بهما في موارد الطرق الشرعيّة في قبال العلم الإجمالي لعدم وجوب الاحتياط في غير تلك الموارد من الأطراف، والوجه الأوّل ليس راجعا إلى الانحلال الحقيقي، بل مرجعه إلى إلزام المولى بما التزم، فإنّ معنى الحجّة أن يصحّ احتجاج العبد به على المولى، كما يصحّ احتجاج المولى به على العبد، فكما يصحّ أن يحتجّ المولى على العبد ويقول له: لم أكلت لحم الغنم الذي أخبرك البيّنة بموطوئيته؟ كذلك يصحّ أن يحتجّ العبد على المولى ويقول له: إنّ الواجب علىّ لم يكن إلّا اجتناب لحم الغنم الموطوءة، واجتنابي عن هذا الذي أخبر البيّنة بموطوئيته أيضا اجتناب عن الغنم الموطوءة، فالمولى يصير ملزما في الثاني كما يصير العبد ملزما في الأوّل.
فهذا نظير ما لو ضرب السلطان السكّة على الجلود، وجعل الجلد المسكوك في محلّ الليرة، فإنّ السلطان ملزم بأخذه من الرعيّة محتسبا له عوض الليرة، والرعيّة أيضا ملزمون بأخذه من السلطان عوضا لليرة، ولو رجع السلطان عن هذا الجعل ولم يأخذ الجلد في مقام الليرة رجع الرعيّة أيضا ولم يأخذوا منه، وبالجملة، فهذا الوجه ليس انحلالا في الحقيقة، وإنّما هو كون العمل بالطريق قائما مقام العمل الذي يكون على العهدة.
وأمّا الوجه الثاني فهو انحلال حقيقي، إذ بعد إلغاء الخصوصيّات التي لا دخل لها في موضوع حكم العقل أصلا ينحلّ العلم الإجمالي قطعا، فإنّ موضوع حكم العقل هو الواجب الإلهي بما هو واجب، والمحرّم الإلهي بما هو محرّم، لا بما هو واجب أو حرام واقعي أو ظاهري وإنّما الواقعي والظاهري اصطلاح أحدثناه لتصوير الجمع بين هذين القسمين من الحكم، وحينئذ فإذا علم إجمالا بواجبات ومحرّمات ثمّ قام الطرق الشرعيّة على تعيين جملة منها، قلنا: هذا واجب وهذا واجب وهذا واجب وهكذا، وهذا حرام وهذا حرام وهذا حرام وهكذا، فهذه الجملة معلومة، والباقي من الأطراف مشكوك، فهذان الوجهان إن لم يلزم على أحدهما إشكال أمكن البناء على صحّة كليهما معا.
ولكن يرد على أوّلهما إشكال وهو أنّه قد مرّ منّا في البحث المتقدّم عن العلم الإجمالي أنّ المبنى في العلم الإجمالي وجهان: الأوّل أن يكون قضيّته موافقة التكليف بمقدار المعلوم الإجمالي، والثاني أن يكون قضيّته ترك مخالفة التكليف بمقدار المعلوم الإجمالي.
فإن بنينا على الأوّل كان هذا الوجه صحيحا، إذ للعبد أن يقول للمولى: لم يكن علي إلّا موافقة فرد واحد من خطاب: لا تأكل لحم الغنم الموطوءة، واجتنابي عن لحم هذا الذي أخبر البيّنة بموطوئيّته أيضا موافقة لفرد واحد من هذا الخطاب بحكم حجيّة البيّنة.
وإن بنينا على الثاني فلا يستقيم هذا الوجه؛ لأنّ الواجب على العبد ترك مخالفة فرد واحد من خطاب «لا تأكل لحم الغنم الموطوءة» وهذا لا يحصل بالاقتصار على ترك أكل لحم الغنم التي أخبر البيّنة بموطوئيّتها؛ إذ لعلّ الغنم الموطوءة كان غيره، فكان أكله مخالفة لهذا الخطاب، وكان عقوبة المولى عليها صحيحة لمكان العلم الإجمالي، فلا بدّ من الاجتناب عن جميع أفراد القطيع حتّى يحصل العلم بترك المخالفة، وهذا الإشكال لا يجري على الوجه الثاني؛ إذ عليه يصير العلم معدوما بالمرّة ومنحلّا رأسا.
ولكن يرد على الوجه الثاني إشكال آخر وهو أنّ هذا الوجه وإن كان مستقيما في الشبهة الحكميّة سواء كان قيام الطريق قبل العلم الإجمالي أم مقارنا له أم بعده- أمّا صورة القبليّة والمقارنة فواضح، فإنّ قيام الطريق سبب لانحلال الإجمال ومانع عن تأثير العلم للتنجيز، وأمّا صورة البعديّة مثل ما لو علم إجمالا بوجوب واحد من الظهر أو الجمعة ثمّ حصل الاطّلاع بعد يوم أو يومين مثلا على خبر صحيح بتعيين الظهر فلأنّ الاطلاع على هذا الطريق وإن كان حاصلا في الزمان المتأخّر، إلّا أنّ حجيّته على المكلّف ثابتة من الأوّل، فإنّ المانع عن وصول المكلّف إليه تقصيره عن الفحص عنه، والحجّة التي المانع عن وصولها إلى المكلّف تقصيره في الفحص يكون حجّة على المكلّف قبل الفحص أيضا، وإذن فكان حصول العلم الإجمالي في الزمان المتقدّم مقارنا لوجود الحجّة في أحد الأطراف، فكان أصالة البراءة في هذا الزمان أيضا ساقطة من هذا الطرف في علم اللّه لمكان الحجّة، غاية الأمر لم يعلم بذلك المكلّف، فكان أصالة البراءة في الطرف الآخر جارية لعدم المعارضة بالمثل، وقد كان الحكم بالاحتياط في الأطراف لأجل سقوط الأصل عنها بالمعارضة، فحيث لا معارضة فلا احتياط- ولكنّه لا يستقيم في الشبهة الموضوعيّة في صورة تأخّر قيام الحجّة عن حصول العلم الإجمالي.
كما لو علم إجمالا بوجود موطوء واحد في قطيع غنم ثمّ شهدت البيّنة بعد يوم أو يومين مثلا بموطوئيّة المعيّن من هذا القطيع، لا بمعنى حصول علم المكلّف بوجود البيّنة في الزمان المتأخّر مع وجودها في ما تقدّم، بل بمعنى كون أصل حدوث الشهادة في الزمان المتأخّر، فإنّه حينئذ وإن كان هذه الحجّة حاكية عن كون هذا المعين موطوء من الزمان المتقدّم الشامل لزمان حصول العلم أيضا، ولكنّها لا تفيد القطع بهذا المعنى، وإنّما الثابت هو مجرّد الحجيّة، وليس من أثرها أيضا إسراء الحجيّة إلى الزمان السابق المقارن لزمان العلم؛ إذ لا يعقل تأثيرها في ما قبل.
وإذن ففي زمان حصول العلم كان العلم ولم يكن حجّة معه في شيء من الأطراف بحسب الواقع وفي علم اللّه تعالى، ومن المعلوم أنّ مثل هذا العلم يكون مؤثّرا للتنجيز، فبعد ذلك إذا قام الطريق المعتبر فما الموجب لرفع اليد عن التنجيز السابق في غير مورد الطريق من سائر الأطراف؟ وهل هذا إلّا من قبيل ما لو خرج أحد الأطراف بعد حصول العلم عن محلّ الابتلاء مع كون الجميع داخلا فيه في حال حصوله، حيث أفتى الاصوليون بأنّ التنجيز السابق بالنسبة إلى غير الخارج عن محلّ الابتلاء باق بحاله، ولا يعود الأصل الساقط في هذا الغير بسبب معارضة الأصل الجاري في الطرف الخارج قبل خروجه، فبعد خروجه وموت أصله لا يعود أصل الغير ولا يصير حيّا لموت معارضه، بل الساقط في زمان يكون ساقطا إلى يوم القيامة.
وكذلك لو طرأ الاضطرار إلى أحد الأطراف بعد حصول العلم مع عدم كون واحد منها مضطرّا إليه حال حصوله، فقد حكموا بأن التنجيز السابق باق بحاله بالنسبة إلى الطرف الغير المضطرّ إليه، فهذا إشكال يرد بناء على هذا الوجه على نفس الاصوليين في هذه الصورة من الشبهة الموضوعيّة، حيث إنّ مقتضى فتاواهم عدم الانحلال في هذه الصورة ووجوب الاحتياط، ومقتضى هذا الوجه هو الانحلال وعدم وجوب الاحتياط بعد الفراغ عن جواب الأخباريين به في الشبهة الحكميّة، فلا بدّ إمّا من اختيار جواب ثالث يصحّح به عدم وجوب الاحتياط في سائر الأطراف في هذه الصورة أيضا، وإمّا من البقاء على هذا الوجه الثاني مع الالتزام بوجوب الاحتياط في هذه الصورة.
وهذا الإشكال غير وارد على الوجه الأوّل، فإنّ همّ العبد عليه لا يتوجّه إلى الانحلال، بل إلى جواب المولى، وهو هنا ممكن؛ إذ له أن يقول في جواب المولى: إنّ الواجب عليّ كان هو الاجتناب عن الغنم الموطوءة من قبل، وهذه الغنم التي تركت أكلها أيضا موطوءة من قبل بحكم شهادة البيّنة.
وحاصل الوجه الأخير أن يقال: إنّ العلم الإجمالي وإن كان متعلّقا بالأحكام الواقعيّة من الإيجابات والتحريمات الواقعيّة المتعلّقة بالوقائع المشتبهة، ولكن ملاك حكم العقل في باب الإطاعة ووجوب الامتثال إنّما هو العلم بنفس حكم اللّه تعالى، وقيد كونه مجعولا في الرتبة الاولى ملغى وكالحجر، وحاله حال خصوصيّة إناء الزيد في المثال المتقدّم، فإذا قام طريق حجّة شرعا على أنّ هذا وهذا وهذا واجب، وهذا وهذا وهذا حرام وهكذا إلى أن يبلغ عدد المعلوم بالإجمال، فحينئذ وإن كان لا يحصل العلم بالوجوب والحرمة الواقعيّتين في تلك الموارد، ولكن نعلم بالوجوب والحرمة الظاهريتين، فمطلق حكم اللّه معلوم في تلك الموارد مفصّلا، ومشكوك في سائر الموارد.
فإن قلت: هذا في ما إذا كان العلم التفصيلي الحاصل من قيام الطريق بمطلق حكم اللّه حاصلا قبل العلم الإجمالي أو مقارنا له، حسن تام؛ فإنّ الإجمال والترديد لا ينعقد في النفس في متعلّق العلم الإجمالي من زمان حصول العلم مع الالتفات إلى هذا العلم التفصيلى، فلا يتحقّق سبب التنجيز في الأطراف الخالية عن الطريق من زمان حصول العلم، ففي صورة قيام البيّنة على نجاسة المعيّن من الإنائين سابقا على العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما أو مقارنا لا يحصل في النفس العلم بأنّ مطلق النجس أعمّ من الظاهري والواقعي إمّا موجود في هذا أو في ذاك، بل الموجود في النفس هو أنّ هذا المعيّن نجس مفصّلا، وذاك مشكوك الحال وأمّا لو كان العلم التفصيلي المذكور حاصلا بعد العلم الإجمالي، فالعلم الإجمالي قد جاء وأثّر أثره الذي هو التنجيز في جميع الأطراف، فما الذي جاء بعده ورفع هذا التنجيز الجائي من السابق عن الطرف الخالي عن الطريق، فإنّ هذا من قبيل ما لو طرأ الاضطرار أو الخروج عن محلّ الابتلاء على أحد الأطراف بعد العلم الإجمالي، فإنّ هذا أيضا موجب لزوال صورة الإجمال والترديد عن النفس، ومع ذلك لا يرتفع التنجيز عن الطرف الآخر.
قلت: إن بنينا في الجواب عن العلم الإجمالي على الوجه الأوّل فنحن في فسحة عن هذا الإشكال، فإنّ المولى لا يطلب من العبد بعد العلم الإجمالي إلّا الاجتناب عن الحرام الواقعي الموجود في الأطراف من السابق والإتيان بالواجب الواقعي الموجود فيها من السابق، وهذا الذي قام الطريق على حرمته أو وجوبه أيضا حرام موجود في الأطراف من السابق أو واجب كذلك؛ فإنّ مفاد الطريق هو الحرمة من السابق والوجوب كذلك، وكونه واقعيّا مقتضى لسان حجيّة هذا الطريق وإلغاء الخلاف عنه.
وإن بنينا على الوجه الثاني فلنا في التفصّي عن الإشكال في الشبهة الحكمية طريقان:
الأوّل: التمسّك في رفع التنجيز عن الطرف الخالي عن الطريق بالأصل الشرعي وهو البراءة الشرعيّة، وبيانه أن يقال: إنّ الاطّلاع على الطريق وإن كان متأخّرا إلّا أنّه كان حجّة على المكلّف من السابق، فإنّه كان خبرا صحيحا مثلا مدوّنا في الكتب، وكان سبب عدم اطّلاع المكلّف عنه تقصيره في الفحص، فكان الطرف الذي قام عليه الطريق غير محلّ للبراءة من زمان حصول العلم، بل وقبله، فكان عدله محلا لها؛ فإنّ وجه عدم الأخذ بالبراءة الشرعيّة في أطراف العلم الإجمالي مع الجهل بحكم كلّ واحد منها شخصا هو لزوم المخالفة القطعيّة من الأخذ بها في الجميع، ولزوم الترجيح بلا مرجّح من الأخذ بها في واحد دون واحد، وأمّا إذا لم يكن البراءة في أحد الأطراف جارية لوجود الحجّة فيه فلا مانع من الأخذ بها في الطرف الآخر، لسلامته من المحذورين.
والثاني: هو التمسّك في رفع التنجيز عن الطرف الآخر بالبراءة العقليّة، وبيانه أن يقال: لا يشترط في بقاء التنجيز الذي هو أثر العلم الإجمالي في الأزمنة المتأخّرة بقاء الإجمال والترديد في النفس في كلّ واحد واحد من الأزمنة المتأخّرة، فلو وقع قطرة دم على معيّن من الإنائين الذين علم بنجاسة أحدهما فحينئذ وإن كان صورة الإجمال زائلة عن النفس بالفعل بمعنى أنّه لا يجد الإنسان في نفسه في هذا الحال العلم بأنّ النجس إمّا هذا وإمّا ذاك، بل يجد فيها العلم بنجاسة المعيّن مفصّلا والشكّ في الآخر، إلّا أنّ التنجيز بمجرّد ذلك لا يرتفع عن الإناء الآخر، بل يشترط في بقاء التنجيز في الأزمنة المتأخّرة أنّ المكلّف في كلّ واحد واحد من الأزمنة المتأخّرة كان بحيث لو لاحظ الزمان السابق وجد في نفسه الإجمال والترديد فعلا بلحاظ الزمان السابق، كما في مثال وقوع القطرة، فإنّ صورة الإجمال بالنسبة إلى ما قبل وقوعها محفوظة في النفس، بمعنى أنّ المكلّف لو لاحظ ما قبل وقوع القطرة وجد فعلا في نفسه العلم بأنّ النجس كان في ذاك الزمان إمّا هذا وإمّا هذا.
فلو حدث للمكلّف حالة انهدم بسببها بنيان الإجمال من أوّل زمان حصوله بأن يسري الشكّ والتفصيل من الزمان المتأخّر إلى الزمان المتقدّم ارتفع التنجيز عن الطرف الآخر في الزمان المتأخّر، فلو كان العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين حاصلا في يوم السبت، وكان العلم التفصيلي بنجاسة المعيّن منهما في هذا اليوم حاصلا في يوم الأحد فالمكلّف في يوم الأحد لا يجد في نفسه إذا لاحظ يوم السبت العلم بأنّ النجس إمّا هذا وإمّا هذا، بل يجد في يوم الأحد بالنسبة إلى يوم السبت في نفسه أنّ هذا كان نجسا وذاك مشكوك الحال، فلا يجب الاجتناب عن الإناء الآخر في يوم الأحد وما بعده.
فنقول: ما نحن فيه من هذا القبيل، بمعنى أنّ الشكّ والتفصيل يسريان من الزمان المتأخّر وهو ما بعد قيام الطريق إلى الزمان المتقدّم وهو زمان حصول العلم، وذلك لأنّ مفاد الطريق هو الحرمة في جميع الأزمان، والوجوب كذلك، والمفروض أنّ الطريق حجّة على المكلّف في جميع الأزمان، فلهذا لو لاحظ المكلّف بعد قيام الطريق زمان حصول العلم لا يجد فعلا في نفسه العلم بأنّه إمّا هذا واجب وإمّا هذا، وإمّا هذا حرام وإمّا هذا، بل الموجود فعلا بلحاظ ذاك الزمان أنّ هذا واجب مفصّلا وذاك مشكوك الحال، وبذلك يرتفع التنجيز عن الأطراف الخالية عن الطريق بعد قيام الطريق، لانتفاء شرط التنجيز فيها.
هذا كلّه هو الكلام في الشبهة الحكميّة، وأمّا الشبهة الموضوعيّة فلا محيص عن الإشكال فيها إن بنينا على الوجه الثاني، لأنّ المفروض أنّ موضوع الحجّة كالبيّنة القائمة على نجاسة المعيّن من الإنائين بعد العلم إجمالا بنجاسة أحدهما متأخّر عن العلم، ولا يكون مؤثّرا في الحجيّة من السابق أيضا، فالحجّة متأخّرة عن العلم موضوعا وحكما، فلم يبق وجه لانحلال العلم الإجمالي إذا لوحظ بعد قيام البيّنة زمان حصول العلم إلّا لسان حجيّة البيّنة، وهو أيضا قاصر عن إفادة ذلك، فإنّ غاية ما يلزم منه هو التعبّد والالتزام بآثار النجاسة السابقة لو كان لها آثار في اللاحق، والتعبّد على النجاسة السابقة بحسب العمل الخارجي لا ربط له بعالم الوجدان، ولا يزول بسببه صورة الإجمال عن النفس، فإذا لوحظ الزمان المتقدّم على قيام البيّنة يوجد في النفس أنّ مطلق النجس إمّا كان في هذا، وإمّا في ذاك وإن كنّا ملتزمين بحسب لسان الحجيّة في مقام ترتيب الآثار على نجاسة هذا المعيّن من السابق.
و يمكن رفع غائلة الإشكال عن الشبهة الموضوعيّة أيضا بالبناء في الجواب عن العلم الإجمالي على
وجه ثالث، وبيانه موقوف على تمهيد مقدّمتين:
الاولى: أنّ ملاك حكم العقل في باب الإطاعة ووجوب الامتثال لا يكون العلم بالحكم الواقعي بما هو علم وكشف تام مانع عن النقيض، بل بما هو الجامع بين الكشف التامّ وبين الحجيّة المجعولة، وهو عبارة عمّا يصحّ الاحتجاج به للمولى وبه للعبد، وبعبارة اخرى عذر للمولى في ما أصاب وعذر للعبد في ما أخطأ، فهذا مدار حكم العقل في باب الامتثال، لا خصوص الكشف التام، غاية الأمر أنّ الكشف التامّ فرد أكمل لهذا الجامع، ولا يحتاج إلى الجعل، والكشف الناقص فرد غير أكمل ويحتاج إلى الجعل، ولكنّه بعد الجعل يصير فردا حقيقيّا لهذا المعنى الذي هو مدار حكم العقل.
وبالجملة، المقدّمة الاولى إلغاء خصوصيّة الكشف التاميّة في موضوع حكم العقل، ونظير ذلك ما قلنا في أوائل مبحث القطع من أخذ القطع في موضوع الشرع على وجه الطريقيّة لا الموضوعيّة، ثمّ بعد إلغاء هذه الخصوصيّة عن العلم لا حاجة إلى إلغاء خصوصيّة الواقعيّة عن متعلّقه أعني الحكم، بل يحصل المطلوب مع حفظها، فنقول: مناط حكم العقل هو قيام الحجّة من المنجعلة أو المجعولة على الحكم الواقعي.
المقدّمة الثانية: أنّه كما ذكرنا آنفا في العلم الإجمالي أنّ شرط بقاء تنجيزه في الأزمنة المتأخّرة بقاء احتمال متعلّقه في كلّ من الأزمنة المتأخّرة متى لوحظ فيها الزمان المتقدّم، كذلك نقول عين هذا الكلام بناء على هذا في الحجّة الإجماليّة، فنقول:
يشترط في بقاء التنجيز الذي هو الأثر للحجّة الإجماليّة في الأزمنة المتأخّرة بقاء الإجمال في متعلّقها في كلّ واحد واحد من الأزمنة المتأخّرة لو لوحظ فيها الحال بالنسبة إلى الزمان المتقدّم، فلو سرى الشكّ والتفصيل في الزمان المتأخّر إلى الزمان المتقدّم ارتفع التنجيز عن الطرف الآخر.
وحينئذ فنقول: هذا التقريب يتمّ في الشبهة الموضوعيّة أيضا وينحسم به مادّة الإشكال بالمرّة، فإنّه حينئذ يقال: كما لو قام البيّنة على نجاسة المعيّن من الإنائين ثمّ حصل العلم بنجاسة أحدهما كان ذلك موجبا للانحلال بلا إشكال بالنسبة إلى أصل الحجّة الذي هو الجامع بين العلم والحجّة المجعولة، إذ هذا الجامع كان قائما في هذا المعيّن مفصّلا ومشخّصا ومتحقّقا في ضمن هذا الخاصّ الذي هو البيّنة، فإذا حصل العلم الذي هو فرد آخر له بنجاسة أحدهما إجمالا يمنع البيّنة المتقدّمة على التفصيل من حصول الإجمال في متعلّق هذا الجامع، بل ينطبق الجامع في الإجماع على الجامع في التفصيل، بمعنى أنّ قيام هذا المعنى الجامع في هذا الإناء المعيّن مشخّصا مانع من قيامه على هذا أو هذا.
فكذلك الكلام بعينه في صورة العكس أعني قيام البيّنة على نجاسة المعيّن من السابق بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما، فإنّه يقال حينئذ: قام الحجّة من الأوّل على هذا أو هذا، وقام في الثاني على هذا مشخّصا من الأوّل، ولم يقم على ذلك مشخّصا من الأوّل.
وبالجملة، الحال في صورة العكس هو الحال بعينه في صورة العلم التفصيلي الحاصل بعد العلم الإجمالي، كما لو علم إجمالا في يوم السبت على نجاسة هذا أو هذا، ثمّ علم تفصيلا في يوم الأحد نجاسة هذا في يوم السبت وشكّ في حال الآخر، فإنّ هذا يوجب بلا إشكال أنّه متى لوحظ الحال بالنسبة إلى السبت في يوم الأحد لم يوجد الإجمال في النفس، فلا يمكن أن يقال: إنّي أعلم أنّ في السبت إمّا كان هذا نجسا وإمّا ذاك.
وفي ما نحن فيه أيضا لو علم في السبت بنجاسة هذا أو هذا، ثمّ قام البيّنة في يوم الأحد على نجاسة هذا معيّنا من يوم السبت، فالمكلّف إذا لاحظ يوم السبت لا يمكنه أن يقول: الحجّة قائمة على هذا أو هذا، بل يقول: هي قائمة على هذا مشخّصا، وليست بقائمة على ذاك مشخّصا، فتأمّل في هذا المقام لعلّك تظفر بحقيقة المرام إن شاء اللّه الملك العلّام.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا ثلاثة أجوبة من التمسّك بالعلم الإجمالي بالواقعيّات دون خصوص ما بأيدينا:
أحدها: الانحلال التعبّدي بأن يكون العمل بما قام عليه الطريق قائما مقام العمل المعلوم بالإجمال، وذكرنا أنّ هذا وإن كان جاريا في كلّ مقام، لكن صحّته مبتنية على البناء على اقتضاء العلم الإجمالي للموافقة، والمختار أنّ اقتضائه ترك المخالفة، ومعه لا يتمّ هذا أصلا.
وثانيها: الانحلال الحقيقي بالغاء خصوصيّة الواقعيّة في الحكم في موضوع حكم العقل، وقد عرفت حصول الجواب به من تمسّك الأخباري بالعلم الإجمالي، ولكن لا محيص عن الإشكال معه في الشبهة الموضوعيّة.
وثالثها: الانحلال الحقيقي أيضا، لكن بإلغاء خصوصيّة الكشف التام في موضوع حكم العقل وإن كانت خصوصيّة الواقعيّة في الحكم محفوظة، وقد عرفت أنّه مع حصول الجواب عن الأخباري به ينحسم مادّة الإشكال بسببه في الشبهة الموضوعيّة أيضا.
هذا حاصل الكلام في الوجوه التي تمسّك بها الأخباريّون في قبال تمسّك الاصوليين بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وقد عرفت عدم نهوض شيء منها للورود على هذه القاعدة، وللبيانيّة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|