المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

الصورة والمونتاج
12-1-2022
مراحل حياة الإمام الهادي ( عليه السّلام )
2023-04-12
مفهوم انتقال الحرارة بالإشعاع عند الكندي (القرن 3هـ/9م)
2023-04-25
البداء وإرادة الله تعالى
4-2-2020
تحدد طبيعة الرأي العام أربعة ابعاد رئيسية
10-7-2019
خطة الاخراج
11-7-2020


تفسير الآية (9-16) من سورة الزمر  
  
3754   05:41 مساءً   التاريخ: 27-4-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الزاي / سورة الزمر /

قال تعالى : {أَمَّنْ هُو قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُو الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر : 9 ، 16]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

{أمن هو قانت} أي : أ هذا الذي ذكرناه خير أم من هو دائم على الطاعة عن ابن عباس والسدي وقيل على قراءة القرآن وقيام الليل عن ابن عمر وقيل يعني صلاة الليل عن أبي جعفر (عليه السلام) .

{آناء الليل} أي ساعات الليل {ساجدا وقائما} يسجد تارة في الصلاة ويقوم أخرى {يحذر الآخرة} أي عذاب الآخرة {ويرجوا رحمة ربه} أي يتردد بين الخوف والرجاء أي ليسا سواء وهو قوله {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} أي لا يستوي الذين يعلمون ما وعد الله من الثواب والعقاب والذين لا يعلمون ذلك {إنما يتذكر أولو الألباب} أي إنما يتعظ ذوو العقول من المؤمنين وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا أولو الألباب .

{قل} يا محمد لهم {يا عباد الذين آمنوا} أي صدقوا بتوحيد الله تعالى {اتقوا ربكم} أي عقاب ربكم باجتناب معاصيه وتم الكلام ثم قال {للذين أحسنوا} أي فعلوا الأعمال الحسنة وأحسنوا إلى غيرهم {في هذه الدنيا حسنة} أي لهم على ذلك في هذه الدنيا حسنة أي ثناء حسن وذكر جميل ومدح وشكر وصحة وسلامة عن السدي وقيل معناه للذين أحسنوا العمل في هذه الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة وهو الخلود في الجنة {وأرض الله واسعة} هذا حث لهم على الهجرة من مكة عن ابن عباس أي لا عذر لأحد في ترك طاعة الله فإن لم يتمكن منها في أرض فليتحول إلى أخرى يتمكن منها فيها كقوله أ لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها وقيل معناه وأرض الله الجنة واسعة فاطلبوها بالأعمال الصالحة عن مقاتل وأبي مسلم .

{إنما يوفى الصابرون أجرهم} أي ثوابهم على طاعاتهم وصبرهم على شدائد الدنيا {بغير حساب} لكثرته لا يمكن عده وحسابه وروى العياشي بالإسناد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان ثم تلا هذه الآية {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} .

 

 ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {قل} يا محمد لهؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم {إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} أي موحدا له لا أعبد معه سواه والعبادة الخالصة هي التي لا يشوبها شيء من المعاصي {وأمرت} أيضا {لأن أكون أول المسلمين} فيكون لي فضل السبق وثوابه {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} أي عذاب يوم القيامة {قل} لهم {الله أعبد مخلصا له ديني} وطاعتي {فاعبدوا} أنتم معاشر الكفار {ما شئتم من دونه} من الأصنام وهذا على وجه التهديد لهم بذلك .

{قل} لهم {إن الخاسرين} في الحقيقة هم {الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} فلا ينتفعون بأنفسهم ولا يجدون في النار أهلا كما كان لهم في الدنيا أهل فقد فاتتهم المنفعة بأنفسهم وأهليهم عن مجاهد وابن زيد وقيل خسروا أنفسهم بأن قذفوها بين أطباق الجحيم وخسروا أهليهم الذين أعدوا لهم في جنة النعيم عن الحسن قال ابن عباس إن الله تعالى جعل لكل إنسان في الجنة منزلا وأهلا فمن عمل بطاعته كان له ذلك ومن عصاه صار إلى النار ودفع منزله وأهله إلى من أطاع فذلك قوله {أولئك هم الوارثون} .

 {ألا ذلك هو الخسران المبين} أي البين الظاهر الذي لا يخفى {لهم من فوقهم ظلل من النار} أي سرادقات وأطباق من النار ودخانها نعوذ بالله منها {ومن تحتهم ظلل} أي فرش ومهد وقيل إنما سمي ما تحتهم من النار ظللا لأنها ظلل لمن تحتهم إذ النار أدراك وهم بين أطباقها وقيل إنما أجري اسم الظلل على قطع النار على سبيل التوسع والمجاز لأنها في مقابلة ما لأهل الجنة من الظلل والمراد أن النار تحيط بجوانبهم .

{ذلك يخوف الله به عباده} أي ذلك الذي وصف من العذاب يخوف الله به عباده ورحمة لهم ليتقوا عذابه بامتثال أوامره ثم أمرهم بالاتقاء فقال {يا عباد فاتقون} فقد أنذرتكم وألزمتكم الحجة وإنما حذف الياء في الموضعين لأن الكسرة تدل عليها .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص388-391 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) 

 

حتى الأنبياء يفعلون رغبة ورهبة :

{أَمَّنْ هُو قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وقائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ ويَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} .

بعد أن ذكر سبحانه من يؤمن عند الضراء ، ويكفر عند السراء عقبه بقوله :

ليس سواء عند اللَّه هذا الذي يؤمن في الشدة دون الرخاء ، ومن يعبد اللَّه في جميع حالاته ، ولا تزيده النعمة إلا ايمانا وشكرا وسجودا وركوعا في ظلمة الليل والناس نيام ، ولا يفعل شيئا إلا رغبة في ثواب اللَّه ورهبة من عذابه .

وفي الآية إيماء إلى أن الإنسان لا ينقاد إلا بدافع الرغبة والرهبة تقيا كان أم شقيا ، والفرق ان الشقي يفعل ويترك رغبة في زينة الدنيا وحلاوتها أو رهبة من همها ومرارتها ، أما التقي فإنه يفعل ويترك رغبة في حرث الآخرة ونعيمها ، ورهبة من عذابها وجحيمها ، وهذا ينطبق حتى على الأنبياء المعصومين الذين وصفهم اللَّه بقوله : {ويَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً} - 90 الأنبياء ج 5 ص 296 .

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ} .

ليس المراد بالعلماء هنا الذين حفظوا الشروح والمتون ، ولا الذين اكتشفوا قوى الطبيعة ، واخترعوا العقول الإلكترونية والصواريخ عابرة القارات ، وغزوا الفضاء وصعدوا إلى القمر أو المريخ . . كلا ، انما المراد بهم العاملون لخير الإنسانية جمعاء ، وتحرير المعذبين في الأرض وخلاص الناس من البؤس والشقاء ، أما العلماء اللامبالون أو الذين باعوا دينهم وأنفسهم للأبالسة والشياطين ، لجلادي الشعوب ، فاخترعوا لهم الأسلحة الجهنمية ، أما هؤلاء فهم كالأنعام بل أضل سبيلا . . ولا يدرك هذه الحقيقة إلا أولو العقول والأبصار .

{قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} . لأن الايمان بلا تقوى والعمل الصالح لا يجدي نفعا ، ومن أجل هذا ذهب جمع من العلماء إلى أن العمل الصالح جزء من الايمان الحق {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ} . هذا كلام مستأنف ومنقطع عن سابقه ، ومعناه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره {وأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ} .

فمن ضاق عليه بلده وعجز عن القيام فيه بواجبه الديني أو الدنيوي فليهاجر إلى غيره ، وتقدم مثله في الآية 97 من سورة النساء ج 2 ص 419 .

{إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} أي الصابرون على الشدائد صبر الأحرار الذين يرتفعون فوق الأحداث ، ويرفضون الاستسلام للفقر والذل ، أما الذين يخضعون للأقوياء ويجبنون أمام الطغاة فهم الذين خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهً مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} . أبدا لا فرق بين النبي وغيره . . انه عبد مأمور بالإخلاص للَّه في جميع أقواله وأفعاله كأي إنسان {وأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} دعا الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) إلى الإسلام بعد ان سبق الناس إليه لأنه منسجم مع نفسه يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل .

{قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} . محمد (صلى الله عليه واله وسلم) يخاف اللَّه لأنه لا براءة معه من اللَّه ، ولا حجة له عليه ، بل للَّه الحجة على محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وعلى جميع خلقه . . وأعظم ما في محمد انه مطيع للَّه مخلص له في العبودية سابق إلى الخيرات يتلقى الوحي من ربه ويؤديه على وجهه : {قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} - 9 الأحقاف .

{قُلِ اللَّهً أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} مرة ثانية يؤكد محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بأمر اللَّه انه عبد مأمور . قال المستشرق الانكليزي (هاملتون جب) الأستاذ في جامعة اكسفورد في كتاب (دراسات في حضارة الإسلام) ، قال : {يرفض القرآن فكرة الوساطة بين اللَّه والإنسان . . ويضع الإنسان أمام خالقه دون عناصر وسائطية روحية أو شخصية) . وهذه هي الميزة الكبرى للإسلام على جميع الأديان .

{فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} . هذا أبلغ أسلوب يعبر عن غضب اللَّه وتهديد من اتخذ معبودا من دونه {قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُو الْخُسْرانُ الْمُبِينُ} . خسروا أنفسهم لأنهم إلى جهنم وبئس المصير ، وخسروا أهليهم لأن المشرك منهم هالك ، والمؤمن عدو لمن أشرك في الدنيا والآخرة {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ومِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} . أي ان عذاب الحريق أطبق عليهم من كل جانب .

{ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ} . بيّن لهم سبحانه عذاب الآخرة وشدته ليبتعدوا في الدنيا عن أسبابه بالطاعة والإخلاص ، وإلا فإنهم ذائقوه لا محالة .

وقال قائل : ان الجنة هي اللذة الروحية : والنار الألم النفسي ، وان كل ما جاء في القرآن من أوصافهما الحسية فإنما هو ألوان من ضرب الأمثال والتقريب إلى الأذهان حيث لا أمنية للبدوي إلا أن يحظى بالعسل واللبن والخمر والحور العين ، واستدل هذا القائل بقوله تعالى : {ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ} لأن معناه في مفهومه ان اللَّه ذكر ألفاظ العذاب لمجرد التخويف ولا حقيقة لدلالة هذه الألفاظ ولا واقع لمداليلها (2) .

ونجيب بأن كل لفظ ورد في كتاب اللَّه وسنّة نبيه يجب العمل بظاهره إلا أن يرفضه العقل ، وعندئذ نصرفه إلى معنى مجازي يتحمله اللفظ ، ولا يأباه العقل ، ولا شيء من أوصاف الجنة والنار التي ذكرها القرآن يتنافى مع العقل ، وعليه يجب إبقاء اللفظ على ظاهره ، ولا مبرر للتأويل ، أما قوله تعالى : {ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ} فمعناه انه يبين لهم الحقيقة والواقع ليحتاطوا منه ويبتعدوا عن الأسباب المؤدية إليه والذي يفرض إرادة هذا المعنى نفس الآيات التي ذكرت أوصاف النار وشدائدها {إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} - 64 ص .

أما القول بأن رحمة اللَّه لا تتفق مع عذاب هذا الإنسان المسكين الذي لا يساوي

ذرة أو هباء ، عذاب هذا الضعيف بنار لها كلب ولجب ، أما هذا القول فجوابه ان اللَّه سبحانه أعد العذاب الشديد الأليم للذين يفسدون في الأرض ، ويسفكون الدماء ، ويستعبدون الشعوب ، ويدمرون الحياة بالأسلحة الجهنمية ، ويقتلون الألوف في دقائق معدودات . . وجهنم بجميع أوصافها القرآنية هي أقل وأدنى جزاء لهؤلاء ، وهي عين العدل بل والرحمة أيضا ، وسلام على من قال : (لا يشغله تعالى غضب عن رحمة ، ولا تلهيه رحمة عن عقاب) . أنظر ج 5 ص 459 فقرة (جهنم والأسلحة الجهنمية) .

________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص399-402 .

2- هذا القول قديم جدا ، وهو متروك ، ولكن مصطفى محمود أراد أن يحييه بمقال نشره في مجلة (صباح الخير)عدد 22 - 1 - 1970 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

قوله تعالى : {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه} الآية لا تخلو عن مناسبة واتصال بقوله السابق : {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فإن فحواه أن الكافر والشاكر لا يستويان ولا يختلطان فأوضح ذلك في هذه الآية بأن القانت الذي يخاف العذاب ويرجو رحمة لا يساوي غيره .

فقوله : {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه} أحد شقي الترديد محذوف والتقدير أ هذا الذي ذكرناه خير أم من هو قانت إلخ؟ .

والقنوت - على ما ذكره الراغب - لزوم الطاعة مع الخضوع ، والآناء جمع أنى وهو الوقت ، و{يحذر الآخرة} أي عذاب الله في الآخرة قال تعالى : {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } [الإسراء : 57] ، وقوله : {يرجوا رحمة ربه} هو وما قبله يجمعان خوف العذاب ورجاء الرحمة ، ولم يقيد الرحمة بالآخرة فإن رحمة الآخرة ربما وسعت الدنيا .

والمعنى أ هذا الكافر الذي هومن أصحاب النار خير أم من هو لازم للطاعة والخضوع لربه في أوقات الليل إذا جن عليه ساجدا في صلاته تارة قائما فيها أخرى يحذر عذاب الآخرة ويرجو رحمة ربه؟ أي لا يستويان .

وقوله : {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} العلم وعدمه مطلقان لكن المراد بهما بحسب ما ينطبق على مورد الآية العلم بالله وعدمه فإن ذلك هو الذي يكمل به الإنسان وينتفع بحقيقة معنى الكلمة ويتضرر بعدمه ، وغيره من العلم كالمال ينتفع به في الحياة الدنيا ويفنى بفنائها .

وقوله : {إنما يتذكر أولوا الألباب} أي ذوو العقول وهو في مقام التعليل لعدم تساوي الفريقين بأن أحد الفريقين يتذكر حقائق الأمور دون الفريق الآخر فلا يستويان بل يترجح الذين يعلمون على غيرهم .

قوله تعالى : {قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} إلى آخر الآية ، الجار والمجرور {في هذه الدنيا} متعلق بقوله : {أحسنوا} فالمراد بالجملة وعد الذين أحسنوا أي لزموا الأعمال الحسنة أن لهم حسنة لا يقدر وصفها بقدر .

وقد أطلق الحسنة فلم يقيدها بدنيا أو آخرة وظاهرها ما يعلم الدنيا فللمؤمنين المحسنين في هذه الدنيا طيب النفس وسلامة الروح وصون النفوس عما يتقلب فيه الكفار من تشوش البال وتقسم القلب وغل الصدر والخضوع للأسباب الظاهرية وفقد من يرجى في كل نائبة وينصر عند طروق الطارقة ويطمأن إليه في كل نازلة وفي الآخرة سعادة دائمة ونعيم مقيم .

وقيل : {في هذه الدنيا} متعلق بحسنة .

وليس بذاك .

وقوله : {وأرض الله واسعة} حث وترغيب لهم في الهجرة من مكة إذ كان التوقف فيها صعبا على المؤمنين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمشركون يزيدون كل يوم في التشديد عليهم وفتنتهم ، والآية بحسب لفظها عامة .

وقيل : المراد بأرض الله الجنة أي إن الجنة واسعة لا تزاحم فيها فاكتسبوها بالطاعة والعبادة .

وهو بعيد .

وقوله : {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} توفية الأجر إعطاؤه تاما كاملا ، والسياق يفيد أن القصر في الكلام متوجه إلى قوله : {بغير حساب} فالجار والمجرور متعلق بقوله : {يوفى} صفة لمصدر يدل عليه والمعنى لا يعطى الصابرون أجرهم إلا إعطاء بغير حساب ، فالصابرون لا يحاسبون على أعمالهم ولا ينشر لهم ديوان ولا يقدر أجرهم بزنة عملهم .

وقد أطلق الصابرون في الآية ولم يقيد بكون الصبر على الطاعة أوعن المعصية أو عند المصيبة وإن كان الذي ينطبق على مورد الآية هو الصبر على مصائب الدنيا وخاصة ما يصيب من جهة أهل الكفر والسوق من آمن بالله وأخلص له دينه واتقاه .

وقيل : {بغير حساب} حال من {أجرهم} ويفيد كثرة الأجر الذي يوفونه ، والوجه السابق أقرب .

وقوله تعالى : {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر : 11 - 16] .

في الآيات نوع رجوع إلى أول الكلام وأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلغهم أن الذي يدعوهم إليه من التوحيد وإخلاص الدين لله هو مأمور به كأحدهم ويزيد أنه مأمور أن يكون أول مسلم لما يدعو إليه أي يكون بحيث يدعو إلى ما قد أسلم له وآمن به قبل ، سواء أجابوا إلى دعوته أوردوها .

فعليهم أن لا يطمعوا فيه أن يخالف فعله قوله وسيرته دعوته فإنه مجيب لربه مسلم له متصلب في دينه خائف منه أن يعصيه ثم تنذر الكافرين وتبشر المؤمنين بما أعد الله سبحانه لكل من الفريقين من عذاب أو نعمة .

قوله تعالى : {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين - إلى قوله - أول المسلمين} نحو رجوع إلى قوله تعالى في مفتتح السورة : {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين} بداعي أن يؤيسهم من نفسه ، فلا يطمعوا فيه أن يترك دعوتهم ويوافقهم على الإشراك بالله كما يشير إليه أول سورة ص وآيات أخر .

فكأنه يقول : قل لهم إن الذي تلوت عليكم من أمره تعالى بعبادته بإخلاص الدين - وقد وجه به الخطاب إلي - ليس المراد به مجرد دعوتكم إلى ذلك بإقامتي في الخطاب مقام السامع فيكون من قبيل {إياك أعني واسمعي يا جارة} بل أنا كأحدكم مأمور بعبادته مخلصا له الدين ، ولا ذلك فحسب ، بل مأمور بأن أكون أول المسلمين لما ينزل إلي من الوحي فأسلم له أولا ثم أبلغه لغيري - فأنا أخاف ربي وأعبده بالإخلاص آمنتم به أو كفرتم فلا تطمعوا في .

فقوله : {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} إشارة إلى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يشارك غيره في الأمر بدون الإخلاص .

وقوله : {وأمرت لأن أكون أول المسلمين} إشارة إلى أن في الأمر المتوجه إلي زيادة على ما توجه إليكم من التكليف وهو أني أمرت بما أمرت وقد توجه الخطاب إلي قبلكم والغرض منه أن أكون أول من أسلم لهذا الأمر وآمن به .

قيل : اللام في قوله : {لأن أكون} للتعليل والمعنى وأمرت بذلك لأجل أن أكون أول المسلمين ، وقيل : اللام زائدة كما تركت اللام في قوله تعالى : { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} [الأنعام : 14] .

ومآل الوجهين واحد بحسب المعنى فإن كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) أول المسلمين يعطي عنوانا لإسلامه وعنوان الفعل يصح أن يجعل غاية للأمر بالفعل وأن يجعل متعلقا للأمر فيؤمر به يقال : اضربه للتأديب ، ويقال : أدبه بالضرب .

قال في الكشاف ، : وفي معناه أوجه : أن أكون أول من أسلم في زماني ومن قومي لأنه أول من خالف دين آبائه وخلع الأصنام وحطمها ، وأن أكون أول الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاما ، وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا غيره لأكون مقتدى بي في قولي وفعلي جميعا ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون بما لا يفعلون ، وأن أفعل ما استحق به الأولية من أعمال السابقين دلالة على السبب بالمسبب .

انتهى .

وأنت خبير بأن الأنسب لسياق الآيات هو الوجه الثالث وهو الذي قدمناه ويلزمه سائر الوجوه .

قوله تعالى : {قال إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} المراد بمعصية ربه بشهادة السياق مخالفة أمره بعبادته مخلصا له الدين ، وباليوم العظيم يوم القيامة والآية كالتوطئة لمضمون الآية التالية .

قوله تعالى : {قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه} تصريح بأنه ممتثل لأمر ربه مطيع له بعد التكنية عنه في الآية السابقة ، وإياس لهم أن يطمعوا فيه أن يخالف أمر ربه .

وتقديم المفعول في قوله : {قل الله أعبد} يفيد الحصر ، وقوله : {مخلصا له ديني} يؤكد معنى الحصر ، وقوله : {فاعبدوا ما شئتم من دونه} أمر تهديدي بمعنى أنهم لا ينفعهم ذلك فإنهم مصيبهم وبال إعراضهم عن عبادة الله بالإخلاص كما يشير إليه ذيل الآية {قل إن الخاسرين} إلخ .

قوله تعالى : {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} إلخ الخسر والخسران ذهاب رأس المال إما كلا أو بعضا والخسران أبلغ من الخسر ، وخسران النفس هو إيرادها مورد الهلكة والشقاء بحيث يبطل منها استعداد الكمال فيفوتها السعادة بحيث لا يطمع فيها وكذا خسارة الأهل .

وفي الآية تعريض للمشركين المخاطبين بقوله : {فاعبدوا ما شئتم من دونه} كأنه يقول : فأيا ما عبدتم فإنكم تخسرون أنفسكم بإيرادها بالكفر مورد الهلكة وأهليكم وهم خاصتكم بحملهم على الكفر والشرك وهي الخسران بالحقيقة .

وقوله : {ألا ذلك هو الخسران المبين} وذلك لأن الخسران المتعلق بالدنيا – وهو الخسران في مال أوجاه - سريع الزوال منقطع الآخر بخلاف خسران يوم القيامة الدائم الخالد فإنه لا زوال له ولا انقطاع .

على أن المال أو الجاه إذا زال بالخسران أمكن أن يخلفه آخر مثله أو خير منه بخلاف النفس إذا خسرت .

هذا على تقدير كون المراد بالأهل خاصة الإنسان في الدنيا ، وقيل : المراد بالأهل من أعده الله في الجنة للإنسان لو آمن واتقى من أزواج وخدم وغيرهم وهو أوجه وأنسب للمقام فإن النسب وكل رابطة من الروابط الدنيوية الاجتماعية مقطوعة يوم القيامة قال تعالى : {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون : 101] وقال : {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا } [الانفطار : 19] إلى غير ذلك من الآيات .

ويؤيده أيضا قوله تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } [الانشقاق : 7 - 9] .

قوله تعالى : {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} إلخ الظلل جمع ظلة وهي - كما قيل - الستر العالي .

والمراد بكونها من فوقهم ومن تحتهم إحاطتها بهم فإن المعهود من النار الجهتان والباقي ظاهر .

_____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص199-204 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

الآية الاولى استخدمت أُسلوب المقارنة ، الأُسلوب الذي طالما استخدمه القرآن المجيد لإفهام الآخرين القضايا المختلفة ، حيث تقول : هل أن مثل هذا الشخص انسان لائق وذو قيمه : {أمن هو قانت آناء الليل ساجدأ وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربّه} (2) .

أين ذلك الإنسان المشرك والغافل والمتلون والضالّ والمضلّ من هذا الإنسان ذو القلب اليقظ الطاهر الساطع بالنور ، الذي يسجد لله في جوف الليل والناس نيام ، ويدعو ربّه خائفاً راجياً ؟!

فهؤلاء في حال النعمة لا يعدون أنفسهم في مأمن من العقاب والعذاب ، وفي حال البلاء لا ييأسون من رحمته ، وهذان العاملان يرافقان وجودهم أثناء حركتهم المستمرة بحذر واحتياط نحو معشوقهم .

«قانت» من مادة «قنوت» بمعنى ملازمة الطاعة المقرونة بالخشوع والخضوع .

«آناء» هي جمع (انا) ـ على وزن كذاـ وتعني ساعة أو مقداراً من الوقت .

التأكيد هنا على ساعات الليل ، لأنّ تلك الساعات يحضر فيها القلب أكثر ، وتقلّ نسبة تلوثه بالرياء أكثر من أيّ وقت آخر .

قدمت الآية السجود على القيام ، وذلك لكون السجود من أعلى درجات العبادة ، وإطلاق الرحمة وعدم تقيّدها بالآخرة دليل على سعة الرحمة الإلهية التي تشمل الحياة الدنيا والآخرة .

وفي حديث ورد في كتاب «علل الشرائع» وفي كتاب «الكافي» نقلا عن الإمام الباقر (عليه السلام) ، إنّه فسّر هذه الآية : {أمن هو قانت آناء الليل} بأنّها صلاة الليل (3) .

من الواضح أن هذا التّفسير يشبه الكثير من التفاسير الأُخرى التي بيّنت في ذيل آيات مختلفة في القرآن الكريم من قبيل ذكر مصاديقها الواضحة ، ولا ينحصر مفهوم الآية بصلاة الليل .

وتتمة الآية تخاطب الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقول : {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} .

كلا ، إنّهم غير متساوين : {إنّما يتذكر أولو الألباب} .

لا شك في أن السؤال المذكور أعلاه سؤال شامل ، وأنّه يقارن ما بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، أي بين العلماء والجهلة ، لأنّه قبل طرح هذا السؤال ، كان هناك سؤال آخر قد طرح ، وهو : هل يستوي المشركون والمؤمنون الذين يحيون الليل بالعبادة ، فالسؤال الثّاني يشير أكثر إلى هذه المسألة وهو : هل أن الذين يعلمون بأن المشركين المعاندين لا يتساوون مع المؤمنين الطاهرين ، يتساوون مع الذين لا يعلمون بهذه الحقيقة الواضحة ؟

وعلى أية حال فهذه العبارة التي تبدأ باستفهام استنكاري ، توضح أحد شعارات الإسلام الأساسية وهو سمو وعلو منزلة العلم والعلماء في مقابل الجهل والجهلة . ولأنّ عدم التساوي ـ هذا ـ ذكر بصورة مطلقة ، فمن البديهي أن تكون هاتان المجموعتان غير متساويتين عند الباريء ، عزّوجلّ ، وغير متساويين في وجهة نظر العقلاء ، ولا يقفون في صفّ واحد من الدنيا ، ولا في الأخرة وأنّهم مختلفون ظاهراً وباطناً .

وقوله تعالى : { قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر : 10 - 16]

 

الخطوط الرئسية لمناهج العباد المخلصين :

تتمة لما جاء في بحث الآيات السابقة التي قارنت بين المشركين المغرورين والمؤمنين المطيعين لله ، وبين العلماء والجهلة ، فإنّ آيات بحثنا هذا تبحث الخطوط الرئيسية لمناهج عباد الله الحقيقيين المخلصين وذلك ضمن سبعة مناهج وردت في عدّة آيات تبدأ بكلمة (قل) .

الآية الأولي تحثّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على التقوى : {قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم} (4) .

نعم ، فالتقوى هي الحاجز الذي يصدّ الإنسان عن الذنوب ، وتجعله يحسّ بالمسؤولية وبتكاليفه أمام الباريء ، عزّوجلّ ، هي المنهج الأوّل لعباد الله المؤمنين والمخلصين ، فالتقوى هي الدرع الذي يقي الإنسان من النّار ، والعامل الرئيسي الذي يردعه عن الإنحراف ، فالتقوى هي ذخيرته الكبيرة في سوق القيامة ، وهي ميزان شخصية وكرامة الإنسان عند الباريء عزّوجلّ .

المنهج الثّاني يختص بالإنسان والعمل الصالح في هذه الدنيا التي هي دار العمل ، وقد شجعت الآية الناس وحثتهم على عمل الإحسان ، من خلال بيان نتيجة ذلك العمل : {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} (5) .

نعم فالإحسان بصورة مطلقة في هذه الدنيا ـ سواء كان في الحديث ، أوفي العمل ، أوفي نوع التفكر والتفكير بالأصدقاء والغرباء ـ يؤدّي إلى نيل ثواب عظيم في الدنيا والآخرة ، لأنّ جزاء الإحسان هو الإحسان .

وفي الواقع فإنّ التقوى عامل ردع ، والإحسان عامل صلاح ، وكلاهما يشمل (ترك الذنب) و(أداء الفرائض والمستحبات) .

المنهج الثّالث يدعو إلى الهجرة من مواطن الشرك والكفر الملوثة بالذنوب ، قال تعالى : {وأرض الله واسعة} .

هذه الآية ـ في الحقيقة ـ ردّ على ذوي الإِرادة الضعيفة والمتذرعين بمختلف الذرائع الذين يقولون : إنّنا عاجزون عن أداء الأحكام الإلهية لأنّنا في أرض مكّة التي يحكمها المشركون ، والقرآن يردّ عليهم بأن أرض الله لا تقتصر على مكّة ، فإن لم تتمكنوا من أداء فرائضكم في مكّة فالمدينة موجودة ، بل إن الأرض كلها لله ، هاجروا من المواطن الملوثة بالشرك والكفر والظلم التي لا يمكنكم فيها أداء الأحكام الإلهية بحرية إلى آخر .

مسألة الهجرة هي إحدى أهم المسائل التي لم تلعب دوراً أساسياً في صدر الإسلام بانتصار الحكومة الإسلامية فحسب ، بل إنّ لها أهمية في كلّ زمان ، لأنّها من جهة تمنع مجموعة من المؤمنين أن يستسلموا لضغط وكبت محيطهم ، ومن جهة اُخرى تكون عاملا مساعداً لتصدير الإسلام إلى نقاط مختلفة في أنحاء العالم .

والقرآن المجيد يقول : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء : 97] .

وهذا يوضح ـ بصورة جيدة ـ أنّ المؤمن الذي تحيط به الضغوط والكبت ، ويستطيع أن يهاجر في سبيل الله عليه أن يهاجر ، وإلاّ فإنّه غير معذور أمام الله .

(بشأن أهمية الهجرة في الإسلام وأبعادها المختلفة كانت لنا بحوث مختلفة ومفصلة في ذيل الآية (100) من سورة النساء ، وفي ذيل الآية (72) من سورة الانفال) .

ولأنّ الهجرة ترافقها بصورة طبيعية مشكلات كثيرة في مختلف جوانب الحياة ، فالمنهج الرابع إذن يتعلق بالصبر والاستقامة ، قال تعالى : {إنّما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (6) .

وعبارة (يوفي) مشتقّة من (وفى) وتعني إعطاؤه حقّه تاماً كاملا . وعبارة (بغير حساب) تبيّن أن للصابرين أفضل الأَجر والثواب عند الله ، ولا يوجد عمل آخر يبلغ ثوابه حجم ثواب الصبر والإستقامة .

والشاهد على هذا القول ما جاء في الحديث المعروف الذي رواه الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي جاء فيه : «إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان ، ثمّ تلا هذه الآية : (إنّما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)» (7) .

والبعض يعتقد أنّ هذه الآية تخصّ الهجرة الأولى للمسلمين ، أي هجرة مجموعة كبيرة من المسلمين إلى أرض الحبشة تحت قيادة جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) ، وكما قلنا مراراً رغم أنّ أسباب النّزول توضح مفهوم الآية ، إلاّ أنّها لا تحددها .

أمّا المنهج الخامس فقد ورد فيه أمر الإخلاص والتوحيد الخالي من شوائب الشرك ، وهنا تتغير لهجة الكلام بعض الشيء ، ويتحدث الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن وظائفه ومسؤولياته ، إذ يقول : {قل إنّي أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين} .

ثم يضيف : {وأمرت لأن أكون أوّل المسلمين} . وهذا هو المنهج السادس الذي يعترف بأنّ النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) هو أول الناس إسلاماً وتسليماً لأوامر الباريء عزّوجلّ .

أمّا المنهج السابع والأخير فيتناول مسألة الخوف من عقاب الباريء عزّوجلّ يوم القيامة ، قال تعالى : {قل إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم} .

التأمل في هذه الآيات يكشف بوضوح عن أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عبد من عباد الله ، وهو مكلف أيضاً بعبادة الله بإخلاص ، لأنّه ـ هو أيضاًـ يخاف العذاب الإلهي ، وهو مكلّف بإطاعة الأوامر الإلهية ، كما أنّه مكلّف بتكاليف وواجبات أثقل وأعظم من تكاليف الأُخرين ، ولذا يجب أن يكون أفضل وأسمى من الأُخرين .

إنّه لم يدّع الألوهية أبدأ ، ولم يخط خطوة واحدة خارج مسير العبودية ، بل إنّه يفتخر ويتباهى بهذا المقام ، ولهذا السبب كان قدوة وأسوة ، وهو(صلّى الله عليه وآله وسّلم) لم يفضّل نفسه على الآخرين ، وهذا دليل على عظمته وأحقّيته ، فهو ليس كالمدّعين الكذّابين الذين كانوا يدعون الناس إلى عبادتهم ، ويعتبرون أنفسهم أرقى من البشر ، وأنّهم من معدن ثمين أفضل من الناس ، وأحياناً يدعون أتباعهم إلى التبرع سنوياً بالذهب والجواهر بقدر وزنهم .

إنّه يقول : إنّي لست مثل السلاطين المتجبرين على رقاب الناس الذين يكلفون الناس ببعض التكاليف ويعتبرون أنفسهم «فوق تلك التكاليف» وهذا في الواقع إشارة إلى موضوع تربوي هامّ ، وهو أنّ كلّ إنسان ـ مربياً كان أم قائداً ـ عليه أن يكون السباق في تنفيذ من أجلها ما يمليه عليه نهجه ، فيجب أن يكون أوّل مؤمن بشريعته أوسنته وأكثر الساعين والمضحين كي يؤمن الناس بصدقه ، ويتخذونه أسوة وقدوة لهم في كلّ الأمور . ومن هنا يتضح أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن أوّل مسلم من حيث الزمان وحسب ، وإنّما كان أوّل إسلاماً من كلّ النواحي ، من ناحية الإيمان والإخلاص ، والعمل ، والتضحية ، والجهاد ، والصمود ، والمقاومة ، وتأريخ حياة الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤيد هذه الحقيقة بصورة جيدة .

بعد استعراض المناهج السبعة المذكورة في الآيات أعلاه (التقوى ، الإحسان ، الهجرة ، الصبر ، الإخلاص ، التسليم ، الخوف) .

ولكون مسألة الإخلاص لها ميزات خاصة في مقابل العلل المختلفة للشرك ، تعود الآيات لتؤّكد عليها مرّة اُخرى ، إذ تقول وبنفس اللهجة السابقة : {قل الله أعبد مخلصا له ديني} (8) .

أما أنتم فاعبدوا ما شئتم من دون الله : (فاعبدوا ما شئتم من دونه) .

ثمّ تضيف : {قل إنّ الخاسرين اللذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} . أي إنّهم لم يستثمروا طاقاتهم وعمرهم ، ولا من عوائلهم وأولادهم لإنقاذهم ، ولا لإعادة ماء الوجه المراق إليهم ، وهذا هو الخسران العظيم : {ألا ذلك هو الخسران المبين} .

الآية الأخيرة في بحثنا هذا تصف إحدى صور الخسران المبين ، إذ تقول : {لهم من فوقهم ظلل من النّار ومن تحتهم ظلل} .

وبهذا الشكل فإنّ أعمدة النيران تحيط بهم من كلّ جانب ، فهل هناك أعظم من هذا؟ وهل هناك عذاب أشدّ من هذا؟

«ظلل» جمع (ظلّة)على وزن «سنّة» وتعني الستر الذي ينصب في الجهة العليا . وطبقاً لهذا فإنّ إطلاق هذه الكلمة على ما يفرش تحت اهل النّار اطلاق مجازي ومن باب التوسع في معنى الكلمة .

بعض المفسّرين قالوا : بما أنّ أصحاب النّار يتقلبون بين طبقات جهنم ، فإنّ ستائر النّار محيط بهم من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم . والآية (55) من سورة العنكبوت تشبه هذه الآية : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [العنكبوت : 55] .

هذا في الحقيقة تجسيد لأحوالهم وأوضاعهم في هذه الدنيا ، إذ أن الجهل والكفر والظلم محيط بكلّ وجودهم ، ومستحوذ عليهم من كلّ جانب ، ثمّ تضيف الآية مؤكّدة وواعظة إياهم : {ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون} .

إضافة كلمة (العباد)إلى لفظ الجلالة في هذه الآية ، ولعدّة مرّات اشارة إلى أنّ تهديد الباريء عزّوجلّ لعباده بالعذاب إنّما هو لطف ورحمة منه ، وذلك كي لا يبتلى عباده بمثل هذا المصير المشؤوم ، ومن هنا يتضح أنّه لا حاجة لتفسير كلمة (العباد) هنا على أنّها تخصّ المؤمنين ، فهي تشمل الجميع ، كي لا يأمن أحد من العذاب الإلهي .

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص472-480 .

2 ـ في هذه العبارة شق محذوف ، والتقدير {أهذا الذي ذكرنا خير أمن هو قانت آناء الليل} .

3 ـ علل الشرائع; والكافي نقلا عن نور الثقلين ، المجلد 4 ، الصفحة 479 .

4 ـ من البديهي أنّ الخطاب بعبارة «يا عبادي» هومن الله ، وإن كان المخاطب هو رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فالمقصود هنا أن أبلغهم خطابي .

5 ـ أغلب المفسّرين اعتبروا عبارة (في هذه الدنيا) تعود على عبارة (أحسنوا) ، واستناداً لهذا فإن «حسنة» مطلقة تشمل كل حسنة في الدنيا والآخرة ، ومع إنتباه إلى أن استعمال التنوين في مثل هذه الموارد إنّما هو لإعطاء الكلمة طابع التفخيم والعظمة ، فإنه يفيد بيان عظمة الثواب .

6 ـ «بغير حساب» من الممكن أن تكون متعلقة بـ (يوفى) ، أو أنّها (حال) لـ (أجرهم) لكن الإحتمال الأوّل أنسب .

7 ـ تفسير مجمع البيان ذيل آيات البحث ، ونفس المعنى مع اختلاف بسيط ورد في تفسير القرطبي نقلا عن الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) عن جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) .

8 ـ تقديم (اسم الجلالة) والذي هو مفعول (اعبد) يفيد الحصر هنا ، وقوله (مخلصاً له ديني) التي هي حال يؤكّد معنى الحصر .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .