أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2020
4179
التاريخ: 13-4-2020
4667
التاريخ: 13-4-2020
3120
التاريخ: 13-4-2020
6401
|
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب : 36 - 40] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1)
لما تقدم ذكر نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عقبه سبحانه بذكر زيد وزوجته فقال {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله} أي إذا أوجب الله ورسوله {أمرا} وألزماه وحكما به {أن يكون لهم الخيرة} أي الاختيار {من أمرهم} على اختيار الله تعالى والمعنى أن كل شيء أمر الله تعالى به أوحكم به فليس لأحد مخالفته وترك ما أمر به إلى غيره {ومن يعص الله ورسوله} فيما يختاران له {فقد ضل ضلالا مبينا} أي ذهب عن الحق ذهابا ظاهرا .
ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {وإذ تقول} أي واذكر يا محمد حين تقول {للذي أنعم الله عليه} بالهداية إلى الإيمان {وأنعمت عليه} بالعتق وقيل أنعم الله عليه بمحبة رسوله وأنعم الرسول عليه بالتبني عن السدي والثوري وهو زيد بن حارثة {أمسك عليك زوجك} يعني زوجك زينب تقول احبسها ولا تطلقها وهذا الكلام يقتضي مشاجرة جرت بينهما حتى وعظه الرسول وقال له أمسكها .
{واتق الله} في مفارقتها ومضارتها {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشيه} والذي أخفاه في نفسه هو أنه أن طلقها زيد تزوجها وخشي لائمة الناس أن يقولوا أمره بطلاقها ثم تزوجها وقيل أن الذي أخفاه في نفسه هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال له أريد أن أطلق زينب قال له أمسك عليك زوجك فقال سبحانه لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك روي ذلك عن علي بن الحسين (عليهما السلام) وهذا التأويل مطابق لتلاوة الآية وذلك أنه سبحانه أعلم أنه يبدي ما أخفاه ولم يظهر غير التزويج قال {زوجناكها} فلوكان الذي أضمره محبتها أو إرادة طلاقها لأظهر الله تعالى ذلك مع وعده بأنه يبديه فدل ذلك على أنه إنما عوتب على قوله {أمسك عليك زوجك} مع علمه بأنها ستكون زوجته وكتمانه ما أعلمه الله به حيث استحيا أن يقول لزيد أن التي تحتك ستكون امرأتي .
قال البلخي : ويجوز أن يكون أيضا على ما يقولونه أن النبي استحسنها فتمنى أن يفارقها زيد فيتزوجها وكتم ذلك لأن هذا التمني قد طبع عليه البشر ولا حرج على أحد في أن يتمنى شيئا استحسنه وقيل أنه إنما أضمر أن يتزوجها إن طلقها زيد من حيث أنها كانت ابنة عمته فأراد ضمها إلى نفسه لئلا يصيبها ضيعة كما يفعل الرجل بأقاربه عن الجبائي قال فأخبر الله سبحانه الناس بما كان يضمره من إيثار ضمها إلى نفسه ليكون ظاهره مطابقا لباطنه ولهذا المعنى قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأصحابه يوم فتح مكة وقد جاءه عثمان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح يستأمنه منه وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل ذلك قد أهدر دمه وأمر بقتله فلما رأى عثمان استحيا من رده وسكت طويلا ليقتله بعض المؤمنين ثم آمنه بعد تردد المسألة من عثمان وقال أ ما كان منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا فيقتله فقال له عباد بن بشر يا رسول الله إن عيني ما زالت في عينك انتظار أن تؤمي إلي فأقتله فقال أن الأنبياء لا تكون لهم خائنة أعين فلم يستحب الإشارة إلى قتل كافر وإن كان مباحا .
وقيل : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يريد أن يتزوج بها إذا فارقها ولكنه عزم أن لا يتزوجها مخافة أن يطعنوا عليه فأنزل الله هذه الآية كيلا يمتنع عن فعل المباح خشية الناس ولم يرد بقوله {والله أحق أن تخشاه} خشية التقوى لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يتقي الله حق تقاته ويخشاه فيما يجب أن يخشى فيه ولكنه أراد خشية الاستحياء لأن الحياء كان غالبا على شيمته الكريمة (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما قال سبحانه {إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم} .
وقيل : أن زينب كانت شريفة فزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من زيد مولاه ولحقها بذلك بعض العار فأراد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يزيدها شرفا بأن يتزوجها لأنه كان السبب في تزويجها من زيد فعزم أن يتزوج بها إذا فارقها وقيل أن العرب كانوا ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في الحكم فأراد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يبطل ذلك بالكلية وينسخ سنة الجاهلية فكان يخفي في نفسه تزويجها لهذا الغرض كيلا يقول الناس أنه تزوج بامرأة ابنه ويقرفونه بما هو منزه عنه ولهذا قال {أمسك عليك زوجك} عن أبي مسلم .
ويشهد لهذا التأويل قوله فيما بعد {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرا} ومعناه فلما قضى زيد حاجته من نكاحها فطلقها وانقضت عدتها ولم يكن في قلبه ميل إليها ولا وحشة من فراقها فإن معنى القضاء هو الفراغ من الشيء على التام {زوجناكها} أي أذنا لك في تزويجها وإنما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتى لا يكون عليهم إثم في أن يتزوجوا أزواج أدعيائهم الذين تبنوهم إذا قضى الأدعياء منهن حاجتهم وفارقوهن فبين سبحانه أن الغرض في ذلك أن لا يجري المتبني في تحريم امرأته إذا طلقها على المتبني مجرى الابن من النسب والرضاع في تحريم امرأته إذا طلقها على الأب .
{وكان أمر الله مفعولا} أي كائنا لا محالة وفي الحديث أن زينب كانت تفتخر على سائر نساء النبي وتقول زوجني الله من النبي وأنتن إنما زوجكن أولياؤكن وروى ثابت عن أنس بن مالك قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لزيد اذهب فاذكرها علي قال زيد فانطلقت فقلت يا زينب أبشري قد أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يذكرك ونزل القرآن وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فدخل عليها بغير إذن لقوله تعالى {زوجناكها} وفي رواية أخرى قال زيد فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في نفسي حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذكرها فوليتها ظهري وقلت يا زينب أبشري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يخطبك ففرحت بذلك وقالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل {زوجناكها} فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار .
وعن الشعبي قال : كانت زينب تقول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وأن السفير لي جبرائيل (عليه السلام) ثم قال سبحانه {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له} أي ما كان على النبي من إثم وضيق فيما أحل الله له من التزويج بامرأة الابن المتبني وقيل فيما فرض وأوجب عليه من التزويج بها ليبطل حكم الجاهلية في الأدعياء .
{سنة الله في الذين خلوا من قبل} أي كسنة الله في الأنبياء الماضين وطريقته وشريعته فيهم في زوال الحرج عنهم وعن أممهم بما أحل سبحانه لهم من ملاذهم وقيل في كثرة الأزواج كما فعله داود وسليمان (عليهما السلام) وكان لداود مائة امرأة ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية وقيل أشار بالسنة إلى أن النكاح من سنة الأنبياء كما قال : ((النكاح من سنتي فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي)) . {وكان أمر الله قدرا مقدورا} أي كان ما ينزله الله على أنبيائه من الأمر الذي يريده قضاء مقضيا وقيل معناه جاريا على مقدار لا يكون فيه تفاوت من جهة الحكمة وقيل أن القدر المقدر هوما كان على مقدار ما تقدم من غير زيادة ولا نقصان وعليه قول الشاعر :
وأعلم بأن ذا الجلال قد قدر*** في الصحف الألى التي كان سطر
ثم وصف سبحانه الأنبياء الماضين وأثنى عليهم فقال {الذين يبلغون رسالات الله} أي يؤدونها إلى من بعثوا إليهم ولا يكتمونها {ويخشونه} أي ويخافون الله مع ذلك في ترك ما أوجبه عليهم {ولا يخشون أحدا إلا الله} ولا يخافون من سوى الله فيما يتعلق بالأداء والتبليغ وفي هذا دلالة على أن الأنبياء لا يجوز عليهم التقية في تبليغ الرسالة .
ومتى قيل : فكيف ما قال لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتخشى الناس فالقول إنه لم يكن ذلك فيما يتعلق بالتبليغ وإنما خشي المقالة القبيحة فيه والعاقل كما يتحرز عن المضار يتحرز من إساءة الظنون به والقول السيىء فيه ولا يتعلق شيء من ذلك بالتكليف {وكفى بالله حسيبا} أي حافظا لأعمال خلقه ومحاسبا مجازيا عليها .
ولما تزوج زينب بنت جحش قال الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه فقال سبحانه {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} الذين لم يلدهم وفي هذا بيان أنه ليس باب لزيد فتحرم عليه زوجته فإن تحريم زوجة الابن معلق بثبوت النسب فمن لا نسب له لا حرمة لامرأته ولهذا أشار إليهم فقال {من رجالكم} وقد ولد له (صلى الله عليه وآله وسلّم) أولاد ذكور إبراهيم والقاسم والطيب والمطهر فكان أباهم وقد صح أنه قال للحسن (إن ابني هذا سيد) . وقال أيضا للحسن والحسين : (ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا) وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : (إن كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم) . وقيل : أراد بقوله {رجالكم} البالغين من رجال ذلك الوقت ولم يكن أحد من أبنائه رجلا في ذلك الوقت .
{ولكن رسول الله} أي ولكن كان رسول الله لا يترك ما أباحه الله تعالى بقول الجهال وقيل إن الوجه في اتصاله بما قبله أنه أراد سبحانه ليس يلزم طاعته وتعظيمه لمكان النسب بينه وبينكم ولمكان الأبوة بل إنما يجب ذلك عليكم لمكان النبوة ، {وخاتم النبيين} أي وآخر النبيين ختمت النبوة به فشريعته باقية إلى يوم الدين وهذا فضيلة له صلوات الله عليه وآله اختص بها من بين سائر المرسلين .
فإن قيل : إن اليهود يدعون في موسى مثل ذلك فالجواب أن بعض اليهود يدعون أن شريعته لا تنسخ وهم مع ذلك يجوزون أن يكون بعده أنبياء ونحن إذا أثبتنا نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالمعجزات القاهرة وجب نسخ شريعته بذلك {وكان الله بكل شيء عليما} لا يخفى عليه شيء من مصالح العباد وصح الحديث عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : ((إنما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بني دارا فأكملها وحسنها موضع لبنة فكان من دخل فيها فنظر إليها قال : ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص161-166 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{وما كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . نزلت هذه الآية حين خطب النبي زينب بنت جحش لمولاه زيد ابن حارثة ، وأنفت من الاقتران به هي وأخوها عبد اللَّه لأن زيدا ليس لها بكفؤ ، والمعنى ان هذا الزواج بأمر اللَّه ورسوله ، ولا إرادة لأحد من المؤمنين مع اللَّه والرسول ، ومن أبى فهومن الضالين الهالكين . . وعندئذ نزلت زينب وأخوها على حكم اللَّه والرسول ، وتم الزواج .
{وإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} وهو زيد بن حارثة ، أنعم اللَّه عليه بالإسلام وصحبة الرسول ، وأنعم الرسول عليه بالعتق {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتَّقِ اللَّهً} . بعد حين من الزواج فترت العلاقة الزوجية بين زينب وزيد ، وقال للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) : أريد طلاقها . فأوصاه بإمساكها وبتقوى اللَّه في جميع أحواله . . ولكن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان على يقين بأن زيدا سيطلق زينب ، وانه سيتزوجها من بعده ، إلا أنه لم يبد ذلك خوفا من لوم اللائمين ، فستره بقوله لزيد : أمسك عليك زوجك ، وعلى هذا عاتبه اللَّه بقوله :
{وتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشَى النَّاسَ واللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ} . المراد ب {مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} زواج النبي من زينب بعد طلاقها من زيد ، وقد أبداه اللَّه في الحال وفي نفس الآية ، أبداه وأظهره بقوله : {فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها} . هذا ما أخفاه محمد وأبداه اللَّه فأين هي الشهوة التي أخفاها محمد في نفسه ؟ ولما ذا سكت اللَّه بعد أن قال : {ما اللَّه مبديه} ؟ . . أخفى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) علمه بأن زيدا سيطلق زينب ، وانها ستكون حليلة له بعد الطلاق ، وعلى هذا الإخفاء عاتبه اللَّه وقال له تلويحا لا تصريحا : من كان له مقامك عند اللَّه فلا يهتم بلوم اللائمين وأقوال المتقولين .
{فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} . تزوج زيد من زينب وقضى منها حاجته ، ثم طلقها وبعد العدة تزوجها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) . وكان زواج النبي منها بيانا من اللَّه للمؤمنين وللناس أجمعين لرفع الإثم عنهم إذا تزوجوا حلائل أدعيائهم الذين قضوا حاجتهم منهن {ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} . لقد أمر سبحانه نبيه الكريم أن يتزوج حليلة ابنه الدعي ليبطل بذلك عادة الجاهلية ، فاستجاب النبي لأمر اللَّه ، وما على النبي ولا على غيره من غضاضة في زواج حليلة ابن التبني وان عابه الناس ما دام اللَّه قد أحل ذلك .
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهً وكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً} . المراد بالذين خلوا وبالذين يبلغون رسالات اللَّه - الأنبياء السابقون ، والمعنى ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أرسله اللَّه داعيا إلى الحق وناهيا عن الباطل ، ومنه العادات والتقاليد التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان ، وقد بلغ الرسول رسالات ربه بأمانة واخلاص ، وما هادن ولا داهن ، ولم يخش إلا اللَّه ، وتحمّل من أجل ذلك الكثير من العناء والبلاء ، ولك يا محمد فيمن مضى من إخوانك الأنبياء أسوة وعزاء . وعلى اللَّه وحده حساب المكذبين والمعاندين .
{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ} بالنسب والولادة كي تحرم مطلقة زيد ابن حارثة عليه . . وبالمناسبة : ولد لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) أربعة ذكور ثلاثة من خديجة ، وهم القاسم والطيب والطاهر ، وقيل : ولدان لأن الطاهر هو الطيب .
وواحد من مارية القبطية وهو إبراهيم ، وماتوا جميعا في سن الطفولة ، أما الحسن والحسين فهما ولدا ابنته فاطمة من علي (عليه السلام) ، ولكن الرسول قد اعتبرهما ولدين له حيث قال : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ، وقال أيضا : كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم . انظر ج 3 ص 219 .
{ولكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} والرسول غير الأب ، وان كان أشد حرصا على المؤمنين وأكثر رحمة بهم من آبائهم وأمهاتهم {وخاتَمَ النَّبِيِّينَ} فلا نبي بعد محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، ولا شريعة بعد شريعة الإسلام {وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} ومنه علمه تعالى حيث يجعل رسالته ، وحيث يختمها بمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) .
________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص223-224 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
الآيات أعني قوله : {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه - إلى قوله - وكان الله بكل شيء عليما} في قصة تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بزوج مولاه زيد الذي كان قد اتخذه ابنا ، ولا يبعد أن تكون الآية الأولى أعني قوله : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} الآية ، مرتبطة بالآيات التالية كالتوطئة لها .
قوله تعالى : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} إلخ ، يشهد السياق على أن المراد بالقضاء هو القضاء التشريعي دون التكويني فقضاء الله تعالى حكمه التشريعي في شيء مما يرجع إلى أعمال العباد أو تصرفه في شأن من شئونهم بواسطة رسول من رسله ، وقضاء رسوله هو الثاني من القسمين وهو التصرف في شأن من شئون الناس بالولاية التي جعلها الله تعالى له بمثل قوله : {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} .
فقضاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) قضاء منه بولايته وقضاء من الله سبحانه لأنه الجاعل لولايته المنفذ أمره ، ويشهد سياق قوله : {إذا قضى الله ورسوله أمرا} حيث جعل الأمر الواحد متعلقا لقضاء الله ورسوله معا ، على أن المراد بالقضاء التصرف في شئون الناس دون الجعل التشريعي المختص بالله .
وقوله : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} أي ما صح ولا يحق لأحد من المؤمنين والمؤمنات أن يثبت لهم الاختيار من أمرهم بحيث يختارون ما شاءوا وقوله : {إذا قضى الله ورسوله أمرا} ظرف لنفي الاختيار .
وضميرا الجمع في قوله : {لهم الخيرة من أمرهم} للمؤمن والمؤمنة المراد بهما جميع المؤمنين والمؤمنات لوقوعهما في حيز النفي ووضع الظاهر موضع المضمر حيث قيل : {من أمرهم} ولم يقل : أن يكون لهم الخيرة فيه للدلالة على منشإ توهم الخيرة وهو انتساب الأمر إليهم .
والمعنى : ليس لأحد من المؤمنين والمؤمنات إذا قضى الله ورسوله بالتصرف في أمر من أمورهم أن يثبت لهم الاختيار من جهته لانتسابه إليهم وكونه أمرا من أمورهم فيختاروا منه غير ما قضى الله ورسوله بل عليهم أن يتبعوا إرادة الله ورسوله .
والآية عامة لكنها لوقوعها في سياق الآيات التالية يمكن أن تكون كالتمهيد لما سيجيء من قوله : {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} الآية ، حيث يلوح منه أن بعضهم كان قد اعترض على تزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بزوج زيد وتعييره بأنها كانت زوج ابنه المدعو له بالتبني وسيجيء في البحث الروائي بعض ما يتعلق بالمقام .
قوله تعالى : {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله} إلى آخر الآية المراد بهذا الذي أنعم الله عليه وأنعم النبي عليه زيد بن حارثة الذي كان عبدا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم حرره واتخذه ابنا له وكان تحته زينب بنت جحش بنت عمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى زيد النبي فاستشاره في طلاق زينب فنهاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الطلاق ثم طلقها زيد فتزوجها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزلت الآيات .
فقوله : {أنعم الله عليه} أي بالهداية إلى الإيمان وتحبيبه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوله : {وأنعمت عليه} أي بالإحسان إليه وتحريره وتخصيصه بنفسك ، وقوله : أمسك عليك زوجك واتق الله} كناية عن الكف عن تطليقها ، ولا يخلو من إشعار بإصرار زيد على تطليقها .
وقوله : {وتخفي في نفسك ما الله مبديه} أي مظهره {وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} ذيل الآيات أعني قوله : {الذين يبلغون رسالات الله ولا يخشون أحدا إلا الله} دليل على أن خشيته (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس لم تكن خشية على نفسه بل كان خشية في الله فأخفى في نفسه ما أخفاه استشعارا منه أنه لو أظهره عابه الناس وطعن فيه بعض من في قلبه مرض فأثر ذلك أثرا سيئا في إيمان العامة ، وهذا الخوف - كما ترى ليس خوفا مذموما بل خوف في الله هوفي الحقيقة خوف من الله سبحانه .
وقوله : {وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} الظاهر في نوع من العتاب ردع عن نوع من خشية الله وهي خشيته عن طريق الناس وهداية إلى نوع آخر من خشيته تعالى وأنه كان من الحري أن يخشى الله دون الناس ولا يخفي ما في نفسه ما الله مبديه وهذا نعم الشاهد على أن الله كان قد فرض له أن يتروج زوج زيد الذي كان تبناه ليرتفع بذلك الحرج عن المؤمنين في التزوج بأزواج الأدعياء وهو(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخفيه في نفسه إلى حين مخافة سوء أثره في الناس فآمنه الله ذلك بعتابه عليه نظير ما تقدم في قوله تعالى : {يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك - إلى قوله - والله يعصمك من الناس} الآية .
فظاهر العتاب الذي يلوح من قوله : {وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} مسوق لانتصاره وتأييد أمره قبال طعن الطاعنين ممن في قلوبهم مرض نظير ما تقدم في قوله : {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } [التوبة : 43] .
ومن الدليل على أنه انتصار وتأييد في صورة العتاب قوله بعد : {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} حيث أخبر عن تزويجه إياها كأنه أمر خارج عن إرادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واختياره ثم قوله : {وكان أمر الله مفعولا} .
فقوله : {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} متفرع على ما تقدم من قوله : وتخفي في نفسك ما الله مبديه} وقضاء الوطر منها كناية عن الدخول والتمتع ، وقوله : {لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} تعليل للتزويج ومصلحة للحكم ، وقوله : {وكان أمر الله مفعولا} مشير إلى تحقق الوقوع وتأكيد للحكم .
ومن ذلك يظهر أن الذي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخفيه في نفسه هوما فرض الله له أن يتزوجها لا هواها وحبه الشديد لها وهي بعد مزوجة كما ذكره جمع من المفسرين واعتذروا عنه بأنها حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر فإن فيه أولا : منع أن يكون بحيث لا يقوى عليه التربية الإلهية ، وثانيا : أنه لا معنى حينئذ للعتاب على كتمانه وإخفائه في نفسه فلا مجوز في الإسلام لذكر حلائل الناس والتشبب بهن .
قوله تعالى : {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له} إلخ ، الفرض هو التعيين والإسهام يقال : فرض له كذا أي عينه له وأسهمه به ، وقيل : هو في المقام بمعنى الإباحة والتجويز ، والحرج الكلفة والضيق ، والمراد بنفي الحرج نفي سببه وهو المنع عما فرض له .
والمعنى : ما كان على النبي من منع فيما عين الله له أو أباح الله له حتى يكون عليه حرج في ذلك .
وقوله : {سنة الله في الذين خلوا من قبل} اسم موضوع موضع المصدر فيكون مفعولا مطلقا والتقدير سن الله ذلك سنة ، والمراد بالذين خلوا من قبل هم الأنبياء والرسل الماضون بقرينة قوله بعد : {الذين يبلغون رسالات الله} إلخ .
وقوله : {وكان أمر الله قدرا مقدورا} أي يقدر من عنده لكل أحد ما يلائم حاله ويناسبها ، والأنبياء لم يمنعوا مما قدره الله وأباحه لغيرهم حتى يمنع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعض ما قدر وأبيح .
قوله تعالى : {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} إلخ ، الموصول بيان للموصول المتقدم أعني قوله : {الذين خلوا من قبل} .
والخشية هي تأثر خاص للقلب عن المكروه وربما ينسب إلى السبب الذي يتوقع منه المكروه ، يقال : خشيت أن يفعل بي فلان كذا أو خشيت فلانا أن يفعل بي كذا ، والأنبياء يخشون الله ولا يخشون أحدا غيره لأنه لا مؤثر في الوجود عندهم إلا الله .
وهذا غير الخوف الذي هو توقع المكروه بحيث يترتب عليه الاتقاء عملا سواء كان معه تأثر قلبي أولا فإنه أمر عملي ربما ينسب إلى الأنبياء كقوله تعالى حكاية عن موسى (عليه السلام) : {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } [الشعراء : 21] ، وقوله في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال : 58] ، وهذا هو الأصل في معنى الخوف والخشية وربما استعملا كالمترادفين .
ومما تقدم يظهر أن الخشية منفية عن الأنبياء (عليهم السلام) مطلقا وإن كان سياق قوله : {يبلغون رسالات الله ويخشونه} إلخ ، يلوح إلى أن المنفي هو الخشية في تبليغ الرسالة .
على أن جميع أفعال الأنبياء كأقوالهم من باب التبليغ فالخشية في أمر التبليغ مستوعبة لجميع أعمالهم .
وقوله : {وكفى بالله حسيبا} أي محاسبا يحاسب على الصغيرة والكبيرة فيجب أن يخشى ولا يخشى غيره .
قوله تعالى : } ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} إلخ ، لا شك في أن الآية مسوقة لدفع اعتراضهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه تزوج زوج ابنه ومحصل الدفع أنه ليس أبا زيد ولا أبا أحد من الرجال الموجودين في زمن الخطاب حتى يكون تزوجه بزوج أحدهم بعده تزوجا بزوج ابنه فالخطاب في قوله : {من رجالكم} للناس الموجودين في زمن نزول الآية ، والمراد بالرجال ما يقابل النساء والولدان ونفي الأبوة نفي تكويني لا تشريعي ولا تتضمن الجملة شيئا من التشريع .
والمعنى : ليس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا أحد من هؤلاء الرجال الذين هم رجالكم حتى يكون تزوجه بزوج أحدهم بعده تزوجا منه بزوج ابنه وزيد أحد هؤلاء الرجال فتزوجه بعد تطليقه ليس تزوجا بزوج الابن حقيقة وأما تبنيه زيدا فإنه لا يترتب عليه شيء من آثار الأبوة والبنوة وما جعل أدعياءكم أبناءكم .
وأما القاسم والطيب والطاهر(2) وإبراهيم فإنهم أبناؤه حقيقة لكنهم ماتوا قبل أن يبلغوا فلم يكونوا رجالا حتى ينتقض الآية وكذا الحسن والحسين وهما ابنا رسول الله فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض قبل أن يبلغا حد الرجال .
ومما تقدم ظهر أن الآية لا تقتضي نفي أبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) للقاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وكذا للحسنين لما عرفت أنها خاصة بالرجال الموجودين في زمن النزول على نعت الرجولية .
وقوله : {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} الخاتم بفتح التاء ما يختم به كالطابع والقالب بمعنى ما يطبع به وما يقلب به والمراد بكونه خاتم النبيين أن النبوة اختتمت به (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا نبي بعده .
وقد عرفت فيما مر معنى الرسالة والنبوة وأن الرسول هو الذي يحمل رسالة من الله إلى الناس والنبي هو الذي يحمل نبأ الغيب الذي هو الدين وحقائقه ولازم ذلك أن يرتفع الرسالة بارتفاع النبوة فإن الرسالة من أنباء الغيب ، فإذا انقطعت هذه الأنباء انقطعت الرسالة .
ومن هنا يظهر أن كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين يستلزم كونه خاتما للرسل .
وفي الآية إيماء إلى أن ارتباطه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعلقه بكم تعلق الرسالة والنبوة وأن ما فعله كان بأمر من الله سبحانه .
وقوله : {وكان الله بكل شيء عليما} أي ما بينه لكم إنما كان بعلمه .
_______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص259-263 .
2- هذا على ما هو المعروف وقال بعضهم ، ان الطيب والطاهر لقبان للقاسم .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
تمرّد عظيم على العرف :
نعلم أنّ روح الإسلام التسليم ، ويجب أن يكون تسليماً لأمر الله تعالى بدون قيد أو شرط ، وقد ورد هذا المعنى في آيات مختلفة من القرآن الكريم ، وبعبارات مختلفة ، ومن جملتها الآية أعلاه ، والتي تقول : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} بل يجب أن يجعلوا إرادتهم تبعاً لإرادة الله تعالى ، كما أنّ كلّ وجودهم من الشعر حتّى أخمص القدمين مرتبط به ومذعن له .
(قضى) هنا تعني القضاء التشريعي ، والقانون والأمر والحكم والقضاء ، ومن البديهي أنّ الله تعالى غني عن طاعة الناس وتسليمهم ، ولم يكن النّبي (صلى الله عليه وآله) ينظر بعين الطمع لهذه الطاعة ، بل هي في الحقيقة لمصلحتهم ومنفعتهم ، فإنّهم قد يجهلونها لكون علمهم وآفاتهم محدودة ، إلاّ أنّ الله تعالى يعلمها فيأمر نبيّه بإبلاغها .
إنّ هذه الحالة تشبه تماماً حالة الطبيب الماهر الذي يقول للمريض : إنّني أبدأ بعلاجك إذا أذعنت لأوامري تماماً ، ولم تبد أي مخالفة تجاهها ، وهذه الكلمات تبيّن غاية حرص الطبيب على علاج مريضه ، والله تعالى أسمى وأرحم بعباده من مثل هذا الطبيب ، ولذلك أشارت الآية إلى هذه المسألة في نهايتها ، حيث تقول : {ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبيناً} .
فسوف يضلّ طريق السعادة ، ويسلك طريق الضلال والضياع ، لأنّه لم يعبأ بأمر ربّ الكون الرحيم ، وبأمر رسوله ، ذلك الأمر الضامن لخيره وسعادته ، وأيّة ضلالة أوضح من هذه؟!
ثمّ تناولت الآية التالية قصّة «زيد» وزوجته «زينب» المعروفة ، والتي هي إحدى المسائل الحسّاسة في حياة النّبي (صلى الله عليه وآله) ، ولها إرتباط بمسألة أزواج النّبي (صلى الله عليه وآله)التي مرّت في الآيات السابقة ، فتقول : {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتّق الله} .
والمراد من نعمة الله تعالى هي نعمة الهداية والإيمان التي منحها لزيد بن حارثة ، ومن نعمة النّبي (صلى الله عليه وآله) أنّه كان قد أعتقه وكان يعامله كولده الحبيب العزيز .
ويستفاد من هذه الآية أنّ شجاراً قد وقع بين زيد وزينب ، وقد استمرّ هذا الشجار حتّى بلغ أعتاب الطلاق ، وبملاحظة جملة (تقول) حيث إنّ فعلها مضارع ، يتسفاد أنّ النّبي كان ينصحه دائماً ويمنعه من الطلاق .
هل أنّ هذا الشجار كان نتيجة عدم تكافؤ الحالة الإجتماعية بين زينب وزيد ، حيث كانت من قبيلة معروفة ، وكان هو عبداً معتق؟
أم كان ناتجاً عن بعض الخشونة في أخلاق زيد؟
أولا هذا ولا ذاك ، بل لعدم وجود إنسجام روحي وأخلاقي بينهما ، فإنّ من الممكن أن يكون شخصان جيدين ، إلاّ أنّهما يختلفان من ناحية السلوك والفكر والطباع بحيث لا يستطيعان أن يستمرا في حياة مشتركة؟
ومهما يكن الأمر فإنّ المسألة إلى هنا ليست بذلك التعقيد .
ثمّ تضيف الآية : {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه} .
لقد أسهب المفسّرون هنا في الكلام ، وكان تسامح بعضهم في التعبيرات قد منح الأعداء حربة للطعن ، في حين يفهم من القرائن الموجودة في نفس الآية ، وسبب نزول الآيات ، والتأريخ ، أنّ معنى الآية ليس مطلباً ومبحثاً معقّداً ، وذلك : إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) كان قد قرّر أن يتّخذ «زينب» زوجة له إذا ما فشل الصلح بين الزوجين ووصل أمرهم إلى الطلاق لجبران هذه النكسة الروحية التي نزلت بابنة عمّته زينب من جرّاء طلاقها من عبده المعتق ، إلاّ أنّه كان قلقاً وخائفاً من أن يعيبه الناس ويثير مخالفيه ضجّة وضوضاء ، من جهتين :
الاُولى : أنّ زيداً كان ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتبنّي ، وكان الابن المتبنّى ـ طبقاً لسنّة جاهلية ـ يتمتّع بكلّ أحكام الابن الحقيقي ، ومن جملتها أنّهم كانوا يعتقدون حرمة الزواج من زوجة الابن المتبنّى المطلّقة .
والاُخرى : هي كيف يمكن للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يتزوّج مطلّقة عبده المعتق وهو في تلك المنزلة الرفيعة والمكانة السامية؟
ويظهر من بعض الروايات أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قد صمّم على أن يقدم على هذا الأمر بأمر الله سبحانه رغم كلّ الملابسات والظروف ، وفي الجزء التالي من الآية قرينة على هذا المعنى .
بناءً على هذا ، فإنّ هذه المسألة كانت مسألة أخلاقية وإنسانية ، وكذلك كانت وسيلة مؤثّرة لكسر سنّتين جاهليتين خاطئتين ، وهما : الإقتران بمطلّقة الابن المتبنّى ، والزواج من مطلّقة عبد معتق .
من المسلّم أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) لا ينبغي أن يخاف الناس في مثل هذه المسائل ، ولا يدع للضعف والتزلزل والخشية من تأليب الأعداء وشايعاتهم إلى نفسه سبيلا ، إلاّ أنّ من الطبيعي أن يبتلى الإنسان بالخوف والتردّد في مثل هذه المواقف ، خاصّة وأنّ أساس هذه المسائل كان إختيار الزوجة ، وأنّه كان من الممكن أن تؤثّر هذه الأقاويل والضجيج على إنتشار أهدافه المقدّسة وتوسّع الإسلام ، وبالتالي ستؤثّر على ضعفاء الإيمان ، وتغرس في قلوبهم الشكّ والتردّد .
لهذا تقول الآية في متابعة المسألة : إنّ زيد لمّا أنهى حاجته منها وطلّقها زوجناها لك : {فلمّا قضى زيد منها وطراً زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطراً} وكان لابدّ أن يتمّ هذا الأمر {وكان أمر الله مفعولا} .
«الأدعياء» جمع «دعي» ، أي الابن المتبنّى ، و«الوطر» هو الحاجة المهمّة ، وإختيار هذا التعبير في مورد طلاق زينب للطف البيان ، لئلاّ يصرّح بالطلاق الذي يعدّ عيباً للنساء ، بل وحتّى للرجال ، فكأنّ كلا من هذين الشخصين كان محتاجاً للآخر ليحيا حياة مشتركة لمدّة معيّنة ، وإفتراقهما كان نتيجة لإنتفاء هذه الحاجة ونهايتها .
والتعبير بـ (زوجناكها) دليل على أنّ هذا الزواج كان زواجاً بأمر الله ، ولذلك ورد في التواريخ أنّ زينب كانت تفتخر بهذا الأمر على سائر زوجات النّبي (صلى الله عليه وآله) ، وكانت تقول : زوّجكنّ أهلوكنّ وزوّجني الله من السماء(2) .
وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ القرآن الكريم يبيّن بمنتهى الصراحة الهدف الأصلي من هذا الزواج ، وهو إلغاء سنّة جاهلية كانت تقضي بمنع الزواج من مطلّقات الأدعياء ، وهذا بنفسه إشارة إلى مسألة كلّية ، وهي أنّ تعدّد زواج النّبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن أمراً عادياً بسيطاً ، بل كان يرمي إلى أهداف كان لها أثرها في مصير دينه .
وجملة {كان أمر الله مفعولا} إشارة إلى وجوب الحزم في مثل هذه المسائل ، وكلّ عمل ينبغي فعله يجب أن ينجز ويتحقّق ، حيث لا معنى للإستسلام أمام الضجيج والصخب في المسائل التي تتعلّق بالأهداف العامّة والأساسية .
ويتّضح من التّفسير الواضح الذي أوردناه في بحث الآية أعلاه أنّ الإدّعاءات التي أراد الأعداء أو الجهلاء إسنادها لهذه الآية لا أساس لها مطلقاً ، وسنعطي في بحث الملاحظات توضيحاً أكثر في هذا الباب إن شاء الله تعالى .
وتقول الآية الأخيرة في تكميل المباحث السابقة : {ما كان على النّبي من حرج فيما فرض الله} فحيث يأمره الله سبحانه لا تجوز المداهنة في مقابل أمره تعالى ، ويجب تنفيذه بدون أيّ تردّد .
إنّ القادة الربانيين يجب أن لا يصغوا إلى كلام هذا وذاك لدى تنفيذ الأوامر الإلهيّة ، أو يراعوا الأجواء السياسية والآداب والأعراف الخاطئة السائدة في المحيط ، وربّما كان هذا الأمر قد صدر لتمزيق هذه الأعراف المغلوطة ، ولتحطيم البدع القبيحة .
إنّ القادة الإلهيين يجب أن ينفّذوا أمر الله بدون خوف من الملامة والعتاب والضجّة والغوغاء ، وأن كونوا مصداق { وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ } [المائدة : 54] .
إنّنا إذا أردنا أن نجلس وننتظر رضا الجميع وسرورهم ثمّ ننفّذ أمر الله سبحانه ، فلنعلم أنّ هذا الأمر لا يمكن تحقّقه ، لأنّ بعض الفئات لا ترضى حتّى نستسلم لما تريد ونتّبع دينها وفكرها ، كما يقول القرآن الكريم ذلك : {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة : 120] .
وكذلك كان الأمر في مورد الآية التي نبحثها ، لأنّ زواج النّبي (صلى الله عليه وآله) من زينب كان يكتنفه في أفكار الناس العامّة إشكالان كما قلنا :
الأوّل : أنّ الزواج بمطلّقة المدّعى كان في نظر اُولئك كالزواج بزوجة الابن الحقيقي ، وكانت هذه بدعة يجب أن تُلغى .
والآخر : أنّ زواج رجل مرموق له مكانته في المجتمع كالنّبي (صلى الله عليه وآله) من مطلّقة غلام محرّر كان يعدّ عيباً وعاراً ، لأنّه يجعل النّبي والعبد في مرتبة واحدة ، وهذه الثقافة الخاطئة كان يجب أن تقلع وتجتّث من الجذور لتُزرع مكانها القيم الإنسانية ، وكون الزوجين كفؤين لبعضهما إنّما يستقيم ويقاس على أساس الإسلام والإيمان والتقوى وحسب .
وأساساً فانّ مخالفة السنن والأعراف ، وإقتلاع الآداب والعادات الخرافية وغير الإنسانية يقترن عادةً بالضجيج والغوغاء والصخب ، وينبغي أن لا يهتمّ الأنبياء بهذا الضجيج والصخب مطلقاً ، ولذلك تعقب الجملة التالية فتقول : {سنّة الله في الذين خلوا من قبل} .
فلست الوحيد المبتلى بهذه المشكلة ، بل إنّ الأنبياء جميعاً كانوا يعانون هذه المصاعب عند مخالفتهم سنن مجتمعاتهم ، وعند سعيهم لإجتثاث اُصول الأعراف الفاسدة منها .
ولم تكن المشكلة الكبرى منحصرة في محاربة هاتين السنّتين الجاهليتين ، بل إنّ هذا الزواج لمّا كان مرتبطاً بالنّبي (صلى الله عليه وآله) فإنّه يمكن أن يعطي الأعداء حربة اُخرى ليعيبوا على النّبي (صلى الله عليه وآله) فعله ، ويطعنوا في دينه ، وسيأتي تفصيل ذلك .
ويقول الله سبحانه في نهاية الآية تثبيتاً لاتّباع الحزم في مثل هذه المسائل الأساسية : {وكان أمر الله قدراً مقدوراً} .
إنّ التعبير بـ {قدراً مقدوراً} قد يكون إشارة إلى كون الأمر الإلهي حتمياً ، ويمكن أن يكون دالا على رعاية الحكمة والمصلحة فيه ، إلاّ أنّ الأنسب في مورد الآية أن يراد منه كلا المعنيين ، أي أنّ أمر الله تعالى يصدر على أساس الحساب الدقيق والمصلحة ، وكذلك لابدّ من تنفيذه بدون إستفهام أو تلكّؤ .
والطريف أنّنا نقرأ في التواريخ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قد أولم للناس وليمة عامّة لم يكن لها نظير فيما سبق إقترانه بزوجاته(3) ، فكأنّه أراد بهذا العمل أن يبيّن للناس أنّه غير قلق ولا خائف من السنن الخرافية التي كانت سائدة في تلك البيئة ، بل إنّه يفتخر بتنفيذ هذا الأمر الإلهي ، إضافةً إلى أنّه كان يطمح إلى أن يصل صوت إلغاء هذه السنّة الجاهلية إلى آذان جميع من في جزيرة العرب عن هذا الطريق .
وقوله تعالى : {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَلَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً} :
من هم المبلّغون الحقيقيون ؟
تشير الآية مورد البحث ، ومناسبة للبحث الذي مرّ حول الأنبياء السابقين في آخر آية من الآيات السابقة ، إلى أحد أهم برامج الأنبياء العامّة ، فتقول : {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاّ الله} .
وكذلك الحال بالنسبة إليك ، فينبغي أن لا تخش أحداً في تبليغ رسالات الله ، وعندما يأمرك الله سبحانه أن حطّم سنّة جاهلية خاطئة في مسألة زواج مطلّقة المتبنّي ، وتزوّج بزينب مطلّقة زيد ، فيجب أن لا تدع لأدنى قلق وخوف من قول هذا وذاك في تأدية هذا التكليف إلى نفسك سبيلا ، فإنّ هذه سنّة جميع الأنبياء (عليهم السلام) .
إنّ عمل الأنبياء (عليهم السلام) في كثير من المراحل هو كسر مثل هذه السنن والأعراف عادةً ، ولو أنّهم سمحوا لأقلّ خوف وتردّد أن ينفذ إلى نفوسهم فسوف يفشلون في أداء رسالاتهم ، فيجب على هذا أن يسيروا بحزم وثبات ، ويستوعبوا كلمات المسيئين الجارحة غير المتزنة ، ويستمرّوا في طريقهم دون أن يهتّموا بإصطناع الأجواء ضدّهم ، وضجيج العوام ، وتآمر الفاسدين والمفسدين وتواطئهم ، لأنّ كلّ الحسابات بيد الله سبحانه ، ولذلك تقول الآية في النهاية : {وكفى بالله حسيباً} .
إنّه يحسب إيثار الأنبياء وتضحياتهم في هذا الطريق ويجزيهم عليها ، كما يحفظ كلمات الأعداء البذيئة وثرثرتهم ليحاسبهم عليها ويجازيهم .
إنّ جملة : {وكفى بالله حسيباً} دليل في الحقيقة على أنّ القادة الإلهيين يجب أن لا يخشوا شيئاً أو أحداً في إبلاغ الرسالات ، لأنّ الله سبحانه هم المحصي لجهودهم ، وهو المثيب عليها .
وقوله تعالى : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيماً} :
مسألة الخاتمية :
هذه الآية هي آخر ما بيّنه الله سبحانه فيما يتعلّق بمسألة زواج النّبي (صلى الله عليه وآله)بمطلّقة زيد لكسر عرف جاهلي خاطيء ، وهي جواب مختصر كآخر جواب يقال هنا ، وتبيّن في نهايتها حقيقة مهمّة اُخرى ـ وهي مسألة الخاتمية ـ بمناسبة خاصّة .
تقول أوّلا : {ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم} لا زيد ولا غيره ، وإذا ما أطلقوا عليه يوماً انّه «ابن محمّد» فإنّما هو مجرّد عادة وعرف ليس إلاّ ، وما إن جاء الإسلام حتّى اجتثّت جذوره ، وليس هو رابطة طبيعيّة عائلية .
طبعاً كان للنبي (صلى الله عليه وآله) أولاد حقيقيون ، وأسماؤهم «القاسم» و«الطيّب» و«الطاهر» و«إبراهيم» ، إلاّ أنّهم ـ طبقاً لنقل المؤرخّين ـ جميعاً قد ودّعوا هذه الدنيا وارتحلوا عنها قبل البلوغ ، ولذلك لم يطلق عليهم أنّهم «رجال»(4) .
والإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) اللذان كانوا يسمّونهم أولاد النّبي رغم انّهما بلغا سنين متقدّمة في العمر ، إلاّ أنّهما كانا لا يزالان صغيرين عند نزول هذه الآية . بناءً على هذا فإنّ جملة : {ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم} والتي وردت بصيغة الماضي ، كانت صادقة في حقّ الجميع قطعاً .
وإذا ما رأينا في بعض تعبيرات النّبي (صلى الله عليه وآله) نفسه أنّه يقول : «أنا وعلي أبوا هذه الاُمّة» فمن المسلّم أنّ المراد لم يكن الاُبوّة النسبية ، بل الاُبوّة الناشئة من التعليم والتربية والقيادة والإرشاد .
مع هذه الحال ، فإنّ الزواج من مطلقّة زيد ـ والذي بيّن القرآن فلسفته بصراحة بأنّه إلغاء للسنن الخاطئة ـ لم يكن شيئاً يبعث على البحث والجدال بين هذا وذاك ، أو أنّهم يريدون أن يتّخذوه وسيلة للوصول إلى نواياهم السيّئة .
ثمّ تضيف : بأنّ علاقة النّبي (صلى الله عليه وآله) معكم إنّما هي من جهة الرسالة والخاتمية فقط (ولكن رسول الله وخاتم النّبيين) وبهذا قطع صدر الآية الإرتباط والعلاقة النسبية بشكل تامّ وقطعي ، وأثبت ذيلها العلاقة المعنوية الناشئة من الرسالة والخاتمية ، ومن هنا يتّضح ترابط صدر الآية وذيلها .
هذا إضافةً إلى أنّ الآية تشير إلى حقيقة هي : أنّ علاقته معكم في الوقت نفسه أشدّ وأسمى من علاقة والد بولده ، لأنّ علاقته علاقة الرّسول بالاُمّة ، ويعلم أنّ سوف لا يأتي رسول بعده ، فكان يجب عليه أن يبيّن لهذه الاُمّة ويطرح لها كلّ ما تحتاجه إلى يوم القيامة في منتهى الدقّة وغاية الحرص عليها .
ولا شكّ أنّ الله العليم الخبير قد وضع تحت تصرّفه كلّ ما كان لازماً في هذا الباب ، من الاُصول والفروع ، والكليّات والجزئيات في جميع المجالات ، ولذلك يقول سبحانه في نهاية الآية : {وكان الله بكلّ شيء عليماً} .
وينبغي الإلتفات إلى أنّ كونه «خاتم الأنبياء» يعني أيضاً أنّه خاتم المرسلين ، وما ألصقه بعض مبتدعي الأديان لخدش كون مسألة الخاتمية بهذا المعنى ، من أنّ القرآن قد اعتبر النّبي (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء لا خاتم المرسلين ، إنّما هو إشتباه كبير ، لأنّ من كان خاتماً للأنبياء يكون خاتماً للرسل بطريق أولى ، لأنّ مرحلة «الرسالة» أسمى من مرحلة «النبوّة» ـ تأمّلوا ذلك ـ .
إنّ هذا الكلام يشبه تماماً أن نقول : إنّ فلاناً ليس في بلاد الحجاز ، فمن المسلّم أنّ هذا الشخص سوف لا يكون موجوداً في مكّة ، أمّا إذا قلنا : إنّه ليس في مكّة ، فمن الممكن أن يكون في مكان آخر من الحجاز .
بناءً على هذا ، فإنّه تعالى لوكان قد سمّى النّبي خاتم المرسلين ، فمن الممكن أن لا يكون خاتم الأنبياء ، أمّا وقد سمّاه «خاتم الأنبياء» فمن المسلّم أنّه سيكون خاتم الرسل أيضاً ، وبتعبير المصطلحات فإنّ النسبة بين النّبي والرّسول نسبة العموم والخصوص المطلق .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص406-421 .
2 ـ الكامل لابن الأثير ، المجلّد 2 ، ص177 . وممّا يستحقّ الإلتفات أنّ زواج النّبي (صلى الله عليه وآله) من زينب قد تمّ في السنة الخامسة للهجرة . المصدر السابق .
3 ـ يروي المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي في مجمع البيان : فتزوّجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) . . . وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ، ذبح شاة ، وأطعم الناس الخبز واللحم حتّى امتدّ النهار . مجمع البيان ، ج8 ، ص361 .
4 ـ تفسير القرطبي ، وتفسير الميزان ذيل الآية مورد البحث .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|