المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



تفسير الآية (48-56) من سورة يونس  
  
2123   10:43 صباحاً   التاريخ: 11-3-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /

 

قال تعالى { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَونَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوقُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [يونس:48-56]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما وعد سبحانه المكذبين بين عقيبه أنهم إذا استعجلوا ذلك على سبيل التكذيب والرد فقال {ويقولون}أي: ويقول هؤلاء المشركون { مَتَى هَذَا الْوَعْدُ }الذي تعدنا به من البعث وقيام الساعة وقيل من العذاب {إن كنتم صادقين}في ذلك.

 {قل} يا محمد جوابا لهم { لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا }أي: لا أقدر لنفسي على ضر أونفع { إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } أن يملكني أويقدرني عليه فكيف أقدر لكم لأني إذا لم أقدر على ذلك كنت عن إنزال العذاب وعن معرفة وقته أعجز أويكون معناه إذا لم أملك لنفسي شيئا من ذلك إلا ما ملكنيه الله تعالى فكيف أملك تقديم القيامة وتعجيل العقوبة قبل الوقت المقدر له {لكل أمة أجل}أي: لكل أمة في عذابها على تكذيب الرسل وقت معلوم { إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُو} فلا يتأخرون عن ذلك الوقت ولا يتقدمون عليه بل يهلكهم في ذلك الوقت بعينه.

 {قل} يا محمد لهؤلاء المكذبين المستعجلين بالعذاب {أرأيتم}أي: أعلمتم {إن أتاكم عذابه}أي: عذاب الله {بياتا}أي: ليلا {أونهارا ما ذا يستعجل منه المجرمون}وهذا استفهام معناه التقطيع والتهويل كما يقول الإنسان لمن هو في أمر يستوخم عاقبته ما ذا تجني على نفسك وهذا جواب لقولهم متى هذا الوعد وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) يريد بذلك عذابا ينزل من السماء على فسقة أهل القبلة في آخر الزمان ونعوذ بالله منه.

 { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ }هذا استفهام معناه الإنكار وتقديره أحين وقع بكم العذاب المقدر الموقت آمنتم به أي بالله في وقت اليأس وقيل بالقرآن وقيل بالعذاب الذي كنتم تنكرونه فيقال لكم آلآن تؤمنون وقد اضطررتم لحلوله {وقد كنتم به}أي بالعذاب {تستعجلون}من قبل مكذبين مستهزئين وقال الحسن معناه ثم إنكم ستؤمنون به عند وقوع العذاب فلا ينفعكم إيمانكم ونظيره آلآن وقد عصيت قبل { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ }أي: ثم يقال يوم القيامة للذين ظلموا أنفسهم ذوقوا عذاب الدوام في الآخرة بعد عذاب الدنيا { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ }معناه أنكم قد دعيتم وهديتم وبين لكم الأدلة وأزيحت عنكم العلة فأبيتم إلا التمادي في الكفر والانهماك في الغي فذوقوا جزاء أعمالكم وإنما شبهوا بالذائق وهو الذي يطلب الطعم بالفم لأنه أشد إحساسا وقيل لأنهم يتجرعون العذاب بدخوله أجوافهم .

{ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} يا محمد أي يطلبون منك أن تخبرهم { أَحَقٌّ هُوَ } أي: أحق ما جئت به من القرآن والنبوة والشريعة وقيل أحق ما تعدنا من البعث والقيامة والعذاب عن الجبائي {قل} يا محمد {إي وربي}أي: نعم وحق الله {إنه لحق}لا شك فيه {وما أنتم بمعجزين}أي: بسابقين فائتين وهذا الاستخبار يحتمل أن يكون إنما وقع منهم على وجه التعريف والاستفهام ويحتمل أن يكون وقع على وجه الاستهزاء {ولوأن لكل نفس ظلمت}أي: أشركت بالله عن ابن عباس وقيل ظلمت بكل ما يسمى ظلما {ما في الأرض}من الأموال {لافتدت به} من هول ما يلحقها من العذاب {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب}أي: أخفوا الندامة أي أسر الندامة رؤساء الضلالة من الأتباع والسفلة وقيل: أسروا الندامة أي: أخلصوها والندامة الحسرة على ما كان يتمنى أنه لم يكن وقيل: أسروا أي أظهروا عن أبي عبيدة والجبائي وقال الأزهري وهذا غلط لأن ما يكون بمعنى الإظهار يكون بالشين المنقطة من فوق { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ }أي: فصل بينهم بالعدل {وهم لا يظلمون}فيما يفعل بهم من العقاب لأنهم جنوه على أنفسهم وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إنما أسروا الندامة وهم في النار كراهية لشماتة الأعداء على أنفسهم {ألا إن لله ما في السماوات والأرض}أي: له ملك السماوات والأرض وما فيهما فلا يقدر أحد على منعه من إحلال العقاب بمملوكه المستحق له {ألا إن وعد الله} بإحلال العقاب بالمجرمين {حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} صحة ذلك لجهلهم به تعالى وبصحة ما أتى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {هو يحيي}أي: يحيي الخلق بعد كونهم أمواتا {ويميت}أي: يميتهم بعد أن كانوا أحياء { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }يوم القيامة فيجازيهم على أعمالهم.

 قال الجبائي وفي هذه الآية دلالة على أنه لا يقدر على الحياة إلا الله تعالى لأنه تعالى تمدح بكونه قادرا على الإحياء والإماتة .

_____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5،ص196-199.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ويَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}. في الآية السابقة 45 هدد سبحانه المكذبين بلقائه ، هددهم بأنه سيحييهم بعد الموت ، ويعاقبهم على تكذيبهم .

وفي هذه الآية 48 أشار تعالى إلى انهم أجابوا عن هذا التهديد بقولهم استخفافا واستهزاء : متى يكون ذلك ؟ . {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ}أي انكم تسألونني عن شيء لا أملك من أمره شيئا ، بل ولا من أمر نفسي ، فبالأولى غيرها . وتقدم نظيره في سورة الأعراف الآية 187 .

{ولِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ}.

تقدم مثله في سورة الأعراف الآية 33 ، وتكلمنا عن الأجل مفصلا في ج 2 ص 171 فقرة {الأجل محتوم}عند تفسير الآية 145 من سورة آل عمران .

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَونَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ}.

أرأيتم معناها أخبروني . . كذب المشركون بعذاب الآخرة ، واستعجلوه مستهزئين ، فأمر اللَّه نبيه ان يقول لهم : أخبروني ما أنتم صانعون إذا نزل بكم العذاب ، وأنتم إيقاظ أونيام ، ثم أي عذاب تستعجلون أيها الحمقى ؟ هل تستعجلون عذاب الدنيا ، أوعذاب الآخرة ؟ وأيا كان هل تقدرون على دفعه والخلاص منه ؟ وهل من أحد يستطيع الفرار من اللَّه الا إليه ؟ .

{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ}. لقد شاهدنا كثيرا من الحمقى يحاولون الاقدام على الأخطار والمهالك ، أويحجمون عما فيه خيرهم وصلاحهم ، فينصحهم العقلاء المشفقون ، ويحذرونهم سوء العواقب ، فيصمون آذانهم ، ويركبون عنادهم ، فيفعلون الشر ، أويتركون الخير مستخفين بالعاقبة ومن حذّر منها ، حتى إذا وقعت الواقعة قالوا : يا حسرتنا على ما فرطنا في نصح الناصحين . . وهذا هو بالذات حال المكذبين باليوم الآخر ، كذبوا به ، حيث ينفعهم التصديق والعمل ، وصدقوا به ، حيث لا عمل ولا جدوى من الاعتراف والتصديق .

{آلآنَ وقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}آلآن وأنتم في يوم الحساب والعقاب الذي لا ايمان فيه ولا عمل تعترفون وتؤمنون ، وفي يوم الايمان والعمل أنكرتم وأعرضتم ؟ .

ان الايمان باللَّه واليوم الآخر هو الاعتراف بهما في علم الغيب ، اما الاعتراف بهما بعد الرؤية وجها لوجه فما هو من الايمان المطلوب في شيء ، وان استحال الفرض بالنسبة إلى رؤيته تعالى .

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ}. السجن المؤبد في الحياة الدنيا

ينتهي بالموت ، اما من سجن في جهنم فلا يقضى عليه فيموت ، ولا يخفف عنه من عذابها {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}. ولوعوقبوا بما لم يكسبوا لكان اللَّه ظالما . . حاشا من لا يشغله غضبه عن عدله .باللَّه عليك يا محمد أنت نبي ؟

{ويَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ}العذاب الذي وعدتنا به {قُلْ إِي ورَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}. ذكر القرآن الكثير من الآيات والبينات على نبوة محمد وصدقه في جميع أقواله وأفعاله ، منها آية التحدي بالقرآن ، ومنها آية المباهلة ، ومنها الآية 16 من هذه السورة : {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}.

ووجه الدلالة فيها أن من عرفه الناس بالأمانة والصدق والاستقامة أربعين عاما فعليهم أن يصدقوه في جميع أقواله ، حتى يثبت العكس . . وقد اشتهر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قبل البعثة بالصادق الأمين فعلى من عرفه بهذا الوصف ان يصدقه في دعوى النبوة انسجاما مع علمه بأمانة محمد (صلى الله علبه واله وسلم) . . ولكن الأهواء والمآرب تحول بين المرء وقلبه وعقله . . أما الذين تجردوا عن الغايات والشهوات ، وطلبوا الحق لوجه الحق فقد آمنوا به منذ البداية ، ومن هؤلاء من اكتفى بمجرد قوله : أنا رسول اللَّه ، ولم يطلب بينة ولا يمينا معتمدا على السوابق كعلي بن أبي طالب ، ومنهم من طلب البينة ، ومنهم من اكتفى باليمين كضمام بن ثعلبة : قال الرواة : وفيهم الإمام ابن حنبل والبخاري ومسلم :

بينما رسول اللَّه في المسجد إذ دخل رجل ، وقال : أيكم محمد ؟ . فأرشد إليه .

قال الرجل لمحمد (صلى الله علبه واله وسلم) : اني أسألك فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد علي في نفسك .

النبي : سل ما بدا لك .

الرجل : أسألك بربك ورب من قبلك : هل أرسلك اللَّه إلى الناس كلهم ؟

النبي : اللهم نعم .

الرجل : أنشدك اللَّه : هل أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟

النبي : اللهم نعم .

الرجل : أنشدك اللَّه : هل أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة ؟ .

النبي : اللهم نعم .

الرجل : أنشدك اللَّه : هل أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ .

النبي : اللهم نعم .

الرجل : آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي . . أنا ضمام ابن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر . ثم خرج الرجل من المسجد ، وكان أشعر ذا عقيصتين - العقيصة من الشعر المفتول والمجدول - فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : ان صدق الرجل يدخل الجنة .

ولما أقدم على قومه اجتمعوا إليه : فكان أول كلامه ان قال : بئست اللات والعزى . فقالوا : صه يا ضمام ، اتق البرص والجذام . قال : ويلكم انهما ما يضران ولا ينفعان ، ان اللَّه قد بعث إليكم رسولا ، وأنزل كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه ، واني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ، قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه .

وكما آمن هوبمحمد من أيسر الطرق وأبسطها كذلك أسلم قومه رجالا ونساء من هذا الطريق بالذات . وهكذا كل من كان الحق بغيته وأمنيته يؤمن به بمجرد أن تلوح دلائله ، من أي نحوأتت ، تماما كصاحب الحاجة يعمى عن كل شيء الا عنها . . وقديما قيل : الحكمة ضالة المؤمن يأخذها انّى وجدها . والمراد بالمؤمن كل من يؤمن بالحق بمجرد ظهوره من غير كلفة ومشقة : {والْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً - 57 الأعراف}.

{ولَوأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ}من هول العذاب وشدته ، ولا ينفعها الفداء شيئا . والغرض من هذا الفرض التأكيد على أنه لا يجدي في ذاك اليوم شيء الا الايمان والعمل الصالح : {ولا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ ولا

تَنْفَعُها شَفاعَةٌ ولا هُمْ يُنْصَرُونَ - 123 البقرة}{وأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ}ولكن حيث لا ينفع الندم أسرّوه ، أم أعلنوه {وقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ}تقدم هذا بنصه الحرفي في الآية 47 من هذه السورة ، وذكر هناك لمناسبة تحذير الرسول للمكذبين ، وأعيد هنا لمناسبة عدم الجدوى من الفداء لوأمكن .

{أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ والأَرْضِ}يحكم ويفعل ما يشاء ، ولا رادّ لمشيئته {أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}في مجيء اليوم الآخر وثوابه وعقابه ، وفي كل ما وعد {ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}ان الساعة آتية لا ريب فيها وان اللَّه يبعث من في القبور . . وأكثر الذين يعلمون ويؤمنون بهذا البعث لا يعملون له . وإذا كانت الأكثرية على وجه العموم لا تعلم ، وأكثرية {الأقلية}التي تعلم لا تعمل فالنتيجة الحتمية ان العالم العامل أندر من الذهب الأحمر .

{هُويُحيِي ويُمِيتُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. فيعاقب من علم ولم يعمل بعذاب أشد وأعظم من عذاب من أهمل وقصّر في طلب المعرفة من أجل العمل . . ان هذا مسؤول ما في ذلك ريب ، ولكن مسؤولية من ترك العمل بعلمه أعظم بكثير . .

ان السعي لوفاء الدين واجب ومن تركه فهو آثم ، ولكن إثم من ترك ، وهو يملك المال بالفعل ، أشد وأعظم .

_____________________

1- تفسير الكاشف ،محمد جواد مغنيه ،ج4،ص166-170.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} سؤال منهم عن وقت هذا القضاء الموعود، وهوالقضاء بينهم في الدنيا، والسائلون هم بعض المشركين من معاصري النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والدليل عليه أمره أن يجيبهم بقوله:{قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل} إلخ، فقول بعضهم: إن السؤال عن عذاب يوم القيامة أوإن السائلين بعض المشركين من الأمم السابقة لا يلتفت إليه.

قوله تعالى:{ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } إلى آخر الآية، لما كان قولهم:{متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} في معنى قولنا: أي وقت يفي ربك بما وعدك أويأتي بما أوعدنا به أنه يقضي بيننا وبينك فيهلكنا وينجيك والمؤمنين بك فيصفولكم الجوويكون لكم الأرض وتخلصون من شرنا؟ فهلا عجل لكم ذلك وذلك - أن كلامهم مسوق سوق الاستعجال تعجيزا واستهزاء كما تدل على استعجالهم الآيات التالية وهذا نظير قولهم:{لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين:} الحجر: - 7.

لقن سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبدأهم في الجواب ببيان أنه لا يملك لنفسه ضرا حتى يدفعه عنها ولا نفعا حتى يجلبه إليها ويستعجل ذلك إلا ما شاء الله أن يملكه من ضر ونفع فالأمر إلى الله سبحانه جميعا، واقتراحهم عليه بأن يعجل لهم القضاء والعذاب من الجهل.

ثم يجيب عن سؤالهم عن أصل تعيين الوقت جوابا إجماليا بالإعراض عن تعيين الوقت والإقبال على ذكر ضرورة الوقوع، أما الأول فإنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وأمره الذي لا يتسلط عليه إلا هو، وقد تقدم قوله في آيات السورة:{ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين:} الآية - 20 من السورة.

وأما الثاني أعني ذكر ضرورة الوقوع فقد بين ذلك بالإشارة إلى حقيقة هي من النواميس العامة الجارية في الكون تنحل بها العقدة وتندفع بها الشبهة، وهي أن لكل أمة أجلا لا يتخطاهم ولا يتخطونه فهوآتيهم لا محالة، وإذا أتاهم لم يخبط في وقوعه موقعه ولا ساعة، وهو قوله تعالى:{لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} أي وأنتم أمة من الأمم فلا محالة لكم أيضا أجل كمثلهم إذا جاءكم لا تستأخرون ساعة ولا تستقدمون.

فإذا فقهوا هذا الكلام وتدبروه بأن لهم أن لكل أمة حياة اجتماعية وراء الحياة الفردية التي لكل واحد من أفرادها ولحياتها من البقاء والعمر ما قضى به الله سبحانه لها ولها، من السعادة والشقاوة والتكليف والرشد والغي والثواب والعقاب نصيبها، وهي مما اعتنى بها التدبير الإلهي نظير الفرد من الإنسان حذوالنعل بالنعل.

ويدلهم على ذلك ما يحدثهم به التاريخ ويفصح عنه الآثار من ديارهم الخربة ومساكنهم الخالية، وقد قص عليهم القرآن أخبار بعضهم كقوم نوح، وعاد قوم هود، وثمود قوم صالح، وكلدة قوم إبراهيم وأهل سدوم وسائر المؤتفكات قوم لوط والقبط قوم فرعون وغيرهم.

فهؤلاء أمم منقرضة سكنت أجراسهم وخمدت أنفاسهم ولم ينقرضوا إلا بعذاب وهلاك، ولم يعذبوا إلا بعد ما جاءتهم رسلهم بالبينات ولم يأت قوما منهم رسوله إلا واختلفوا في الحق الذي جاءهم فمنهم من آمن به ومنهم من كذب به وهم الأكثرون.

فهذا يدلهم على أن هذه الأمة - وقد اختلفوا في الحق لما جاءهم - سيقضي الله بين رسوله وبينهم فيأخذهم بما أخذ به من خلت من قبلهم من الأمم وإن الله لبالمرصاد.

وعلى الباحث المتدبر أن يتنبه لأن الله سبحانه وإن بدأ في وعيده بالمشركين غير أنه هدد في أثناء كلامه المجرمين فتعلق الوعيد بهم، ومن أهل القبلة مجرمون كغيرهم فلينتظروا عذابا واصبا يفصل به الله بينهم وبين نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولينسوا ما يلقيه الشيطان في روعهم أن أمتهم هذه أمة مرحومة رفع الله عنهم عذاب الدنيا إكراما منه لنبيهم نبي الرحمة فهم في أمن من عذاب الله وإن انهمكوا في كل إثم وخطيئة وهتكوا كل حجاب مع أنه لا كرامة عند الله إلا بالتقوى وقد خاطب المؤمنين من هذه الأمة بمثل قوله:{ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به:} النساء: - 123.

وربما تعدى المتعدي فعطف عذاب الآخرة على عذاب الدنيا فذكر أن الأمة مغفور لهم محسنهم ومسيئهم فلا يبقى لهم في الدنيا إلا كرامة أن لهم أن يفعلوا ما شاءوا فقد أسدل الله عليهم حجاب الأمن ولا في الآخرة إلا المغفرة والجنة.

ولا يبقى على هذا للملة والشريعة إلا أنها تكاليف وأحكام جزافية لعب بها رب العالمين ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون تعالى عما يقولون علوا كبيرا.

فهذا كله من الإعراض عن ذكر الله وهجر كتابه، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.

قوله تعالى:{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ } إلى آخر الآيتين، البيات والتبييت الإتيان ليلا ويغلب في الشر كقصد العدوعدوه ليلا.

ولما كان قولهم:{متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} في معنى استعجال آية العذاب التي يلجئهم إلى الإيمان رجع بعد بيان تحقق الوقوع إلى توبيخهم وذمهم من الجهتين فوبخهم أولا على استعجالهم بالعذاب، وهوعذاب فجائي من الحزم أن يكون الإنسان منه على حذر لا أن يستعجل فيه فقال تعالى ملقنا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):{قل أ رأيتم} وأخبروني }إن أتاكم عذابه بياتا} ليلا{أونهارا} فإنه عذاب لا يأتيكم إلا بغتة إذ لستم تعلمون وقت نزوله{ما ذا يستعجل منه} من العذاب{المجرمون} أي ما ذا تستعجلون منه وأنتم مجرمون لا يتخطاكم إذا أتاكم.

ففي قوله:{ما ذا يستعجل منه المجرمون} التفات من الخطاب إلى الغيبة وكان النكتة فيه رعاية حالهم أن لا يشافهوا بصريح الشر وليكون تعرضا لملاك نزول العذاب عليهم وهو إجرامهم.

ووبخهم ثانيا على تأخير إيمانهم إلى حين لا ينفعهم الإيمان فيه وهوحين نزول العذاب فإن آية العذاب يلجئهم إلى الإيمان قطعا على ما هوالمجرب من إيمان الإنسان عند إشراف الهلكة، ومن جهة أخرى الإيمان توبة والتوبة غير مقبولة عند ظهور آية العذاب والإشراف على الموت.

فقال تعالى:{أ ثم إذا ما وقع} العذاب{آمنتم به} أي بالقرآن أوبالدين أوبالله{الآن} أي أ تؤمنون به في هذا الآن والوقت{وقد كنتم به تستعجلون} وكان معنى استعجالهم عدم الاعتناء بشأن هذا العذاب وتحقيره بالاستهزاء به.

قوله تعالى:{ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} الأشبه أن تكون الآية متصلة بقوله تعالى:{لكل أمة أجل} إلخ، فتكون الآية الأولى تبين تحقق وقوع العذاب عليهم وإهلاكه إياهم، والآية الثانية تبين أنه يقال لهم بعد الوقوع والهلاك: ذوقوا عذاب الخلد وهوعذاب الآخرة ولا تجزون إلا أعمالكم التي كنتم تكسبونها وذنوبكم التي تحملونها والخطاب تكويني كني به عن شمول العذاب لهم ونيله إياهم، وعلى هذا المعنى فالآيتان:{قل أ رأيتم - إلى قوله - تستعجلون} واردتان مورد الاعتراض.

قوله تعالى:{ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} إلى آخر الآية - يستنبؤنك - أي يستخبرونك وقوله:{أحق هو} بيان له، والضمير على ما يفيده السياق راجع إلى القضاء أوالعذاب، والمآل واحد، وقد أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يؤكد القول في إثباته من جميع جهاته، وبعبارة أخرى أن يجيبهم بوجود المقتضي وعدم المانع.

فقوله:{قل إي وربي إنه لحق} إثبات لتحققه وقد أكد الكلام بالقسم والجملة الاسمية وإن واللام، وقوله:{وما أنتم بمعجزين} بيان أنه لا مانع هناك يمنع من حلول العذاب بكم.

قوله تعالى:{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ } إلى آخر الآية، إشارة إلى شدة العذاب وأهمية التخلص منه عندهم، وإسرار الندامة إخفاؤها وكتمانها خشية الشماتة ونحوها، والظاهر أن المراد بالقضاء والعذاب في الآية هوالقضاء والعذاب الدنيويان لا غير.

قوله تعالى:{ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } الآية وما بعدها بيان برهاني على حقية ما ذكره من كونه حقا واقعا لا يمنع عنه مانع فإن كل شيء مما في السماوات والأرض إذا كان مملوكا لله وحده لا شريك له كان كل تصرف مفروض فيها إليه تعالى، ولم يكن لغيره شيء من التصرف إلا بإذنه فإذا تصرف في شيء كان مستندا إلى إرادته فقط من غير أن يستند إلى مقتض آخر خارج يتصرف في ذاته المقدسة فيحمله على الفعل، أويتقيد بعدم مانع خارجي إذا وجد تصرف فيه سبحانه بمنعه عن الفعل، فهوتعالى يفعل ما يفعل عن نفسه من غير أن يرتبط إلى مقتض من خارج أومانع من خارج فإذا أراد سبحانه شيئا فعله من غير ممد أوعائق، وإذا وعد وعدا كان حقا لا مرد له من غير أن يتغير عن وعده بصارف.

فإمعان النظر في ملكه تعالى المطلق الحقيقي يهدي إلى العلم بأن وعده حق لا يمازجه باطل ولكن أكثرهم وهم العامة من الناس لا يعلمون لعجزهم عن الإمعان في هذه الأبحاث الحقيقية أوإعجابهم بسذاجة الفهم وانسلاكهم في سلك العامة.

فهم على ذلك يقيسون ملكه تعالى إلى ملك العظماء المستعلين من الإنسان فإنهم يجدون الواحد من عظمائهم وقد أوتي ملكا وسلطانا ومن كل ما يتنافس فيه فيرون له القدرة المطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ثم يجدونه ربما يهم ويسعى ولا يقع ما اهتم به أووعد وعدا ثم لم يف به رعاية لمصلحة شخصه أوغيره أولمانع عائق فيقيسون أمره تعالى إلى أمره، ووعده إلى وعده.

على أن الوعد عندهم قول من شأنه جواز أن ينطبق على الخارج وأن لا ينطبق.

مع أن حقيقة معنى ملكه وسلطانه وسعة قدرته ونفوذ إرادته أن الناس يعتقدون له ذلك ويتصورونه عظيما فيهم ولوطحنته نازلات الدهر يوما فأهلكته أوتغيرت عليه عقائد الناس بسبب من الأسباب سلبته ما عنده من ملك وقدرة، ومعنى وقوع ما أراده أوأحبه أن الأسباب الكونية ساعدته على ذلك ووافقته على ما أحبه، ولولم تساعده ولم توافقه كلية الأسباب لم يكن له أن يضطرها إلى الخضوع لما يتوهم لنفسه من القدرة كما لا توافقه على مثل الموت والحياة والشباب والشيب والصحة والمرض وأمور أخرى كثيرة فليس له من الأمر شيء.

لكنه سبحانه مالك لخلقه بمعنى أن وجود كل شيء قائم به متكون متحول بأمره منوط بإذنه، وما تصرف فيه من شيء فإنما يتصرف عن نفسه لا عن اقتضاء من مقتض خارج مؤثر فيه أوعدم مانع يعوقه عن فعله فلا ينتسب شيء إلا إليه تعالى نفسه أوإلى غيره بإذنه بمقدار ما أذن فكيف يمكن أن يتخلف عن مشيته شيء فيرجع إلى غيره ولا غير هناك يرجع نحوه وينتسب إليه؟.

وقوله تعالى فعله بما يدل بنفسه على مراده فكيف يتسرب إليه الكذب وهومتن الخارج، والعين الخارجي لا كذب فيه؟ وإنما الكذب والخطأ شأن المفاهيم الذهنية من حيث انطباقها على الخارج، وكيف يكون وعده باطلا ووعده لنا هوفعله الغائب عن نظرنا المستقبل لنا، وقد وجه كلية الأسباب إليه ولا مرد له؟.

فإمعان النظر في هذه الحقائق ينور للباحث المتدبر معنى ملكه تعالى لما في السماوات والأرض، وأن لازم ذلك أن وعد الله حق، وأن الارتياب فيه إنما هومن الجهل بمقامه تعالى.

ولذلك قال تعالى أولا:{ألا إن لله ما في السماوات والأرض} ثم عقبه بقوله كالاستنتاج منه:{ألا إن وعد الله حق} ثم استدرك فقال:{ولكن أكثرهم لا يعلمون} ثم بين ملكه بقوله:{هو يحيي ويميت} إلخ في الآية التالية.

قوله تعالى:{ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } احتجاج على ما تقدم في الآية السابقة من ملكه تعالى بالنسبة إلى نوع الإنسان كأنه تعالى يقول: إن أمركم جميعا من حياة وموت ورجوع إليه تعالى فكيف لا تكونون ملكا له.

____________________________

1- تفسير الميزان ، الطباطبائي ،ج10،ص56-60.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

العذاب الإِلهي واختيارات الرّسول:

بعد التهديدات التي ذكرت في الآيات السابقة المتعلقة بعذاب وعقاب منكري الحق، فإِنّ هذه الآيات تنقل أوّلا استهزاء هؤلاء بالعذاب الإلهي وسخريتهم وانكارهم. فتقول:{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }.

هذا الكلام كان كلام مشركي عصر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حتماً، لأنّ الآيات التالية التي تتضمن جواب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) شاهدة على هذا المطلب.

على كل حال، فإِنّ هؤلاء أرادوا بهذه الكلمات أن يظهروا عدم اهتمامهم بتهديدات النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة، وتقوية قلوب الذين خافوا من هذه التهديدات وتهدئة خواطرهم ليرجعوا إِلى صفوفهم.

وفي مقابل هذا السؤال، فإِنّ الله سبحانه أمر نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيبهم بعدّة طرق:

فيقول أوّلا:{ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } فإنّي لست إلاّ رسوله ونبيّه، وإِنّ تعيين موعد نزول العذاب بيده فقط، وإِذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، فمن باب الأُولى أن لا أملكهما لكم.

إِنّ هذه الجملة في الحقيقة إِشارة إِلى توحيد الأفعال حيث يرتبط كل شيء في هذا العالم بالله سبحانه، وكل الحركات والافعال معلولة لارادته ومشيئته، فهو الذي ينصر المؤمنين بحكمته، وهو الذي يجازي المنحرفين بعدالته.

من البديهي أنّ ذلك لا ينافي أنّ الله قد أعطانا قوى وطاقات نملك بواسطتها جلب النفع ودفع الضرر، ونستطيع أن نختار ما يتعلق بمصيرنا، وبتعبير آخر فإِنّ هذه الآية تنفي الملكية بالذات لا بالغير، وجملة{إِلاّ ما شاء الله} قرينة واضحة على هذا الموضوع.

ومن هنا يُعلم أنّ استدلال بعض المتعصبين ـ ككاتب تفسير المنار ـ بهذه الآية على نفي جواز التوسل بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ضعيف جدّاً، لأنّه إِذا كان المقصود من التوسل أن نعتبر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ذا قدرة ذاتية ومالكاً للنفع والضر، فإِنّ هذا شرك قطعاً، ولا يمكن أن يؤمن بهذا أي مسلم، أمّا إِذا كانت هذه الملكية من الله سبحانه وهي داخلة تحت عنوان: إلاّ ما شاء الله، فما المانع من ذلك؟ وهذا هوعين الإِيمان والتوحيد. إلاّ أنّه نتيجة الغفلة عن هذه النكتة أتلف وقته ووقت قُرّاء تفسيره بالبحوث الطويلة، وهو مع الأسف{رغم كل الإِمتيازات الموجودة في تفسيره) قد ارتكب كثيراً من هذه الأخطاء، والتي يمكن اعتبار التعصب منبعها جميعاً!

ثمّ يتطرق القرآن إِلى جواب آخر ويقول:{ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } وبتعبير آخر فإِنّ أي أُمّة إِذا انحرفت عن مسير الحق، فسوف لا تكون مصونة من العذاب الإِلهي الذي هو نتيجة أعمالها، فعندما ينحرف الناس عن قوانين الخلقة والطبيعة فسيبددون طاقاتهم وملكاتهم في فراغ ويسقطوا في النهاية في هاوية الانحطاط ويحتفظ تاريخ العالم في ذاكرته بنماذج كثيرة من ذلك.

في الواقع إِنّ القرآن الكريم يحذر المشركين الذين كانوا يتعجلون العذاب الإِلهي بأن لا يعجلوا، فعندما يحل موعدهم فإِنّ هذا العذاب سوف لن يتأخر أويتقدم لحظة.

ويجب الإِلتفات إِلى أنّ الساعة قد تعني أحياناً لحظة، وأحياناً المقدار القليل من الزمن، بالرغم من أنّ معناها المعروف اليوم هوالأربع والعشرون ساعة التي تشكل الليل والنهار.

وتطرح الآية الأُخرى الجواب الثّالث، فتقول:{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا } فهل تستطيعون أن تدفعوا عن أنفسكم هذا العذاب المفاجىء غير المرتقب؟ وإِذا كان الحال كذلك فـ{ مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ }؟

وبتعبير آخر، فإِنّ هؤلاء المجرمين الجريئين إِن لم يتيقنوا نزول العذاب فليحتملوا على الأقل أن يأتيهم فجأة، فما الذي يضمن لهؤلاء أنّ تهديدات النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) سوف لن تقع أبداً؟ إِنّ الإِنسان العاقل يجب أن يراعي الإِحتياط على الأقل في مقابل مثل هذا الضرر المحتمل ويكون منه على حذر.

وورد نظير هذا المعنى في آيات أُخرى من القرآن، وبتعبيرات أُخرى، مثل:{أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ أويرسل عليكم حاصباً ثمّ لا تجدوا لكم وكيلا}سورة الإِسراء، الآية (68) . وهذا هو الذي يعبر عنه في علم الكلام والأُصول بقاعدة «لزوم دفع الضرر المحتمل»(2).

وفي الآية التالية ورد جواب رابع لهؤلاء، فهي تقول: إِذا كنتم تفكرون أن تؤمنوا حين نزول العذاب، وأنّ إِيمانكم سيقبل منكم، فإِنّ ظنّكم هذا باطل لا صحّة له:{أثمّ إِذا ماوقع أمنتم به}، لأنّ أبواب التوبة ستغلق بوجوهكم بعد نزول العذاب، وليس للإِيمان حينئذ أدنى أثر، بل يقال لكم:{الآن وقد كنتم به تستعجلون}.

هذا بالنسبة لعقاب هؤلاء الدنيوي، وفي الآخرة:{ثمّ قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلاّ بما كنتم تكسبون}، فإِنّ أعمالكم في الواقع هي التي أخذت بأطرافكم، وهي التي تتجسد أمامكم وتؤذيكم على الدوام.

لامعنى للشك في العذاب الإِلهي:

كان البحث في الآيات السابقة عن جزاء وعقاب المجرمين في هذه الدنيا والعالم الآخر، وتكمل هذه الآيات هذا البحث أيضاً.

فالآية الأُولى تقول: إِنّ هؤلاء يسألونك بتعجب واستفهام عن حقيقة هذا الوعيد بالعذاب الإِلهي في هذا العالم والعالم الآخر:{ويستنبئونك أحق هو} ومن المعلوم أنّ «الحق» هنا ليس في مقابل الباطل، بل المراد منه هو: هل إِنّ لهذه العقوبة حقيقة وواقعاً وأنّها ستتحقق؟ لأنّ الحق والتحقق مشتقان من مادة واحدة، ومن البديهي أنّ الحق في مقابل الباطل بهذا المعنى الواسع سيشمل كل واقع موجود، وستكون النقطة المقابلة له كل معدوم وباطل.

ويأمر الله سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السؤال بما أوتي من التأكيد:{قل أي وربّي إِنّه لحق} وإِذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإِلهي فانتم على خطأ كبير:{وما أنتم بمعجزين}.

الواقع إِنّ هذه الجملة مع الجملة السابقة من قبيل بيان المقتضي والمانع، ففي الجملة الأُولى يقول: إِن عذاب المجرمين امر واقعي، ويضيف في الجملة الثّانية أن أية قدرة لاتستطيع أن تقف أمامه، تماماً كالآيات (8) ـ (9) من سورة الطور:{إِنّ عذاب ربّك لواقع ما له من دافع}.

إِنّ التأكيدات التي تلاحظ في الآية تستحق الإِنتباه، فمن جهة القسم، ومن جهة أُخرى إِنّ ولام التأكيد، ومن جهة ثالثة جملة{وما أنتم بمعجزين} وكل هذه توكّد على أنّ العقاب الإِلهي حتمي عند ارتكاب الكبائر.

وتوكّد الآية الأُخرى على عظمة هذه العقوبة، وخاصّة في القيامة، فتقول:{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ }(3). في الواقع، إِنّ هؤلاء مستعدون لأن يدفعوا أكبر رشوة يمكن تصورها من أجل الخلاص من قبضة العذاب الإِلهي، لكن لا أحد يقبل من هؤلاء شيئاً، ولا ينقص من عذابهم مقدار رأس اُبرة، خاصّة وأنّ لبعض هذه العقوبات صبغة معنوية، وهي أنّهم: يرون العذاب والفضيحة في مقابل أتباعهم ممّا يوجب لهم اظهار الندم مزيداً من الخزي والعذاب النفسي فلذلك يحاولون عدم ابراز الندم:{ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ }.

ثمّ توكّد الآية على أنّه بالرغم من كل ذلك، فإِنّ الحكم بين هؤلاء يجري بالعدل، ولا يظلم أحد منهم:{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }. إِنّ هذه الجملة تأكيد على طريقة القرآن دائماً في مسأله العقوبة والعدالة، لأنّ تأكيدات الآية السابقة في عقاب المذنبين يمكن أن توجد لدى الأفراد الغافلين تَوَهُّمَ أَنَّ المسألة مسألة انتقام، ولذا فإِنّ القرآن يقول أوّلا إِنّ الحكم بين هؤلاء يجري بالقسط، ثمّ يؤكّد على أنّ أي أحد من هؤلاء سوف لايظلم.

ثم، ومن أجل أن لا يأخذ الناس هذه الوعود والتهديدات الإِلهية مأخذ الهزل، ولكي لايظنوا أنّ الله عاجز عن تنفيذ هذه الوعود، تضيف الآية:{ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } لأنّ جهلهم قد حجب بصيرتهم وجعل عليها غشاوة فلم يعوا الحقيقة.

وتوكّد آخر آية على هذه المسألة الحياتية مرّة أُخرى، حيث تقول:{ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ } وبناء على ذلك فإِن له القدرة على إِماتة العباد، كما أن له القدرة على إِحيائهم لمحكمة الآخرة، وفي النهاية:{وإِليه ترجعون} وستلاقون جزاء كل أعمالكم هناك.

__________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي ،ج5،ص489-494.

2- يتّضح ممّا قلناه أعلاه، أنّ الآية المذكورة تشتمل على قضية شرطية، ذكر شرطها، إِلاّ أنّ جزاءها مقدر، وجملة:{ماذا يستعجل منه المجرمون} جملة مستقلة. وتقدير الآية هكذا: أرأيتم إِن أتاكم عذابه بياتاً أونهاراً كنتم تقدرون على دفعه أوتعدونه أمراً محالا فإِذا كان الأمر كذلك{ماذا يستعجل منه المجرمون}. وما احتمله البعض من أن جملة: ماذا يستعجل .. هي جزاء الشرط بعيداً جداً. دققوا ذلك.

3- في الواقع، إِن في الجملة أعلاه جملة مقدرة، وهي:{من هول القيامة والعذاب}.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .