أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-03-2015
2487
التاريخ: 3-03-2015
8773
التاريخ: 3-03-2015
3244
التاريخ: 29-03-2015
3721
|
عاش ابن الأنباري في عصر ازدهرت فيه العلوم، و انتشرت المدارس العلمية و نشطت حركة التأليف و التعليم.
غادر مدينة الأنبار صغيرا، و التحق بالمدرسة النظامية في بغداد، و لازم شيوخ العلوم في عصره، فأخذ الفقه و الأصول عن أبي منصور الرزاز، و اللغة و الأدب عن أبي منصور الجواليقي، و درس النحو على الإمام أبي السعادات بن الشجري صاحب الأمالي (1)، و مزج ابن الأنباري بين كل هذه العلوم، فمد بينها جسور الأصول و القواعد، و كتب عنها عشرات الكتب. و كما أنه زهد في الدنيا، و تفرغ للعلم، و التفكير و التأليف، فقد اتسمت مصنفاته بالجودة و الجدة.
و من كتبه التي صارت معلمة في تاريخ النحو كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف، استطرد فيه مائة و عشرين مسألة بين البصريين و الكوفيين، و ناقش حججهم و آراءهم فرجح رأي البصريين في مجملها، و أيد الكوفيين في قليل منها، و أهمية الكتاب تعود إلى كونه
ص205
أول من أبرز مضامين كل مذهب، و منهجه معتمدا على سعة اطلاعه النحوي، و معرفته التامة بتاريخ النحاة الذي ألف فيه كتابه المعروف «نزهة الألبّاء» و هذا الكتاب من أمتع كتب الخلاف في النحو، و أحسنها عرضا، و منهجا.
و تقليدا منا للمنهج الشنقيطي في النظم، فقد اختصرت في نظم موجز مسائل الإنصاف، مقتصرا على أقوال البصريين، و مفهوم المخالفة يشير إلى رأي أهل الكوفة، و أوردنا هذه النظم في خاتمة هذا الفصل.
و ليس كتاب الإنصاف هو وحده الذي يثير انتباه المهتم بتاريخ النحو، بل إن آراءه في رصالة الإعراب في جدل الإغراب، و رسالة لمع الأدلة من أحسن ما كتب في أصول النحو فكأنها تتويج لإشارات ابن السراج، و محولات الزجاجي، و نظريات ابن جني، فلقد استطاع ابن الأنباري أن يوحد بين منهجي الأصوليين و النحاة دون أن يلجأ إلى خلط مصطنع بين مضمونيهما.
لقد اقتضت من ابن الأنباري جماعة من الأصحاب تلخيصا لكتاب الإنصاف فألفه ليكون أول ما صنف في هذه الصناعة في قوانين الجدل و الآداب، و وضعه على أربعة أصول(2) و هي السائل و المسؤول به، و المسؤول منه، و المسؤول عنه، فوصف السائل بأنه المتعلم المستفهم عما يثبت فيه الاستبهام و قد قيل: ما ثبت فيه الاستبهام صح عنه الاستفهام، فلا يصح السؤال عن البديهيات، و أنشد في ذلك:
ثم انتقل إلى المسؤول به، أي صيغة السؤال، و تحدث عن أداواته الاسمية و الحرفية، و عن معانيها و مواضيع استعمالها. ثم تحدث عن ضرورة بيان معنى السؤال فلا يجوز القول: ماذا تقول في الاسم؟ لأنه لا يعلم هل السؤال عن اشتقاقه أو عن حده أو عن علاماته.
أما المسؤول منه، فينبغي أن يكون أهلا لما يسأل عنه مثل أن يسأل النحوي عن النحو، و التصريفي عن التصريف، و كذلك كل ذي علم عن علمه.
ص206
و وصف المسؤول عنه بكونه يمكن إدراكه، فلو سأل أحد عن أعداد جميع الألفاظ و الكلمات الدالة على جميع المسميات كان فاسدا لتعذر إدراكه. و قال إن الجواب ينبغي أن يطابق السؤال من غير زيادة و لا نقصان.
ثم خصص فصلا للاستدلال(3)، و فسره بأنه طلب الدليل، و ذكر أن أدلة الإعراب ثلاثة: نقل، و قياس، و استصحاب حال. و حدد النقل بأنه الكلام العربي الفصيح المنقول النقل الصحيح الخارج من حد القلة إلى حد الكثرة.
و أن القياس هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه كرفع الفاعل و نصب المفعول في كل مكان و إن لم يكن منقولا عنهم و أن استصحاب الحال هو إبقاء اللفظ على ما يستحقه في الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل كقولك في فعل الأمر، إنما كان مبنيا لأن الأصل في الأفعال البناء.
يقول الأستاذ سعيد الأفغاني محقق كتاب الإغراب و اللمع، أن ابن الأنباري أدب النحو، و أضفى على أسلوب عرضه من المائية و التندية ما حببه إلى المطالع فأبعد عنه السأم، و ليس بقليل أن نعرض ما يشبه الأرقام و القضايا المنطقية عرضا جذابا، و قال إن أسلوبه أسلوب رياضي جميل. ثم انتقى مثالا من عرضه المنطقي في أحكام «كيف» إذ يقول ابن الأنباري «لا تخلو كيف من أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا» فبطل أن يقال هي حرف لأن الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة، و «كيف» تفيد مع كلمة واحدة. ألا ترى أنك تقول «كيف زيد» و يكون كلاما مفيدا. و بطل أيضا أن يكون فعلا لأن الفعل إما أن يكون ماضيا أو مضارعا أو امرا، و بطل أن يكون فعلا ماضيا، لأن أمثلة الماضي إما أن يكون على وزن فعل كضرب، أو فعل كمكث، أو فعل كسمع و علم. و كيف على وزن فعل فبطل أن يكون فعلا ماضيا، و بطل أن تكون فعلا مضارعا لأن الفعل المضارع ما كان في أوله إحدى الزوائد الأربع و هي الهمزة و النون و التاء و الياء، و «كيف» ليس في أولها إحدى الزوائد فبطل أن يكون فعلا مضارعا، و بطل أن يكون أمرا لأن كيف يفيد الاستفهام و الأمر لا يفيد الاستفهام فبطل أن يكون أمرا، و إذا بطل أن يكون فعلا ماضيا أو مضارعا أو أمرا بطل أن يكون فعلا، و الذي يدل أنه ليس فعلا أنه يدخل على الفعل في نحو قولك: كيف تفعل كذا، و لو كان فعلا لما دخل على الفعل لأن الفعل لا يدخل على الفعل، و إذا بطل أن يكون فعلا، أو حرفا، وجب أن يكون اسما (4).
ص207
الرسالة الثانية: كتبها ابن الأنباري بعنوان لمع الأدلة، و قد صرح أنه ألفها بعد رسالة الإغراب، و بين فيها أن أصول النحو هي الأدلة التي تفرعت منها الفروع و الأصول مثل ما هو في أصول الفقه. و اعتمد التقسيم الذي في كتاب الإغراب، أي أن أقسامها، النقل، و القياس، و استصحاب الحال. لكنه في اللمع، توسع في الحديث عن النقل. و استعرض ما جاء منه، متواترا أو خبر آحاد، و طبق على الفصول المخصصة له نهج أصحاب الحديث، مستعملا مصطلحاتهم، و طرقهم فشرح شروط التواتر، و الصحة، و نقل الآحاد، و تحدث عن المرسل، و المجهول، و عن الجرح و التعديل.
ثم تناول القياس بصفة أقرب إلى أسلوب الأصوليين و ذكر بأركانه الأربعة، و هي الأصل، و الفرع، و العلة، و الحكم و أعطى عنه المثال التالي: نقول في الدلالة على رفع ما لم يسم فاعله، إنه اسم أسند إليه الفعل مقدما عليه فوجب أن يكون مرفوعا، قياسا على الفاعل. فالأصل هو الفاعل، و الفرع ما لم يسم فاعله، و العلة الجامعة هي الإسناد، و الحكم هو الرفع (5).
ورد على نفاة القياس بقوله: إن النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو، ثم رد على شبههم و تناول أقسام القياس قائلا إنها ثلاثة: قياس العلة و هو معمول به بإجماع العلماء، و قد سبق التمثيل له برفع ما لم يسم فاعله، و قياس للشبه و هو معمول به عند أكثر العلماء، و مثل له في إعراب المضارع قياسا على الاسم، لوجه الشبه بينهما و هو الاختصاص بعد الشياع، فإنك تقول «يقوم» و هو يصلح للحال و الاستقبال، فإذا أدخلت عليه السين اختص بالاستقبال، كما أنك تقول رجل فيصلح لجميع الرجال، و إذا أدخلت عليه الألف و اللام اختص برجل بعينه، أم القسم الثالث من الأقيسة، فهو قياس الطرد، و هو كما يقول ابن الأنباري معمول به عند كثير من العلماء، أي أنه محل خلاف لأن مجرد الطرد عنده لا يكفي بل لا بد معه من شبه و إخالة غير أنه جعل الطرد من شروط العلة (6).
و قال إن الاعراض على الاستدلال بالقياس يقع من سبعة أوجه:
الأول: فساد الاعتبار، و مثل له برد استدلال البصريين على منع ترك صرف ما ينصرف لضرورة الشعر، لأن الأصل الصرف، و تركه لا يجوز قياسا على مد المقصور، فيقول المعترض أن هذا الاستدلال بالقياس مقابل النص عند
ص208
العرب، كقول حسان بن ثابت:
الثالث: القول بالموجب، و هو تسليم موجب الحكم مع استبقاء الخلاف، كقول البصري بجواز تقديم الحال إذا كان فعلها متصرفا و صاحبها ظاهرا، لأن تقديم معمول الفعل المتصرف ثابت في الحال و غيره، فيقول الكوفي، نعم يجوز تقديم الحال عندي إذا كان ذو الحال مضمرا (9).
الرابع: المنع، و من أمثلته اختلافهم في الاستدلال على بناء فعل الأمر قياسا على بناء صيغة نزال(10)
الخامس: المطالبة بتصحيح العلة، إما بكونها مطردة منعكسة، أو بشهادة الأصول لها، نحو علة البناء في «كيف» و «أين» و «متى» لتضمنها معنى الحرف (11).
السادس: النقض، و هو تخلف الحكم عن العلة، كمن يقول إن حذام مبنية بسبب أنه قد اجتمع فيها التعريف، و التأنيث و العدل. لكن هذا منتقض بمثل «آذربيجان» التي اجتمعت فيها أكثر من ثلاث علل و بقيت معربة (12).
السابع: المعارضة، و قد مر بيانها في النقل.
ثم ختم رسالته بفصل في ترجيح الأدلة بمرجحات الرواية في النقل كصحة الإسناد و موافقة القياس.
ص209
ثم عرض في فصل هام، مواضع الاعتراض على الاستدلال، مثل ما فعل الأصوليون في باب القوادح، و بين أوجه الاعتراض على النقل من حيث الإسناد و المتن، و على القياس بقوادحه المعروفة عند الأصوليين و على استصحاب الحال بإثبات زواله.
و قال فيما يخص النقل إن الإسناد ضروري، و لولاه لقال كل من أراد ما أراد، و كذلك توثيق الراوي. أما الاعتراض على المتن، فمن خمسة أوجه:
منها اختلاف الروايات فقد ينقل الكوفي مستدلا على مد المقصور في الشعر:
من مؤلفاته التي تناهز المائة، يدل دلالة قوية، مع قلته، على ما يتحلى به هذا الرجل من علم، و عقل، و قد أعرب عما لهما في نفسه من تقدير بقوله:
ص210
و فيما يلي ملخص مسائل الإنصاف المشار إليها آنفا:
ص211
ص213
ص214
_____________________
(1) هبة اللّه بن علي بن محمد بن حمزة الحسني البغدادي المعروف بابن الشجري، توفي ببغداد سنة 542 ه. له مؤلفات منها شرح التصريف الملوكي لابن جني و شرح اللمع لابن جني أيضا. و من أمتع كتبه كتاب (الأمالي) .
(2) الإغراب، ص 36 و 37.
(3) الإغراب، ص 45.
(4) مقدمة تحقيق كتاب الإغراب، ص 23.
(5) لمع الأدلة: 93.
(6) نفس المصدر:95-112.
(7)) الإغراب:54-55.
(8) نفس المصدر:55-56.
(9) نفس المصدر:56-57.
(10) نفس المصدر:58.
(11) نفس المصدر:59.
(12) نفس المصدر:60.
(13) إشارة إلى قول الشاعر:
جارية في درعها الفضفاض تقطع الحديث بالإيحاض
أبيض من أخت بني اباض
راجع الإنصاف ص 149-150.
(14) إشارة إلى قوله:
على صروف الدهر أو دولاتها تدلتا اللمة من لماتها
الإنصاف:220.
(15) إشارة إلى الشاهد:
يا أيها المائح دولي دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا و يمجدونكا الإنصاف:228.
(16) إشارة إلى قول الشاعر:
كلف من عنائه و شقوته بنت ثماني عشرة من حجته
الإنصاف:309.
(17) إشارة إلى قوله:
فيا الغلان اللذان فرا إباكما أن تكسباني شرا
الإنصاف:336.
(18) إشارة إلى قول الشاعر:
لمن الديار بقنة الحجر أقوين من حجج و من دهر
الإنصاف:371.
(19) هكذا أورد ابن الأنباري هذا الشطر دون أن يذكر لا صدرا أو عجزا، و هو من شواهد سيبويه و أنشد ابن السيرافي قبله: تقلى له الريح و لما يفتل لمة قفر كشعاع السنبل يأتي لها من أيمن و أشمل و نسيه لأبي النجم الإنصاف:406.
(20) إشارة إلى قول الشاعر:
فز حجتها بمزجة زج القلوص أبي مزاده
الإنصاف:427.
(21) إشارة إلى قول الشاعر:
قد صرت البكرة يوما أجمعا
الإنصاف:455.
(22) إشارة إلى قوله:
حتى إذا قملت بطونكم و رأيتم أبناءكم شبوا
و قلبتم ظهر المجن لنا إن اللئيم العاجز الخب
الإنصاف:458.
(23) إشارة إلى قول الشاعر:
قلت إذ أقبلت و زهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا
الإنصاف:475.
(24) إشارة إلى قوله تعالى (قراءة ابن مسعود) : «و إذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله» . الإنصاف:560.
(25)) إشارة إلى قول الشاعر:
أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا ببيداء بلقع
الإنصاف:580.
(26) إشارة إلى شطر لم يذكر له ابن الأنباري صاحبا و هو: كأن نسج العنكبوت المرمل و هو من شواهد سيبويه و نسبه ابن السيرافي للعجاج، و أنشده بعده: أعلى ذرى قلامه المهدل سيوب كتاب بأيدي الغزل (شرح أبيات سيبويه ج 1 ص 495) . الإنصاف:605.
(27) إشارة إلى قوله:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما
الإنصاف:653.
(28) إشارة إلى قول الشاعر:
عدس ما لعباد عليك إمارة أمنت و هذا تحملين طليق
الإنصاف:717.
(29) إشارة إلى قوله:
علمنا إخواننا بنو عجل شرب النبيذ و اصطفاقا بالرجل
الإنصاف:734.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|