ابن جني
المؤلف:
د. محمد المختار ولد اباه
المصدر:
تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة:
ص193- 194
29-03-2015
3083
حياته
امتدت حياة أبي الفتح في القرن الرابع الهجري، ولد في عقوده الأولى و توفي قبل انصرامه بأعوام قلائل، و تردد بين حواضره الثقافية صحبة أعلامه المشهورين.
و بدأت حياته العلمية في الموصل الذي كان من معاقل الدراسات النحوية منذ عهد مسلمة بن عبد اللّه الفهري الذي تتلمذ على خاله عبد اللّه بن أبي اسحق الحضرمي.
و أخذ ابن جني في مراحله الأولى من أبي مقسم(1) المعروف أنه كان راوية لثعلب، و سمع من فصحاء الأعراب كأبي عبد اللّه العقيلي التميمي و أبي صالح السليل بن أحمد، و قد روى عن هذا الأخير أن النعمان بن المنذر أمر أن تنسخ له أشعار العرب في الطنوج، و هي الكراريس، ثم تم دفنها في قصره الأبيض، و لما كان المختار بن أبي عبيد على الكوفة، قيل له إن تحت القصر كنزا فاحتفره فأخرج تلك الأشعار، و من ثم كان أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة(2).
و لقد أدرك أبو الفتح في حداثة سنه أنه قد أوتي بسطة في العلم تعوض ما له من نقص في الجسم و في النسب. فقد كان ممتعا بإحدى عينيه (كناية عن العور) و في ذلك يقول في صديق له:
صدودك عني و لا ذنب لي دليل على نية فاسده
فقد، و حياتك-مما بكيت خشيت على عيني الواحده
و لو لا مخافة أن لا أراك لما كان في تركها فائده(3)
و بما أن نسبه غير حقيق بأن يكسبه ما يتطلع إليه من جاه و شهرة، تصدى في صغره للتدريس إلى أن اصطدم بأبي علي الفارسي، فاعترف بعد لقائه أنه «تزبب» قبل أن (يتحصرم)(4) أي أنه أخطأ في ارتكاب منصب الأستاذية، مع أنه لم يتجاوز بعد مقام الطلبة، فقرر أن يلزم أبا الفارسي تلميذا له طيلة أربعين سنة حتى صار من حقه أن يقول:
فإن أصبح بلا نسب فعلمي في الورى نسبي(5)
ص193
ثم صحب ابن جني المتنبي في شيراز، و كان أول من شرح ديوانه. و كان المتنبي يكن له التقدير، و يقول عنه: (هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس) (6)، و إذا سئل عن معاني شعره، يقول عليكم بالشيخ الأعور ابن جني فسلوه فإنه يقول ما أردت و ما لم أرد (7)، و يقول (ابن جني أعرف بشعري مني) (8). و يقول عنه الثعالبي في اليتيمة (إنه القطب في لسان العرب و إليه تنتهي الرياسة في الأدب) (9)، فكان أبو الفتح بارعا في صنعته، طموحا في تفكيره، يسعى إلى الاستقصاء في التفاصيل و الأمثلة، و إلى التعمق في التعليل، و استنباط أصول عامة، أثبتها في نظرياته الواردة في كتاب الخصائص. و كان بالغ الأثر في الذين جاءوا من بعده.
ص194
_____________________
(1) ابن مقسم: هو أبو محمد بن الحسن المعروف بابن مقسم (ت 354 أو 355 ه) كان راوية لثعلب، و أعرف الناس بنحو الكوفيين، و أعرفهم بالقراءات.
(2) الخصائص (مقدمة التحقيق) :1 /16.
(3) معجم الأدباء:1588.
(4) نزهة الألباء:246، معجم الأدباء:1589.
(5) نزهة الألباء:244، معجم الأدباء:1586.
(6) معجم الأدباء:1588.
(7)) الخصائص (مقدمة التحقيق) :1 /14.
(8) سر صناعة الإعراب (مقدمة التحقيق) :1 /41.
(9) المصدر نفسه:1 /13.
الاكثر قراءة في أهم نحاة المدرسة البغدادية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة