المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

اللبس equivocation
22-2-2019
الصلح مع معاوية
7-03-2015
ديدان الحرير غير المستأنسة
18-12-2019
معجل "كوكروفت"-"والتون" Cockroft-Walton accelerator
8-5-2018
اهم الامراض التي تصيب البامياء
16-1-2022
سلطات الرئيس الأمريكي في مجال العلاقات الخارجية
26/12/2022


أبو علي الفارسي  
  
7270   02:44 صباحاً   التاريخ: 29-03-2015
المؤلف : د. محمد المختار ولد أباه
الكتاب أو المصدر : تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة : ص185- 192
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة البغدادية / أهم نحاة المدرسة البغدادية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015 2434
التاريخ: 3-03-2015 8783
التاريخ: 3-03-2015 4986
التاريخ: 27-03-2015 2498

ملامح شخصيته

لقد كان الحسن بن أحمد بن عبد الغفار المعروف بأبي علي الفارسي من أولئك الأعلام الذين ابتدعوا رهبانية العلم، شأنه في ذلك شأن يونس الضبي من قبله. لقد قضى الفارسي أكثر من نصف قرن في البحث و التدريس و التأليف، لم يشغله عن ذلك تدبير مال، أو مشاغل عيال، لقد كان إماما في اللغة و النحو و القراءات، أخذ عن شيخ القراء أبي بكر بن مجاهد، و درس على الزجاج و سمع من ابن السراج كتاب الأصول، و شرح جمله، و اتصل بأبي بكر بن دريد و كتب عنه مصنفه في الاشتقاق. كما كان على صلة علمية وثيقة بعلماء عصره، أمثال أبي سعيد السيرافي و ابن الخياط(1)، و ابن خالويه(2) و الرماني بيد أن صلته معهم لم تكن صلة مودة و تعاون ذلك أن اعتزازه بعلمه، و مكانته عند السلاطين و الوجهاء جعلته ينظر إلى زملائه بنوع من الاستعلاء، نسبه المؤرخون إلى عوامل الحسد و الغيرة، و الحرص على الاحتفاظ بالصدارة و التفوق.

ص185

فقد رأينا قوله حينما وقف على مسائل الزجاجي «لو سمع الزجاجي كلامنا في النحو لاستحيا أن يتكلم فيه«  و كان يسمى السيرافي بابن بهزاد و هو ليس من أحب الأسماء إليه، و قال إنه معلم الصبيان، و إن ابن الخياط لقاء له، لأنه لم يسمع من المبرد و إنما أدرك ثعلبا و قد أضرّ به الصمم فلم يقرأ عليه و أن ابن خالويه قليل التحفظ(3)، و حتى عن الرماني الذي كان أقربهم إليه، قال فيه: «إذا كان النحو ما عند الرماني، فليس عندنا منه شيء، و إذا كان ما عندنا فليس عند الرماني منه شيء»، و ادعى أن الرماني قرأ عليه كتب ابن السراج في حياته(4).

و قد ناقش الدكتور مازن المبارك هذا القول الذي رواه ياقوت الحموي في كتابه عن الرماني(5). أما العلاقة بينه و بين ابن خالويه، فقد كان يطبعها العداء السافر بسبب رده عليه في مسائل الإغفال التي اعترض فيها الفارسي على الزجاج، ثم كتب الفارسي نقض الهاذور في الرد على ابن خالويه. أما تلامذته، فلقد طغت شهرة واحد على جميع الآخرين، ألا و هو أبو الفتح عثمان بن جني، الذي لازمه نحوا من أربعين سنة، و استمد منه أكثر معارفه النحوية و استرشد بتنبيهاته اللغوية، ففي كتاباته في الخصائص، كان كثيرا ما يتحدث عن ملاحظات نبهه إليها و غوامض أثارها له.

و غالبا ما يشير إلى ذلك، ففي كتاب الخصائص يصرح بأنه قد نبهه على نكت من (السلب)(6) و المشابهة بين معاني الإعراب و معاني الشعر(7)، و كان يشيد باهتمامه بالاشتقاق الأكبر(8) و إضافة الاسم إلى المسمى، و المسمى إلى الاسم (9)، و في كل رواياته يتحدث عنه بصفته الشيخ المربي، و المرشد.

و لقد ترك أبو علي أكثر من عشرين كتابا تناولت القراءات، و اللغة و النحو و الصرف، أكثرها على شكل مسائل يضيف عنوانها إلى البلد الذي ألفت فيه مثل المسائل الشيرازية و العسكرية (نسبة إلى معسكر مكرم) و الكرمانية و الحلبية، و له كتاب العوامل المائة.

ص186

و لعل من أهم كتبه كتاب الحجة في علل القراءات السبع، إذ في هذا الكتاب تتجلى سعة معرفته، و قوة شخصيته، و دقة تحليله. و يلاحظ محققو كتاب الحجة أن الأفكار فيه تتزاحم و تتدافع في خطاره، فيفسح لها المجال، و يرخي لها العنان في نوع من التداعي الذي يتدفق دون تنظيم، فتتوالى الاستطرادات، و تتشعب الفروع، حتى صعب على غير المختصين. و هذا ما عبر عنه ابن جني يقول: «لقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة فأغمضه و أطاله حتى منع كثيرا ممن يدعي العربية فضلا عن القراءة منه، و أجفاهم عنه» (10).

و من أشهر كتبه، الإيضاح، الذي يعتبر ثاني كتاب مدرسي بعد جمل الزجاجي. و قد نال هذا المصنف شهرة كبيرة، و اعتمده الأساتذة و الدارسون و أشادوا به نظما و نثرا. و شرحه النحويون، و من أشهر شراحه عبد القاهر الجرجاني (11)، الذي خصص له ثلاثة شروح منها المقتصد. و يحكي أنه لما قدمه إلى عضد الدولة، قال له: «ما زدت على ما كنا نعرف» فألف له كتاب التكملة، فقال لما رآه (غضب الشيخ و أتى بما لا نفهم نحن و لا هو)(12).

و يقول علي بن أحمد بن خلف النحوي الأندلسي المعروف بابن الباذش في الإيضاح:

أضع الكرى لتحفظ الإيضاح          وصل الغدو لفهمه برواح 
هو بغية المتعلمين و من بغي         حمل الكتاب يلجه بالمفتاح 
لأبي علي في الكتاب إمامة                    شهد الرواة لها بفوز قداح 
يفضي إلى أسراره بنوافذ                     من علمه بهرت قوى الأمداح 
فيخاطب المتعلمين بلفظه                      و يحل مشكله بومضة واح 
مضت العصور فكل نحو ظلمة               و أتى فكان النحو ضوء صباح 
أوصي ذوي الإعراب أن يتذاكروا            بحروفه في الصحف و الألواح 
فإذا هم سمعوا النصيحة أنجحوا               إن النصيحة غبها لنجاح (13)
ص187

مذهبه العام

يعتقد أكثر المؤرخين أن أبا علي كان معتزليا شيعيا، مستدلين على ذلك بجو العصر الذي عاش فيه، و الاتجاه الثقافي و السياسي السائد في الحواضر التي مارس فيها نشاطه العلمي، كما يستشفون تمذهبه هذا من بعض العبارات و الآراء التي تعارف عليها المعتزلة، فكان يعبر عن اللّه بالقديم، و يكرر كلة العدل، و يؤول الآيات القائلة بأن اللّه تعالى طبع على قلوب العباد، أو ختم عليها، و منها أيضا أراؤه في الشفاعة.

و من أدلة تشيعه الاعتناء الخاص الذي أولاه له الطبرسي في كتاب مجمع البيان، و العلاقة الودية التي كانت تجمعه بالشريف الرضي الذي يقول فيه:

أبو علي للألد إن سطا                         و للخصوم إن أطالوا اللغطا 
قرم تهد الأرض إن تخمطا                    تطرفوا الفج الذي توسطا 
لا جذعا أودى و لا معتبطا                    كانوا العقابيل و كنت الفرطا 
عند السراع يعرف القوم البطا                أرضى زمان بك ثم أسخطا 
سأطلب الأيام منك شططا (14)
و يجوز أن يكون أبو علي، ذا ميول شيعيّة أو ذا نزعة اعتزالية لكنه مع ذلك لم يكن مكافحا في صفوف أولئك أو هؤلاء، لأن حرصه على الصدارة في مسائل اللغة و النحو استأثر بمجهوده الفكري، و لم يترك المجال ليكون في مقدمة رجال الشيعة و المعتزلة، و هو يريد دائما أن يكون في الطليعة، غير أن هذا الاتهام و هذه الأدلة كل هذا قد يعني أن أبا علي لم يكن نحويا من طراز عادي، بل كان مفكرا مجتهدا في مذهبه البصري.

حول انتمائه للبصريين

لقد اعتاد الدكتور شوقي ضيف أن يجعل الفارسي في عداد المدرسة البغدادية، مثل ما فعل في شأن الزجاجي، و ابن جني، مرتكزا على اطلاعهم على آراء الكوفيين، و على اجتهاداتهم في اختيار ما يرونه صوابا من أقوال النحويين، لكن نزعتهم البصرية في رأينا أقوى من أن تكون مجرد ميول، فقد كانوا يصرحون بانتمائهم لأئمة المدرسة و يعيرون عنهم بأصحابنا، فيقول ابن جني أنه قد وقع حريق في مدينة السّلام و أصاب مؤلفات الفارسي فذهب جميع علم البصريين (15). و يقول الفارسي في إضافة الضمير إلى الكاف، شوذا مثل قول:

فلا ترى بعلا و لا حلائلا                     كها و لا كهن إلا حاظلا 

ص188

حتى أن الجارة عند أصحابنا تجري هذا المجرى (16)، و في قوله «أرأيتك زيدا ما فعل» قال أصحابنا لا محل لها في الإعراب(17)، و في قوله في وصف الفعل: و من أصحابنا من يقول إنه ما دل على حدث، و زمان و قد قيل لمن وصف الفعل بهذا الوصف فقيل لهم أ رأيتم قولكم خلق اللّه الزمان، هل يدل هذا على زمان؟ فإن قلتم «لا» بطل الوصف و إن قلتم يدل أثبتم زمانا قبل هذا و هذا ممتنع. و من الأجوبة عن هذا مثل قوله تعالى:  (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ) (الدخان- الآية 49) (18)، و زيادة على هذا النوع من التصريح، فإن الفارسي يذكر البغداديين مع لفظ المغايرة فيقول شاهدا على شذوذ اسم الفاعل من «دع» . و أنشد بعض البغداديين:
فأيهما ما اتبعن فإنني                  حزين على ترك الذي أنا وادع (19)
و في موضوع آخر يذكر: و أما ما يقول بعض البغداديين من الألف في داوية بدل من الواو في دوية فقد يمكن أن يكون الأمر على خلاف ما ذهب إليه، و ذلك أنه يجوز أن يكون بني من الدو فاعلا كالكاهل و الغارب ثم أضاف إليه على من قال حاني، و يقوي ذلك على أبا زيد أنشد:
و الخيل قد تجشم أربابها              الشق و قد تعتسف الداويه (20)
و من مظاهر بصريته تشدده في لغة السماع حتى قال بشذوذ بعض القراءات السبعية المروية عن حمزة و ابن عامر، و قوله إن لغة أهل الوبر أصح من لغة أهل المدر، و هو تلميح واضح لتوهين مواقف الكوفيين، كما أنه اجتهد في وضع ضوابط القياس الذي يعتبره من أساس صنعته، لأنه كان يقول قد أخطئ في خمسين مسألة من اللغة و لا أخطئ في واحدة من القياس (21). و يقول تلميذه ابن جني (ما كان أقوى قياسه و أشد بهذا العلم اللطيف، أنه فكأنه إنما كان مخلوقا له) (22).

هذا و مع العناية الخاصة التي يعطيها للقياس، بحيث أنه يتابع غالبا أبا عثمان في تصوره للقياس و من المعروف أن المازني يقول إن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب (23). فإنه لا يتصوره إلا على سماع صحيح و مطرد.

ص189

و من الضوابط التي أوضحها في العلاقة بين السماع و القياس، قوله إنه يوجد في كلام العرب، ما هو مطرد في الاستعمال، شاذ في القياس، كما يوجد العكس. و منه ما حذف منه في الضرورة ما لا يستحسن حذفه في حالة السعة فمن القسم الأول قولهم (عسى الغوير أبؤسا) (24) فالقياس يقتضي أن يخبر عن عسى بالمضارع، و يقولون «استحوذ» و القياس أن يقولوا (استحاذ) (25) و لكن العدول عن السماع خطأ فاحش. أم المطرد في القياس الشاذ في الاستعمال فقد مثل له بترك استعمال الماضي من «يدع» و (يذر) (26) و مما استعمل في الضرورة قول الشاعر:

و قبيل من لكيز شاهد                 رهط مرجوم و رهط ابن المعل (27)
و قد ذكر من هذا النوع حذف الياءات في قوله تعالى:  (وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَسْر ((الفجر-الآية 4) و لم يك الفارسي موفقا في هذا التمثيل لأن القرآن لا ضرورة فيه، و قراءاته الصحيحة هي المعيار لصحة اللغة العربية، ثم تطرق الفارسي إلى ما هو شاذ في القياس و الاستعمال، مثل تشديد الزاي في نزال (28)، أو وصل المضارع بأل الموصولية كقول الشاعر:
يقول الخنا و أبغض العجم ناطقا            إلى ربنا صوت الحمار اليجدع (29)
و مع انتمائه لمذهب إمام النجاة فإن له اختيارات خاصة منها متابعته للمبرد و ابن السراج في أن «إذما» اسم بينما يقول سيبويه بحرفيتها (30)، و منها ترجيحه لبعض أقوال الكوفيين في إعمال الأول من عاملي التنازع مستشهدا بقول امرئ القيس:
       و لو أن ما أسعى لأدنى معيشة       كفاني و لم أطلب قليل من المال(31)
كما لا يرى مانعا في إعمال «إن» النافية في مثل قولهم (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) (32) و لا يمانع في إيراد تنكير عطف البيان مستدلا(33) بقوله تعالى: (أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ) ( المائدة-الآية 95) ، و يقول إن «لو» تأتي مصدرية في مثل قوله

ص190

تعالى:  (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (34) (القلم- الآية 9) ، و أن «أو» تأتي للإضراب في مثل قول جرير:

ماذا ترى في عيال قد برمت بهم             لو لا رجاؤك قد قتلت أولادي(35)
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية                   لم أحص عدتهم إلا بعداد 

و كان يجيز في الشعر ترك صرف ما لا ينصرف (36).

و إننا نعتقد أن هذه الاختيارات تدل على «اجتهاد في المذهب» كما يقول الفقهاء، لا على خروج عن الجادة البصرية التي صرح بالانتماء إليها و دافع عن آرائها الأصولية فتراه يقول: «الدليل على أن الفعل مأخوذ من المصدر أن هذه المصادر تقع دالة على جميع ما تحتها، و لا تخص شيئا منه دون شيء، ألا ترى أن الضرب يشمل جميع هذا الحدث، و لا يخص ماضيا منه من حاضر و لا حاضرا من آت و أن هذه الأمثلة تدل على أحداث مخصوصة، و حكم الخاص أن يكون من العام و يستحيل كون العام من الخاص «فهو يدافع على أصل من أصول المذهب البصري بحجج منطق البصريين، و تتلمذ على شيوخها المتأخرين، و عبر عن تفوق الأقدمين بقوله: «نحن بالإضافة إلى من كان قبلنا كبقل في أصول رقل» (و الرقل يعني به النخل) .

بعض الاعتراضات عليه

و بالرغم مما يمتاز به هذا العالم من ارتفاع الصيت، و علو المكانة، في عصره، فإنه كان عرضة لبعض الانتقادات منها ما جرى بينه و بين ابن خالويه في مسائل الإغفال، و منها اتهامه بتحريف بعض الشواهد مثل ما ذكره عنه ابن هشام نقلا عن الأسود الغندجاني، و ذلك في قول الشاعر:

و طرفك إما جئتنا فاحبسنه                   كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر 
و أن أصل البيت: لكي يحسبوا (37).

و إن من أطرف الاعتراضات على أبي علي الفارسي ما ساقه المعري في أسلوبه الساخر ضمن رسالة الغفران، إذ قال: «و كنت رأيت في المحشر شيخا لنا كان يدرس النحو في الدار العاجلة يعرف بأبي علي الفارسي و قد امترس به قوم يطالبونه و يقولون تأولت

ص191

علينا و ظلمتنا، فلما رآني أشار إلي بيده فإذا عنده طبقة منهم يزيد بن الحكم الكلابي و هو يقول: ويحك أنشدت عني هذا البيت برفع «الماء» ، و هو يعني:

فليت كفافا كان شرك كلهو خيرك عني ما ارتوى الماء مرتوي 
و لم أقل إلا الماء (بالنصب) و كذلك زعمت أني فتحت الميم في قولي:
تبدل خليلا بي كشكلك شكله                   فإن خليلا صالحا بك مقتوي 
و أنا قلت مقتوى بضم الميم.

و إذا رجل آخر يقول ادعيت على أن الهاء راجعة إلى الدرس في قولي:

هذا سراقة للقرآن يدرسه                      و المرء عند الرشا إن يلقها ذيب 
فقال:
أفمجنون أنا حتى أعتقد ذلك (38)
غير أن ما ذكره المعري هنا عن الفارسي يختلف عما روي عنه في البصريات لأن الأصل عنده أن لا يقع الفعل على الظاهر و ضميره، أما عود الضمير على المصدر المفهوم من الفعل فكثير و منه:
إذا دعي السفيه جرى عليهو خالف و السفيه إلى خلاف (39) 
و لقد أسهم الفارسي في تأصيل فكر عصره، فسعة ثقافته النحوية، و دراسته الفقهية، أهلته لتعميق التنظير اللغوي، و التقريب بين مناهج النحاة و فقهاء المتكلمين. فكان من الذين أحكموا الصلات بين الخطاب اللغوي و مقتضيات الأحكام. من أمثلة ذلك قوله فيما عزاه لأبي يوسف: إن المعاهد لا يقتل بالكافر. و استدل بما روي في الحديث الشريف و هو لا يقتل مسلم بكافر حربي و لا ذو عهد في عهده، فأولها أنه لا يقتل ذو عهد بكافر. و يقول أبو يوسف: أنه لو كان لا يقتل مومن بالمعاهد، لكانت الرواية، و لا ذي عهد في عهده.

و إذا أنهينا الكلام في هذا الفصل عن هذا النحوي الكبير فإننا سنعود إلى آرائه و أفكاره النحوية عند تلميذه العبقري أبي عثمان بن جني.

ص192

____________________

(1) ابن الخياط: محمد بن أحمد بن منصور أبو بكر ابن الخياط النحوي ممن أتقن المذهبين النحويين البصري و الكوفي، أصله من سمرقند و مات ببغداد سنة 320ه‍، و كان من نظراء الزجاج و مناظريه. أخذ عنه الزجاجي و الفارسي، و له معاني القرآن و النحو الكبير، و هو من مؤسسي المدرسة البغدادية. راجع: معجم الأدباء:2309، ترجمة الألباء:185.

(2) ابن خالويه هو الحسين بن أحمد بن خالويه، أصله من همدان، وفد إلى بغداد سنة 314 ه‍، و أخذ القراءات عن ابن مجاهد، و اللغة و الأدب عن ابن دريد و أبي بكر الأنباري، و النحو عن نفطويه، و صحب سيف الدولة الحمداني و أدب أبناءه، و له من المتنبي مناظرات معروفة و من أشهر ما كتب: ما ليس من كلام العرب في اللغة، و الجمل في النحو، و البديع في القراءات و إعراب ثلاثين سورة.

(3) معجم الأدباء:820.

(4) معجم الأدباء:813.

(5) الرماني النحوي:73-85.

(6) الخصائص:3 /75.

(7) الخصائص:2 /168.

(8) الخصائص:2 /133.

(9) الخصائص:3 /24.

(10) الحجة في علل القراءات السبع (مقدمة التحقيق) ص 31 عازيا للمحتسب 1 /288.

(11) الجرجاني: إنه أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت 471 ه‍) ، المشهور أساسا بكتابته في إعجاز القرآن في شرحه لكتاب محمد بن زيد الواسطي، و عرفت نظرياته في النظم البلاغي، من خلال كتابي أسرار البلاغة و دلائل الإعجاز. و هو أيضا من أئمة النحويين، فقد أخذ عن محمد بن الحسين بن عبد الوارث، ابن أخت الفارسي، و كان معجبا بكتب أبي علي الفارسي، و شرح الإيضاح ثلاثة شروح، منها المغنى، و هو في ثلاثين مجلدا، و الإيجاز، و المقتصد، و قد نشر هذا الأخير بتحقيق الدكتور كاظم بحر المرجان في بغداد (دار الرشيد 1982) .

(12) معجم الأدباء:813.

(13) معجم الأدباء:816-817.

(14) ديوان الرضى:1 /445 (نقلا عن مقدمة كتاب الحجة) .

(15) معجم الأدباء:819.

(16) المسائل العسكرية للفارسي:137.

(17) المصدر نفسه:92-93.

(18) المصدر نفسه:136.

(19) المصدر نفسه:136.

(20) الحجة:62.

(21) الخصائص:2 /88.

(22) المصدر نفسه:1 /277.

(23) المصدر نفسه:1 /357.

(24) المسائل العسكرية:146.

(25) المصدر نفسه:144.

(26)) المصدر نفسه:136.

(27) المصدر نفسه:203.

(28) المصدر نفسه:204.

(29) المصدر نفسه:226.

(30) المصدر نفسه:154.

(31) المغني:120.

(32) المصدر نفسه:661-661.

(33) المدارس النحوية (عازيا للهمع) ، ص 259.

(34) المدارس النحوية (عازيا للهمع) ص 260.

(35) المغني، ص 350.

(36) المصدر نفسه، ص91.

(37) المسائل العسكرية:95.

(38) المعري، رسالة الغفران.

(39) الحجة (المقدمة عازية إلى رسالة الغفران) :20-21.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.