أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
2489
التاريخ: 27-02-2015
7450
التاريخ: 27-03-2015
6167
التاريخ: 27-02-2015
3638
|
و زيادة على هذه «الأبنية» التي اعتمدها سيبويه في تقرير بعض القواعد، فإنه أسهب في الاستشهاد بالشعر، حيث أن شواهده تزيد على الألف، كما اعتمد أيضا القراءات القرآنية فاستشهد بنحو من أربعة و خمسين آية من القرآن العظيم، و قال عنه: (إنما العباد كلموا بكلامهم، و جاء القرآن على لغتهم، و على ما يعنون)(1). و يقول أبو حيان الغرناطي في أهمية الكتاب في فهم لغة القرآن.
فالكتاب هو المرقاة إلى فهم الكتاب. إذ هو المطلع على فهم الإعراب. . .
فجدير لمن تاقت نفسه إلى علم التفسير و ترقت إلى التحقيق فيه و التحري أن يعتكف على كتاب سيبويه فهو في هذا الفن المعول عليه (البحر المحيط ج 1 ص 101) .
أما الحديث، فلم يستدل فيه إلا ببضعة أحاديث لا تتجاوز العشرة، و تبعه جمهور النحاة في ذلك. و الرأي السائد هو أن النحاة في عهده لم يستشهدوا بالحديث لجواز رواياته بالمعنى من غير العلماء، و إننا لا نطمئن لهذا الرأي و لا لهذا التعليل لأسباب بديهية منها أن لغة الحديث تتجاوز فصاحتها جميع الأبنية و التراكيب التي جمعت من الأعراب من حول البصرة، غير أن السبب الذي نفترضه هو أن هؤلاء النحاة عاشوا في عهد لم تستكمل فيها عملية تدوين الحديث. و الأئمة الرواد الذين قاموا بتدوين السنة مثل الإمام مالك و ابن جريج و ابن أبي عروبة كانوا في الحجاز و لم تظهر كتبهم إلا في أواخر القرن الثاني، أما السفيانان اللذان كانا بالعراق فهما ابن عينية (ت 198 ه) و لم نعرف له كتبا، و أما الثوري (ت 161 ه) فقد قيل إنه أحرق كتبه تورعا.
و العالم الذي كان في إمكانه أن يعين سيبويه في النحو و الحديث معا هو حماد بن سلمة (ت 167 ه) ، و يحكى أن سيبويه حاول في أول مرة أن يكتب عنه الحديث، غير أن حادثتين صدّتا سيبويه عن الحديث و وجهتاه إلى اللغة، إحداهما أنه قال أمام حماد أن الرسول صعد الصفاء، فقال حماد: يا فارسي لا تقل الصفاء(2)، و أما الحادثة الثانية فتلك المتعلقة بحديث ليس أبا الدرداء) (3) و آلى سيبويه على نفسه ألا يكتب شيئا حتى يحكم
ص94
العربية، فغرق في بحرها، و نأى عن الحديث، مؤكدا بذلك اتجاه أهل البصرة في التخصص، و هو مما عابه أهل الكوفة عليهم في منافساتهم العلمية.
هذا و في الإمكان أن نقسم شواهد سيبويه الشعرية إلى ثلاثة أقسام:
قسم قليل منها يظهر أنه من صنع النحاة، للبرهنة على بعض القواعد التي وضعوها و لم يجدوا دليلا على صحة استعمالها، و هذه العادة معروفة عند
بعضهم، يؤكد ذلك على سبيل المثال قصة اليزيدي مع الكسائي حين قال إنه عمل هذه الأبيات ليفحم الكسائي و ليستميل المهدي بمدح أخواله اليمانيين و سنوردها في المناظرة بينهما(4).
و من الأبيات التي استشهد بها سيبويه قيل أنها قد تكون من صنع النحاة قول القائل:
ما قد حذف منه مثل:
تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة نفي الدنانير تنقاد الصياريف(9)
ما أعلّ فيه و أعمل فيه ما استحق الكف مثل:
صددت و أطولت الصّدود و قلّما وصال على طول الصّدود يدوم(10)
ص95
و لقد عني النحويون و اللغويون بشواهد سيبويه و أقبل على شرحها أكثر من ثمانية عشر عالما، من أشهرهم المبرد، و ابن النحاس و الأعلم، و لعل أكملهم شرح يوسف بن أبي سعيد السيرافي الذي نشر في دمشق بتحقيق الدكتور محمد علي سلطاني، و كما أورد المحقق اعتراضات الغندجاني على الشارح، في كتاب (فرحة الأديب).
و يقول العلماء، أن أبا عمرو الجرمي قال: نظرت في شواهد سيبويه، فوجدتها ألفا و خمسين بيتا. و عرفت منها ألفا، و بقيت خمسون (11).
و بقيت هذه العبارة تتردد عند مؤرخي النحو، ثم قيل إن محمد محمود بن التلاميذ الشنقيطي عرف واحدا منها، و هو:
و لقد حاولنا مراجعة عدد الشواهد الموجودة في الكتاب المطبوع بتحقيق المرحوم عبد السّلام محمد هارون، فكان نحوا من ألف و مائة شاهد. و كما يلاحظ في التحقيق أن ستين شاهدا منها قال إنها من الخمسين، و إذا ما زدنا عليها الأبيات غير المنسوبة، و التي نرى في التعليق على بعضها أن قائلها مجهول نجد ستين شاهدا أخرى. و بذلك يرتفع عدد الشواهد غير المنسوبة إلى قائليها ليبلغ مائة و عشرين. و بعد مراجعتها، أمكن عزو ثمانية عشر مما قيل أنه من الخمسين، كما استطعنا أيضا معرفة قائلي مجموعة من الأبيات غير المنسوبة.
ص96
و ها هي الأبيات المعزوة، و التي قيل إنها من الخمسين:
أما الشواهد المعزوة التي لم يذكر المحقق أنها من الخمسين، و لم ترد نسبتها في الكتاب، فهي الآتية:
و إني بما قد كلفتني عشيرتي من الذب عن أعراضها لحقيق
ص97
فقال امكثي حتى يسار لعلنا نحج معا قالت و عاما و قابله
يأنعت أعيارا رعين الخنزرا أنعتهن إيرا و كمرا
و إذا كان لا بد من إعطاء خلاصة عن مؤلف الكتاب، فإننا سنقتصر على الملاحظات التالية:
لقد كانت آراء سيبويه، و هي كما يقال إنها من علم الخليل، مصبا للنظريات اللغوية التي استقراها أبو عمرو بن العلاء، و وضع ابن أبي إسحق الحضرمي مقاييسها و شرح عللها.
و لم يكتف سيبويه بوصف العربية في زمنه، وصفا شاملا يتماشى بالجملة، مع أصول الخليل فوصف الكلام بأنه فيه:
-ما هو مستقيم و حسن مثل: أتيتك أمس و سآتيك غدا.
-و ما هو مستقيم و محال مثل: أتيك غدا و سآتيك أمس.
-و ما هو مستقيم و كذب مثل: حملت الجبل و شربت ماء البحر.
-و ما هو مستقيم و قبيح مثل: زيدا رأيت، و قد زيدا ياتيك.
-و ما هو محال و كذب مثل: سوف أشرب ماء البحر.
ثم انتقل من الجملة ليعطي الأشكال الصرفية للكلمة كوحدة، ثم انتقل من الكلمة كوحدة ليتناول بالدرس و الوصف كل حرف من حروف العربية، حتى يميز مخرجه في النطق، و صفاته المميزة وفقا لما ذكرنا في الفصل السابق في معرض الحديث عن الخليل.
و إننا نعتقد أن كتاب سيبويه اتسم كذلك بأصالة تثبت استقلال النحو العربي كاختراع عربي، أخذه أبو الأسود عن الإمام علي بن أبي طالب، و تقوى من مادة أبي عمرو بن العلاء، و وضعت قواعده على يد ابن أبي إسحق الحضرمي و اكتمل صنعه عند الخليل، و دوّنه سيبويه و رتبه أروع ترتيب.
ص98
و بروز هذا الكتاب في هذه المرحلة أهم حدث عرفه تطور النحو العربي، و الاعتقاد السائد يوحي بأنه ركز قواعد المدرسة البصرية التي اتسمت في رأي الجمهور بميزتين، إحداهما:
1. إقرار نظرية «العامل» التي وجهت المسار اللغوي من الوصفية إلى المعيارية.
2. فرض القواعد النحوية على طبيعة اللغة، و ذلك باعتبار كل ما يدخل تحت قواعد هذه المدرسة، إنما من الشاذ، أو من ضرورات التعبير كما نراه حاليا في الشعر.
غير أن دراسة الكتاب تبين أن هذه الأحكام يجب ألا تعتبر اعتبارا مطلقا.
و لا شك أن سيبويه، قد اختار نموذجا عربيا معينا، فكان يقول: «سمعت ممن يوثق بعربيته» ، و العلماء يعترفون أن الأحرف القرآنية تمثل المثل الأعلى في هذا النموذج، و مع ذلك فإن صاحب الكتاب لم يضيق نطاق اللغة، ليجعلها مقتصرة على قوالب محدودة، بل إنه اجتهد في توسيع التعبير المقبول، بدليل أنه زيادة على المادة التي استشهد بها، أورد في كتابه أكثر من ألف بيت من الشعر، ينتمي قائلوها إلى أكثر من قبيلة، و إلى أكثر من عصر، فبدأ تاريخيا بامرئ القيس، و انته بجرير و الفرزدق اللذين ماتا بعد انتهاء القرن الأول.
كما أنه يفهم من تصريحاته ميوله للغة التي يتكلم بها الناس في عصره، مع أنه فرق بين الكلام السليم سواء كان نثرا أن شعرا، و بين الاستعمالات الضرورية التي لا تجوز إلا في الشعر، مثل ما يسمى بالاكتفاء و الفك في محل الإدغام، مثل قول الشاعر:
(و خلاصة القول إن الإمعان في مادة الكتاب يكشف-كما رأينا من خلال بعض النماذج-تفاوتا في توزيع المسائل على مختلف الأبواب، و تنوعا في طرق المفاهيم و تقديمها و استنباط الأحكام و تعميمها و استعمال المصطلحات.
و لذا نرى أن دراسة الكتاب من النواحي التي ذكرنا بعضها تساعد على تصور مساهمة سيبويه في بناء صرح النحو العربي و تحديد المواضيع التي لم تتناول قبله أو لم تحظ عند المتقدمين على سيبويه بالعناية الكافية و تمكن من التمييز بين شخصية المقعّد الذي وجد أحكاما جاهزة فألف بينها و بوبها تبويبا تغلب عليه الصبغة النظرية، و شخصية الواصف الذي استنطق بعض جوانب المادة اللغوية و حللها و استنبط منها أحكاما تقتضي تبويبها على حدة أو ضمها إلى الأبواب الحاصلة بعد) (13).
ص99
_______________________
(1) سيبويه: الكتاب، ص 331.
(2) الزجاجي: مجالس العلماء ص 154.
(3) السيرافي: أخبار النحويين البصريين ص 59.
(4) الزجاجي: الأمالي ص 41.
(5) سيبويه: الكتاب، ج 3 ص 61.
(6) المصدر نفسه، ج 1 ص 188.
(7) المصدر نفسه، ج1 ص 171.
(8) المصدر نفسه، ج 1 ص 27.
(9) المصدر نفسه، ج 1 ص 28.
(10) المصدر نفسه، ج 1 ص 31.
(11) الزبيدي: طبقات النحويين ص 75.
(12) النجدي: سيبويه إمام النحاة 143.
(13) أعلام و آثار من التراث اللغوي ص 51.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|