أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-03-2015
6564
التاريخ: 27-03-2015
1443
التاريخ: 27-02-2015
9816
التاريخ: 27-02-2015
18183
|
و الأمثلة النثرية التي استعملها سيبويه تدل أنه أراد أن يقدم النموذج الموثوق به في عصره و في المنطقة المحيطة ببلدته (البصرة) ، و منها ما سمعه بنفسه، و لقد روى أكثرها عن أستاذه الخليل، الذي رأينا أنه بقي أربعين سنة في قبائل العرب المعتمدة في نجد و الحجاز و تهامة، و أفرغ أربعين قنّينة حبر، ثم إن سيبويه في كتابته عن العرب قام بعملية انتقاء، معتمدا فيها على آراء الخليل و ابن أبي إسحق و يونس، و أبي الخطاب الأخفش الكبير، و على آرائه الشخصية. و من أمثلة هذه الأبنية:
ففي باب يكون فيه المصدر حينا (ظرفا) لسعة الكلام و الاقتصار (و السعة قد تعني الحذف) . يقول سيبويه: و ذلك قولك متى سير عليه؟ فيقول مقدم الحاج، و خفوق النجم، و خلافة فلان و صلاة العصر، فإنما هو زمن مقدم الحاجّ، و حين خفوق النجم، و لكنه على سعة الكلام و الاختصار.
و إن قال: كم سير عليه؟ فكذلك، و إن رفعته (يعني الجواب) أجمع كان عربيا كثيرا، و ينتصب على أن تجعل «كم» ظرفا، و ليس هذا في سعة الكلام و الاختصار بأبعد من «صيد عليه يومان» و (و ولد له ستون عاما) .
و إدراك معنى هذه الفقرة يتوقف على معرفة ما يعني المصنف:
أولا: بالظرف، و هو الحين، الذي ينتصب فيه الاسم.
ثانيا: إنه يعني بالسعة و الاختصار، التجوز في الألفاظ بالحذف إذا كانت الدلالة واضحة، مثل «اسأل القرية» ، و (الليلة الهلال) .
ثالثا: إن الفقرة تحيل إلى باب سابق و هو باب استعمال الفعل في اللفظ لا المعنى لاتساعهم في الكلام و الإيجاز و الاختصار و يمثل له سيبويه بقوله «كم صيد عليه؟» . فيقول صيد عليه يومان، و إنما المعنى صيد عليه الوحش في يومين و لكنه اتسع و اختصر. . . و من ذلك أن تقول كم ولد له؟ فيقول ستون عاما. فالمعنى ولد له الأولاد، و ولد له الولد ستين عاما، و لكنه اختصر و أوجز.
ص85
و يفسر المؤلف الحالات التي تكون فيها «كم» ظرفا، و جوابها منتصب أو تكون غير ظرف و جوابها مرفوع.
ثم يتكرر هذا التركيب في عدة أوجه، في جواب متى و أين، و تعود القاعدة الأساسية على حكم الجملة الأولى، و هي «كم صيد عليه؟» و على جوابها(1).
- يا تيم تيم عدي-يا طلحة أقبل-لا أبا لكم:
يقول سيبويه في باب ما يعمل فيه الفعل، فينتصب و هو حال وقع عليه الفعل و ليس بمفعول: «و سمعنا من العرب من يقول، ممن يوثق به، اجتمعت أهل اليمامة، لأنه يقول في كلامه، اجتمعت اليمامة فأنث الفعل في اللفظ إذ جعله في اللفظ لليمامة فترك اللفظ يكون على ما يكون عليه في سعة الكلام) .
و مثله في هذا: يا طلحة أقبل، لأن أكثر ما يدعو طلحة بالترخيم فترك الحاء على حالها، و يا تيم تيم عدي أقبل: و قال الشاعر جرير:
يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم لا يلقينّكم في سوأة عمر(2)
يا تيم تيم عدي إلخ.
و قال الخليل-رحمه اللّه-هو مثل «لا أبا لك» قد علم أنه لو لم يجيء بحرف الإضافة-أي حرف الجر-قال لا أباك فتركه على حاله الأولى و اللام ها هنا بمنزلة الاسم الثاني في قوله: يا تيم تيم عدي. . . و كذلك قول الشاعر إذا اضطر:
ص86
فالقياس يقتضي ضم «تيم» في النداء، لكن لما ثني و أضيف ترك على حاله و كأنه اسم واحد. لأنه-لو حذف لفظ- «تيم» الثانية لكان القياس الفتح، و فتحت كذلك التاء في طلحة و أميمة، لأنهما كثيرا ما تحذف، في الترخيم،
و الترخيم كثير في النداء، و لما أعيدت التاء بقيت الحاء في طلحة مفتوحة، و الميم في أميمة، و تبعتها التاء فيهما، كما ترك التنوين في «لا أبا لك» لأنه لو حذف اللام لصار القياس عدم التنوين، و لما زيدت اللام ترك التعبير على حاله، لأنه دعاء يكثر على الألسنة، مثل كثرة النداء (3).
و مرة ثالثة يعود سيبويه إلى هذا المثال، و ذلك ضمن الكلام على النفي بلا، فيقول: «هذا باب المنفي المضاف بلام الإضافة» ، و هو يعني بلام الإضافة لام الجر.
اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع إذ قلت لا غلام لك كما يقع من المضاف إلى اسم، و ذلك إذا قلت لا مثل زيد، و الدليل على ذلك قول العرب: لا أبا لك و لا غلامي لك و لا مسلمي لك. و زعم الخليل-رحمه اللّه -أن النون إنما ذهبت للإضافة، و لذلك ألحقت الألف التي لا تكون إلا في الإضافة. و إنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول لا أباك في معنى لا أبا لك، فعلموا أنهم لو لم يجيئوا باللام لكان التنوين ساقطا كسقوطه في: لا مثل زيد. فلما جاءوا بلام الإضافة تركوا الاسم على حاله قبل أن يجيء اللام إذ كان المعنى واحدا و صارت اللام بمنزلة الاسم الذي ثني به في النداء و لم يغيروا الأول عن حاله في النداء و لم يغيروا آخر طلحة عما كان عليه قبل أن تلحق، و ذلك قولهم:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب
و مثل هذا الكلام قول الشاعر إذ اضطر:
يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (4)
فنلاحظ في هذه الفقرات أن سيبويه استخلص قاعدة مضمونها أن العرب حينما يكثرون من استعمال اسم في النداء أو في الدعاء، يتركونه على حاله، و إن اقتضى القياس تغييره طبقا لعوامل أخرى.
يمثل سيبويه بهذا التعبير عن حكم اصطلح عليه فيما بعد ب «الأمر و الشأن» ، و يفرق بين هذا الاستعمال في الإخبار و الاستعمال في الدعاء فيقول في باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء: (و سمعنا بعض العرب الموثوق به يقال له كيف أصبحت؟ فيقول: حمد اللّه و ثناء عليه، كأنه يحمله على مضمر في نيته
ص87
هو المظهر، كأنه يقول: أمري و شأني حمد اللّه و ثناء عليه، و لو نصب لكان في نفسه الفعل، و لم يكن مبتدأ ليبني عليه، و لا ليكون مبنيا على شيء هو أظهر.
و هذا مثل بيت سمعناه من بعض العرب الموثوق به يرويه:
يقول: (و من العرب من يقول سمع و طاعة، أي أمري سمع و طاعة بمنزلة)
فقالت حنان: ما أتى بك ها هنا.
و كما قال سلام: ( و الذي يرتفع عليه حنان و سمع و طاعة غير مستعمل)(5)
فهذا المثال جعله نموذجا، في حالة الإخبار عن أمر أضمر فصار مرفوعا، بينما خص النصب بالمصادر التي جاءت للدعاء.
و يظهر هذا في قوله تعالى: (قٰالُوا سَلاٰماً قٰالَ سَلاٰمٌ ) (هود- الآية 68) و (الذاريات- الآية 25) ، فكان السّلام الأول دعاء و الثاني خبرا.
أورد سيبويه هذا التعبير في «باب ما يكون من الأسماء صفة مفردا و ليس بفاعل كالحسن و أشباهه، و ذلك قوله مررت بحية ذراع طولها» ، ثم تحدث عن بعض أحكام أفعل التفضيل فقال: و تقول ما رأيت رجلا أبغض إليه الشر منه إليه، و ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عينه، و ليس هذا بمنزلة، خير منه أبوه، لأنه مفضل للأب على الاسم في من. و أنت في قولك أحسن في عينه الكحل منه في عينه لا تريد أن تفضل الكحل على الاسم الذي في «من» . . . و لكنك زعمت أن للكحل ها هنا عملا و هيئة ليست له في غيره من المواضع فكأنك قلت ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد.
و إن شئت قلت ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه تخبر و لا تخبر أنك فضلت الكحل عليه، . . . و إنما فضلته في هذا الموضع على نفسه، -أي الكحل-في غير هذا الموضع، و لم تجعله خيرا من نفسه البتة، و قال سحيم بن وثيل:
ص88
هذه الأمثلة جاءت في الكتاب في بابين، و هما: باب الإضمار في «ليس» و كان كالإضمار في (إنّ)(7) و في باب الحروف التي أجريت مجرى حروف الاستفهام و حروف الأمر و النهي و ذلك قولك (ما ضربت زيدا)(8).
فأراد سيبويه أن يفسر هذا الإضمار في قول بعض العرب «ليس خلق اللّه مثله» لأنه لو لم يكن فيه إضمار لم يجز أن تذكر الفعل بدون عمل، و لكن فيه إضمار مثل ما هو في «أنه أمة اللّه ذاهبة» ، و منه قول الشاعر:
هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها و ليس منها شفاء الداء مبذول (9)
ص89
إضمارا و هذا مبتدأ كقوله: (إن أمة اللّه ذاهبة و ليس الطيب إلا المسك) (10)
و من هذه الأمثلة يمكن استنتاج رأي سيبويه في إعمال «ما» عمل ليس، و هو تفضيله للإضمار بدلا من اعتبارها عاملة عمل الفعل، فقال إنه قليل لا يكاد يعرف، و إذا سمع في كلام العرب، فالوجه و الحدّ أن تحمله على الإضمار.
هذه الأمثلة أوردها سيبويه في بابين أحدهما باب المفعول معه، قائلا: إنه (باب ما يظهر فيه الفعل و ينتصب فيه الاسم) (11) ثانيهما باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الأول إلا أنها تعطف الاسم هنا على ما لا يكون ما بعده إلا رفعا على كل حال(12).
في الباب الأول، ينتصب الاسم بالفعل الذي قبل الواو، لأنها لم تغير المعنى، و برهن هنا على إعمال الفعل بأنه قبيح أن تقول: اقعد و أخوك، حتى تقول اقعد أنت و أخوك. أما في الباب الثاني فإن عمل الفعل لم يظهر في مثل قولك: كيف أنت و قصعة من ثريد.
مع أن سيبويه أقر هنا ثلاث قواعد: وفقا للأمثلة المذكورة، و هي:
أولا: النصب بعد الواو، التي بمعنى «مع» مثل جاء البرد و الطيالسة، و مثل قول الشاعر:
فكونوا أنتم و بني أبيكم مكان الكليتين من الطّحال(13)
ص90
فمن بك سائلا عنّي فإنّي و جروة لا تباع و لا تعار(14)
ثالثا: الرفع إذا لم يظهر الفعل، في مثل: كيف أنت و قصعة الثريد، و مثله قول الشاعر:
و في باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول(16)، و هو يعني كان و أخواتها، يقول سيبويه: و تقول من كان أخاك؟ كما تقول «من ضرب أباك إذا جعلت من الفاعل و من ضرب (أبوك) ، إذا جعلت الأب الفاعل. . .
و مثل قولهم من كان أخاك قول العرب «ما جاءت حاجتك» ، كأنه قال ما صارت حاجتك و لكنه أدخل التأنيث على «ما» حيث كانت الحاجة. كما قال بعض العرب (من كانت أمّك؟) .
و من يقول من العرب: «ما جاءت حاجتك كثيرا» كما يقول من كانت أمّك؟ .
و مثل قولهم «ما جاءت حاجتك» إذ صارت تقع على مؤنث، كما ورد في قوله تعالى: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا) (الأنعام-الآية 23) .
وهو يريد أن ينبه على بعض الاستعمالات النادرة، حيث قال: «جاء» هنا حلت محل «كان» كما أن «عسى» بمنزلتها في قولهم «عسى الغوير أبؤسا» ، و كما جعلوا «لدن» مع غدوة منونة في قولهم لدن غدوة. و يزيد قائلا: و من كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام (17).
ص91
و هذا ما لاحظه في تعبير «ما جاءت حاجتك» لأن «ما» فيها اعتبرت مؤنثة، و استعمل فعل «جاء» بدلا من (كان) .
في باب ما لا يجوز أن يندب، يقول سيبويه: (و ذلك قولك، و ارجلاه، و زعم الخليل-رحمه اللّه-و يونس أنه قبيح و أنه لا يقال، و قال الخليل إنه قبيح لأنك أبهمت) .
و زعم أنه (لا يستقبح وامن حفر بئر زمزماه، لأن هذا معروف بعينه) (18).
و هنا ما عناه ابن مالك حين قال:
يقول سيبويه و مما جرى نعتا على وجه الكلام: ( «هذا جحر ضب خرب» فالوجه الرفع، و هو كلام أكثر العرب و أفصحهم، و هو القياس لأن الخرب نعت الجحر، و الجحر رفع، و لكن بعض العرب يجره)(19).
و لقد بقي هذا المثال عند النحويين فيما بعد و سمّوه بالجر بالمجاورة، و رأوا مثله في قول امرئ القيس:
لقد أورد النحاة هذا المثل لبيان أن الحال قد تكون غير متنقلة، و إن كان الانتقال أغلب، مثل ما يقال جاء زيد راكبا، و غير المنتقل، و هو دعوت اللّه سميعا. و «أطول» في المثال المذكور.
ص92
ثم يبدل مكان الاسم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل الأول. أما سيبويه فقد أورده في باب قال عنه (هذا باب من الفعل يستعمل في الاسم، ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل في الأول و ذلك قولك رأيت قومك أكثرهم)(21)
ثم شرح فيه مجموعة من أحكام البدل و التوكيد، و بين المواضيع التي يختلف فيها الإعراب حسب تركيب الجملة، فقد تقول رأيت متاعك بعضه فوق بعض، و رأيت متاعه بعضه أحسن من بعض، و مررت بمتاعك بعضه مرفوعا، و بعضه مطروحا، ثم بيّن أنه مما جاء في النصب على الحال فقال: (إنّا سمعنا من يوثق بعربيته يقول: خلق اللّه الزرافة يديها أطول من رجليها)(22)
هذا المثال أتى به سيبويه في باب (ما يكون المصدر فيه توكيدا لنفسه نصبا)(23). و ذلك في قولك له: علي ألف درهم عرفا، و مثل ذلك قول الأحوص:
يقول سيبويه في (باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد) (25) و سمعت من العرب من يقول: ألاتا، بلى فا «فإنما أرادوا ألا تفعل و بلى فافعل، و لكنه قطع كما كان قاطعا بالألف في أنا» و قال الراجز، و هو لقيم بن أوس:
بالخير خيرات و إن شرا فآ و لا أريد الشّرّ إلاّ أن تآ(26)
ص93
ص94
_____________________
(1) سيبويه: الكتاب، ج 1 ص 211 و ما بعدها.
(2) المصدر نفسه، ج 1 ص 53.
(3) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 205 و 208.
(4) المصدر نفسه، ج 2 ص 276 و 278.
(5) سيبويه: الكتاب، ج 1 ص 319-320.
(6) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 31- 33.
(7) المصدر نفسه، ج 1 ص 69.
(8) المصدر نفسه، ج 1 ص 147.
(9) المصدر نفسه، ج1 و الصفحة نفسها.
(10) سيبويه: الكتاب، ج1 ص 147.
(11) المصدر نفسه، ج 1 ص 297.
(12) المصدر نفسه، ج1 ص 299.
(13) المصدر نفسه، ج1 ص 298.
(14) سيبويه: الكتاب، ج 1 ص 302.
(15)) المصدر نفسه، ج 1 ص 300.
(16) المصدر نفسه، ج 1 ص 45.
(17) المصدر نفسه، ج 1 ص 51.
(18) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 227-228.
(19) المصدر نفسه، ج 1 ص 436.
(20) المصدر و الصفحة نفسهما.
(21) سيبويه: الكتاب، ج 1 ص 150.
(22) المصدر نفسه، ج 1 ص 155.
(23) المصدر نفسه، ج 1 ص 38.
(24) المصدر والصفحة نفسها.
(25) المصدر نفسه، ج3 ص320.
(26) المصدر نفسه، ج3 ص321.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|